تتجه السلطات النقدية الي الابطاء من اخراج الانتربنك الدولاري الي حيز التنفيذ بالرغم من تأكيد العديد من الجهات السيادية والفنية علي اهمية دور هذه الآلية في تحقيق الاستقرار النقدي داخل سوق الصرف.. حيث كان كل من البنك المركزي واتحاد البنوك.. والحكومة اضافة الي توصيات الحزب الوطني في مؤتمره العام قبل نحو شهر من الآن قد اجمعوا علي ضرورة تطبيق هذه الآلية لتخفيف ضغوط الطلب علي الدولار الامريكي.
فقد كان من المفترض ان يتزامن طرح المركزي لهذه الآلية مع تصديه لتغطية الفجوة بين الموارد والاستخدامات من الدولار داخل البنوك التي عجزت عن فتح اعتمادات مستندية بقيمة 400 مليون دولار علي مدار الاشهر التسعة الماضية منذ تحرير اسعار الصرف وحتي الان للمساعدة في تحقيق عنصر الشفافية اللازم في هذه التعاملات حيث يعتمد نجاح «التحرير» علي إتاحة المعرفة الكاملة بما تم التوصل إليه من تعاملات في سوق الدولار فضلاً عن اظهار مدي الحاجة فيما بين البنوك اليه من خلال الافصاح عن بنوك «الوفرة».. وبنوك «الندرة».
ورغم ذلك كله.. ورغم انتظار ظهور الآلية اسبوعاً بعد آخر منذ كشف اجتماع الدكتور عاطف عبيد بممثلي اتحاد البنوك بالاسكندرية في اغسطس الماضي عن نية الحكومة والسلطات النقدية في اقراره وعدم التخلي عنه إلا أن الواقع جاء مخيباً لتوقعات السوق.. حيث لايزال تاريخ سريان العمل بهذه الآلية مجهولا!
وإذا كان البعض يري في ظروف وملابسات التأجيل دوافع ومبررات سياسية تتعلق بتوجهات الحكومة في هذه المرحلة تحت ضغط التغيير الوزاري الي تثبيت الأمر الواقع والتخلي عن أية مبادرات غير محسوبة من بينها اقرار هذه الآلية الا أن هناك دوافع ومبررات أخري تتعلق بالجانب الفني لاقرار هذه الآلية… والتي يصعب تجاوزها في حال ما إذا كان في الامكان اسقاط الدوافع السياسية او تهميشه في هذا الاطار.
وحول المبررات الفنية الدقيقة التي يمكن أن تعوق عمل هذه الآلية يكشف أحمد أبو العز المدير العام ومدير الخزانة ببنك مصر ان هناك متغيرا بالغ الأهمية في تحديد توقيت اطلاق هذه الآلية.. هذا المتغير هو سعر الفائدة علي تعاملات الاقراض بالدولار بين البنوك وهي تعاملات قائمة ولن ينشئها الانتربنك الدولاري.. والجديد في هذا الوضع هو كشف الآلية لما يتم من تعاملات مختلفة بين البنوك وبما يساهم في وضع مؤشر عام لتوجهات سعر الفائدة.. وهذا يعني أنه طالما لم يتوافر المعروض الكافي من الدولار بالسوق المصرفي فإن الانتربنك الدولاري قد يتحول إلي آلية تكشف هذا النقص حيث تعمل آليات العرض والطلب علي رفع سعر الفائدة في حالة الندرة العامة.
ويتابع أبو العز: في هذه الحالة يتحول سعر الفائدة الي عائق فني امام تطبيق الانتربنك الدولاري مالم تتم زيادة موارد السوق من الدولار.. بل إن ظهور الانتربنك علي هذا النحو يصبح غير مطلوب في هذه المرحلة وحتي يتدخل البنك المركزي من جهة لتغطية فتح الاعتمادات المستندية من جهة وضمان استمرار تدفق الموارد اليه حتي لا يحدث عجز مفاجئ يهدد نظام عمل هذ السوق الذي يدعم من خلال ترابط دورة نشاطه نجاح الآلية.
