حافظ هريدي:
” ولاء أغلب الشيعة هو لإيران و ليس لدولهم ” ؛ جملة عابرة جاءت علي لسان الرئيس مبارك خلال الحوار التليفزيوني الذي أجراه هذا الأسبوع مع قناة العربية ، ولكن ما إن أذيعت تلك الجملة القصيرة حتي قامت الدنيا و لم تقعد : فتوالت احتجاجات المرجعيات الشيعية في العراق و لبنان و سائر البلدان العربية ، بل و وصل الأمر إلي قيام العراق بمقاطعة اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد يوم الأربعاء الماضي لبحث الشأن العراقي ! الأمر الذي استدعي مسارعة المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية لإعلان أن كلام الرئيس إنما نبع من قلقه إزاء الوضع في العراق ، و أن مصر تعامل كل أطياف الشعب العراقي دون تمييز ، و لكن وبالرغم من هذه الإيضاحات إلا أن ما حدث فتح الباب لتساؤلات عديدة حول رؤية النظام المصري لطبيعة ولاء الشيعة العرب و علي الأخص المصريون و فتح ملف الحقوق التي يطالبون بها خاصة أن هذه التصريحات جاءت بعد أيام قليلة من تصريح وزير الأوقاف المصري الدكتور حمدي زقزوق بموافقته علي إنشاء مساجد للشيعة في مصر ثم تراجعه بعد ساعات عن هذه الموافقة.
الأستاذ محمد الدريني ، رئيس المجلس الأعلي لآل البيت و أحد أشهر القيادات الشيعية في مصر أعلن أن حالة سوء الظن حول نوايا و ولاء الشيعة العرب و المصريين ليست بجديدة ، و أن هذه الحالة تتجسد في صورة الملاحقات الأمنية المتكررة لأبناء تلك الطائفة ، و هو الأمر الذي أكده الدكتور أحمد راسم النفيس ، القطب الشيعي المعروف ، و الذي تعجب من أن سوء الظن ذاك لا يرجع لأيه نشاطات أو تحركات شيعية بل هو مؤسس فقط علي مجرد الاختلاف في المذهب !
و يوضح الدريني أن درجة سوء الظن تتغير بفعل العديد من العوامل التي لا علاقة لها بتصرفات الشيعة أنفسهم ، فقد تتصاعد حدة سوء الظن مع تصاعد التوترات السياسية مع إيران ، و قد تتصاعد لمجرد نشر آراء أو تحليلات سياسية ترشح الشيعة للعب دور سياسي أكبر في مصر أو في المنطقة العربية . ويوضح الدريني أن هذا قد يحدث نتيجة نشر بعض الآراء لكتاب أجانب ؛ كما حدث عندما نشر الكاتب الأمريكي توماس فريدمان مقالاً يطرح فيه فكرة قيام دولة لآل البيت في مصر أو عندما تحدث الملك عبد الله ملك الأردن عن مخاطر ما أسماه بالهلال الشيعي ، كما أنها قد تحدث نتيجة لبعض الكتابات المحلية كما حدث عندما نشر كتاب ” دولة آل البيت قادمة ” للكاتب محمد عيسي داوود.
و يضيف الدريني أن ورقة الشيعة قد تستخدم أيضاً من قبل النظام كفزاعة لتخويف حكام الخليج من ناحية و لتخويف الأسرة الدولية برمتها ، الأمر الذي يحفظ للنظام مكانة خاصة كسد منيع أمام مخاطر الامتداد الشيعي الذي تحرك طهران خيوطه!
و يؤكد الدكتور مصطفي كامل السيد ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ، أنه لا يوجد أي دلائل علي أن الشيعة العرب _ و المصريون من بينهم _ ولاؤهم لإيران أكثر منه لدولهم ، و يضرب الدكتور مصطفي المثل بشيعة العراق الذين لم تبدوا منهم أي بادرة للولاء لطهران خلال فترة السنوات الثماني التي استغرقتها الحرب العراقية الإيرانية ، كما أنه لا يوجد من يشكك في ولاء الشيعة اللبنانيين للبنان ، و ينطبق الأمر نفسه علي شيعة السعودية و الكويت .
ويلفت الدكتور مصطفي كمال الانتباه إلي أن التعاطف مع المواقف الإيرانية يشمل حالياً الكثير من المواطنين العرب السنة و الشيعة بسبب مواجهة طهران للولايات المتحدة دفاعاً عن حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية و بسبب مواقف إيران المؤيدة للحق الفلسطيني و القضايا العربية ، التعاطف إذن هو لأسباب سياسية بحتة و ليس لأسباب مذهبية .
