دراسة تدعو لكسر حاجز الخوف من أدوات «أنرون» المالية

دراسة تدعو لكسر حاجز الخوف من أدوات «أنرون» المالية
جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الأحد, 7 سبتمبر 03

صلاح رفعت
 
أكدت دراسة حديثة لوزارة التجارة الخارجية أن الأوراق المالية التي استخدمت كأداة للممارسات الضارة من قبل الشركات العالمية مثل «أنرون» الأمريكية لا تستدعي التخوف من ادخالها في السوق المصرية والتعامل بها ولكنها قالت إنه ينبغي وضع الضوابط المناسبة لاستخدامها وتعظيم الاستفادة منها لدفع عجلة النمو الاقتصادي المصري، وهو أمر لا يتم فجأة أو بوضع تشريع ولكنه بجهد مستمر ومتواصل.

 
وأشارت الدراسة التي تحمل عنوان «أزمات الشركات العالمية واجراءات الإصلاح والدروس المستفادة» إلي أن تجارب الدول أثبتت أنه لا يوجد نموذج موحد في تطبيق المعايير الدولية ولا توجد روشتة موحدة لنفس الأزمة في الدول المختلفة فلكل دولة نظمها الخاصة والتي تتماشي مع نظامها التشريعي وثقافة شعبها ومدي عمق وفاعلية دور المؤسسات بها.
 
وقالت إن حكومات الدول محل الدراسة وعلي رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا منحت دورا هاما للقطاع الخاص في المشاركة وصياغة اجراءات وخطوات الاصلاح مع ضمان استقلالية المقترحات وعدم انحيازها لخدمة قطاع أو نشاط محدد وذلك للتأكيد علي أهمية تنفيذ خطة إصلاح فعالة وعملية دون احداث هذا في أسواق المال والنشاط الاقتصادي بصفة عامة وركزت جميع اجراءات الاصلاح علي تنظيم العلاقات بين المؤسسات العاملة في أنشطة متعلقة بالأوراق المالية دون وضع قيود علي آلية التداول بالسوق أو علي استخدام أداة مالية معينة وذلك لتعزيز مرونة القواعد الحاكمة للسوق الذي يتطور بصورة مطردة وتجنب اضافة أية قيود من شأنها أن تحدث تشوهات بالسوق وتحد من كفاءته.
 
وأكدت الدراسة أن الهدف الاستراتيجي لتلك الاجراءات الاصلاحية هو الرفع من مستويات كفاءة أسواق المال ليعكس جميع التطورات والأخبار وذلك لأن عقاب السوق والذي يعرف باسم الالتزام النابع من السوق Marketdiscipline غالباً ما يكون أعنف وأسرع وأشد وطأة من عقاب تطبيق القوانين.
 
وكانت أسواق المال العالمية قد شهدت في السنوات العشر الأخيرة تطوراً ملحوظاً من حيث ابتكار وتنوع الأدوات المالية والتطور التكنولوجي والذي ساهم في جزء كبير بصورة مباشرة وغير مباشرة في تغير الشكل النمطي للشركات المقيدة في البورصات العالمية فيما عرف بشركات الاقتصاد الجديد New economy .
 
وعلي الرغم من الآثار الايجابية الملحوظة لتلك التطورات والتي جعلت سوق المال الأمريكي الأفضل مقارنة بالأسواق العالمية الأخري، وكانت دعما لأداء اقتصادي متميز لفترة طويلة إلا أن تلك التطورات كان لها آثارها السلبية والتي أدت إلي وقوع أزمة الشركات العالمية والتي ظهرت بوضوح في الولايات المتحدة الأمريكية.
 
