بداية يتفق الخبراء علي ان إحدي اخطر المهام المطروحة علي جدول اعمال شركات التأمين هو العمل علي توسيع نطاق اصدار، وتوزيع الوثائق.
وفي رأيهم انه لم يعد امام الشركات سوي سبيلين لزيادة جاذبية وثائقها امام الجمهور: اولهما خفض اسعار الوثائق بشكل مباشر من خلال قبول بعض التغطيات بأسعار اقل من قيمتها العادلة، وهو اسلوب ينتج عنه دفع العجز في الاكتتاب الي مستويات خطرة.
والسبيل الثاني هو خفض التكاليف سواء كانت مصاريف انتاج وعمولات، او مصروفات ادارية وعمومية، وهذا السبيل هو محور المعركة القادمة بين شركات التأمين، خاصة ان التسعير اصبح هو كلمة السر لاقتناص الفرص المتاحة داخل السوق، فضلا عن كونه السلاح الاكثر قدرة علي حسم اي تنافس.
ففي الوقت الذي مازال البعض يتحدث فيه عن اصدار وثائق متطورة، وسرعة في دفع التعويضات وكأنها اهم وسائل الاغراء، اثبتت مؤشرات السوق ان «الكعكة» تميل لصالح الاقدر علي خفض النفقات بما ينعكس علي اسعار الوثائق، بعد ان اصبح مفهوم الخدمة الجيدة جزءا لا يتجزأ من المنظومة التأمينية في هذا الوقت الذي تمر فيه السوق بعمليات اعادة هيكلة واسعة علي المستويين التشريعي والتنفيذي.
ومن ثم اصبحت المعادلة كالتالي: خدمة جيدة بسعر اقل تساوي حصة سوقية مرتفعة.. ولكن الخدمة الجيدة بأسعار مرتفعة تحقق حصصا سوقية اقل من الخدمة المتواضعة ذات السعر المغري، وهذا هو موطن الخلل الحقيقي داخل الاقتصاد وليس داخل سوق التأمين.
ودون التطرق الي جدل بشأن كيفية خروج الشركة رابحة من معركة الحصص السوقية، فإن محور خفض النفقات هو الاكثر حداثة علي السوق، فقد انتهجت شركات التأمين منذ بضعة عقود اسلوب رفع عمولات المنتجين كوسيلة اساسية لاقتناص عمليات الممتلكات علي وجه التحديد، ولكن مع مرور منحني العمولات بموجة صعود مطردة، بدأ الحديث، ولأول مرة، عن كيفية خفضها ومواجهة الضغوط الشديدة من وسطاء التأمين علي الشركات، وهو ما قاد السوق الي التركيز علي مبدأ خفض النفقات بعد الخسائر التي تحققت من رفع معدل العمولات، والذي صعدت معه سقوف طموحات السماسرة.
وبقراءة بسيطة في احصاءات هيئة الرقابة علي التأمين، فإن معدل العمولات وتكاليف الانتاج مر بفترة تذبذب خلال السنوات الخمس الماضية، الا انه هبط خلال هذه الفترة من %23,4 الي %19,5.
وسجل هذا المعدل ارتفاعات قياسية في بعض الفروع مثل التأمين التكميلي الذي تعاني الشركات من عجزه، ووصل في بعض الشركات -ومنها التأمين الأهلية- الي %40 رغم ان المتوسط السائد لعمولات وتكاليف الانتاج بهذا الفرع يدور حول 30 الي %33!!
اما المؤشر الثاني الاكثر دلالة علي اتجاه الشركات الي خفض تكاليفها فهو تراجع معدل المصروفات الادارية والعمومية من نحو %12 قبل خمس سنوات الي %8,7 بقدوم عام 2005-2004.
ورغم ارتفاع هذا المعدل بصورة طفيفة الي %9,6 في 2006-2005، الا انه مرشح للتراجع دون مستوي الـ %8 بنهاية العام الجاري، ليصل الي اقل مستوياته خلال الـ6 سنوات الماضية.
في هذا السياق اكد علاء الزهيري العضو المنتدب للمجموعة العربية المصرية للتأمين ان ادوات المنافسة داخل سوق التأمين باتت اكثر تنوعا، ولم تعد الخدمة الجيدة وحدها هي المحفز للعميل علي الاختيار بين منتجات اكثر من 21 شركة تعمل داخل السوق.
وفي رأي الزهيري ان مسألة خفض الانفاق والتكاليف داخل شركات التأمين لا يمكن ان تمتد علي استقامتها، لأن الشركات لديها بعض اوجه الانفاق التي يصعب التقليل منها، مثل الانفاق علي عمليات التدريب والتأهيل، وكذلك علي ادارات البحوث.
واوضح ان تطور السوق ساعد في خفض بعض النفقات المرتبطة بالتوسع الجغرافي، فبعد ان اتجهت شركات التأمين الي التحالف مع المؤسسات المصرفية علي وجه التحديد، اتجهت تكلفة تأسيس الفروع الي تراجع مستمر، واصبحت خدمات التأمين تباع داخل فروع البنوك، كما ان حركة التنظيم التي بدأت تنتعش داخل سوق الوساطة التأمينية ساعدت علي تصحيح هيكل العمولات بالسوق، ومن المنتظر مع بدء العمل بالتشريعات التأمينية الجديدة، وتحديدا المتعلقة بتنظيم سوق الوساطة ان يتجه معدل العمولات نحو مزيد من التراجع.
وفي الاطار نفسه، اكد الدكتور عادل منير رئيس الهيئة المصرية للرقابة علي التأمين، من خلال احدي اوراقه البحثية، ان علي شركات التأمين ان تتجنب المنافسة الضارة من خلال عدد من الوسائل اهمها اعداد الدراسات الخاصة بخفض التكاليف، سواء أكانت تكاليف ادارية او انتاجا او مصروفات عمومية، اضافة الي اعادة النظر في الاسعار المطبقة بالسوق ومقارنتها بمستوياتها عالميا.
وتبعا لما اكده د. عادل منير لـ«المال» فإن الهيئة لا تتدخل في المنافسة بين شركات التأمين علي خفض الاسعار، طالما لم تؤثر هذه المنافسة علي المراكز المالية للشركات.
واوضح ان المنافسة السعرية تمر بمراحل احتدام متفاوتة بين شركات تعمل داخل سوق حرة لا تعترف بفرض التعريفات.