
بنوك – ارشيفية
أماني زاهر وآية عماد:
على الرغم من عدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية بالبلاد، منذ الإطاحة بمحمد مرسي من الحكم يوليو الماضي، وما تبعه من تصاعد لأحداث العنف بلغت ذروتها بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، إلا أن المصرفيون أكدوا قدرة البنوك المصرية على تمويل ومساندة المشروعات، سواء من خلال تقديم الدعم المالي أو الفني خلال الفترة المقبلة.
وقالوا أن توفير التمويل للمشروعات القائمة والجديدة هو صميم عمل البنوك، لافتين إلى استحالة إحجام أي من البنوك المحلية عن منح الائتمان لأي مستثمر، ثبتت جدية مشروعه من خلال الدراسات الائتمانية.
وتابعوا أن هدف البنوك التجارية هو تعظيم أرباحها، وهو ما يجعلها تفضل منح الائتمان عن التوسع في الاستثمار في أدوات الدين، نظرا لارتفاع العائد الذي تحققه الأولى عن الثانية.
وأشاروا إلى قوة المراكز المالية للبنوك وتمتعها بمعدلات سيولة جيدة، لتبلغ أعلى معدلاتها خلال الفترة الأخيرة، فضلا عن ارتفاع جودة أصول القطاع والحد من ارتفاع معدلات التعثر القروض لتبلغ 10% فقط، مع الاحتفاظ بمخصصات تغطي 97% منها.
وأوضحوا أن تصاعد الاضطرابات السياسية داخل البلاد منذ ثورة 25 يناير، كان سببا في إحجام المستثمرين عن التوسع في أنشطة قائمة أو إقامة أخرى جديدة، ترقبا لما سينتج عن تلك الأحداث، الأمر الذي دفع معدلات التوظيف القروض للودائع إلى 47%، وهو ثاني أدنى مستوي له منذ عام 2000 .
وتوقع المصرفيون تعافي الاقتصاد المصري بمجرد استقرار الأوضاع، واستعادة الأمن في الشارع المصري، خاصة أن استباب الأمن هو حجر الأساس لتحسين مناخ الاستثمار ومن ثم النشاط الإئتماني .
وقال إسماعيل حسن، محافظ البنك المركزي الأسبق ورئيس بنك مصر إيران للتنمية، إن القلق الذي ينتاب بعض المستثمرين إثر تطور الأوضاع السياسية والأمنية الأخيرة بالبلاد، لا يجب أن يمتد إلى القطاع المصرفي خاصة في ظل المقومات والخبرات التي يتمتع بها القطاع.
وأضاف أن البنوك لديها دور هام في تنشيط الاستثمار وطمأنة المستثمرين من خلال تشجيعهم على الإقتراض، لإقامة مشروعات ذات جدوى اقتصادية تدر عائدا لهم وللاقتصاد القومي.
وشدد حسن على ضرورة استباب الأمن واستقرار الأوضاع السياسية، لتحسين مناخ الاستثمار ومن ثم النشاط الائتماني، مؤكدا قدرة القطاع المصرفي على تمويل المشروعات في القطاعات المختلفة، نظرا لما يتمتع به من مراكز مالية قوية ومعدلات سيولة جيدة.
وتبعا لأحدث تقرير صادر عن البنك المركزي، فقد بلغ متوسط السيولة الفعلية لدى البنوك بالعملة المحلية أعلى معدلاتها، خلال الربع الأول من العام الجاري، لتسجل 59.7%، لتشير إلى امتلاك البنوك أصول قصيرة الأجل من نقدية وحسابات جارية وأذون خزانة، فيما بلغت معدلات السيولة بالعملة الأجنبية نحو 57.2% خلال تلك الفترة.
واقترح محافظ البنك المركزي الأسبق مشاركة البنوك في إقامة عدد من المشروعات الإنتاجية، عبر الاستثمار المباشر لتشجيع المستثمرين وصغار المدخرين، موضحا أن مساهمة البنوك في المشروعات تخلق طمأنينة لدى العديد من المستثمرين، نظرا لتمتع القطاع بخبرات وكوادر قادرة على دراسة الجدوى الاقتصادية لهذه المشروعات بشكل جيد.
واشترط ضرورة انتقاء المشروعات الإنتاجية التي تحقق قيمة مضافة للاقتصاد، مفضلا المشروعات المنتجة للسلع التي تحل محل الواردات، بما يساعد على تقليل فجوة ميزان المدفوعات ودعم الاحتياطي الأجنبي بصورة غير مباشرة.
