شهدت الاشهر الأخيرة العديد من الأحداث الصاخبة في سوق المال، التي بدأت بمطالبة إدارة البورصة بعض الشركات بعدد من الاجراءات الحاسمة علي راسها تقديم دراسات من جانب مستشارين ماليين مستقلين القيم العادلة لاسهمها، ثم انتهت هذه الاحداث بصراع فرانس تليكوم لشراء سهم موبينيل، لتقدم عرضها الرابع بسعر 245 جنيهاً، وهو السعر الذي ارتفع عن اغلب القيم العادلة للسهم، التي تم تحديدها من قبل إدارات البحوث بشركات السمسرة الكبري العاملة بالسوق، وإن جاءت أقل من القيمة العادلة بغرض الاستحواذ التي أعدتها شركة برايم لترويج الاكتتاب.
وأعقب هذه الاحداث صعود الأسعار السوقية لبعض الاسهم عن قيمها العادلة، حيث قدمت بعض الشركات التي كانت موقوفة قيماً عادلة لاسهمها محددة بواسطة مستشار مالي مستقل الا ان الاسعار السوقية للاسهم تجاهلت تلك القيم العادلة لتتخطاها وتسجل مستويات اعلي منها.
وساهمت الاحداث الاسبقة في اعادة فتح ملف القيم العادلة ومدي اهمية قرب او بعد أسعار الاسهم السوقية عنها في اختيار الأسهم المكونة للمحافظ الاستثمارية، فضلا عما إذا كانت القيم العادلة تمثل السقف او الحد الأقصي لأسعار الأسهم، حيث يجب أن يتجه المتعاملون لبيع الاسهم في حال بلوغ هذا السقف.
واستبعد عدد من خبراء سوق المال ان تكون القيمة العادلة هي الحد الاقصي لاسعار الاسهم، وأكدوا ان القيم العادلة ما هي الا هدف مرجو للسهم من وجهة نظر المحللين الماليين، واستشهدوا علي ذلك باختلاف القيم العادلة الصادرة عن كل إدارة بحوث علي حدة.
ورأي الخبراء أن البديل الأمثل للمساهمين عند بلوغ الاسهم قيمها العادلة ليس البيع، وانما اعادة النظر في وضع السهم والفرص الاستثمارية المتاحة له، نظرا لاحتمالة ان تستكمل الأسهم مساراتها الصاعدة متجاهلة قيمها العادلة، نتيجة اقبال المتعاملين في السوق عليها، او نتيجة عدم منطقية القيم العادلة المحددة من قبل المحللين، او حتي نتيجة تغير المراكز المالية الحقيقية للشركات.
وفي الوقت نفسه أكد فريق من الخبراء ان بلوغ الاسهم قيمها العادلة او اقترابها منها يجب ان يصاحبه حذر في التعامل عليها، نظرا لأن هذا الامر يدل علي احتمالية ان يستجيب السهم لبلوغه القيمة العادلة بالارتداد لأسفل.
يذكر ان سعر سهم البنك الاهلي المتحد قد ارتفع مؤخرا ليصل الي 35.8 جنيه في حين ان قيمته العادلة التي حددتها شركة برايس هاوس للاستشارات المالية، التي تقوم بدور المستشار المالي المستقل قد تراوحت بين 31.67 جنيه، و33 جنيهاً، جاء هذا بعد أن وافق البنك الاهلي المتحد علي عرض الشراء الاجباري المقدم من البنك الاهلي المتحد البحريني بسعر 37 جنيهاً
وارتفع سهم التجاري الدولي ليسجل 56 جنيهاً بجلسة الاثنين الماضي، في حين حددت شركة بلتون فاينانشيال قيمته العادلة بـ51.5 جنيه، بينما حددتها شركة عكاظ لتداول الاوراق المالية بـ53.9 جنيه.
وسجل سهم الاهلية للاستثمار والتعمير 22.05 جنيه في جلسة الاثنين الماضي في حين ان قيمته العادلة المحددة بواسطة مستشار مالي مستقل بلغت 20.2 جنيه، كما اغلق سهم القاهرة للخدمات التعليمية عند 33.9 جنيه بينما حددت قيمته العادلة عند 31.9 جنيه، واغلق سهم السعودية للاستثمار عند 88 جنيهاً يوم الخميس الماضي، في حين أن قيمته العادلة حددت عند 67 جنيهاً.