و يقدم الدكتور أحمد راسم النفيس أدلة تاريخية علي صعوبة موالاة الشيعة العرب لإيران؛ فالتشيع الإيراني لا يزيد عمره علي قرنين من الزمان حيث بدأ مع تولي الصفويين للحكم في إيران بينما التشيع العربي قديم قدم التاريخ الإسلامي نفسه ، ويؤكد الدريني نفس المعني عندما يقول انه لو تصورنا أن موالاة الشيعة لطهران يمكن أن تكون بسبب وجود العتبات المقدسة في إيران فمن الأولي تصور أن يظل ولاؤهم للعراق حيث توجد مراقد آل البيت أو حتي لمصر التي لديها مزارات أكثر مما لدي إيران، و من بين هذه المزارات هناك 8 مزارات علي بعد كيلومترات قليلة من رئاسة الجمهورية!
أما فيما يتعلق بالشيعة المصريين فإن الدكتور مصطفي كمال السيد ينفي تماماً وجود أية دلالات علي ولائهم لأية قوي خارجية أو أنهم يمثلون أي خطر حقيقي علي المجتمع المصري ، و يوافقه الدكتور أحمد راسم النفيس الرأي موضحاً أنه لا يوجد عمل إرهابي واحد قام به أحد الشيعة في مصر، فالاغتيالات التي انتشرت قبل الثورة هي من فعل الإخوان المسلمين وهم سنة، و الذين قتلوا السادات هم من السنة، و الإرهاب الذي انتشر في التسعينات هو بفعل جماعات سنية ، و يضيف الدريني أن حتي دبوس الذي اتهم في عام 2004 بتخابره مع الحرس الثوري الإيراني هو أيضاً سني !
و يؤكد الشيخ منصور الرفاعي وكيل وزارة الأوقاف الأسبق و رئيس معهد التصوف التابع للعشيرة المحمدية أن الشيعة المصريين لا يمثلون أي خطر علي مصر فهم من أتباع المذهب الجعفري الذي أجازه الأزهر الشريف إلي جانب المذاهب السنية الأربعة المعروفة، و هؤلاء الشيعة _ حسب الشيخ الرفاعي _ ليسوا سوي محبين لآل بيت رسول الله، و الفارق بين السنة و بين هذه الفئة من الشيعة هو في الفروع و ليس في الأصول .
و لكن _ و بغض النظر عن نوايا الشيعة المصريين _ هل يمثل عددهم خطراً ديمغرافياً استراتيجياً علي السياسة المصرية و علي استقرار المذهب السني في مصر؟
الدكتور أحمد النفيس يري أن محاولة التكهن بعدد الشيعة هو شكل من أشكال الرجم بالغيب فلا يوجد أي إحصاء رسمي بعددهم ، أما محمد الدريني فيذكرنا بأن تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية قد قدر عدد الشيعة في مصر علي أساس أنهم يمثلون %1 من العدد الكلي للسكان أي حوالي 750 ألف نسمة ، و لكن يبدو أن المخاوف الأمنية من الشيعة ترجع إلي بعض الرؤي التي تري أن هؤلاء الـ 750 ألف شيعي ليسوا سوي قمة جبل الجليد التي تطفو فوق السطح ، فكتاب ” السيد البدوي الحقيقة و الخرافة ” للدكتور أحمد صبحي منصور ، علي سبيل المثال ، قد تبني نظرية مؤداها أن الشيعة في مصر قد لجأوا للانخراط في التصوف كغطاء لممارسة شعائرهم عقب سقوط الدولة الفاطمية من أجل تأمين استمرار التشيع في مصر وفق مبدأ التقية المعروف لدي الشيعة، و يستدل منصور علي ذلك بالعلاقات التي جمعت السادة إبراهيم الدسوقي و عبد العزيز الدريني و السيد البدوي بالإمام أحمد الرفاعي (المدرسة العراقية ) .
و لكن الشيخ منصور الرفاعي يؤكد و بشكل قطعي أن الصوفية في مصر هم من أهل السنة، و أنهم _ و بالرغم من حبهم لآل البيت _ إلا أنهم لا يصلون بطريقة الشيعة ( أي باستخدام التربة الحسينية ) كما أنهم يحترمون كافة الأئمة و ليس لديهم مواقف ضد الخليفتين أبو بكر و عمر بن الخطاب أو السيدة عائشة كما هو الحال عند الشيعة.
