رغم عدم تأكيد صحة التكهنات التي ترددت مؤخراً، حول قيام مستثمر استراتيجي بالتقدم للاستحواذ علي حصة حاكمة في الشركة الشرقية للدخان، فإن ذلك انعكس في تصاعد جاذبيتها علي خلفية عدة عوامل متزامنة، في مقدمتها حفاظها علي الاتجاه الصعودي لأرباحها مستفيدة من استقرار سعر صرف الجنيه، وهو الأمر الحيوي للشركة كون الجانب الأكبر من تكلفة الانتاج يأتي بالعملة الأجنبية، حيث تستورد كامل احتياجاتها من التبغ. وصاحب ذلك أيضاً صعود كبير في قيم أصولها نتيجة ارتفاع أسعار العقارات، الذي ستجني الشركة أرباحاً رأسمالية قياسية من ورائه بعد انتقال خطوط انتاجها بالكامل من مقرها الحالي في الجيزة إلي السادس من أكتوبر وقيام مجمع المصانع الجاري انشاؤه في بدء انتاجه نهاية عام 2010.
بالاضافة إلي استيعاب التكنولوجيات الجديدة في مجال صناعة التبغ مثل مشروعات نفش الدخان وباقي المعالجات التكنولوجية التي استجدت حديثاً. ولا تستوعب إمكانيات خطوط الشركة الحالية تلك التقنيات نظراً لحاجتها لمعالجات متطورة ليس من المتاح تطبيقها في خطوط تشغيلها الحالية، حيث تستلزم وجود مركزية لترشيد الانفاق وتحقيق مميزات اقتصادية.
ويأتي تصاعد جاذبية الشرقية للدخان كهدف للاستحواذ متزامناً مع عدم استبعاد الدولة امكانية ذلك، علي أن يسبقه تأسيس شركة للاستثمار العقاري تهدف في المقام الأول لإدارة بيع الأراضي الواقعة عليها مصانعها الحالية في الجيزة، وذلك بعد انتقال خطوط انتاج الشرقية بالكامل إلي السادس من أكتوبر، علي أن تتجه المكاسب الرأسمالية المنتظر تحقيقها إلي المساهمين الرأسيين. وتم تأجيل تأسيس تلك الشركة بعد إعلان »الشرقية للدخان« تأجيل موعد الانتهاء من مجمع خطوط انتاجها في السادس من أكتوبر من منتصف عام 2008 إلي أواخر 2010، لأسباب تتعلق بالسيولة حيث كانت قد قررت تمويله بالكامل ذاتياً. وجاء ذلك ليساهم في تأخر طرح حصة المال العام في الشرقية للدخان.
كانت الشرقية للدخان قد استهدفت سرعة الانتهاء من المجمع الجديد باختيار البنك الأهلي سوسيتيه العام الماضي كمستشار مالي لتقديم أفضل الحلول فيما يخص تمويل المصروفات الاستثمارية المتصاعدة، والموجهة للمجمع، وهو ما يظهره وصول المشروعات تحت التنفيذ في ديسمبر 2007 إلي مستوي 1.15 مليار جنيه، بعد مستوي 693 مليون جنيه في يونيو 2007، لترتفع المصروفات الاستثمارية بذلك خلال الاشهر الستة المنتهية في ديسمبر الماضي بمقدار 457 مليون جنيه. وأظهرت قائمة المركز المالي للشركة في نهاية ديسمبر تحمل »الشرقية للدخان« تسهيلات ائتمانية بقيمة 240 مليون جنيه، بعد أن كانت تعمل بتمويل ذاتي كامل في فترة المقارنة. وكانت استراتيجية الشركة الأولية تقضي بالاعتماد الكامل علي مصادرها الذاتية لتمويل المجمع وهو ما أدي إلي ترحيل موعد الانتهاء منه.
وبذلك تكون الشرقية للدخان هدفا ثمينا للاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تتدفق بصورة غير مسبوقة علي مصر، خاصة مع استمرار الشركة في جني أرباح سياستها الديناميكية الهادفة إلي تنويع سلة منتجاتها وزيادة ربحيتها بالتزامن مع اجراء تغييرات سعرية تناسب المستجدات السوقية. ودعمت تلك المستجدات الأداء التشغيلي للشركة وهو ما انعكس علي نتائج أعمالها للنصف الأول من العام المالي الحالي، حيث اظهرت ارتفاع إجمالي المبيعات إلي 1.88 مليار جنيه، مقابل 1.79 مليار جنيه في النصف الأول من العام المالي المنتهي في يونيو 2007. من جهة أخري ارتفعت تكلفة المبيعات بمعدل %6.5 لتبلغ 1.37 مليار جنيه، مقابل 1.28 مليار جنيه في فترة المقارنة. وأدي ذلك إلي تراجع هامش ربح المبيعات مسجلاً %27.5 مقابل %28.4 في فترة المقارنة، انعكس علي مجمل ربح المبيعات ليرتفع بمعدل محدود بلغ %1.6 مسجلا 484 مليون جنيه مقابل 476 مليون جنيه في فترة المقارنة. وتساهم منتجات الشركة في السجائر بأنواعها بنسبة %83 من إجمالي المبيعات، بينما تساهم الايرادات من التشغيل للغير بنسبة %9 وتساهم المبيعات من المعسل بالنسبة المتبقية.