من جانبه راي محمد ماهر، نائب رئيس مجلس ادارة شركة برايم لتداول الاوراق المالية، انه من الخطأ ان يتم اعتبار القيمة العادلة بمثابة سقف الاسعار السوقية للاسهم، موضحا انها تمثل فقط قيمة السهم الحقيقية، وفقا لوجهة نظر اقسام البحوث التابعة لشركات السمسرة، التي تحدد الاسعار العادلة بناء علي تقييم اصول الشركات وممتلكاتها ومراكزها المالية، ومن ثم تختلف القيم العادلة المحددة طبقا لرؤية كل محلل.
واكد ماهر ان بعد او قرب الاسعار السوقية للاسهم عن القيم العادلة يجب ان يمثل أحد المعايير الاساسية في اختيار الاسهم المكونة للمحافظ الاستثمارية، إلا أنه رأي ايضا في الوقت نفسه أن وصول أسعار الأسهم السوقية للقيم العادلة او تخطيها ليس من الضروري ان يصاحبه تخفيف المراكز المالية فيها، وإنما أكد أن البديل الأمثل في هذه الحالة هو الانتظار حتي تتضح الرؤية عما سيؤول إليه سعر السهم، علي ان تصاحب هذا الانتظار حالة من الحذر في التعامل علي السهم، نظرا لان ارتفاع سعر السهم السوقي عن قيمته العادلة يعد مؤشرا لاحتمالية هبوط سعره إلي مستوي أقل من السعر العادل.
كما اوضح نائب رئيس شركة برايم أنه ليس من الضروري أن يهبط سعر السهم بعد وصوله للقيم العادلة، نظرا لان القيم العادلة للاسهم ليست ثابتة، بل هي قابلة للتغير طبقا لتقلبات القطاعات الاقتصادية، وطبقا لأي أحداث جوهرية تطرأ في الشركات، وهو ما يؤدي الي تجاوز اسعار الاسهم قيمها العادلة في بعض الاحيان.
واكد انه من الطبيعي والمنطقي ان تختلف القيم العادلة للشركات عن اسعار البيع للمستثمر الاستراتيجي، نظرا لارتفاع حجم القيمة المضافة العائدة علي المستثمر الاستراتيجي بالمقارنة بالمستثمر العادي، الذي يشتري السهم بهدف تحقيق أرباح رأسمالية من ارتفاع سعر السهم او ارباح جارية من الارباح الموزعة من الشركة، في حين ان دخول المستثمر الاستراتيجي يعني زيادة حجم أعماله وعوائده من الشركات، مما يرفع من القيمة المضافة العائدة عليه بالمقارنة بالمستثمر العادي.
من جهته رأي عمر رضوان، الرئيس التنفيذي لشركة اتش سي لادارة الاصول، ان القيم العادلة للاسهم التي تحدد من قبل المحللين الماليين بسوق المال ليست أسعارا ملزمة للأسهم، حيث إنها تتحدد طبقا لوجهة نظر كل محلل وتوقعاته لاداء الشركات خلال فترات مقبلة، لذا فانه ليس من الضروري ان تكون هي الحدود القصوي لاسعار الاسهم، وذلك نظرا لعدة احتمالات، اولها ان تكون القيم العادلة المحددة من بنوك الاستثمار بالسوق غير واقعية او تم بناؤها علي أسس غير منطقية، أما الاحتمال الثاني فيتمثل في ان تكون القيم الحقيقية للشركات قد تغيرت نتيجة تغير الاوضاع الاقتصادية او المواقف المالية للشركات، موضحا ان القيمة العادلة للسهم تمثل المراكز المالية للشركة خلال فترة التقييم فقط.
وضرب مثالا علي ذلك بتخطي أسعار الأسهم قيمها العادلة في حال تقديم عرض شراء لأسهم إحدي الشركات من مستثمر استراتيجي بسعر أعلي من الأسعار السوقية وكذلك القيم العادلة، وهو ما اعتبره رضوان طبيعيا، نظرا لان دخول المستثمر الاستراتيجي للشركات لا بد ان يصاحبه ارتفاع في القيم العادلة للاسهم، مما يدل علي منطقية صعود أسعار الاسهم السوقية لنفس مستويات اسعار الشراء، وهو ما حدث مع سهم موبينيل عند تقديم شركة فرانس تليكوم عرض شراء للاسهم مقابل 245 جنيهاً في حين ان السهم كان يتداول عند مستوي 200 جنيه قبل تقديم العرض الا انه قفز ليصل الي 241 جنيهاً بعد تقديم العرض.
ورأي رضوان أن البيع ليس هو البديل الأمثل عند وصول الاسهم لقيمها العادلة، وانما إعادة النظر في اوضاع الاسهم والفرص الاستثمارية المتاحة لها، فضلا عما اذا كان المستثمر قد حقق الارباح الرأسمالية المرجوة من عدمه، مؤكدا ان هذه العوامل هي المحددة لما اذا كان السهم قد وصل لقيمته الحقيقية ام ان فرصة صعوده وتحقيقه مستويات اعلي ما زالت متاحة.
