خريطة مصرفية جديدة بعد الأزمة المالية العالمية

خريطة مصرفية جديدة بعد الأزمة المالية العالمية
جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الثلاثاء, 24 نوفمبر 09

أمنية إبراهيم

ناقشت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي الثالث للمعهد المصرفي المصري والذي رفع شعار »مستقبل القطاع المصرفي في مرحلة مابعد الأزمة المالية التحديات والفرص« عدة نقاط مهمة تحدد مستقبل القطاع المصرفي المحلي والعالمي في اعقاب الأزمة المالية العالمية والتي وصفت بانها الاعنف بعد ازمة الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث اظهرت هشاشة النظام المالي العالمي بعد انهيار كبري المؤسسات المالية العالمية.


 

 هالة السعيد

وعرض المتحدثون اهم الفرص المتاحة للقطاع المصرفي والتي يجب الاستفادة منها وهي تمتع القطاع المصرفي المحلي بوفرة في السيولة علي عكس الاوضاع في كبري اقتصادات العالم والتي تعاني من نقص شديد في السيولة، اضافة الي تنوع المجالات والانشطة بما يسمح بتنوع التمويل الممنوح للقطاعات المختلفة دون تركزه في قطاعات بعينها، كما تمت مناقشة بعض التحديات التي تواجه القطاع المصرفي بعد الأزمة العالمية وتتمثل في ضرورة خلق ادوات وآليات واضحة وسريعة للخروج من السوق مثل قانون الافلاس، ووضع اطر قوية للانقاذ واعادة الهيكلة للشركات المتعثرة القادرة علي الاستمرار في السوق وضرورة التوجة الي زيادة الاستثمار في البنية التكنولوجية لتطوير انظمة إدارة المخاطر.
 
بدأت الدكتورة هالة السعيد، المدير التنفيذي للمعهد المصرفي المصري، الحديث مؤكدة ان الأزمة المالية العالمية التي وصفت بانها اكثر الازمات شدة بعد أزمة الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي اظهرت هشاشة النظام المالي وارتكاز الاقتصاد العالمي علي الجانب المالي اكثر من الجانب الحقيقي له، واثارت الأزمة العديد من التساؤلات حول آلية عمل النظام المالي العالمي ومصدر الأزمة الحقيقي وفشل المؤسسات المالية العالمية في إدارة المخاطر وتطبيق قواعد الحوكمة، مشيرة الي انه بناءٍ علي ماسبق كان من الضروري ان يكون مستقبل القطاع المصرفي في اعقاب الأزمة والتي يري بعض المحللين ان اثارها وتبعاتها لم تنته بعد هو محور ارتكاز المؤتمر.
 
ومن جانبها اكدت علا الخواجة مدير إدارة البحوث والتوعية بالمعهد المصرفي المصري انه بعد مرور اكثر من عام علي بدء الأزمة المالية العالمية نستطيع القول بانها الأزمة الاقتصادية الاكثر عنفاً في تاريخ العالم منذ ازمة الكساد الكبير في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي وبعد مرور اكثر من عقدين من النمو الاستثنائي للنظام المالي العالمي، فأصبحت الأزمة المالية الحالية نقطة تحول مهمة في تاريخ الاقتصاد العالمي الحديث فمن الواضح ان المؤسسات المالية تحاول ان تتكيف حالياً مع بيئة اعمال جديدة تتسم بشكلٍ عام بانخفاض معدلات النمو الاقتصادي مع زيادة التدخل الحكومي وتراجع وتيرة العولمة المالية التي كانت سائدة قبل الأزمة.
 
واكدت »الخواجة« ان الأزمة العالمية خلفت وراءها تغيرات جذرية في تشكيل النظام المالي العالمي فقد اثارت الاتجاة العالمي الي اعادة النظر في هذا النظام وكشفت عن التجاوزات والمخالفات في تطبيق اسس وقواعد الرقابة السليمة والافصاح، في ظل حالة الفوضي التي صاحبت عمليات ابتكار الادوات المالية الجديدة وطبيعة المخاطر المصاحبة لها علاوةً علي فشل مؤسسات التقييم في فهم طبيعة تلك المخاطر، وهو ما كان سبباً رئيسياً في حدوث الأزمة وزاد من حدتها درجة الترابط والتشابك العالية بين المؤسسات المالية العالمية.