وقامت »الشرقية« في عام 2007، بتجديد عقدها مع »فيليب موريس« لمدة سبع سنوات مع زيادة 0.95 دولار اضافية مقابل كل ألف سيجارة لتصل بأتعابها من هذا البند إلي 6 دولارات. وتقوم الشركة بانتاج 13 نوعاً من السجائر الأجنبية بتصريح من خمس شركات عالمية، ويمثل العائد من التشغيل للغير الجانب الأكبر من إيرادات الشركة الدولارية حيث إن صادراتها تساهم بنسبة لا تذكر من المبيعات.
ويعتبر العائد من التشغيل إلي الغير هو المرشح الأقوي للصعود علي المدي المتوسط، نتيجة لتوجه الشركات العالمية إلي تعزيز تواجدها في الأسواق الناشئة عن طريق مزيد من استغلال خطوط انتاج الشركات العاملة في هذه الأسواق يأتي ذلك انعكاسا لتراجع مبيعات السجائر في الدول المتقدمة بعد تزايد اهتمام المستهلكين بالنواحي السلبية له بيئياً وصحياً.
وتتحمل الشركة تكلفة دولارية ضخمة كونها تستورد كامل احتياجاتها من التبغ مع اضطرارها للمحافظة علي بناء مخزون منه يغطي انتاجها لمدة تقارب العام، لتفادي حدوث أي عجز في الامداد قد ينتج عن صعوبة الحصول علي التبغ بالمواصفات المطلوبة نتيجة للظروف المناخية في الدول المصدرة.
وأبدت »الشرقية للدخان« رغبة متزايدة في زراعة التبغ محلياً نظراً للمزايا الاقتصادية التي يمكن أن يوفرها، وقامت لهذا الغرض بالتقدم بدراسة لوزارة المالية حول الجدوي الاقتصادية من وراء ذلك، وتتضمن الدراسة إمكانية استزراع التبغ في مناطق تعامل كمناطق حرة حيث تكون الشركة ملزمة بدفع جمارك لإدخال التبغ للبلاد.. وسوف تحصل الشركة علي مزايا تنافسية في حالة السماح بزراعة التبغ محلياً، حيث سيجنبها ذلك المصروفات الدولارية الضخمة التي تتكبدها لاستيراده. وسيكون المجال متاحاً أمامها حينذاك للنزول بأسعار منتجاتها لمستويات غير متاحة في الوقت الحالي وهو ما سيجعل منتجاتها أكثر تنافسية في الأسواق الخارجية ويجعلها أيضاً مصدراً للعملة الأجنبية ويجيء تحفظ الدولة فيما يخص السماح بزراعة التبغ محليا لعاملين أساسيين، الأول سهولة استخدام الأراضي المستخدمة لاستزراعه في زراعة المخدرات الطبيعية ومنها القنب الهندي، والثاني يتمثل في العائد الضخم من الجمارك المفروضة علي الواردات من التبغ والتي تمد وزارة المالية بحصة مؤثرة من وارداتها.
وكانت الشرقية قد استفادت من ثبات سعر صرف الجنيه خلال العامين الماضيين حيث يعد نشاطها التشغيلي شديد الحساسية لسعر الصرف كونها تقوم باستيراد كامل احتياجاتها من التبغ، والتي تشكل %78 من تكلفة الإنتاج، وذلك لتجريم القانون المصري زراعة التبغ. وتقوم الشرقية باستيراد %35 من احتياجاتها من التبغ من دول الكوميسا باعفاء ضريبي شامل بموجب الاتفاقية الموقعة مع تلك الدول، في الوقت الذي تقوم فيه بدفع رسوم جمركية تبلغ 6.1 جنيه علي كل كيلو جرام من التبغ المستورد من خارج دول الكوميسا.
