أكد أحدث وآخر تقرير أصدره البنك الدولي، عن مؤشرات الوضع المالي لمؤسسات المال الدولية، وبعض البنوك العملاقة في اوروبا وامريكا، انها تتعافي تدريجيا من آثار الازمة المالية، وما خلفته من تراجعات متتالية في حجم نشاط هذه الموسسات.
وأشار التقرير إلي ان تلك المؤسسات تسعي إلي استعادة حجم نشاطاتها خارج مقارها الرئيسية، عبر زيادات في عملية ضخ ما يناسب من استثمارات ومنتجات مصرفية خارجياً، خصوصاً في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
وارتفعت الأسهم الأوروبية نهاية الأسبوع، نتيجة صعود أسهم المؤسسات المالية بعدما اعلن بنك »اتش.اس.بي.سي«، أن الخسائر الناجمة عن قروض الافراد في الولايات المتحدة سجلت أول انخفاض لها في ثلاثة أعوام.
وقال محمد فؤاد النادي، مساعد مدير الاستثمار بالمصرف العربي الدولي سابقا، انه مهما زادت مؤشرات التحسن المالي للمؤسسات المالية الدولية، وبالتحديد المؤسسات البنكية العملاقة في العالم، فإن تمويلها المشروعات الموجودة داخل السوق المصرفية المصرية يبقي دائما ضعيفاً، حيث إن هذه المؤسسات تسعي دائما إلي الخروج من الازمات المحبطة لمركزها المالي عبر التخارج من بعض أماكن تواجدها بالأسواق الخارجية.
وأشار مساعد مدير الاستثمار السابق إلي ان مؤسسات التمويل الدولي الضخمة حققت خسائر فادحة اثناء الازمة المالية العالمية الاخيرة، خصوصا الامريكية والأوروبية منها، فهي تحاول إعادة هيكلتها فنيا وماليا واتباع بعض السياسات التنويعية في منتجاتها المصرفية في وسط اوروبا، ثم اوروبا الشرقية ليبدأ التفكير في منطقتي الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
أضاف النادي أن الجزء المستثمر من طرف مؤسسات المال الدولية، خصوصا البنوك لا يتعدي نسبة %5 من اجمالي استثماراتها، حيث تعتبر هذه النسبة كافية جدا لمواكبة حجم النشاط الخارجي لها، خصوصاً في حالة اقتصادات دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وبالتبعية التوسع في رأسمالها والزيادة في فروعها من اجل اللحاق بسباق المنافسة الشرسة علي مستوي هذه الاسواق.
وأوضح محمد فؤاد النادي ان القطاع المصرفي المحلي يحتاج إلي استثمارات جديدة، إذ إن حجم المعروض من النشاط المحلي يعتبر ضعيفًا، بالنسبة لحجم الطلب، كما ان الزيادة في ضخ استثمارات من قبل المؤسسات المالية الدولية لزيادة رأسمال فروعها الموجودة في السوق المحلية، تتطلب مجموعة من الخطوات، منها تصفية استثماراتها البعيدة عنها جغرافيا، كما انها تؤجل بعض استثماراتها حتي التعافي التام في المركز المالي لها، والذي ارهقته الازمة المالية العالمية، ولن يتم هذا الا بعد سنة أو سنتين علي الأقل وفق توقعاته.
ومن زاوية أخري، قالت بسنت فهمي، مستشار رئيس بنك التمويل المصري السعودي إن مؤسسات المال العملاقة لا يمكن ان تحقق خسائر، وإن حدث ذلك فيكون بنسب بسيطة جدا، في ظل ما تمتلكه من ادارات مخاطر متطورة تمكنها من تفادي الوقوع في الاخطاء، كما انها تتيح لها توقع الازمات، ومواطن الركود الاقتصادي في مختلف مناطق العالم، اذ انها لا تخفض من نسبة الاقراض ولا معدل النشاط حتي وان كانت اسعار صرف العملات التي تتعامل بها هذه المؤسسات، قد تدنت إلي مستويات قياسية.
وأشارت مستشارة رئيس بنك التمويل المصري السعودي إلي ما يثار داخل السوق المصرفية بالدول المتقدمة عموما، ولمجموعة الـ8 الكبار خصوصا، من وضع اطار لنظم مصرفية وادارية جديدة جديرة بمواجهة مختلف تقلبات السوق الدولية، وكذا مقاومة النكبات والازمات، ثم يأتي التفكير في زيادة ضخ استثمارات في الفروع التي تمثلها خارجيا، بما في ذلك منطقتا شمال افريقيا والشرق الاوسط.
