حســــم الصـراع علـي الوفـــــد رغــــم المناوشـــــــات القــــــــانونيــة

حســــم الصـراع علـي الوفـــــد رغــــم المناوشـــــــات القــــــــانونيــة
جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الأحد, 9 أبريل 06

المال – خاص:
 
بالرغم من التراشق بالرصاص و زجاجات المولتوف الحارقة فقد اتفق فرقاء الوفد علي أمر واحد فقط  وهو أن جزءاً كبيراً من مسئولية أحداث السبت 1 أبريل الدامي تقع علي عاتق لجنة الأحزاب ورئيسها صفوت الشريف و أن سياسة الحياد السلبي التي اتبعها الأمن كانت وراء وصول الأمور إلي درجة الصراع المسلح ، و لكنهم اختلفوا بعد ذلك عن كون هذه الأحداث تمثل نهاية الصراعات في الحزب العتيد و حول إمكانية أن يملأ ” وفد ما بعد غزوة الدقي الفاشلة ” الفراغ الليبرالي الكبير الذي تعاني منه الساحة السياسية المصرية.

 
فمن ناحيته ، أكد منير فخري عبد النور عضو الهيئة العليا للوفد و أحد أقطاب جبهة الإصلاحيين  أنه لو كانت لجنة الأحزاب قد قامت بواجبها و بحثت في صحة الجمعية العمومية التي انعقدت يوم 10 فبراير 2006 ، وهي الجمعية التي أكدت فصل الدكتور نعمان و انتخاب المستشار مصطفي الطويل ، لكانت اللجنة قد جنبت الحياة الحزبية فضيحة سياسية بحجم  أحداث يوم السبت الدامي .
 
أما الدكتور وحيد عبد المجيد فقد تعجب لتغافل اللجنة عن قرارها السابق الذي اتخذته هي ذاتها و نص علي أن ما يحدث في الوفد هو نزاع داخلي و لا يمكن حسمه سوي عن طريق الجمعية العمومية للحزب ، فلماذا إذا لم تسارع اللجنة باعتماد قرارات تلك الجمعية العمومية ؟!
 
ويري يس تاج الدين ، سكرتير عام مساعد حزب الوفد ، أن تأخر لجنة الأحزاب في تسجيل قرارات الجمعية جعل د. نعمان جمعة يستمر في اعتبار نفسه الرئيس الشرعي للحزب فانتهت الأمور إلي هذا التداعي المذري.
 
و علي الجانب الأخر ، فإن أحمد حلمي المحامي ، عضو هيئة الدفاع عن مجموعة الدكتور نعمان جمعة ، قد ألقي _ هو الآخر _ اللوم علي لجنة الأحزاب و رئيسها صفوت الشريف بخصوص أحداث يوم السبت الماضي ، فحلمي يري أن اجتماع د. نعمان جمعة بصفوت الشريف قبل الأحداث هو الذي أوحي لجمعة بالتحرك ( و الذي يؤكد حلمي أنه كان تحركاً سلمياً تماما لأن العنف _ حسب رأيه الذي وعد بأن يبرهن عليه في دفاعه _ قد جاء من الجبهة المقابلة )  ، و يحكي حلمي كيف اجتمع جمعة مع الشريف و سأله عن رؤية الدولة للصراع ، فأوضح الشريف له أن الدولة لن تتدخل ، و أنه ما دام يمتلك حكم محكمة فلينفذه ، و بناء علي ذلك توجه الدكتور نعمان إلي الحزب في تمام الساعة الثامنة صباح السبت حيث لم يكن هناك سوي عدد قليل من الموظفين وصعد هو و أنصاره حتي مكتبه و استقر به في هدوء ( وفق رواية حلمي بالطبع ).
 
