شهد مسلسل النزاع بين شركتي أوراسكوم تليكوم وفرانس تليكوم منعطفاً جديداً بإعلان الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات رعايته للطرفين للوصول إلي حل توافقي حول الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول »موبينيل«، باعتباره طرفاً ثالثاً محايداً علي طاولة المفاوضات بعيداً عن المنازعات القضائية التي أثبتت طول مداها، خاصة بعد قرار محكمة القضاء الإداري وقف قرار الهيئة العامة للرقابة المالية بقبول العرض الرابع لشركة »أورانج بارتيسيباشنز«، مع توجه الأنظار يوم 14 نوفمبر المقبل إلي قرار لجنة مفوضي الدولة للبت في الشق الموضوعي من الدعوي والخاص بإلغاء القرار نهائياً.
فتح الوضع السابق الباب علي مصراعيه أمام العديد من علامات الاستفهام حول سيناريوهات الحل الودي المقترحة بين الطرفين، في ظل تعقد الموقف بعد إعلان كل طرف تمسكه بموقفه تجاه شركة »موبينيل«، فضلاً عن فشل كل حوارات الصلح الودية التي تمت بين الطرفين منذ اندلاع الأزمة.
كما طرح تساؤلات حول مدي نجاح جولة المفاوضات الجديدة التي تتم برعاية وزير الاتصالات، خاصة أنها تعد الثانية من نوعها بعد جولة أولي باءت بالفشل بعد تمسك كل طرف بوجهة نظره، وجاء ذلك رغم أنه ليس من المعتاد تدخل الوزارات لإيجاد حل بين المستثمرين، إلا أن هذا التدخل قد يعطي انطباعاً عن محاولة الحكومة الرد بصورة غير مباشرة علي كل الاتهامات التي وجهت إليها منذ بداية النزاع عن تدخلها لحماية الشريك المحلي علي حساب الأجنبي بما قد يضر الوجهة الاستثمارية المحلية.
يذكر أن الدكتور طارق كامل، وزير الاتصالات أكد أن النزاع بين شركتي »أوراسكوم تليكوم وفرانس تليكوم« نزازع تجاري بحت، وأن الحكومة لا تتدخل فيه لحساب طرف ضد الآخر، مشدداً في الوقت ذاته علي احترام القانون والقضاء.
تعددت آراء خبراء سوق المال والاستثمار حول سيناريوهات الحل الودي بين طرفي النزاع، وإن صبت في النهاية في اتجاه واحد، وهو استبعاد فكرة الوصول إلي حل توافقي بين الطرفين، خاصة أن رعاية وزارة الاتصالات للمفاوضات تعد المحاولة الثانية من نوعها بعد أن باءت الأولي بالفشل في ظل تمسك كل طرف بحصته في شركة موبينيل، وأشاروا إلي أن تفاقم وتأزم الوضع بين الشركتين بعد استنفاد كل الحلول الودية، واللجوء إلي القضاء الخارجي والداخلي، مع استمرار تقاتلهما علي شركة موبينيل في ظل تمسك كل طرف بوجهة نظره، – يعد مؤشرات قوية علي عدم الوصول إلي حل توافقي، وإلا كان الطرفان قد لجأ إليها بعد رفض ثلاثة عروض شراء متتالية.
وأكد المتعاملون بالسوق والمراقبون للنزاع أن الوصول إلي حلول- ليس بالضرورة ودية- سيخرج عن إطار جميع التوقعات، وأشاروا إلي امكانية أن يستند الاتفاق الجديد إلي معايير تتعلق بالطرفين كشركاء، ومن ثم فمن الصعب توقعها لعدم كشف الشركاء عن جميع أوراقهم الداخلية.
كما فرض جانب من الخبراء تساؤلاً مهماً- والذي سيلعب دوراً في تحديد شكل النزاع- حول مدي سريان مفعول قرار هيئة التحكيم الدولية بعد بت القضاء الإداري في الشق الموضوعي للقضية، وأشاروا إلي أنه في حال صدور قرار لصالح أوراسكوم تليكوم، فإن فرانس تليكوم ستقدم عرضاً مالياً جديداً تتلافي فيه المعايير الشكلية التي كانت سبباً في رفض العرض المالي الرابع.
واكتفي فريق ثالث من الخبراء بنقض مشروعية الاجتماع المرتقب بين طرفي النزاع ووزير الاتصالات، وأوضحوا أن الاجتماع يفتقد طرفاً ثالثاً من حقه اقرار مدي توافق الحل المقترح مع مصلحته، وهو »الأقلية«، خاصة أن طول أمد النزاع يعود بالأساس إلي حماية حقوقهم، ومن ثم وجب وجود ممثل عن تلك الفئة يتفاوض بأسهمهم حفاظاً علي حقوقهم.