وأضافت بسنت فهمي انه بالامكان رصد التطور الكبير في أداء مؤسسات المال الدولية محليا من خلال إبراز المؤشرات التي تعكس تطوير نطاق وكثافة تغطية مصارفها وفروعها، والتي تعكس تطور المركز المالي الموحد للمصارف، وتطور حجم الودائع المصرفية بأنواعها، وتطور صافي أرباح مصارفها، ورؤوس أموالها واحتياطياتها، وغيرها من المؤشرات، إذ انه، وبرصد أهم المؤشرات، يمكن معرفة ما ان كان بامكان البنك تمويل المشروعات الكبيرة، كتمويل مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، أو مشروعات الربط في الطاقة النظيفة أو مشروع تمويل القطن في مصر، ومشروعات استخراج اليورانيوم من افريقيا أو تسييل الغاز الطبيعي، إلي جانب اهم الانشطة الاقتصادية التي لم تتمكن المؤسسات المصرفية المحلية من تغطيتها.
ونوهت مستشارة رئيس بنك التمويل المصري السعودي، إلي ان المؤسسات المالية الدولية، والمساهمة في البورصات الاكثر نشاطا وتخصصا في العالم، تسعي إلي تغيير سياساتها الاستراتيجية في محاولة لمراقبة النظام المالي للسوق المصرية، باعتبارها مدخل أفريقيا فضلاً عن اتساع النشاط المصرفي فيها، إضافة إلي »قطر« نتيجة الرواج الكبير في نظم ادارة الانظمة المصرفية بالمنطقة، والمملكة العربية السعودية باعتبارها اكبر سوق نشطة في المنطقة، ومعظم الدول المجاورة التي يتسع فيها حجم النشاط الاقتصادي. بحيث تتم عملية مراقبة النظام المالي بصورة أفضل.
وقال إبراهيم الكفراوي، مدير أول غرفة المعاملات الدولية ببنك »بي ان بي باريبا«، إن تحرير المعاملات الرأسمالية مرتبط بشكل وطيد بالأوضاع الاقتصادية العامة، ولذلك فإن حدوث أي أزمة مالية، تتعرض معها سوق رأس المال إلي التقييد، ولذلك فان الأزمة المالية السابقة أرهقت كاهل البنوك الدولية العملاقة منها خاصة، ويظهر ذلك جليا في النتائج المتدنية لمراكزها المالية عموما، وهذا ما يقلل من نسبة انفتاحها علي السوق العالمية، بما في ذلك الأسواق النامية كما تسميها الأدبيات الاقتصادية، والتي تشمل دول شمال أوروبا، ودول شمال أفريقيا، ومنطقة الشرق الأوسط.
من جهته، أوضح مدير أول غرفة المعاملات الدولية ببنك »بي ان بي باريبا«، أنه من الطبيعي أن تستعيد هذه المؤسسات المالية الدولية نشاطها من جديد في فترة ما بعد الأزمة، فتقوي من فرص تواجدها دوليا، وتزداد عمليات ضخ الاستثمارات في المناطق المذكورة، فتترتب علي ذلك زيادة في حجم النشاط محليا، من زيادة مطردة في عدد الفروع، وبالتالي زيادة في الخدمات المصرفية، وتشجيع المنافسة داخل القطاع، وبالتالي اشباع الهوة الموجودة في حجم الطلب المحلي.
وأكد »الكفراوي« أن هذه المؤسسات المالية الضخمة أو مجموعة البنوك الأوروبية العملاقة كبنكي »بي ان بي باريبا«، و»سوسيتيه جينرال«، وبنك »كريدي أجريكول«، وغيرها من البنوك العملاقة التي تتواجد فروع لها في مصر والدول المجاورة، حققت أرباحا كبيرة جدا في الربع الأخير من عام 2008، وحتي منتصف 2009، علي غير ما كان متوقعاً من ركود اقتصادي كامل يمس بالضرورة القطاع المصرفي الدولي.
وعن تنافسية ضخ الاستثمارات من طرف البنوك الدولية العملاقة بين مصر ودول الجوار، أوضح مدير أول غرفة المعاملات الدولية ببنك »بي ان بي باريبا«، أن المحدد الرئيسي لاستقطابها هو حجم نشاط السوق، إذ تتوجه سياسات معظم البنوك العملاقة نحو مزيد من الاستثمار في دول شمال افريقا، ليبيا، وتونس، والجزائر، وكذا دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها السعودية وقطر، باستثناء دولة الامارات التي ترتكز عموما في استثماراتها علي سوق الأوراق المالية، حيث إنها لا تركز علي الاستثمارات العينية بخلاف قطاع المقاولات.