فقد نقل ياسر عرفات فى نوفمبر عام 2004 من رام الله إلى فرنسا فى حالة صحية دقيقة، ولكنه لم يكن فاقد الوعى؛ وذلك بعد شهور عديدة من الحصار الإسرائيلى حول مقر سكنه وقطع الكهرباء والمياه عن المكان، إلى حد أنه أصبح يعيش على ضوء الشمعة، ولقد أثار وضع الرئيس الفلسطينى تحت الحصار، تعاطف الرأى العام العالمى، فقامت مجموعات من أوروبا بالتكاتف لحمايته، فكانت ترسل وفودا إلى مقره فى رام الله للإقامة معه حتى يمنعوا الدبابات الإسرائيلية المحاصرة من الهجوم عليه وتدمير المقر .
بالتأكيد، أثار موقف الرأى العام العالمى من عرفات غضب السلطات الإسرائيلية ورئيس وزرائها ارييل شارون الشهير . خاصة أن وجود عرفات حتى تحت الحصار كان رمزا للنضال والمقاومة بالنسبة لملايين الشباب الفلسطينى؛ خاصة ان استمرار وجود عرفات على قيد الحياة يضع عائقا هائلا أمام عودة المفاوضات بين السلطتين الإسرائيلية والفلسطينية على أسس الشروط التى تضعها إسرائيل بناء على مصلحتها الشخصية، وموافقة السلطة الفلسطينية على شروط إسرائيل .
ولكن لماذا يتردد تشكك فى مصرع عرفات؟ خاصة أن سنه (75 عاما ) وحالته العامة لم تكن لتتحمل كل هذه الشهور من الحصار الدقيق؟ أولاً لأن السبب الرئيسى لوفاة الرئيس عرفات لم يتم الاعلان عنه أبدا، فقد توفى الرئيس الفلسطينى فى مستشفى عسكرى بفرنسا وقام المسئولون بالمستشفى بإرسال عينة دم من الرئيس إلى معامل بالمانيا والولايات المتحدة لتحديد سبب الوفاة، ولكن لم يعلن عن النتائج أبدا .
فى الوقت نفسه تردد فى ذلك الوقت فى الاعلام الفرنسى مقولة لرئيس وزراء اسرائيل شارون للرئيس الأمريكى جورج بوش قبل سنوات قليلة، عندما طلب منه شارون ان يفعل شيئا حيال عرفات؛ فأجابه بوش ان وفاته فى يد الله وهو لا يستطيع فعل شىء؛ فأجابه شارون : «ولكننا نستطيع مساعدة الله قليلا فى هذا الشأن ».
تلك المقولة التى نقلتها بعض الصحف الفرنسية فى ذلك الوقت هى اكبر دليل على تورط اسرائيل فى وفاة عرفات، خاصة أن كل الظروف تغيرت بعد وفاته سواء من موقف فرنسا، أكثر دولة اوروبية تعاطفا مع الرئيس عرفات والقضية الفلسطينية، خاصة تحت رئاسة جاك شيراك فى ذلك الوقت، كما تغيرت الرئاسة الفلسطينية وتغيرت معها المواقف بين الرئاسة الفلسطينية وحماس الحزب المنتخب فى غزة، فتأججت المواجهات والخلافات بينهما، فى الوقت الذى حدث فيه تقارب بين الرئاسة الفلسطينية مع وجهة النظر الإسرائيلية .
قد لا نعرف قط السبب الحقيقى لوفاة الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات؛ وقد يخرج شخص من داخل إسرائيل أو داخل السلطة الفلسطينية ليعترف يوما ما بما حدث بالضبط، ولكن فى كل الأحوال فان قيام اسرائيل بتصفية خصومها جسديا ليس بالأمر الجديد، بل هو تصرف ارتبط بسياساتها على طول تاريخها منذ نشأتها وإلى الآن .