استقرار الجنيه في السنوات الثلاث الأخيرة جاء ليجنب الشرقية للدخان الصعوبات الناتجة عن عدم قدرتها علي تمرير كامل الزيادة في تكلفة الإنتاج للمستهلكين – علي الرغم من احتكارها لسوق السجائر المحلية بالكامل يجيء ذلك لأسباب اجتماعية بالإضافة إلي تجنب الهزة المتوقعة للمبيعات علي المديين المتوسط والطويل، التي سيتسبب فيها تغيير المستهلكين لعاداتهم الاستهلاكية في حالة ارتفاع أسعار السجائر.
وعلي الرغم من تمرير الزيادة في تكلفة الإنتاج من الماركات التي يتم إنتاجها لصالح الشركات العالمية إلي المستهلكين (توجه للشريحة الأعلي من السوق التي تستطيع استيعاب الزيادة في التكاليف)، فإن ذلك لم ينعكس علي هامش الربح حيث تحصل الشرقية علي أجر ثابت نظير تعبئتها لتبغ الشركات العالمية من خلال خطوط إنتاجها، في حين تتولي الأخيرة استيراد احتياجاتها من التبغ والنكهات اللازمة من خلال طرف محلي يورده بدوره لـ »الشرقية للدخان«.
كانت »الشرقية« قد قامت في يونيو 2003 بتوقيع اتفاقية مع الشركة الأردنية الدولية للدخان تقضي بقيام الأولي بتقديم منتجات الأخيرة للسوق المصرية، وتم بدء الإنتاج في أبريل 2005 وتقوم »الشرقية«، من خلال خطوط إنتاجها، بتعبئة التبغ المنتج من قبل الشركة الأردنية نظير أجر مساو لما تحصل عليه من الشركات العالمية، في الوقت الذي ستتولي فيه الشركة الأردنية مسئولية التسويق لمنتجاتها، ومن المتوقع أن تجذب تلك المنتجات جانباً من مستهلكي الماركات العالمية حيث إن سعرها يتراوح حول خمسة جنيهات.
وتتحين »الشرقية للدخان« الأوقات المناسبة لشراء التبغ من الأسواق العالمية عندما تتجه أسعاره للهبوط، وتتبع استراتيجية مماثلة تجاه استيراد مواد التعبئة والتغليف. ومن الأعباء اتي يفرضها ذلك بطيء معدل دوران المخزون، وهو ما يشكل بدوره عبئا علي مستوي السيولة كما يحد من قدرات الشركة الاستثمارية وارتفع رصيد المخزون من الخامات وقطع الغيار في النصف الأول من العام المالي الحالي ليبلغ 1.71 مليار جنيه مقابل 1.6 مليار جنيه في يونيو 2007. وساهم ذلك بالإضافة إلي تصاعد المصروفات التمويلية في الضغط علي مستويات السيولة حيث تراجعت النقدية والحسابات الجارية بالبنوك لتبلغ 225 مليون جنيه مقابل 379 مليون جنيه في يونيو 2007.
من جهة أخري قامت الشركة بالحد من المخصصات حيث اكتفت بتكوين مخصص لإعادة الهيكلة الإنتاجية بقيمة 24 مليون جنيه، بعد أن كانت قد قامت ببناء مخصصات بقيمة 55 مليون جنيه في النصف الأول من العام المالي المنتهي في يونيو 2007. وأعطي ذلك دفعة للأرباح لترتفع بنسبة %7.8 مسجلة 369 مليون جنيه مقابل 342 مليون جنيه في النصف الأول من العام المالي المنتهي في يونيو 2007.
وأعطي قانون الضرائب الأخير دفعة لأرباح الشركة منذ تطبيقه حيث خفض الضريبة إلي النصف، من جهة أخري تلاشت طموحات الشرقية في الحصول علي إعفاء ضريبي لمجمع مصانعها الجاري انشاؤه في السادس من أكتوبر، والتي كانت تأمل في الحصول عليه علي خلفية تواجده في المدن الصناعية الجديدة. يأتي هذا بعد إعلان الدولة توقفها عن منح اعفاءات ضريبية جديدة للمصانع الواقعة في المدن الصناعية الجديدة. وتمتلك الشركة حاليا 7 مصانع موزعة علي انحاء الجمهورية، أكبرها مصنع الجيزة الذي ينتج حوالي %75 من منتجات الشرقية من السجائر، بالاضافة إلي كامل إنتاجها من البايب والسيجار والفلاتر. وتمتلك الشركة اسطول نقل بري ضخم يقوم بتوصيل المنتجات من مصانعها إلي مراكز التوزيع التي تشمل ما يزيد علي 160 مركز مبيعات تغطي جميع انحاء الجمهورية.