تخصيص حصة من محافظ البنوك الائتمانية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة حلم داعب أصحاب تلك المشروعات منذ فترة بسبب الصعوبات المفروضة علي الائتمان الممنوح لهم والذي لا يراعي في الغالب المواصفات الفنية لنشاطهم، ويخضعهم للمواصفات والضوابط التي لا يخضع لها الائتمان الكبير، إلا أن هذا الحلم يصطدم باعتراضات المصرفيين الذين رفضوا هذا التوجه.
وبالرغم من اتفاق المصرفيين حول ضرورة زيادة حصة المشروعات الصغيرة من ائتمان المحفظة فإنهم رفضوا فرض حصة بعينها سواء عن طريق البنك المركزي أوالحكومة لتمويل تلك المشروعات حيث اعتبروا ذلك بمثابة تدخل يتنافي وآليات السوق الحرة ونصوص القانون 88 لسنة 2003 الذي قرر حرية البنوك في تسعير وتحديد الخدمات المقدمة في السوق.
واقترح المصرفيون الاستعاضة عن نسبة الـ %4 التي كان قد اثير جدل حول تخصيصها للمشروعات الصغيرة والمتوسطة باستخدام حوافز تمويلية للمشروعات نفسها وللبنوك الممولة من قبل السلطات المصرفية تتمثل في خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي لتشجيع الإقراض الصغير وإخراجه من أسر إجراءات الائتمان الكبير.
تقول هناء الهلالي مدير عام التعاون الدولي بالصندوق الاجتماعي للتنمية إن اقتراح تخصيص البنوك لنسبة %4 تقريباً من محافظها الائتمانية لتمويل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة جاء لسد فجوة التمويل التي تعاني منها هذه المشروعات وذلك نظراً لاحجام البنوك عن تقديم الائتمان وارتفاع تكلفته ويتم تمويل %65 من المشروعات القائمة ذاتياً بينما تمثل مساهمة البنوك في تمويلها أقل من %40 كما أن %92 تقريباً من المشروعات الصغيرة التي تتقدم للحصول علي تمويل بنكي يتم رفضها.
وأشارت إلي أن تجارب البنوك العامة في إقراض هذا القطاع تعد تجارب ناجحة خاصة بنوك »القاهرة« و»الأهلي« و»مصر« وتعد حالات التعثر في هذا القطاع ضئيلة جداً مقارنة بحالات التعثر التي شهدها القطاع المصرفي علي مدي العقدين الماضيين من جانب العملاء الكبار من رجال الأعمال والمستثمرين.
وأضافت هناء أن إحجام البنوك فيما مضي عن التمويل الصغير والمتوسط كان من الممكن أن تفهم أسبابه في إطار ضعف المراكز المالية للبنوك وارتفاع نسب التعثر مما أثر علي محافظها الائتمانية بشكل سلبي.. أما الآن وبعد القيام بإعادة هيكلة الجهاز المصرفي.. أصبحت البنوك أكثر قوة من الناحية المالية والإدارية وتوافرت لديها السيولة فمن الغريب استمرارها في الاحجام عن توظيف هذه السيولة في قطاع مهم مثل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي يمثل حوالي %99 من القطاع الخاص »غير الزراعي«.
وأكدت أن الصندوق الاجتماعي والمؤسسات المعنية بهذا القطاع من المشروعات لا تستطيع وحدها تغطية الطلب علي التمويل لذلك فهي تحتاج إلي قيام البنوك بدورها في التمويل من أجل التنمية مؤكدة أنه ليس دور البنوك العامة وحدها بل هو دور جميع البنوك العاملة في السوق المصرفية المصرية.
ويري محسن رشاد المدير العام بالبنك العربي الأفريقي أن الدعوة لتوجيه التمويل لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة دعوة محمودة.. ولكن إلزام المركزي للبنوك بتثبيت نسبة لإقراضه يخالف جميع توجهات السياسة النقدية التي تلتزم بآليات السوق الحرة التي تعتمد علي العرض والطلب.
وأكد أنه إذا كان البنك المركزي قد أعطي البنوك حرية تحديد أسعار الصرف وأسعار الفائدة فكيف يسلب منها الحق في توجيه محافظها الائتمانية لافتا إلي أن ذلك يمثل »ردة« عما ينتهجه المركزي من سياسات تحرير للقطاع المصرفي وهو أمر مستبعد تماماً في هذه المرحلة من الازدهار التي يشهدها السوق المصرفية ودخول العديد من البنوك الأجنبية والعربية.
وأضاف رشاد أن البنوك اعتادت أن يقوم البنك المركزي بوضع حدود قصوي للتمويل مثل ما حدث في قطاع التمويل العقاري والذي رفضته البنوك بشدة، فماذا سيكون الوضع إذا فرض المركزي حدوداً دنيا لتمويل بعض القطاعات خاصة في ظل التباطؤ الشديد في معدلات الائتمان.
ولفت إلي أن هناك عدداً كبيراً من البنوك ليس عندها مناهج لإقراض هذا القطاع كما أن هناك بنوكاً حتي الآن تجهل توصيف هذا القطاع فنجدها عند القيام بإعادة هيكلة الإدارة لا تعلم أي الإدارات ستتحمل مسئولية هذه الفئة من المشروعات وهل هي تابعة لقطاع تمويل الشركات أم التجزئة المصرفية.