و يطرح السؤال نفسه : هل تجيز أي من هذه المخاوف التعامل مع الشيعة المصريين بحذر و التضييق عليهم فيما يتعلق ببعض الحقوق الإنسانية التي يكفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و كافة المواثيق الدولية المكملة له ؟ هل يجوز مثلاً حرمانهم من إقامة مساجد لهم بحجة أن هذا الأمر قد يثير الفتن كما جاء علي لسان الدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف عندما تراجع الأسبوع الماضي عن تصريح سابق له بموافقته علي إقامة مساجد للشيعة ؟
الشيخ منصور الرفاعي يري أن الدكتور زقزوق كان علي حق عندما تراجع عن موافقته علي إقامة مساجد للشيعة، و يروي وكيل وزارة الأوقاف الأسبق تجربة سابقة تمت في السبعينات عندما أقيم مسجد في المعادي حمل اسم مسجد آل البيت و رفع فيه الأذان الشيعي الذي يختلف عن الأذان السني بمقاطع تقول أشهد أن محمد رسول الله و أشهد أن علي ولي الله ، وحي علي خير العمل ، ويروي الرفاعي كيف أن هذا الأمر كاد أن يثير فتنة كبيرة مما دعاه أن يتوجه إلي هذا المسجد و يقنع من به بالمودة و الحوار علي التخلي عن الأذان الشيعي اتقاء لغضبة الشعب المصري الذي لن يقبل ذلك ( علي حد قول الشيخ الرفاعي ).
وعلي الجانب الآخر، فإن الدكتور مصطفي كامل السيد قد وقف بشكل واضح و صريح مع حق الشيعة في إقامة مساجدهم في مصر ، و يقول الدكتور مصطفي كامل أنه إذا كان قرار وزير الأوقاف بالسماح بإقامة مساجد للشيعة صائباً فقد كان قراره بالتراجع مخيباً للآمال و يتساءل كيف يمكن للمسلمين – في وقت انتشرت فيه الرسوم التي تسيء للإسلام و نبيه و تصفهم بالإرهاب – أن يطرحوا وجهاً سمحاً للإسلام و هم لا يستطيعون قبول بعضهم البعض بل و يصل الأمر في بعض البلدان إلي أن يقبل المسلم أن يضحي بنفسه لكي يدمر أماكن عبادة للشيعة و يقتل عشرات المصلين أثناء إقامة شعائرهم الدينية !
و يبدي محمد الدريني تعجبه من موقف وزير الأوقاف ، فهو يري أن تصريحات الوزير قد جاءت في وقت لم يكن أحد من الشيعة يطالب بتأسيس مسجد من أساسه، ثم جاء التراجع بعد 6 ساعات لا غير مما يدل أن هذه التصريحات كانت للاستهلاك اللحظي و الدعائي أمام الوفود الإسلامية الحاضرة في المؤتمر الإسلامي الذي أطلق فيه الوزير تصريحاته.
و يلفت الدريني النظر إلي التناقض الذي يشوب موقف الحكومة التي ترفض إقامة مساجد للشيعة التابعين للمذهب الجعفري (الشيعة الاثني عشرية ) الذي أقره الأزهر و بين سماحها للشيعة الإسماعيلية، التي لم يجزها الأزهر الشريف، بممارسة شعائرها بمسجد الحاكم بأمر الله ، ولا يجد الدريني تفسيراً منطقياً لذلك سوي في القدرات المالية الضخمة للشيعة الإسماعيلية.
و لكن الدكتور أحمد راسم النفيس لا يعطي أولوية كبيرة لقضية إنشاء مساجد للشيعة فكلها مساجد لله ، ويري النفيس أن المهم في هذه المرحلة هو في إطلاق حريات الفكر والتعبير و عدم ملاحقة أي شخص بسبب آرائه أو معتقداته ، و يعترف النفيس _ بالرغم من ذلك – بأن أفكاره و كتاباته منشورة و متداولة بصورة علنية في مصر و يعلق علي ذلك فيقول : في النهاية أنا لم أقل إننا نعيش في مصر صدام حسين …كما أنني لم أنضم لحركة كفاية… أو علي الأقل لم أنضم بعد !