و يفسر أحمد حلمي موقف صفوت الشريف ذاك بأنه يأتي في إطار الصراع المحتدم في الحزب الوطني الديمقراطي بين الحرس القديم -الذي لايزال الشريف يعتبر من أهم رموزه – و بين  مجموعة الإصلاحيين بقيادة جمال مبارك ، فحلمي يري أن الشريف أراد أن يضرب إصلاحيي الوفد بسبب العلاقات التي تربطهم باصلاحيي الوطني ، و يدلل حلمي علي هذه العلاقة بمشروع الحزب الليبرالي الجديد الذي ترددت منذ فترة فكرة إنشائه بحيث يجمع هذين الطرفين . ويري حلمي أن صفوت الشريف بحنكته قد دفع نعمان لإلقاء  نفسه في البحر و ظل يراقبه عن بعد ، بحيث إذا استطاع النجاة أصبح له فضل عليه و إن غرق لم يصبه هو ( أي الشريف ) شيئاً من الضرر.
 
ومن جانبه ، فإن منير فخري عبد النور قد فسر إحجام لجنة الأحزاب عن التحرك بسعادة النظام بإضعاف الوفد و اهتزاز صورته. وهو الرأي الذي تبناه الدكتور أحمد ثابت ، أستاذ العلوم السياسية ، و الذي أكد علي أن النظام لم يتوقف عن حصار و تحجيم _ بل و تخريب – الحياة الحزبية منذ عودتها مرة أخري عام 76.
 
و يفسر يس تاج الدين الأمر بخوف  لجنة الأحزاب من أن يتم إلغاء قرارها بالتعامل مع مصطفي الطويل كرئيس للوفد كما حدث مع قرارها السابق بالتعامل مع حلمي سالم كرئيس لحزب الأحرار ، ويري تاج الدين أن لجنة الأحزاب لم تكن محقة في مخاوفها تلك نظراً للفارق الكبير  بين الحالتين ، ففي حالة الأحرار كان هناك  أكثر من رئيس حزب منتخب من أكثر من جمعية عمومية ، أما في الوفد فهناك جمعية عمومية واحدة هي جمعية 10 فبراير و التي صادق 61,5 % من أعضائها علي قرار فصل د. نعمان كما صوت %63   من أعضائها علي انتخاب المستشار مصطفي الطويل رئيساً للحزب.
 
أما الدكتور وحيد عبد المجيد فيري أن تأخر اللجنة كان لأسباب أتفه بكثير من الأسباب التي يخمنها الكثيرون ، فمن وجهة نظره فإن الأمر لا يعدو أن يكون شكلاً من أشكال المجاملات و العلاقات الشخصية بين رئيس لجنة الأحزاب و بعض أعضاء اللجنة من ناحية و الدكتور نعمان جمعة من ناحية أخري ، لذلك يري عبد المجيد أن لجنة الأحزاب أساءت استخدام سلطتها و وضعت العلاقات الشخصية فوق المصلحة العامة.
 
و لا يفوت وحيد عبد المجيد أن يعرب عن عدم رضاه عن الأداء الأمني في تلك الأزمة . فحسب رأيه ، فإن تأخر استجابة الأمن أدي إلي استفحال الأمور بحيث سقطت كل هذه الأعداد من المصابين ، ويتعجب عبد المجيد من فهم الأمن لمطالبات الداعين للديمقراطية بعدم تدخل الأمن في الشئون الداخلية للأحزاب ، فالمقصود بالشئون الداخلية هو الشئون السياسية و ليس حالات الغزو المسلح ( علي حد قول د. وحيد عبد المجيد) ، و يري منير فخري عبد النور أن علي الأجهزة الأمنية أن تكف عن الاختباء وراء أسلوب الحياد السلبي كلما واجهتها أشكال ترضي عنها من البلطجة.
 
ولكن الآن _ و بعد إقرار لجنة الأحزاب ، أخيراً ، بمشروعية انتخاب المستشار مصطفي الطويل رئيساً للحزب، يطرح السؤال نفسه : هل تم بالفعل حسم الموقف لصالح معسكر الإصلاحيين ؟ و هل ذلك القرار للجنة الأحزاب يعتبر حسماً نهائياً للصراع القانوني أم انه من الممكن أن نتوقع مفاجآت قانونية علي شاكلة الحكم بعودة مرتضي منصور إلي رئاسة نادي الزمالك بعد أن ظن الجميع أن أمره قد قضي؟
 
و ينفي يس تاج الدين تماما إمكانية تكرار ما حدث في حالة مرتضي منصور ، فمرتضي منصور كان منتخبا من جمعية عمومية و قام الوزير بعزله فجاء الحكم بأنه لا يجوز لقرار إداري أن يلغي قرار الجمعية العمومية ،  و يوضح تاج الدين أن الموقف في حالة الوفد هو بالضبط عكس حالة نادي الزمالك فنعمان جمعة تم عزله بواسطة الجمعية العمومية للحزب.
 
