حرب تجارية عالمية.. هل يكسر ترامب "المحرمات" بشأن قيود رؤوس الأموال

ترامب يستعد لفرض تعريفات جمركية متبادلة وسط تصاعد المخاوف من حرب تجارية عالمية

حرب تجارية عالمية.. هل يكسر ترامب "المحرمات" بشأن قيود رؤوس الأموال
عبد الحميد الطحاوي

عبد الحميد الطحاوي

6:57 م, الأربعاء, 12 فبراير 25

على مر العقود، كانت فكرة فرض قيود على تدفق رؤوس الأموال أشبه بـ”محرمات” لدى صانعي السياسات في الولايات المتحدة، خشية أن يؤدي مجرد ذكرها إلى زعزعة أكبر الأسواق المالية في العالم. ولكن مع السياسات الاقتصادية الجذرية التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب، بدأ المستثمرون في مناقشة فكرة فرض ضرائب أو وضع عوائق على الاستثمارات الواردة بشكل علني، إذ تعيد هذه الأجندة الاقتصادية رسم قواعد اللعبة بالكامل.

الرؤية الاقتصادية الكامنة وراء سياسات ترامب تعتمد إلى حد كبير على حسابات التجارة الدولية ومفهوم المنافسة الصفرية. وفقًا لهذه الرؤية، إذا كانت الولايات المتحدة تعاني من عجز كبير ومزمن في تجارة السلع، فإن السبب يرجع إلى أن شركاءها التجاريين يقومون بشكل منهجي بتخفيض قيمة عملاتهم أمام الدولار، مما يقوض قدرة الشركات الأمريكية على المنافسة، ويقلص استهلاكهم المحلي، و”يسرق” وظائف التصنيع الأمريكية. ثم يتم إعادة تدوير الفوائض الناتجة عن هذه الفوائض التجارية الضخمة في شراء الأصول الأمريكية، مما يرفع قيمة الدولار ويخفض تكلفة رأس المال الأمريكي، ما يدفع الأمريكيين إلى استهلاك المزيد من السلع الأجنبية، وفقا لما ورد في وكالة رويترز.

استخدم ترامب التعريفات الجمركية على الواردات كأداة اقتصادية رئيسية خلال الشهر الأول من عودته إلى الرئاسة. ولكن هناك جانب آخر لهذا النهج. فعلى الرغم من أن العجز الكبير والمتزايد في الحساب الجاري للولايات المتحدة – الذي يعكس التدفقات التجارية والاستثمارية الصافية – يجب أن يقابله فائض في حساب رأس المال يعادل قيمته، إلا أن هذه الفوائض المتراكمة في رأس المال كانت تدفع الدولار إلى الارتفاع لسنوات، مما يعزز من محافظ الأسهم الأمريكية ويقلل تكلفة رأس المال للشركات الأمريكية.

بلغ صافي الموقف الاستثماري الدولي للولايات المتحدة، أي صافي الأصول الخارجية المملوكة للولايات المتحدة مخصومًا منها ممتلكات الأجانب داخل البلاد، نحو 23.6 تريليون دولار، وهو ما يعادل حوالي 80% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي الأمريكي.

ويطرح هذا التساؤل: هل يفضل ترامب تقليص هذه التدفقات، رغم أنها تمول العجز التجاري؟ فكما أشار “كيت جاكس” من “سوسيتيه جنرال”، فإن الرئيس لا يحب حجم العجز التجاري، ولكن هل سيرحب بعودة المدخرات التي تمول هذا العجز؟

النهج الحالي للإدارة الأمريكية، الذي يعتمد بشكل أساسي على فرض التعريفات الجمركية، يعاني من عيوب أساسية. فمن جهة، أدت التهديدات بفرض تعريفات جديدة إلى تعزيز الدولار، مما زاد من مشكلة تنافسية التجارة. ومن جهة أخرى، فإن هذه التعريفات لا تعالج الطلب المتزايد على الأصول الأمريكية.

للتعامل مع هذا التحدي، يرى بعض الخبراء أن الحل قد يكمن في فرض ضريبة على التدفقات الرأسمالية، وهو مفهوم طرحه الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل “جيمس توبين” قبل نحو 50 عامًا. الفكرة تتمثل في فرض ضريبة صغيرة على معاملات العملات للحد من التدفقات الرأسمالية.

ورغم أن مسؤولي إدارة ترامب لم يناقشوا علنًا بعد فكرة فرض ضرائب على الاستثمارات الأجنبية، إلا أن بعض الاقتصاديين والمستثمرين المقربين من سياسات الإدارة بدأوا بمناقشة هذا الخيار. على سبيل المثال، أشار “ستيفن جين”، مدير صندوق تحوط للعملات، إلى أن فرض ضرائب على التدفقات الاستثمارية قد يكون خيارًا أفضل من التعريفات إذا كان الهدف هو جمع الإيرادات.

في حال تطبيق مثل هذه الضريبة، حتى بنسبة صغيرة جدًا مثل 0.0005% على معاملات العملات، يمكن أن تولد عائدات ضخمة في ظل حجم التداول اليومي العالمي الذي يبلغ 7.5 تريليون دولار. ولكن السؤال الأهم: هل الهدف الرئيسي للإدارة هو جمع الإيرادات أم تغيير العلاقات التجارية “غير العادلة”؟

إذا كان الهدف الأخير هو الأساس، فإن فرض قيود صارمة على رأس المال قد يكون ضروريًا لتحقيق التأثير المطلوب. ومع ذلك، قد تكون لهذه الإجراءات آثار كارثية على الأسواق. مجرد التفكير في تثبيط الاستثمارات الأجنبية قد يؤدي إلى تراجع حاد في الدولار وانهيار الأسواق الأمريكية للأسهم والسندات.