واتفقت جميع الأطراف حول تخوفها من طول أمد النزاع علي صورة المناخ الاستثماري المحلي، في ظل بعض الرسائل الإعلامية الخاطئة التي قد تشوه حقيقة النزاع، واعتبروا اجتماع وزير الاتصالات مع طرفي النزاع محاولة للقضاء علي أي صور ذهنية خاطئة بطرد السوق المحلية لاستثمارات الأجنبية.
وكان الدكتور محمود الجويني، مستشار وزير الاستثمار، قد رفض الكشف عن دور الوزارة في طرح بدائل توافقية علي الجانبين، موضحاً أن هناك مفاوضات تجري الآن بين طرفي الأزمة وقد تكون هناك خطوط عريضة تم الاتفاق عليها وسيتم وضعها في الاعتبار عند دخول وزارة الاتصالات كشريك راع لأي اتفاق.
في البداية، استبعد شوكت المراغي، رئيس قطاع السمسرة بشركة اتش سي توصل شركتي أوراسكوم تليكوم وفرانس تليكوم لحل ودي حول شركة موبينيل يرضي الطرفين، في ظل تمسك كل طرف بحصته في موبينيل، مشيراً إلي أن أي حل ودي يعني تنازل أي من الطرفين عن وجهة نظره وهو مستبعد تماماً بدليل طول أمد النزاع بين الطرفين واستنفاد كل الطرق القانونية والودية منذ أكثر مما يزيد علي عام.
وأوضح المراغي أن مسئولي شركة أوراسكوم تليكوم أكدوا عدم تخارجهم من موبينيل في جميع الظروف، ولعدة اعتبارات بعضها تجاري، والبعض الآخر يحمل اعتبارات وطنية لكونها الكيان الوحيد المحلي الذي يدر عليها أرباحاً كبيرة دون مشاكل سياسية أو أمنية، وذلك عكس أسواقها الأخري، التي جاء آخرها بالجزائر.
وأضاف أن الوضع السابق ينطبق أيضاً علي الشريك الفرنسي، وهو ما ظهر من خلال العروض المتتالية التي قدمها للاستحواذ علي كامل أسهم شركة موبينيل، متوقعاً أن تلجأ »فرانس تليكوم« إلي تقديم عرض خامس بسعر 273 جنيهاً، وهو ما سترفضه »أوراسكوم تليكوم« لأن ذلك لم يكن هدفها منذ اندلاع الأزمة، إنما كانت تستند إلي المعايير الشكلية للعروض حتي ترفضها الهيئة العامة للرقابة المالية حفاظاً علي حقوق الأقلية.
وأعرب رئيس قطاع السمسرة بـ»اتش سي« عن مخاوفه من الانعكاسات السلبية لطول أمد النزاع بين الشريكين المحلي والفرنسي علي جاذبية المناخ الاستثماري المحلي للاستثمارات الأجنبية، موضحاً أن طول أمد النزاع وكثرة تناوله في الوسائل الإعلامية قد يحمل في طياته بعض المفاهيم الخاطئة التي قد تنتقل إلي المستثمرين الأجانب في ظل تأكيد الطرف الفرنسي عدم تمكنه من تنفيذ قرار هيئة التحكيم الدولية بالاستحواذ علي حصة أوراسكوم تليكوم رغم موافقة الجهات الرقابية علي العرض الأخير الذي تقدمت به، وهو ما قد يعطي رسائل خاطئة عن صورة المناخ الاستثماري المحلي ويشكك في نزاهة الجهات الربية وسوق المال.
وضرب المراغي مثالاً توضيحياً بالجزائر التي فرضت ضرائب علي شركة أوراسكوم تليكوم عن الأعوام التي تمتعت فيها بالإعفاء الضريبي، وهو ما أعطي صورة عن سياسة الحكومة الجزائرية في طرد الاستثمارات الأجنبية.
ومن جانبه، اكتفي عمرو الألفي، رئيس مجموعة سي آي كابيتال للبحوث، بتأكيده أن الاتفاق الودي بين شركتي أوراسكوم تليكوم وفرانس تليكوم سيخرج عن إطار جميع التوقعات المتداولة، مشيراً إلي امكانية أن يرتبط الاتفاق ببعض المحددات الداخلية التي ترتبط بالشريكين.
وأضاف أن طاولة المفاوضات التي ستجمع وزير الاتصالات وطرفي النزاع ليست الأولي من نوعها، حيث تمت منذ فترة ولكن لم تكلل بالنجاح لاصرار كل طرف علي بقائه بشركة موبينيل، وهو ما يؤكد صحة وجهة النظر السابقة بأن الحل الودي الذي ستوصل إليه الطرفان سيضرب بجميع التوقعات عرض الحائط؟
وأشار رئيس سي آي كابيتال للبحوث إلي أن طول أمد النزاع بين شركتي فرانس تليكوم وأوراسكوم تليكوم يحمل في طياته بعض التأثيرات السلبية علي شركة موبينيل، نظراً لعدم اتضاح الرؤية لدي مستثمريها مما يزيد من حجم المخاطر، موضحاً أن شركته أصدرت توصياتها ببيع سهم موبينيل وشراء »المصرية للاتصالات« لاتضاح خططها مما يلغي معه مخاطرة الاستثمار بالسهم.