ويؤكد ابو العز أن الانتربنك الدولاري بهذا المعني هو دالة سعرية او Binch Mark يمكن أن يسهم بقسط مافي تحقيق الاستقرار النقدي ولكن لا يعني مجرد وجوده الوصول الي هذا الاستقرار.
ومن جانبه يري محسن رشاد مدير المعاملات الخارجية ببنك مصر الدولي سابقاً أن تأخر الاعلان عن بدء العمل بآلية الانتربنك الدولاري لا يعود كما يعتقد البعض الي صعوبة التجهيزات الاليكترونية اللازمة لاطلاق هذه الآلية في السوق المصرفية دفعة واحدة لان البنية المطلوبة لهذه التجهيزات قائمة وتعمل من خلال شاشة العرض التي تظهر خدمة «الكيبور» Caipor أو متوسط سعر إقراض الجنيه بين البنوك.. وهو ما يعني أن العائق الفني يتجاوز هذه الجزئية إلي درجة مرونة السوق واستعدادها للافصاح عن كافة تعاملات البنوك في الدولار بيعاً وشراء وهو ما قد تجد بعض البنوك وبصفة خاصة البنوك العامة صعوبة في الافصاح عنه حتي لا يؤدي بها النظام الجديد الي حالة من العجز عن توفير الالتزامات التي تتعهد بها من الدولار لتتحول الي الطلب علي العملة الامريكية بكميات قد تتسبب في ارباك تعاملات السوق وانهياره…
لهذا يؤكد رشاد علي دور المركزي في احداث التوازن داخل هذه السوق وتحجيم الممارسات الضارة التي تستهدف المضاربة علي سعر صرف الدولار.. حيث يبرر ذلك تأخر ظهور الانتربنك الدولاري لأن «المركزي» من الاساس ليس حراً في صياغة السياسة النقدية وإنما شريك اساسي في صنعها ضمن مجلس تنسيقي نص عليه القانون «88» لسنة 2003.. كما أنه ينتظر بدوره التشكيل النهائي لمجلس إدارته للموافقة علي النظام الاساسي للبنك وإقرار ما يلزم من آليات وادوات لتنظيم سوق الصرف.
وفي هذا الجانب يلتقي مع الرأي السابق محمد مصطفي جاد نائب المدير العام ومدير الخزانة ببنك التنمية الصناعية المصري الذي يري أن البنك المركزي يمكنه ان يقطع خطوة الي الامام في اتجاه تطبيق الانتربنك الدولاري والتغلب علي عائق سعر الفائدة عن طريق ما يعرف بـ «عمليات السوق المفتوحة» التي تعطي البنك القدرة علي التدخل لكبح جما اسعار الفائدة علي الدولار عند الارتفاع من خلال طرح جانب مما في حوزته من فوائض دولارية وليقوم باسترداد ما قام بضخه عند تراجع اسعار الفائدة مرة اخري.. بهذه الكيفية يعمل «المركزي» علي الاسراع بتطبيق هذه الآلية.
ويضيف جاد ان تدخل المركزي ليس آمناً بالاطلاق لانه يحتاج الي ضوء اخضر يسمح له بالتدخل بيعاً وشراء في سوق الدولار.. وهو ضوء لا يمكنه الحصول عليه الا عن طريق الحكومة التي يمنحها المجلس التنسيقي ولاية أكبر في هذا الجانب.
سعر الفائدة إذن هو محك حقيقي لاخراج الانتربنك الدولاري الي حيز الوجود.. وهو يعيد بدوره الاعتبار لعنصرين اساسيين في هذا الطرح هما الموارد الدولارية من جانب وعمليات السوق المفتوحة والدور المحرض الذي تلعبه الحكومة في هذا السياق بما تتمتع به من ثقل سياسي يزيد او يضعف!