محمود إدريس
يمر قطاع المقاولات حاليًا بفترة انتقالية من حالة الركود التام إلى بوادر موجة رواج، نتيجة الكم الهائل من المشروعات والاستثمارات التى يتم الإعلان عنها، وآخرها خلال المؤتمر الاقتصادى، بما يبشر بنقلة فارقة فى منحى تاريخ القطاع.
وفى هذا الإطار حاولت «المال» استشراف فرص نمو القطاع خلال الفترة المقبلة، وما دعائمها، وما استعدادات شركات المقاولات للتعامل مع هذه الطفرة المرتقبة.
كما حاولت الكشف عن التحديات التى تجابه القطاع فى الفترة الحالية هدفاً للبدء الفورى فى وضع حلول فعالة للتغلب عليها، حتى لا تلقى بظلالها السلبية على حالة الرواج التى يقبل عليها القطاع، وتتمكن شركات المقاولات المصرية من تنفيذ كامل الأعمال المطروحة دون الحاجة للاستعانة بمقاولين أجانب.
فى البداية قال المهندس حسن عبدالعزيز، رئيس الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء، إن قطاع المقاولات المصرى يحتوى على العديد من الفرص خلال الفترة المقبلة، إذ ستنعكس حالة الرواج التى تشهدها الاستثمارات فى مصر بالضرورة على القطاع، فشركات المقاولات ستكون شريكًا رئيسيًا لأى استثمارات جديدة يتم ضخها فى القطاع.
وألمح إلى أن لدى شركات المقاولات رغبة كبيرة فى العودة إلى حالة ما قبل الثورة، من حيث وفرة الأعمال المطروحة فى القطاع، بعد أن عانت بضع سنوات من الركود التام صاحبه انفلات فى أسعار مواد البناء.
وأوضح أن تذبذب أسعار مواد البناء أثر بالسلب على قطاع المقاولات، بسبب إجحاف العقود المبرمة بين جهات الإسناد والمقاولين، التى لا تعطى المقاول فروق الأسعار فى مواد البناء، ما يضطره لخسارة نسبة مؤثرة من هامش الربح المدروس عند تقدمه بعرضه المالى.
وطالب فى هذا السياق بضرورة تطبيق عقود «الفيديك» على جميع المقاولين المصريين لضمان حقوق طرفى العقد، سواءً جهة الإسناد أو المقاول، لافتًا إلى أن مشكلة تذبذب أسعار مواد البناء هى مشكلة مؤقتة، إذ ترتبط بانتهاء مشروعات الطاقة التى ما زالت فى طور التنفيذ حاليًا، بما يزيد من إمدادات الطاقة لمصانع مواد البناء، وهو ما سيمكّن المصانع من زيادة قدرتها الإنتاجية إلى درجاتها القصوى.
وعقد «الفيديك» هو نظام عالمى، وهو اختصار للكلمات «الفيدرالية الدولية للمهندسين الاستشاريين» وقد قامت هذه المنظمة بوضع شروط العقود بصورة متوازنة، حتى لا يكون هناك إجحاف لأحد أطراف العقد، وأصدرت عدة أنواع من العقود تمت تسميتها بناءً على لون الغلاف الصادرة به، وهى: الكتاب الأبيض، يختص بالعقد بين المالك والاستشارى، والكتاب الأحمر، يختص بالعقد بين المقاول والمالك، والكتاب الأصفر، يختص بعقد المقاولات للأعمال الكهروميكانيكية.
وألمح عبدالعزيز إلى أن أبرز التحديات التى تواجه قطاع المقاولات بخلاف طبيعة العقود المبرمة مع جهات الإسناد هو خطابات الضمان، إذ تتعنت بعض البنوك فى منح خطابات الضمان التى تعد من شروط تقدم شركات المقاولات للمنافسة على الأعمال.
وأضاف أن الاتحاد نجح فى التغلب على تحدٍ آخر، وهو مشكلة ندرة مادة البيتومين، التى تعتبر مادة أساسية فى العديد من مجالات المقاولات، لا سيما أعمال الطرق، مشيرا إلى أن الاتحاد نجح فى زيادة الكميات المستوردة من 3500 طن بيتومين إلى 20 ألفًا أسبوعيًا، لافتًا إلى أن الاستيراد يتم وفقًا لأسعاره العالمية دون أى دعم من الدولة، بل يقوم المقاولون بسداد ثمنه «كاش».
من جانبه قال المهندس نهاد رجب، رئيس مجلس إدارة الشركة الهندسية للصناعات والتشييد «SIAC»، إن الفرص الموجودة فى قطاع المقاولات حاليًا تعد ذهبية للشركات، نظرًا لأن القطاع يقبل على طفرة غير مسبوقة.
وأشار إلى أن شركات المقاولات تنتظر ترجمة المشروعات الاستثمارية، التى تم الإعلان عنها، إلى مناقصات لبدء المنافسة عليها، وأن المقاول دوره يأتى بعد المستثمر والاستشارى، وهو ما يعنى استغراق هذه المشروعات بعض الوقت لتتم ترجمتها إلى مناقصات.
وأوضح أن شركات المقاولات بدأت فعليًا من الآن التحرك للتفاوض مع مستثمرى القطاع الخاص أو الدولة أيا كانت جهة الإسناد، وذلك بالتزامن مع مفاوضات أخرى لتكوين بعض التحالفات للمنافسة على بعض المشروعات الضخمة.
وكان رجب قد قال فى تصريحات سابقة لـ«المال» إن «SIAC» بدأت تكوين عدد من التحالفات تمهيدًا للمنافسة على المشروعات التى تم طرحها، وتستهدف التحالفات قطاعات الإسكان والمرافق والطاقة.