” ولاء أغلب الشيعة هو لإيران و ليس لدولهم ” ؛ جملة عابرة جاءت علي لسان الرئيس مبارك خلال الحوار التليفزيوني الذي أجراه هذا الأسبوع مع قناة العربية ، ولكن ما إن أذيعت تلك الجملة القصيرة حتي قامت الدنيا و لم تقعد : فتوالت احتجاجات المرجعيات الشيعية في العراق و لبنان و سائر البلدان العربية ، بل و وصل الأمر إلي قيام العراق بمقاطعة اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد يوم الأربعاء الماضي لبحث الشأن العراقي ! الأمر الذي استدعي مسارعة المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية لإعلان أن كلام الرئيس إنما نبع من قلقه إزاء الوضع في العراق ، و أن مصر تعامل كل أطياف الشعب العراقي دون تمييز ، و لكن وبالرغم من هذه الإيضاحات إلا أن ما حدث فتح الباب لتساؤلات عديدة حول رؤية النظام المصري لطبيعة ولاء الشيعة العرب و علي الأخص المصريون و فتح ملف الحقوق التي يطالبون بها خاصة أن هذه التصريحات جاءت بعد أيام قليلة من تصريح وزير الأوقاف المصري الدكتور حمدي زقزوق بموافقته علي إنشاء مساجد للشيعة في مصر ثم تراجعه بعد ساعات عن هذه الموافقة.
الأستاذ محمد الدريني ، رئيس المجلس الأعلي لآل البيت و أحد أشهر القيادات الشيعية في مصر أعلن أن حالة سوء الظن حول نوايا و ولاء الشيعة العرب و المصريين ليست بجديدة ، و أن هذه الحالة تتجسد في صورة الملاحقات الأمنية المتكررة لأبناء تلك الطائفة ، و هو الأمر الذي أكده الدكتور أحمد راسم النفيس ، القطب الشيعي المعروف ، و الذي تعجب من أن سوء الظن ذاك لا يرجع لأيه نشاطات أو تحركات شيعية بل هو مؤسس فقط علي مجرد الاختلاف في المذهب !
و يوضح الدريني أن درجة سوء الظن تتغير بفعل العديد من العوامل التي لا علاقة لها بتصرفات الشيعة أنفسهم ، فقد تتصاعد حدة سوء الظن مع تصاعد التوترات السياسية مع إيران ، و قد تتصاعد لمجرد نشر آراء أو تحليلات سياسية ترشح الشيعة للعب دور سياسي أكبر في مصر أو في المنطقة العربية . ويوضح الدريني أن هذا قد يحدث نتيجة نشر بعض الآراء لكتاب أجانب ؛ كما حدث عندما نشر الكاتب الأمريكي توماس فريدمان مقالاً يطرح فيه فكرة قيام دولة لآل البيت في مصر أو عندما تحدث الملك عبد الله ملك الأردن عن مخاطر ما أسماه بالهلال الشيعي ، كما أنها قد تحدث نتيجة لبعض الكتابات المحلية كما حدث عندما نشر كتاب ” دولة آل البيت قادمة ” للكاتب محمد عيسي داوود.
و يضيف الدريني أن ورقة الشيعة قد تستخدم أيضاً من قبل النظام كفزاعة لتخويف حكام الخليج من ناحية و لتخويف الأسرة الدولية برمتها ، الأمر الذي يحفظ للنظام مكانة خاصة كسد منيع أمام مخاطر الامتداد الشيعي الذي تحرك طهران خيوطه!
و يؤكد الدكتور مصطفي كامل السيد ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ، أنه لا يوجد أي دلائل علي أن الشيعة العرب _ و المصريون من بينهم _ ولاؤهم لإيران أكثر منه لدولهم ، و يضرب الدكتور مصطفي المثل بشيعة العراق الذين لم تبدوا منهم أي بادرة للولاء لطهران خلال فترة السنوات الثماني التي استغرقتها الحرب العراقية الإيرانية ، كما أنه لا يوجد من يشكك في ولاء الشيعة اللبنانيين للبنان ، و ينطبق الأمر نفسه علي شيعة السعودية و الكويت .
ويلفت الدكتور مصطفي كمال الانتباه إلي أن التعاطف مع المواقف الإيرانية يشمل حالياً الكثير من المواطنين العرب السنة و الشيعة بسبب مواجهة طهران للولايات المتحدة دفاعاً عن حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية و بسبب مواقف إيران المؤيدة للحق الفلسطيني و القضايا العربية ، التعاطف إذن هو لأسباب سياسية بحتة و ليس لأسباب مذهبية .