 
قالت: الآن وبعد مرور عام ونصف العام علي الأزمة المالية يتعين علي المصرفيين وصناع القرار البحث عن اجابات لتلك الاسئلة، وهي ماذا تعلمنا من الأزمة التي اطاحت بكبري اقتصادات العالم ؟ وكيف يمكننا تطبيق ما تعلمناه لتعزيز الجهاز المصرفي لتجنب وتخفيف آثار الازمات في المستقبل؟ مشددة علي الاهمية البالغة للحصول علي إجابات لتلك الاسئلة حيث تعد امراً حاسماً لمستقبل النظام المالي والاقتصادي المحلي والعالمي.

 
واشارت مدير إدارة البحوث والتوعية الي ان التطورات التي شهدها الجهاز المصرفي علي مستوي العالم في اعقاب الأزمة العالمية تطرح امام البنوك المصرية العديد من الفرص التي يجب اقتناصها ومنها ان القطاع المصرفي المصري يتمتع بدرجة عالية من السيولة تمكنه من التوسع في توظيفها في الانشطة المختلفة وعلي رأسها نشاط منح التسهيلات الائتمانية لافته الي عدم استفادة القطاع من السيولة المتوافرة حتي الآن، حيث ان معدل توظيف القروض الي الودائع بلغ نسبة %53.1 في يوليو 2009، اضافة الي تمتع الاقتصاد المصري بدرجة عالية من التنوع مما يتيح الفرصة امام البنوك لتمويل القطاعات المختلفة وتنشيط حجم الطلب وحفز معدلات النمو الاقتصادي علي عكس بعض الدول التي يرتكز فيها التمويل لقطاعات العقارات والبترول واسواق المال، وجاءت الاستفادة الكبري من الأزمة العالمية والتي كان سببها الرئيسي الرهون العقارية للسوق المحلية بتفعيل دور القطاع المصرفي في نشاط التمويل العقاري، خاصة تمويل شراء الوحدات المتوسطة ومحدودة الدخل مع الابتعاد عن الإسكان الفاخر والذي شهد حالة من الركود بعد الأزمة، لافتاً إلي أن القطاع العقاري يتميز بانه من الانشطة التي تستوعب درجة عمالة كثيفة مما يساعد علي امتصاص معدلات البطالة التي ارتفعت بشكل ملحوظ عقب الأزمة العالمية.

 
واضافت انه علي الجانب الآخر نجد ان هناك عدداً من التحديات واجهت القطاع المصرفي المصري اهمها تضاؤل حجم الإقراض الموجه لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تعد بارقة الامل لحفز معدلات نمو الناتج المحلي وتوفير فرص عمل جادة للحد من انتشار البطالة ويرجع هذا التضاؤل الي افتقاد الجهاز المصرفي للكوادر التي لديها خبرة في التعامل مع هذه النوعية من المشروعات وافتقاد اصحاب تلك المشروعات الي الجوانب المالية والفنية والادارية والتنظيمية وهنا يأتي دور المعهد المصرفي المصري للقيام بدوره ورسالته للعمل علي خلق كوادر مصرفية متميزة علي اعلي مستوي من التدريب وعلي دراية شاملة بجميع مستجدات القطاع المالي العالمي، وانخفاض عدد المتعاملين مع وحدات الجهاز المصرفي مقارنة بتعداد السكان فلابد من العمل علي زيادة وتعميق الوعي المصرفي لدي الافراد لجذب عدد اكبر من المتعاملين، ورفع معدلات الادخار وما يترتب عليه من زيادة في معدلات النمو والناتج المحلي.

 
وألمحت الخواجة الي وجود تحديات آخري خلقتها الأزمة العالمية وهي ضرورة اتجاه البنوك الي الاستثمار في البنية التكنولوجية وذلك لتعزيز وتدعيم تطوير انظمة إدارة المخاطر وتحقيق الامن المعلوماتي والتوسع في تقديم الخدمات والمنتجات المصرفية للعملاء إضافة الي ايجاد آليات واضحة وسريعة للخروج من السوق، وهوما يحتاج الي وجود نظم قوية لاعادة الهيكلة وتحديث هذه النظم يعد من الاولويات المهمة لتسهيل عملية انقاذ واعادة هيكلة الشركات التي واجهتها حالة تعثر ولكنها لديها القدرة علي الاستمرارية في السوق.

 
واشارت الي انه بناءٍ علي ما سبق فان القطاع المصرفي المصري في حاجة الي كوادر بشرية مؤهلة ومدربة علي اعلي المستويات فلابد من الاهتمام بالتعليم والتدريب المستمر في جميع النواحي والمجالات المصرفية لتحقيق درجة عالية من التنافسية للجهاز المصرفي المصري علي المستوي العالمي، وذلك ليكون قطاعاً مالياً قائداً يجعل مصر مركزاً اقليمياً ودولياً كما هو الحال في عدد من الاقتصادات الناشئة.