فى السياق نفسه، رأى المهندس محمد عفت، رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية العربية للهندسة والتجارة والمقاولات «إيكو»، أن القطاع تنتظره فرص نمو هائلة، وقد تكون بمعدلات تفوق التوقعات، بسبب حجم المشروعات الضخم الذى يتم الإعلان عنه، سواء خلال المؤتمر الاقتصادى أو قبله.
وحذر من بعض التحديات التى قد تقلل من التأثيرات الإيجابية على لاعبى قطاع المقاولات، وعلى رأسها: الإسناد المباشر، الذى قد يقضى على روح المنافسة بالقطاع، ويؤدى لاستفادة شركات بعينها على حساب أخرى، بل قد تتسبب فى إهدار المال العام وتكون تربة خصبة للفساد، لذا يجب قصر الإسناد بالأمر المباشر على بعض المشروعات، التى تقتضى درجة من السرية، لارتباطها ببعد أمن قومى، أو مشروعات عاجلة لا تحتمل السير فى الإجراءات الرسمية للمناقصة من البحث عن استشارى وإجراء الرسومات ومراجعتها وإعداد مستندات العطاء ثم طرح المناقصة والانتظار لحين غلق باب التقدم، ثم البدء فى دراسة العروض الفنية ثم المالية ثم إجراءات الترسية، أو مشروعات لها تحتاج لخبرات وفنيات وتكنولوجيا معقدة للغاية تستدعى إسنادها لشركة بعينها.
وأضاف أن من بين التحديات أيضًا: ملف التيسيرات البنكية، إذ قسّم مطالب المقاولين من القطاع المصرفى إلى محورين أساسيين، هما: محور خطابات الضمان، وقروض تسيير تنفيذ الأعمال، وأوضح أنه على صعيد محور خطابات الضمان فيمكن تقسيم العملاء من المقاولين إلى قسمين فرعيين، هما: العملاء الجدد، الذين بدأوا تعاملاتهم المصرفية فى أعقاب وأثناء الثورة وعملاء قدامى.
ولفت إلى أنه بالنسبة للعملاء الجدد يجب على البنوك اتباع سياسات تشجيعية تحفيزية لهذه الشركات فى هذه الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد، خاصة أن ذلك سيعمل على تنشيط القطاع ومن ثم الاقتصاد بصورة أسرع، ويمكن للبنك اتباع سياسة ائتمانية مع هذه الشريحة من العملاء تعتمد على التدريج فى منح خطاب الضمان، كأن يتم الطلب منه بتغطية ما نسبته %60 من الخطاب، وإذا نجح المقاول فى الالتزام بالخطاب يتم تقليل نسبة التغطية تدريجيًا.
وأشار إلى أن العملاء القدامى من المقاولين لدى البنوك يجب أن يتم التعامل معهم بمنظور آخر تمامًا، لأن البنك يمتلك أدلة وبراهين ناتجة عن تجارب سابقة على جدية المقاول والتزامه بسداد كامل قيمة خطاب الضمان الصادر له، وطالب البنك بتقسيم تعثر هذا العميل إلى قسمين، الأول متعلق بأسباب خارجة على إرادته، كعدم الحصول على مستحقاته من جهة الإسناد، لا سيما إذا كان التعامل مع بنك حكومى وجهة إسناد حكومية، ففى هذه الحالة يجب على البنك عدم التفكير قط فى تقليل التصنيف الائتمانى لهذا المقاول، بل يجب مساعدته فى الخروج من كبوته وتسيير أعماله لحين الحصول على مستحقاته المتأخرة.
أما النوع الثانى من التعثرات والخاص بتعثر المقاول نفسه لأسباب داخلية، فيجب منحه عددًا من الفرص قبل الحكم عليه بتصنيف ائتمانى منخفض أو وضعه فى القائمة السوداء، خاصة أن البنك يدرك تمامًا أن المقاول نفسه التزم بجميع التعاقدات والالتزامات فى عدد من المشروعات السابقة، أى أنه مقاول جاد، وبالتالى يفضل أن يدعم البنك هذا المقاول بدلاً من زيادة العقبات التى تواجهه ورفع نسبة تغطية خطابات الضمان التى يحصل عليها إلى %100، لتصبح بمثابة شيك وليس خطاب ضمان.
كما انتقد عفت بعض المعايير التى تأخذ بها البنوك فى تصنيف العملاء، وعلى رأسها: معيار بطاقات الفيزا، إذ لا يجوز أن يتم تحويل أحد العملاء الحاصلين على ائتمان يزيد على 10 ملايين جنيه إلى «البلاك ليست» لمجرد أنه لم يلتزم بالمصروفات الشهرية لبطاقة الفيزا، موضحًا أن هناك العديد من الأسباب التى تحول دون سداد هذه المصروفات خاصة السفر، ولا يجوز إقصاء عميل جاد بسبب 5 آلاف جنيه مصروفات، ويمكن استخدام هذا المعيار مع العملاء الموظفين وليس الشركات الاستثمارية ولا رجال الأعمال.
وشدد على ضرورة توجه البنوك لدعم قطاع المقاولات فى الفترة الحالية، خاصة أن نشاط قطاع المقاولات سيخرج الدولة من نفق الاقتصاد المظلم الذى تمكث فيه منذ قيام الثورة دون تحرك، فبمجرد نشاط القطاع تنشط 120 صناعة ومهنة، علاوة على أن مشروعات المقاولات نفسها تصنف من المشروعات كثيفة العمالة، وهو ما يحدث نموًا على صعيد الاقتصاد الكلى للدولة.