مشيراً إلي أنه في ظل غياب منهج واضح للإقراض وآليات محددة للتمويل الصغير والمتوسط لا يمكن محاسبة البنوك علي ما يتم تحديده من نسب موجهة للائتمان لتلك الشريحة من العملاء. وأشار رشاد إلي أن هناك عاملين مؤثرين في محدودية ما تقدمه البنوك من تمويل لهذا القطاع الأول يتعلق بالبيانات والتي عند غيابها يستحيل اتخاذ أي قرار بمنح الائتمان.
والعامل الثاني يتعلق بسيطرة الفكر الائتماني للشركات لذلك فمن الصعب تغيير هذا المفهوم بسهولة حتي لو تم استخدام نظام للحوافز بدلاً من نظام قمعي لتحديد النسب.
ومن جانبه يري الدكتور خليل أبو راس الخبير المصرفي أن المحرك الرئيسي للتوسع في إقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة يجب أن يكون المنافسة وليس الالزام مؤكداً أن البنوك التي تحقق نجاحاً في هذا النوع من الائتمان الصغير إذا قامت بالإعلان دورياً عن أرباحها ستحذو حذوها البنوك الأخري.
وأكد أنه ضد إلزام البنوك بتمويل قطاع محدد بل يجب أن يتم إطلاق يد البنوك في الإقراض المحسوب أياً كانت طبيعته لافتا إلي ضرورة تأسيس بنك متخصص لإقراض هذا القطاع العريض بالاقتصاد المصري علي غرار العديد من البنوك المتخصصة مثل »بنك التنمية الصناعية« و»بنك الإسكان والتعمير« و»البنك الزراعي« وغيرها.
وإذا كان بعضها قد فشل فهذا لا يعني أن كل بنك يمول المشروعات الصغيرة والمتوسطة قد يقدر له الفشل خاصة في ظل اتساع قاعدة عملائه.
وأوضح أنه ليس بالضرورة تأسيس بنك جديد لأن ذلك يخالف سياسات البنك المركزي للتخلص من الكيانات المصرفية الضعيفة ولكن من الممكن أن يقوم أحد البنوك الموجودة بالفعل بلعب هذا الدور.
وأشار أبو راس إلي أهمية الاستعانة »بالحوافز« كبديل »للإلزام« بحيث يقوم البنك المركزي بوضع حوافز للبنوك التي تحقق قدراً لا بأس به من التمويل الصغير والمتوسط مثل تسهيل فتح فروع جديدة، وتقليل النسب المفروضة لتوظيف الاحتياطي إلي جانب بعض الحوافز الضريبية كالإعفاء في الفترات التي يقوم البنك فيها بالإقراض الصغير
ويري حسن عبد الحميد المدير العام بالبنك الأهلي المتحد أن البنوك لها مطلق الحرية في تحديد سياستها الائتمانية التي ترسم خريطة لتوجيه التمويل للقطاعات الاقتصادية التي يري البنك أنها أجدي بالتمويل وذلك وفقا لعدد من العوامل المتعلقة بدراسات الجدوي والتدفقات النقدية والضمانات وغيرها وقد قامت البنوك مؤخرا باتخاذ خطوات مبدئية لاقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلا أن هذا لا يمكن مقارنته بتوسع البنوك لتمويل بعض القطاعات الاستراتيجية مثل البتروكيماويات والاتصالات والتي شهدت تنافسا من قبل البنوك العامة والخاصة للتمويل.
وأشار إلي أن البنك المركزي هو الذي يحدد السياسات النقدية ولكن البنوك هي التي تحدد سياستها الائتمانية لافتا إلي أن»المركزي« لن يفرض علي البنوك الدخول بنسب محددة لتمويل أحد القطاعات، فماذا لو خسر البنك هل سيقوم »المركزي« بتعويض هذه الخسارة؟!
وأضاف أنه قبل المطالبة بتحديد نسبة من المحافظ الائتمانية للبنوك لتمويل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يجب أن نتأكد من أن جميع البنوك العاملة في السوق المصرفية مؤهلة لاقراض هذا القطاع العريض وهوما يتطلب توافر عدد من العناصر أهمها انتشار الفروع بالمحافظات والمناطق التي تتواجد بها هذه المشروعات بكثافة كذلك الكوادر المصرفية المؤهلة للتعامل مع هذه الشريحة من العملاء.
وأوضح عبد الحميد أن اتباع آليات السوق الحرة تتنافي مع هذا الاقتراح حيث يجب أن تطلق للبنوك حرية اختيار القطاعات التي تمولها، كما أن القطاعات الاستراتيجية التي تحقق أهداف التنمية يجب أن تركز عليها البنوك العامة مثل الأهلي ومصر والقاهرة.
أما البنوك الخاصة فإن البنك المركزي وضع لها آليات وضوابط تعمل في إطارها لذلك فإن إمكانية دخولها في قطاعات ذات نسبة مخاطر عالية تحد في كثير من الأحيان توسعها في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.