والملاحظ أن التطور الحادث في أسواق المال العالمية لم يقابله تطور مماثل للمناخ التشريعي في تلك الأسواق وإن كانت هناك خطوات تم اتخاذها للتطوير إلا أنها كانت أبطأ من التطور السريع الذي شهدته تلك الأسواق وهذا الأمر ليس بالشيء الغريب فعادة ما يكون تطور سوق المال أسرع من تطوير القواعد والتشريعات الحاكمة لسوق المال حيث يتم تطويرها في أحيان كثيرة كرد فعل لأزمة ما وقعت.
 
وشهدت أسواق المال العالمية وخاصة الأمريكية أزمة شركات كان لها أثرها البالغ علي أداء الاقتصاد العالمي وثقة المستثمرين فيه وسياسات إدارة محافظ الاستثمار وظهرت الأزمة نتيجة ممارسات ضارة لم تكن في عمليات تداول الأوراق المالية لهذه الشركات بصورة مباشرة ولكنها ظهرت بطريقة غير مباشرة في صورة ممارسات ضارة لأعضاء مجالس إدارات الشركات بالإضافة إلي تواطؤ شركات المحاسبة والمراجعة وانحياز محللي الاستثمار لشركات عملائهم مستغلين في ذلك نقاط الضعف في القواعد المنظمة لسوق المال بالاضافة إلي زيادة تعقد الأدوات المالية الجديدة وصعوبة فهم أساليب استخدامها من قبل المستثمر البسيط.
 
وبناء علي ذلك ظهرت حتمية تناول تلك الأزمة بصورة مختلفة من قبل الحكومات والهيئات الرقابية خاصة للدول ذات نظام التشريع الأنجلوساكسوني وهما أمريكا وانجلترا واخذت بعض مفاهيم ومعايير سوق المال في التغيير مثل بدء دراسة تنظيم بعض الأنشطة والممارسات وتداول بعض الأدوات المالية والتي كانت غير منظمة علي افتراض أن من يتعامل فيه مسئول مسئولية كاملة عن اتخاذ قراراته وأنه مستثمر غير بسيط Sophisticated Investor قادر علي الفهم والتحليل والتعامل مع الأدوات المالية عالية التعقيد.
 
ولذا فقد تزايد التوجه إلي تنظيم ومراقبة العلاقات والممارسات ليس فقط علي صعيد من يقومون بتنفيذ عمليات التداول بالسوق ولكن علي صعيد ممارسات وتشكيل مجلس الإدارة ومدي استقلاليتهم والتزامهم بإدارة الشركة لصالح المساهمين وعلاقة الشركة بمراجع القوائم المالية وعلاقة بنوك الاستثمار التي تعطي خدمات استشارية وتوصيات استثمارية لعملائها من المستثمرين مع الشركة المصدرة للأوراق المالية والتي قام البنك الاستثماري بضمان اكتتابها وترويجها.
 
وقد اختلف أسلوب معالجة تلك الأزمة ومحاولة تجنبها من دولة إلي أخري وذلك مع تباين المناخ التشريعي والثقافة الاستثمارية فقد لجأت بعض الدول إلي اصدار تشريعات جديدة أو تعديل عدد منها والبعض الآخر قام باصدار تقارير أكدت علي عدد من التوصيات الواجب تنفيذها ففي الولايات المتحدة الأمريكية تم اصدار تشريع جديد Sarbaner-Oxley Act 2002 لتطبيق مباديء حوكمة الشركات والارتقاء بممارسات مهنة المحاسبة والمراجعة وفي المملكة المتحدة قامت الحكومة باصدار عدد من التقارير من أهمها تقرير هيجز Higgs Report الصادر في يناير 2003 والذي وضع توصيات تفصيلية خاصة بتشكيل هيكل مجلس الإدارة ودور اللجان المنبثقة منه كما قامت المفوضية الأوروبية بإعداداً تقرير شامل عن مستوي حوكمة الشركات Corporate Governance في دول الاتحاد الأوروبي والمعروف باسم تقرير ونتر Winterصs Report وأصدر عدداً من التوصيات واجب تطبيقها أما في بعض الدول الآسيوية تم التحقيق مع عدد من الشركات الكبيرة للتأكد من رقي الممارسات وتطبيق مباديء حوكمة الشركات.
 