 
واكدت استفادة القطاع المصرفي المحلي من المرحلة الاولي للاصلاح المصرفي والتي ساعدت القطاع علي مواجهة وإدارة الأزمة والخروج منها باقل الخسائر ونجحت خطة الاصلاح في تطوير ورفع كفاءة قطاع الرقابة والاشراف علي البنوك عن طريق الاستفادة من افضل الممارسات الدولية لضمان قوة وسلامة الجهاز المصرفي وتقليص عدد البنوك المتواجدة في السوق المحلية الي 39 بنكاً حالياً مقابل 57 بنكاً عام 2004 عبر عمليات الاندماجات والاستحواذات الناجحة التي ادت الي خلق كيانات مالية قوية ودخول بنوك عالمية كبري للعمل في السوق المصرية اضافة الي تدفق رؤوس اموال جديدة واستثمارات اجنبية من خلال حركة الاندماجات والاستحواذات بلغت 24.235 مليار جنيه.

 
واضافت انه تم إنشاء اول شركة للاستعلام الائتماني علي ضوء المرحلة الاولي من برنامج الاصلاح المصرفي والتي تساهم بدورها في توفير المعلومات والبيانات الخاصة بالمؤسسات المقترضة لتساعد وتمكن البنوك من إدارة مخاطر الائتمان بدرجة كفاءة عالية، واستكمالاً للنتائج الايجابية التي تم تحقيقها خلال المرحلة الاولي من الاصلاح اطلق »البنك المركزي« المرحلة الثانية من برنامج الاصلاح مطلع العام الحالي وتستهدف رفع كفاءة اداء الجهاز المصرفي وزيادة تنافسيته وقدرته علي إدارة المخاطر المصرفية، وذلك من خلال عدة محاور اساسية وهي تطبيق مقررات اتفاقية »بازل2« علي وحدات القطاع المصرفي والتي تهدف في الاساس الي تطبيق القواعد الدولية المنظمة للجهاز المصرفي وقياس المخاطر بشكل اكثر دقة علي ان يكون القياس بشكل نوعي اي ان يكون هناك تقديرللمخاطر المختلفة التي يتعرض لها البنك من مخاطر التشغيل ومخاطر السوق.

 
ولفتت الخواجة الي ان تطبيق معايير وقواعد الحوكمة يعد واحداً من اهم اهداف المرحلة الثانية من برنامج اصلاح الجهاز المصرفي، خاصة فيما يتعلق بتوزيع الاختصاصات والصلاحيات بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة وتفادي تعارض المصالح واعادة النظر في وضع قواعد واسس لربط المكافآت الخاصة باعضاء مجلس الإدارة بالاهداف طويلة الآجل وتعزيز مستوي الشفافية واحكام عمل اللجان المتفرعة من مجلس الإدارة خاصة لجنة المراجعة، فضلاً عن تطبيق نظم وآليات قواعد ومعايير الحوكمة الدولية، ويدور المحور الاخير لبرنامج الاصلاح المصرفي حول الحوافز التي قدمها البنك المركزي المصري لتشجيع البنوك علي تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة لما تلعبه تلك المشروعات من دور حيوي في حفز معدلات النمو والناتج المحلي ومستويات التشغيل، وكان »المركزي« قد قاد مبادرة ايجابية في بداية العام الحالي من خلال اعفاء البنوك من نسبة الـ %14 الاحتياطي الالزامي الخاص بالتسهيلات الائتمانية الممنوحة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وذلك لتشجيع البنوك علي اقراض هذه النوعية من المشروعات وقام »المركزي« بانشاء وحدة بالمعهد المصرفي المصري لتاهيل وتدريب وخلق كوادر مصرفية متخصصة قادرة علي التعامل مع تلك المشروعات اضافة الي تدريب اصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة علي بعض المهارات المالية والادارية والتسويقية والفنية والمحاسبية.