و يوضح منير فخري عبد النور أن أقصي ما يستطيع نعمان جمعة أن يفعله هو الطعن في قرار لجنة الأحزاب أمام مجلس الدولة ، ويقدر عبد النور المدة اللازمة للبت في هذا الطعن بعشر سنوات علي الأقل.

 
أما د. وحيد عبد المجيد فيري أن التخوف ليس من الأحكام التي قد تقضي بعودة جمعة لرئاسة الحزب بل أن التخوف هو من صدور أحكام بحبس د. نعمان نظراً للائحة الاتهامات الطويلة التي يواجهها بعد موقعة السبت الدامية.

 
و لكن أحمد حلمي ، عضو هيئة الدفاع عن مجموعة الدكتور نعمان جمعة ، لم يبد نفس المخاوف تجاه مصير موكله ، فحسب كلامه فإن الموقف القانوني لموكله جيد  للغاية ، ففي مقابل شرائط الفيديو الخاصة بقناتي دريم و النيل للأخبار و التي تم عرضها علي النيابة لإثبات تهجم د. نعمان يعلن حلمي أن لديه 4 شرائط فيديو أخري تم تصويرها من داخل المبني و تظهر حقيقة ما جري ، و تبين _ علي الأخص – كيف أن الاعتداءات كانت من خارج المقر تجاه الداخل ، كما يعلن أن لديه عدداً كبيراً من شهود النفي الذين لم تستمع إليهم النيابة بعد ، و يري أن أقوال شهود الإثبات مليئة بالتناقضات و أن صورة الاعتداءات كما جاءت في شهادات الإصلاحيين تتسم بقدر كبير من اللامعقولية ، و يؤكد حلمي أن هيئة المحامين التي تستعد لخوض معركة الدفاع عن مجموعة الدكتور نعمان تؤمن تماما بسلامة موقف موكليها.

 
و لكن هل يعني استمرار المنازعات القانونية أن الموقف لم يحسم سياسياً؟ الأجواء العامة توحي بصعوبة تخيل ذلك ، فقرار لجنة الأحزاب و شروع الإصلاحيين في ترتيب البيت الوفدي ، بل و التصريحات المنشورة للدكتورة إيمان ابنة الدكتور نعمان حول نية والدها اعتزال الصراع حول الحزب ، كل ذلك يوحي بحسم الصراع من الناحية السياسية لصالح معسكر الإصلاحيين ، و حتي أحمد حلمي عضو هيئة الدفاع في قضية حزب الوفد فقد كان رد فعله الوحيد عند طرح التساؤل عليه هو إبداء أسفه الشديد علي وقوع الدكتور نعمان في الفخ السياسي الذي نصب له بإحكام من قبل خصومه.  

 
و لكن هل يعني حسم الصراع مع الدكتور نعمان أن عصر الصراعات في حزب الوفد قد انتهي ؟ أحمد حلمي يري أنه _  وعلي عكس ما يتصور الكثيرون _ فإن الصراع لم ينته  وإنما هو علي وشك البدء ، بل وقد بدأ بالفعل في صورة قلاقل و تشققات بدأت تظهر في المحافظات.

 
و لكن منير فخري عبد النور ينفي تماماً وجود  ظاهرة عامة من الانشقاقات في الحزب ، و يوضح عبد النور أن من بين اللجان الـ 25 للحزب بالمحافظات هناك 23 لجنة موالية بالكامل للإصلاحيين ، و أن رئيسي لجنتي السويس و الفيوم هما فقط اللذين وقفا في صف الدكتور نعمان بينما ظل غالبية أعضاء اللجان علي ولائهم للإصلاحيين ، و يؤكد عبد النور أن باب القيادة الجديدة للحزب مفتوح للجميع من أجل إجراء مصالحة عامة في الحزب.