قيود رؤوس الأموال قد تكون خيارًا إذا سعى ترامب حقًا إلى قلب ميزان التجارة العالمي رأسًا على عقب، ولكنها ستكون بمثابة “الخيار النووي” الذي قد يهز الأسواق العالمية بقوة.

ترامب يستعد لفرض تعريفات جمركية متبادلة وسط تصاعد المخاوف من حرب تجارية عالمية

وتتسارع الجهود داخل الإدارة الأمريكية لوضع اللمسات الأخيرة على خطط فرض تعريفات جمركية متبادلة وعد بها الرئيس دونالد ترامب ضد الدول التي تفرض تعريفات على الواردات الأمريكية، مما أثار مخاوف متزايدة من اندلاع حرب تجارية عالمية واسعة النطاق. في الوقت نفسه، اجتمع وزراء التجارة في الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة، عبر تقنية الفيديو لمناقشة ردهم المحتمل، بعدما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن أي خطوة تعريفية ضد الاتحاد “لن تمر دون رد”.

وكانت الأسواق العالمية قد صدمت بقرار ترامب يوم الاثنين فرض تعريفات جمركية على جميع واردات الصلب والألمنيوم ابتداءً من 12 مارس. وقد لقي هذا القرار إدانات واسعة من المكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي، بينما أعربت اليابان وأستراليا عن سعيهما للحصول على استثناءات. وأثار الإعلان موجة من الاضطرابات داخل الصناعات التي تعتمد على استيراد الصلب والألمنيوم، إذ سارعت الشركات لإيجاد حلول لمواجهة الزيادة المرتقبة في التكاليف.

في الأسبوع الماضي، فرض ترامب تعريفات إضافية بنسبة 10% على السلع الصينية بدءًا من 4 فبراير، وردت الصين بإجراءات مضادة دخلت حيز التنفيذ في نفس الأسبوع. كما أرجأ الرئيس تطبيق تعريفات بنسبة 25% على السلع المكسيكية والكندية لمدة شهر حتى 4 مارس لإتاحة الفرصة للمفاوضات بشأن ضبط الحدود ووقف تدفق مادة الفنتانيل.

ورغم ترحيب بعض العمال الأمريكيين بتعريفات المعادن الجديدة، إلا أن العديد من الشركات المصنعة أبدت قلقًا عميقًا حيال هذه الخطوة، محذرة من تداعياتها المحتملة على سلاسل الإمداد وتأثيرها على كل الأعمال التي تعتمد على هذه المواد. وقد حذر مسؤولون في شركات مثل سلسلة متاجر “Ahold Delhaize” وشركة “Siemens Energy” من أن التعريفات ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار نتيجة تحميل التكاليف الإضافية على المستهلكين.

وفي أوروبا، أعرب صناع الصلب عن مخاوفهم من أن تؤدي التعريفات الأمريكية إلى تدفق كميات كبيرة من الصلب الرخيص إلى السوق الأوروبية. ودعت شركة الصلب الفرنسية “Aperam” بروكسل إلى التدخل للحد من الواردات، بينما طالبت شركة “voestalpine” النمساوية باتخاذ تدابير فورية مضادة. من ناحية أخرى، أكد وزير الصناعة الأسترالي أن خطط البلاد لتعزيز صادرات الألمنيوم “الأخضر” لن تتأثر بتهديد التعريفات الأمريكية، مشيرًا إلى الطلب العالمي المتزايد على الألمنيوم كجزء من التحول نحو اقتصاد صديق للبيئة.

وفيما يتعلق بالتوقيت وهيكلية التعريفات القادمة، التزمت الإدارة الأمريكية الصمت إلى حد كبير. وأشار مصدر مطلع إلى أن الإعلان الرسمي قد يصدر لاحقًا هذا الأسبوع. وكان ترامب قد صرح يوم الاثنين أنه سيعلن عن تعريفات متبادلة خلال اليومين المقبلين على جميع الدول التي تفرض رسومًا على السلع الأمريكية، كما أشار إلى أنه يدرس تعريفات إضافية على السيارات وأشباه الموصلات والأدوية.

ويرى خبراء التجارة أن تنفيذ تعريفات متبادلة كما يريد ترامب يشكل تحديًا كبيرًا لفريقه. فقد أشار “ويليام راينش”، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أن الإدارة قد تختار تطبيق نسبة موحدة، مثل 10% أو 20%، لتسهيل التنفيذ، أو قد تتبع نهجًا أكثر تعقيدًا يتطلب مواءمة التعريفات الأمريكية مع تلك التي تفرضها كل دولة.

بدوره، أوضح “ديمون بايك”، المتخصص في التجارة الدولية، أن تطبيق تعريفات متبادلة بهذا النطاق يمثل “مهمة ضخمة”، نظرًا لتفاوت معدلات التعريفات بين 186 دولة عضو في منظمة الجمارك العالمية، والتي تشمل حوالي 5000 وصف مختلف للمنتجات.

وقد تعتمد الإدارة الأمريكية على قانون “الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية” لتبرير التعريفات، وهو نفس القانون الذي استُخدم سابقًا لفرض تعريفات على الصين والتعريفات المعلقة ضد كندا والمكسيك. ومع ذلك، حذر خبراء من أن التعريفات المتبادلة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، مثل ارتفاع الأسعار على المستهلكين الأمريكيين دون تحقيق الهدف المرجو.

وبينما يظل الهدف الرئيسي لإدارة ترامب هو مواجهة ما تعتبره ممارسات تجارية غير عادلة، تبقى المخاطر كبيرة، إذ قد تؤدي هذه الإجراءات إلى اضطرابات واسعة في الأسواق العالمية وتصعيد النزاعات التجارية بين الدول.