وفي الولايات المتحدة الأمريكية هبت رياح الاصلاح من الحكومة والهيئات الرقابية بناء علي طلب المستثمرين وعلي الرغم مما تم تقديمه من تشريعات واجراءات مقترحة للرفع من مستوي الممارسات المهنية والشفافية في السوق الأمريكية لإعادة ثقة المستثمرين إلا أنه قد ظهر تيار معاكس في بعض الموضوعات من جانب الشركات وظهر نقيض ذلك في الدول الأوروبية حيث هبت رياح الاصلاح والتطوير من قبل لجان ترأسها رؤساء مجالس إدارات شركات أوروبية كبري وأعضاء من ذوي الخبرة في كافة المجالات المتعلقة بسوق الأوراق المالية وعلوم الإدارة والتشريع كما ضمت اللجان ممثلين عن الهيئات الرقابية المختلفة وذلك لضمان استقلالية التوصيات المطروحة وترسيخ طابع العملية في التطبيق.
 
وقد اشتملت اجراءات الإصلاح في الولايات المتحدة الأمريكية علي كافة الجوانب التنظيمية والرقابية الحاكمة لممارسات مهنة المحاسبة والمراجعة وعلاقات شركات المحاسبة بعملائها كما أنها اشتملت علي تطوير معايير المحاسبة الأمريكية GAAP لتنسق مع معايير المحاسبة الدولية IAS ولكن علي الجانب الشرقي من المحيط اشتملت اجراءات الاصلاح في الدول الأوروبية علي اعادة تنظيم وهيكلة مجالس الإدارات والحفاظ علي حقوق صغار المساهمين «الأقلية» في ظل مناخ يسيطر عليه الشركات العائلية الكبيرة والتي تلعب دورا هاما في اقتصاد بعض الدول الأوروبية، وذلك مع التعرض بصورة عابرة لإجراءات وتنظيم وممارسات مهنة المحاسبة والمراجعة ومعايير المحاسبة الواجب اتباعها وذلك لتطور الجانب الأوروبي في هذا المجال مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية وذلك فضلا عن التزام جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي بتطبيق معايير المحاسبة الدولية IAS في عام 2005.
 
أما عن تشكيل مجلس الإدارة فقد كان التوجه في القواعد الجديدة إلي الفصل بين رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي Chief Executive Officer للشركة، وعلي أن يكون هناك عدد من الأعضاء غير التنفيذيين Non-executive directors المستقلين في المجلس يشكل من بينهم اللجان الفرعية ويتفرد النموذج الألماني في هذه الحالة بوجود نظام مجلس الإدارة المزدوج The dual board system حيث يوجد المجلس الرقابي ويكون جميع أعضائه من غير التنفيذيين ويشرف علي مجلس المديرين والذي يتكون من أعضاء تنفيذيين عاملين بالشركة.
 
وأكدت كافة التعديلات التشريعية وقواعد حوكمة الشركات التي وضعتها الدول المختلفة علي قصر مدة تعيين العضو بالمجلس إلي فترة محددة تراوحت بين ثلاث إلي خمس سنوات علي حسب طبيعة كل دولة وعلي أن يكون التجديد حالة استثنائية.
 
ونظمت جميع القوانين والقواعد تشكيل اللجان المنبثقة من مجلس الإدارة ودورها في خدمة مصالح المساهمين كما أكدت علي حتمية وجود لجنة المراجعة الداخلية وعلي أن يكون جميع أعضائها أو الأغلبية من الأعضاء غير التنفيذيين.
 