واوضح رضوان ان القيمة العادلة هي مستوي يتوقع ان يصل إليه السهم خلال فترة مقبلة، وبناء علي ذلك يقوم المتعاملون بالدخول في الاسهم في أوقات بُعد مستويات شرائها عن القيم العادلة الا ان هذه القيمة المتوقعة ليست بالضروري ان تكون هي اقصي قيمة للسهم في السوق.
وراي الرئيس التنفيذي لاتش سي ان كل متعامل يمكن ان يقتنع بقيمة عادلة مختلفة عن نظيره، وهو منطق سوق المال حيث إن اتفاق كل المتعاملين علي قيمة عادلة وحيدة او علي مستوي معين للأسعار العادلة للاسهم سيؤدي الي دخول كل المتعاملين في الاسهم دفعة واحدة وخروجهم منها دفعة واحدة ايضا، وهو ما ينتفي مع أهم مبادئ البورصة كسوق معتمدة بشكل اساسي علي العرض والطلب طبقا لسياسة المتعاملين بها.
كما لفت الرئيس التنفيذي لإتش سي الي ان القيمة العادلة لا تشكل معيارا مهماً لكل المتعاملين بالسوق في اختيار الاسهم، خاصة بالنسبة للمستثمرين الافراد الذين يفضلون الدخول في السهم طبقا لتحركاته في السوق، وطبقا لحركة السيولة به دون استخدام القيمة العادلة ضمن معايير اختيار الاسهم.
ورأي عيسي فتحي، العضو المنتدب لشركة المصريين في الخارج لادارة محافظ الاوراق المالية، ان القيم العادلة للاسهم لا تمثل سوي وجهة نظر مصدرها لمستقبل اسعار الاسهم التي يتم بناؤها وفقا لعدة عوامل منها الفروض التي يتبني عليها التقييم، التي تختلف تبعا لتفاؤل او تشاؤم المحلل، فضلا عن معامل الخصم الذي يتغير طبقا لحسابات كل محلل، والذي يؤثر بشكل كبير علي القيم العادلة المصدرة، مشيرا في هذا الصدد إلي إقرارات إخلاء المسئولية التي تصاحب اي تقارير مصدرة من شركات السمسرة حيال القيم العادلة للأسهم، التي تؤكد بها الشركات ان المعلومات والارقام المحدة بالتقارير حددت وفقا لرؤية المحللين، وانها غير ملزمة بالبيع او الشراء للمساهمين.
ولفت فتحي إلي ان القيم العادلة لا تمثل احد المعايير المهمة في اتخاذ القرارات الاستثمارية للمتعاملين، مؤكدا وجود معايير أهم في اختيار الاسهم مثل سيولة الاسهم، ودرجة الاقبال عليها من قبل المتعاميلن بالسوق، لافتا الي القيم السوقية لبعض الاسهم التي كانت مهددة بالشطب، والتي اجبرت علي تحديد قيم عادلة بواسطة مستشار مالي مستقل، والتي ارتفعت اسعارها السوقية عن القيم العادلة المحددة طبقا لتقييم المستشار المالي المستقل، وضرب مثلا بسهم شركة السعودية للاستثمار، الذي تم تحديد قيمته العادلة بـ67 جنيها، في حين وصل سعر السهم الي 88 جنيهاً خلال جلسة الاثنين الماضي.
وفي الاتجاه نفسه رأي حسين عبدالحليم، مدير استثمار بشركة بلتون فاينانشيال، انه لا توجد ارقام محددة تعبر عن القيم العادلة للاسهم، موضحا ان القيم الحقيقية للاسهم تحدد طبقا لرؤية كل مستثمر او محلل في سوق المال، فضلا عن تعدد طرق حسابها مما يدل علي ضرورة اختلافها عن بعضها.
وحول جاذبية شراء الاسهم عند اقترابها من القيم العادلة رأي عبدالحليم ان هذا الامر يتوقف علي سياسة المتعاملين واهدافهم من شراء الاسهم، ورؤيتهم لمستقبل هذه الاسهم، مؤكدا ان التوصية في حال وصول الاسهم لقيمها العادلة هي الاحتفاظ وليس البيع، نظرا لاحتمالية ان تكمل الاسهم مسارها الصعودي بعد وصولها لقيمها العادلة مرجعا هذا الامر لعدة احتمالات اهمها وجود مشتر قوي في السوق متمسك بتجميع الاسهم، فضلا عن احتمالية وجود معلومات ايجابية عن الشركات داخل السوق ولا يعلمها المحللون المصدرون للقيم العادلة.