ولفت حسن إلى إمكانية التخارج من هذه المشروعات بعد ذلك والاستفادة من حصيلتها سواء في تأسيس استثمارات أخرى، أو ضخها في النشاط الأساسي للبنوك المتمثل في الإقراض، مشيرا إلى أن الاستثمار المباشر ليس دور البنوك وإنما هو عامل مساعد يتم اللجوء إليه في بعض الأوقات لبث الطمأنينة لدى المستثمرين.
ونوه إلى أن وضع الاقتصاد المصري يتطلب زيادة الإنتاج كما وكيفا، الأمر الذي يتطلب معه زيادة الاستثمارات ومن ثم منح القروض من جانب القطاع المصرفي، إلا أن كل ذلك يسير ببطء، نتيجة تراجع شهية رجال الأعمال على الاستثمار جراء عدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية.
من جانبه، أكد محمود منتصر، نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري، أن القطاع المصرفي على أتم الاستعداد لتمويل المشروعات، وتقديم الاستشارات المالية اللازمة للمستثمرين الجادين خلال الفترة المقبلة.
وأشار إلى تمتع البنوك المصرية بمعدلات سيولة جيدة تمكنها من تمويل المشروعات، مؤكداً على رغبتهم الشديدة في منح القروض وتنشيط الاقتصاد، ولفت إلى أن ضعف النشاط الائتماني وراء توسع البنوك في أذون الخزانة الحكومية لاستغلال ما لديها من سيولة.
وكشف عن نية مصرفه عقد اجتماعات مع الغرف التجارية، لبحث سبل تنشيط التجارة والاستثمار والتصدير خلال الفترة المقبلة، رافضا إلقاء اللوم دائما على العاملين بالقطاع المصرفي، وأشار إلى أن بطء معدلات الإقراض يرجع بالأساس لإحجام المستثمرين عن طلب الائتمان، على خلفية الخوف والقلق من الاستثمار في ظل عدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية.
وألمح منتصر إلى أن القطاع المصرفي تجاوز مراحل عصيبة خلال الثلاث سنوات الماضية، جعلته من أقل القطاعات تأثراً بالأحداث والأكثر صمودا، نتيجة الإصلاحات القوية التي تبناها “المركزي” خلال السنوات الماضية .
وأكد على تمتع مصر بفرص استثمارية واعدة في العديد من المجالات، الأمر الذي يؤهلها إلى جذب استثمارات محلية وأجنبية، بشرط استقرار الأوضاع السياسية والالتزام بخارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها في يوليو الماضي.
فيما قال السيد القصير، رئيس بنك التنمية الصناعية والعمال المصري، إن البنوك المصرية لديها من السيولة ما يكفي لتوفير التمويلات اللازمة للمشروعات الجديدة، بشرط التأكد من جدواها وربحيتها.
وتابع أنه من غير المعقول أن ترفض البنوك، طلب مستثمر جاد للحصول على قرض بغرض التوسع في نشاط قائم أو إقامة نشاط جديد، مشيرا إلى أن المعيار الحاكم للموافقة على منح الائتمان من عدمه، هو تقييم المشروعات من خلال دراسات الجدوى.
وأضاف أن البنوك المحلية تتنافس على توفير التمويلات للمشروعات ذات الجدوى الحقيقية، ولا صحة لتحفظها عن تقديم الائتمان بسبب الأوضاع الراهنة، موضحا أن تباطؤ نشاط الائتمان يرجع بالأساس إلى ترقب المستثمرين لما ستسفر عنه الأحداث الجارية بمصر في الوقت الراهن، متوقعا تصدر القطاعات كثيفة العمالة في الحصول على تمويلات جديدة كقطاعات المقاولات والبنية الأساسية بالإضافة إلى القطاع الصناعي، ولفت إلى أن الاتجاه التنموي يتطلب دعم تلك القطاعات بهدف توفير المزيد من فرص العمل خلال الفترة المقبلة.
وأوصى بضرورة أن تعيد الدولة دراسة قطاع الغزل والنسيج، بهدف الوقوف على مشكلاته وضخ أموال جديدة فيه، باعتباره أحد أبرز القطاعات الحيوية في الاقتصاد المصري.
وعن إمكانية إطلاق البنوك لمبادرة بهدف دعم قطاعات بعينها، أشار القصير إلى أن البنك المركزي المصري أطلق قبل ذلك مباردة هدفها التخفيف عن عملاء البنوك من مستثمري القطاع السياحي، فضلا عن مبادرة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مشيرا إلى أن “المركزي” لا يتوانى عن المساهمة في مساعدة القطاعات التي تتعرض لأزمات بسبب الأحداث الجارية في مصر.