واشتملت اجراءات الاصلاح علي تنظيم العلاقة بين المراجع الخارجي والشركة وقامت جميع الدول بخفض مدة مراجعة القوائم المالية للشركة خمس سنوات لتجنب الانحياز للشركة وضمان استقلالية عملية المراجعة وذلك فضلا عن وضع قيود صريحة علي الخدمات الاستشارية والعمولات التي تتقاضاها شركات المحاسبة والمراجعة وتجدر الإشارة إلي أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة من بين الأسواق المتقدمة التي لم يكن يوجد بها أية قيود علي الفترة الزمنية لتعاقد شركة المراجعة أو قيود علي الخدمات الاستشارية.
 
ونصت جميع القواعد الجديدة علي إنشاء جهاز رقابي علي ممارسات مهنة المحاسبة والمراجعة وإعطائه صلاحيات في توقيع الجزاءات والوقف عند حدوث أي مخالفة من جانب شركات المراجعة أو المحاسبة.
 
أما تباين الاجراءات الخاصة بمعاملة بعض الأدوات المالية محاسبيا وعلي الأخص خيارات شراء الأسهم وحتي الآن لا يزال الجدل دائرا في الولايات المتحدة لاسيما بين شركات الاقتصاد الجديد من منطقة الـ Silivon Valley والأجهزة الرقابية حول كيفية التعامل مع خيارات الأسهم، ويلعب لوبي رجال الأعمال دورا كبيرا في الكونجرس الأمريكي لمنع تطبيق معيار خاص بمعاملة خيارات الاسهم كمصروفات مما سيؤثر بالسلب وبصورة ملحوظة علي القوائم المالية لتلك الشركات وتجدر الاشارة هنا إلي أن رد فعل السوق كان رادعا لتلك الشركات حتي وإن لم يتم اعتماد المعيار المقترح فإن تراجع المستثمرين عن شراء اسهم لشركات لا تعامل خيارات الأسهم محاسبياً بصورة تتسم بالشفافية وهو ما يعد عامل ضغط علي الشركات.
 
وقالت الدراسة «إن ثمار هذه الإصلاحات لم تظهر بعد وينتظر أن تبدأ في الظهور في المدي المتوسط وطويل الأجل وأكدت إن المؤشر الحقيقي لنجاح تلك الاصلاحات هو تجنب وقوع أزمات مماثلة في المستقبل، والحد من آثارها السلبية في حالة وقوعها.
 
وكشفت الدراسة عن أن التحسن الطفيف في أداء بعض أسواق المال العالمية وتوقف مؤشرات ثقة المستهلكين عن الانخفاض حدث بسبب الاصلاحات التي أقرتها عدد من الحكومات إلا أن كثيراً من المحللين والباحثين وبعض السياسيين يرون أن ما تشهده أسواق المال حالياً هو مجرد ردود أفعال تجاه أداء مؤشرات الاقتصاد الكلي العالمي، وليس لها علاقة بالاجراءات والاصلاحات التي انتهجتها الحكومات في استعادة ثقة المستثمرين مؤكدين أن تلك الاجراءات لها تكلفة تقع علي عاتق كل من ينفذها ويخضع لها من أشخاص ومؤسسات وهيئات رقابية والتكلفة هنا ليست مادية فقط، ولكن بها عنصر نفسي ينحصر بين استعادة ثقة المستثمرين الذين مروا بتجربة مريرة كبدتهم خسائر كبيرة ليست فقط في محافظهم الاستثمارية ولكن أيضا في صناديق المعاشات المشتركين فيها، وبين قابلية المؤسسات العاملة في الأنشطة المختلفة المتعلقة بالأوراق المالية لتخضع إلي مزيد من الرقابة والقيود.
 
قامت بإعداد الدراسة وحدة سوق الأوراق المالية بالمكتب الفني لوزير التجارة الخارجية برئاسة الخبير الاقتصادي ماجد شوقي، وبمشاركة كل من عبد المنعم لطفي الباحث الاحصائي، وتامر مصطفي، محلل الاقتصاد التمويلي، وكريم علاء، الباحث المالي، ونوران يوسف، الباحثة الاقتصادية.
جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الأحد, 7 سبتمبر 03