وفي سياق متصل، اعتبر شريف سامي، خبير الاستثمار وأسواق المال، اجتماع وزير الاتصالات للمرة الثانية علي التوالي مع مسئولي شركتي أوراسكوم تليكوم وفرانس تليكوم للوصول إلي حل توافقي بين الطرفين، نوعاً من الرمزية التي تدل علي حيادية الحكومة وعدم انحيازها لأي طرف علي حساب آخر، مما يلغي معه صحة الرسائل الإعلامية التي تشير إلي تمسك الحكومة المصرية بشركة موبينيل باعتبارها الكيان الوحيد المحلي بقطاع الاتصالات، رغم كون »فودافون« شركة محلية خاصة في ظل امتلاك الشركة المصرية للاتصالات حصة قدرها %45 من أسهمها.
وأضاف أنه ليس من المعتاد أن تتدخل الحكومات في النزاعات بين المستثمرين، إلا أن طول أمد النزاع القائم بين شريك محلي وآخر أجنبي، بالإضافة إلي الرغبة في القضاء علي أي مفاهيم خاطئة قد تشير إلي طرد السوق المحلية للاستثمارات الأجنبية – دفع وزير الاتصالات إلي الإقدام علي عقد الاجتماع لمحاولة تقريب وجهات النظر بعيداً عن القرارات القضائية، وذلك للحفاظ علي الصورة الاستثمارية، خاصة أن قطاع الاتصالات من أكثر القطاعات الاقتصادية جذباً للاستثمارات الخارجية.
وأشار خبير الاستثمار وأسواق المال إلي أن المحك الأساسي في نزاع »أوراسكوم تليكوم وفرانس تليكوم« خلال الفترة المقبلة هو قرار القضاء الإداري في الشق الموضوعي، موضحاً أنه في حال البت لصالح أوراسكوم تليكوم، فإن ذلك سيدفع »فرانس تليكوم« لتقديم عرض مالي جديد تتلافي فيه العوائق الشكلية التي تم علي أساسها رفض العروض السابقة، وهو ما سيجدد من طرح التساؤل الخاص بمدي سريان قرار هيئة التحكيم الدولية الخاص بتقديم »FT « عرضاً مالياً بسعر 273 جنيها للسهم.
وأضاف أن شركة »موبينيل« بالنسبة لشركة أوراسكوم تليكوم تحمل العديد من الاعتبارات غير المالية، التي تدفعها للتمسك بها، منها أن »موبينيل« من أولي الشركات التي بنيت عليها مجموعة شركات آل ساويرس، بالإضافة إلي كونها الشركة المحلية الوحيدة من ضمن مجموعتها مما يدفعها إلي الدفاع عنها باستماتة.
ومن جهته، أشار خالد أبوهيف، الرئيس التنفيذي لشركة ايه تي فاينانشيال إلي أن طاولة المفاوضات التي ستجمع كلا من وزير الاتصالات الذي يحاول توفيق الأوضاع بين طرفي النزاع »فرانس تليكوم وأوراسكوم تليكوم«، تفتقد طرفاً آخر وهو »الأقلية«، موضحاً أن أساس النزاع بين الشريكين هو الطرف الحاضر الغائب أي »الأقلية«، ومن ثم فإن أي اتفاق ودي بين الطرفين لابد أن يتم برضاء صغار المساهمين.
وأضاف أبوهيف أن معايير الحوكمة التي تطبق بسوق المال تقضي بضرورة عدم الاضرار بحقوق الأقلية، ومن ثم فإن الاتفاق الودي بين الشريكين لابد أن يقوم علي أسس من أهمها الحفاظ علي حقوق الأقلية وعدم الإخلال بها، موضحاً أن أي اتفاق بين الطرفين يحتمل أن يضر بصغار المستثمرين، في الوقت الذي يرضي فيه الطرفان، موضحاً أنه طالما أخذت حقوق الأقلية في الاعتبار منذ البداية فمن العب تجاهلها خلال الفترة المقبلة.
المعروف أن هيكل ملكية المصرية لخدمات التليفون المحمول يتوزع بواقع %51 شركة موبينيل للاتصالات التي تسيطر فرانس تليكوم علي %72 منها وأوراسكوم تليكوم علي %28 و%20 لأوراسكوم تليكوم و%29 أسهم حرة التداول.