ولفت إلى أن معدلات التعثر في السداد لم تتأثر بصورة كبيرة بتصاعد الاضطرابات السياسية في مصر، مشيرا إلى أن البنوك المصرية تفرق بين العملاء الذين تعرضوا لظروف عارضة أخرتهم عن السداد ونظرائهم الذين تعثروا في السداد، نتيجة لفشلهم في إدارة المشروع أو لعدم رغبتهم أصلا في السداد.
وأضاف أن المصارف المحلية تقف خلف النوع الأول من العملاء وتدعمهم، من خلال فترات السماح، نظرا لأن تأخرهم في السداد نتج عن ظروف عارضة نتيجة للأحداث الحالية.
وأوضح رئيس بنك التنمية الصناعية والعمال المصري، أن لجوء البنوك للاستثمار في أذون الخزانة يعود لسببين أساسيين: الأول هو الوقوف إلى جانب الدولة والثاني هو تباطؤ حركة النشاط الائتماني، نتيجة انخفاض الطلب من جانب المستثمرين على خلفية تصاعد حدة الاضطرابات السياسية بمصر، مما دفع البنوك للبحث عن استثمارات بديلة لتعويض تكلفة الأموال، لحين عودة النشاط الائتماني لوضعه الطبيعي.
وأشار القصير إلى أن المساعدات العربية وصندوق دعم مصر، سيسهمان في تخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة، ودعم استقرار سعر الصرف مما يزيد من فرص التمويل المشروعات.
وتابع أن استقرار سعر الصرف من أهم عوامل الجذب الرئيسية للاستثمارات بشكل عام والأجنبية بشكل خاص، فضلا عن أهميته في انضباط دراسات الجدوى عند تقييم المشروعات.
ويرى القصير أن الاقتصاد المصري يتميز بالتنوع، فهو لا يعتمد على قطاع بعينه، مما يزيد من فرص تعافيه من الكبوة الراهنة بصورة سريعة.
من جانبه، قال تامر صادق، نائب مدير قطاع الائتمان ببنك مصر، إن التباطؤ الذي تشهده حركة النشاط الائتماني يعود بالأساس إلى ترقب المستثمرين لما سينتج عن الأحداث التي تشهدها البلاد.
وتابع أن إحجام المستثمرين هو السبب الرئيسي في انخفاض معدلات التوظيف داخل الجهاز المصرفي المصري، مشيراً إلى ارتفاع مستويات السيولة وهو ما يمكن البنوك المحلية من ضخ التمويلات بشرط توافر المشروعات الجادة.
ولفت إلى أن انخفاض نسب التعثر داخل الجهاز المصرفي المصري، يعزى بالأساس إلى تفهم البنوك لطبيعة المرحلة الراهنة التي تمر بها البلاد، وقيامها بإجراء الدراسات الائتمانية وفق أسس وقواعد جيدة، فضلا عن دورها في تخفيف الأعباء عن كاهل المستثمر الجاد.
ورجح نائب مدير قطاع الائتمان ببنك مصر، أن تستحوذ مشروعات البنية التحتية على القيمة الأكبر من التمويلات الممنوحة من البنوك خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تصاعد الحديث عن مشروعات شرق التفريعة و شرق قناة السويس.
ونفى إمكانية أن يؤثر تصاعد أحداث العنف في مصر على تجنب البنوك لتقديم التمويلات الجديدة لمستثمري القطاع السياحي، مشيرا إلى أن البنوك تتخذ قرارها بتوفير التمويلات اللازمة لكل المشروعات بعد الوقوف على جديتها من عدمها.
و تابع أن المشروعات الجديدة في قطاع السياحة لن تؤسس في خلال يوم وليلة، ولكنها تحتاج على الأقل لعامين لحين استقرار الأوضاع في البلاد، متوقعا استعادة النشاط الائتماني لعافيته مجددا بمجرد استقرار الأوضاع الداخلية، واستعادة الأمن من جديد.
وأوضح صادق أن استثمار البنوك سيولتها في أذون الخزانة، لم يعوقها عن تقديم التمويلات للمستثمرين، مشيرا إلى أن البنوك التجارية بشكل عام تسعى لتعظيم أرباحها و لذا فهي تفضل منح الائتمان عن الاستثمار في الأذون.