و يقدم الدكتور أحمد راسم النفيس أدلة تاريخية علي صعوبة موالاة الشيعة العرب لإيران؛ فالتشيع الإيراني لا يزيد عمره علي قرنين من الزمان حيث بدأ مع تولي الصفويين للحكم في إيران بينما التشيع العربي قديم قدم التاريخ الإسلامي نفسه ، ويؤكد الدريني نفس المعني عندما يقول انه لو تصورنا أن موالاة الشيعة لطهران يمكن أن تكون بسبب وجود العتبات المقدسة في إيران فمن الأولي تصور أن يظل ولاؤهم للعراق حيث توجد مراقد آل البيت أو حتي لمصر التي لديها مزارات أكثر مما لدي إيران، و من بين هذه المزارات هناك 8 مزارات علي بعد كيلومترات قليلة من رئاسة الجمهورية!
أما فيما يتعلق بالشيعة المصريين فإن الدكتور مصطفي كمال السيد ينفي تماماً وجود أية دلالات علي ولائهم لأية قوي خارجية أو أنهم يمثلون أي خطر حقيقي علي المجتمع المصري ، و يوافقه الدكتور أحمد راسم النفيس الرأي موضحاً أنه لا يوجد عمل إرهابي واحد قام به أحد الشيعة في مصر، فالاغتيالات التي انتشرت قبل الثورة هي من فعل الإخوان المسلمين وهم سنة، و الذين قتلوا السادات هم من السنة، و الإرهاب الذي انتشر في التسعينات هو بفعل جماعات سنية ، و يضيف الدريني أن حتي دبوس الذي اتهم في عام 2004 بتخابره مع الحرس الثوري الإيراني هو أيضاً سني !
و يؤكد الشيخ منصور الرفاعي وكيل وزارة الأوقاف الأسبق و رئيس معهد التصوف التابع للعشيرة المحمدية أن الشيعة المصريين لا يمثلون أي خطر علي مصر فهم من أتباع المذهب الجعفري الذي أجازه الأزهر الشريف إلي جانب المذاهب السنية الأربعة المعروفة، و هؤلاء الشيعة _ حسب الشيخ الرفاعي _ ليسوا سوي محبين لآل بيت رسول الله، و الفارق بين السنة و بين هذه الفئة من الشيعة هو في الفروع و ليس في الأصول .
و لكن _ و بغض النظر عن نوايا الشيعة المصريين _ هل يمثل عددهم خطراً ديمغرافياً استراتيجياً علي السياسة المصرية و علي استقرار المذهب السني في مصر؟
الدكتور أحمد النفيس يري أن محاولة التكهن بعدد الشيعة هو شكل من أشكال الرجم بالغيب فلا يوجد أي إحصاء رسمي بعددهم ، أما محمد الدريني فيذكرنا بأن تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية قد قدر عدد الشيعة في مصر علي أساس أنهم يمثلون %1 من العدد الكلي للسكان أي حوالي 750 ألف نسمة ، و لكن يبدو أن المخاوف الأمنية من الشيعة ترجع إلي بعض الرؤي التي تري أن هؤلاء الـ 750 ألف شيعي ليسوا سوي قمة جبل الجليد التي تطفو فوق السطح ، فكتاب ” السيد البدوي الحقيقة و الخرافة ” للدكتور أحمد صبحي منصور ، علي سبيل المثال ، قد تبني نظرية مؤداها أن الشيعة في مصر قد لجأوا للانخراط في التصوف كغطاء لممارسة شعائرهم عقب سقوط الدولة الفاطمية من أجل تأمين استمرار التشيع في مصر وفق مبدأ التقية المعروف لدي الشيعة، و يستدل منصور علي ذلك بالعلاقات التي جمعت السادة إبراهيم الدسوقي و عبد العزيز الدريني و السيد البدوي بالإمام أحمد الرفاعي (المدرسة العراقية ) .
و لكن الشيخ منصور الرفاعي يؤكد و بشكل قطعي أن الصوفية في مصر هم من أهل السنة، و أنهم _ و بالرغم من حبهم لآل البيت _ إلا أنهم لا يصلون بطريقة الشيعة ( أي باستخدام التربة الحسينية ) كما أنهم يحترمون كافة الأئمة و ليس لديهم مواقف ضد الخليفتين أبو بكر و عمر بن الخطاب أو السيدة عائشة كما هو الحال عند الشيعة.