 
وعلي نحو آخر اشارت الخواجة الي قيام بعض الحكومات والبنوك المركزية في عدة دول باتخاذ مجموعة من الاجراءات للتخفيف من اثار الأزمة وتداعياتها علي اقتصادياتها من خلال مجموعة من الاجراءات الفورية ومنها حزم الانقاذ المالية »packages economic stimulus « وضخ السيولة المباشرة ورسملة المؤسسات المالية المختلفة »recapitalization « ، وعلي جانب اخر افرزت اجتماعات المؤسسات الدولية والجهات الرقابية المختلفة ومنها صندوق النقد الدولي ومجلس الاستقرار المالي بلجنة التسويات الدولية »financial stability board « ومجموعة العشرين العديد من التوصيات والتي تدور حول عدة محاور رئيسية.

 
ويتمثل المحور الاول في الحاجة الي السيطرة علي المخاطر النظامية »systematic approach « من خلال تحول الاتجاه الرقابي من معايير السلامة التحوطية علي المستوي الجزئي الي معايير السلامة التحوطية علي المستوي الكلي، وهو ما يتطلب من البنوك رفع رؤوس اموالها وضمان مستويات السيولة وتوفير الاحتياطيات قصيرة وطويلة الاجل والتاكيد علي رفع معدلات الاحتياطي من رأس المال في فترات الركود بمعدلات اعلي عن مثيلتها في فترات الانتعاش والرواج الاقتصادي.

 
واوضحت الخواجة ان طبيعة وحجم المخاطر النظامية في القطاع المالي تعتمد بشكل اساسي علي الترابط والتشابك الوثيق بين المؤسسات المالية والاسواق والبني التحتية الخاصة بها منتقدة المفهوم الشائع القائل بان المخاطر النظامية تنحسر في وجود مشاكل ونقص في السيولة واحتمالية حدوث حالات تعثر وافلاس للعملاء في المصارف والمؤسسات المالية الكبري، مشيرة الي ان الاطار العام للاستقرار المالي يجب ان يكون قادراً علي تحديد وتقييم المخاطر النظامية المقابلة، وفي هذا السياق فان الرقابة الكلية التحوطية من شانها التركيز علي العوامل والمخاطر التي يمكن ان تؤثر علي استقرار النظام المالي ككل وتكملة دور الرقابة الجزئية التحوطية التي من شأنها الحفاظ علي استقرار المؤسسات المالية الفردية.

 
ولفتت الخواجة الي ان المحور الثاني يركز علي اهمية دور البنوك المركزية في اعادة الثقة في النظام المالي والمصرفي، حيث يتعين عليها ضرورة العمل علي استعادة الثقة في البنوك بكونها جهة الرقابة والاشراف عليها من خلال عدة نقاط اهمها الوقوف علي احتياجات السيولة في المديين القصير والطويل الآجل لتحسين اساليب وطرق إدارة السيولة، واهتمام البنوك بإدارة المخاطر بالقدر الكافي بالمساواة مع الاهتمام بالربحية وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، وإعادة النظر في دور مؤسسات تصنيف المخاطر ومدي فاعليتها في القطاع المالي، فضلاً عن تحسين وضع الملاءة المالية بالبنوك وتحديد مدي كفاية رأس المال وزيادته تدريجياً، والتحقق من جودة الاصول ووضع خطط مستقبلية لدعم قاعدة رأس المال وزيادة المخصصات.

 
وقال طارق عامر، رئيس مجلس إدارة البنك الاهلي المصري، إن الأزمة المالية العالمية خلقت تحدياً جديداً امام بنوك القطاع المصرفي وهو اهمية الخروج عن الاطار التقليدي للبنوك حيث لابد ان يكون للقطاع المصرفي دور اكبر في عملية التنمية بعيداً عن دوره الاساسي كمستقبل لودائع العملاء واعادة اقراضها، مشدداً علي ضرورة البحث عن سبل ٍأخري للتوظيف الي جانب منح التسهيلات الائتمانية للاستفادة من حجم السيولة الضخم المتوافر لدي الجهاز المصرفي والذي تعدي 800 مليار جنيه، مؤكداً ان هذه السيولة لم يتم استغلالها بشكل صحيح حتي الآن فيجب علينا طرق ابواب أخري لتوظيفها بالشكل السليم لدعم ومساندة عملية التنمية ودفع وتحريك عجلة الاقتصاد القومي للامام لحفز معدلات النمو الاقتصادي والناتج المحلي، ورحب »عامر« بطرح افكار وطرق جديدة للتوظيف للمناقشة للوصول الي النموذج الامثل للتوظيفات، مؤكداً ان القطاع المالي والمصرفي استفاد كثيراً من الأزمة العالمية، وانه حان وقت التغير لتعظيم دور البنوك.

جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الثلاثاء, 24 نوفمبر 09