 
الوفد يدخل إذا مرحلة جديدة ، فهل نطمح إذا لأن يملأ  الفراغ الليبرالي الذي تعاني منه الساحة السياسية المصرية و الذي كان سببا لتردد العديد من الدعوات لإنشاء حزب ليبرالي جديد ؟

 
منير فخري عبد النور يري أن البنية  الأساسية للوفد ترشحه أكثر من أي تجمع أخر لملء هذا الفراغ  ، و يري أن كل المحاولات الأخري التي تجري علي الساحة لإنشاء حزب ليبرالي جديد _ بما في ذلك اجتماعات الدكتور أسامة الغزالي حرب  بمجموعات من المثقفين القاهريين _ هي أقرب للأحلام الرومانسية ، ويتساءل عبد النور- علي سبيل المثال _ عن الوقت و الجهد اللذين يحتاج لهما الدكتور أسامة  ليكون لحزبه لجنة في الحامول أو في نجادة بقنا ؟! لذلك يدعو منير حرب للانخراط في التجربة الجديدة لحزب الوفد و التفاعل معها.

 
و يؤكد الدكتور وحيد عبد المجيد علي نفس الرأي و إن كان يري أن حزب الوفد مكبل بتركة ثقيلة من المشكلات التي يجب أولاً أن يتجاوزها ، مثل المشاكل المتعلقة بالجريدة التي لا تعبر عن الخط السياسي للحزب و خروج العديد من الكوادر بسبب سياسات نعمان الطاردة و فقدان الكثير من القواعد السياسية للحزب  الذي حقق في انتخابات 84 أكثر من مليون صوت أي حوالي 15 % من إجمالي الناخبين في مصر وقتها ( 12 مليون ناخب ) و إذ برئيسه الدكتور نعمان جمعة لا يحقق في الانتخابات الرئاسية عام 2005  سوي 200 ألف صوت من إجمالي 32 مليون صوت هي مجموع الناخبين في مصر وقتها !

 
أما الدكتور أحمد ثابت فقد استبعد  تماماً أن ينجح  حزب الوفد في أن يمثل التيار الليبرالي لأنه _ حسب رأيه –  لم يمثل أبداً هذا التيار ، فمنذ عودة الحزب للحياة علي يد فؤاد باشا سراج الدين و منهج الاستبعاد و التهميش لليبراليين الحقيقيين هو السائد ، و يضرب د. ثابت المثل علي ذلك بتهميش فؤاد باشا سراج الدين  للدكتور محمد عصفور و د. عبد الحميد حشيش و محمد فهيم أمين .

 
لذلك  فالدكتور أحمد ثابت _ و بالرغم من أنه يري أن خروج د. نعمان و من معه من الحزب يعد تطوراً ايجابيا في حد ذاته _ إلا أنه يعود لينفي أن تكون المجموعة المنتصرة إصلاحية أو ديمقراطية  بالفعل ،  بل هي _ حسب وجهة نظره _ مجرد بديل و لكنه بديل جماعي لفردانية جمعة.
 
و لكن _ و  في المقابل –  فإن منير فخري عبد النور عاد ليؤكد علي تصميم فريقه علي إجراء الإصلاحات الديمقراطية اللازمة للائحة الحزب و نظامه الداخلي وفقا للتعديلات التي أدخلتها الجمعية العمومية ، لذلك فسيتم انتخاب  اللجان الإقليمية قبل نهاية شهر مايو ، و ذلك توطئة لعقد الجمعية العمومية العادية للحزب في الأسبوع الأول من شهر يونيو  لانتخاب الرئيس الجديد  الذي سيتولي الرئاسة لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط ، كما سيتم انتخاب جميع هيئات الحزب من أجل الدخول في مرحلة إعادة بناء الخطاب السياسي للحزب ليتماشي مرة أخري مع الفكر الليبرالي للحزب ، و يؤكد عبد النور أنه عندئذ _ و عندئذ فقط – يمكن أن يعود الوفد من جديد ليصبح بيتاً لجميع الليبراليين .
 

جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الأحد, 9 أبريل 06