و يطرح السؤال نفسه : هل تجيز أي من هذه المخاوف التعامل مع الشيعة المصريين بحذر و التضييق عليهم فيما يتعلق ببعض الحقوق الإنسانية التي يكفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و كافة المواثيق الدولية المكملة له ؟ هل يجوز مثلاً حرمانهم من إقامة مساجد لهم بحجة أن هذا الأمر قد يثير الفتن كما جاء علي لسان الدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف عندما تراجع الأسبوع الماضي عن تصريح سابق له بموافقته علي إقامة مساجد للشيعة ؟
الشيخ منصور الرفاعي يري أن الدكتور زقزوق كان علي حق عندما تراجع عن موافقته علي إقامة مساجد للشيعة، و يروي وكيل وزارة الأوقاف الأسبق تجربة سابقة تمت في السبعينات عندما أقيم مسجد في المعادي حمل اسم مسجد آل البيت و رفع فيه الأذان الشيعي الذي يختلف عن الأذان السني بمقاطع تقول أشهد أن محمد رسول الله و أشهد أن علي ولي الله ، وحي علي خير العمل ، ويروي الرفاعي كيف أن هذا الأمر كاد أن يثير فتنة كبيرة مما دعاه أن يتوجه إلي هذا المسجد و يقنع من به بالمودة و الحوار علي التخلي عن الأذان الشيعي اتقاء لغضبة الشعب المصري الذي لن يقبل ذلك ( علي حد قول الشيخ الرفاعي ).
وعلي الجانب الآخر، فإن الدكتور مصطفي كامل السيد قد وقف بشكل واضح و صريح مع حق الشيعة في إقامة مساجدهم في مصر ، و يقول الدكتور مصطفي كامل أنه إذا كان قرار وزير الأوقاف بالسماح بإقامة مساجد للشيعة صائباً فقد كان قراره بالتراجع مخيباً للآمال و يتساءل كيف يمكن للمسلمين – في وقت انتشرت فيه الرسوم التي تسيء للإسلام و نبيه و تصفهم بالإرهاب – أن يطرحوا وجهاً سمحاً للإسلام و هم لا يستطيعون قبول بعضهم البعض بل و يصل الأمر في بعض البلدان إلي أن يقبل المسلم أن يضحي بنفسه لكي يدمر أماكن عبادة للشيعة و يقتل عشرات المصلين أثناء إقامة شعائرهم الدينية !
و يبدي محمد الدريني تعجبه من موقف وزير الأوقاف ، فهو يري أن تصريحات الوزير قد جاءت في وقت لم يكن أحد من الشيعة يطالب بتأسيس مسجد من أساسه، ثم جاء التراجع بعد 6 ساعات لا غير مما يدل أن هذه التصريحات كانت للاستهلاك اللحظي و الدعائي أمام الوفود الإسلامية الحاضرة في المؤتمر الإسلامي الذي أطلق فيه الوزير تصريحاته.
و يلفت الدريني النظر إلي التناقض الذي يشوب موقف الحكومة التي ترفض إقامة مساجد للشيعة التابعين للمذهب الجعفري (الشيعة الاثني عشرية ) الذي أقره الأزهر و بين سماحها للشيعة الإسماعيلية، التي لم يجزها الأزهر الشريف، بممارسة شعائرها بمسجد الحاكم بأمر الله ، ولا يجد الدريني تفسيراً منطقياً لذلك سوي في القدرات المالية الضخمة للشيعة الإسماعيلية.
و لكن الدكتور أحمد راسم النفيس لا يعطي أولوية كبيرة لقضية إنشاء مساجد للشيعة فكلها مساجد لله ، ويري النفيس أن المهم في هذه المرحلة هو في إطلاق حريات الفكر والتعبير و عدم ملاحقة أي شخص بسبب آرائه أو معتقداته ، و يعترف النفيس _ بالرغم من ذلك – بأن أفكاره و كتاباته منشورة و متداولة بصورة علنية في مصر و يعلق علي ذلك فيقول : في النهاية أنا لم أقل إننا نعيش في مصر صدام حسين …كما أنني لم أنضم لحركة كفاية… أو علي الأقل لم أنضم بعد !