
نشوي عبدالوهاب ـ أمنية إبراهيم
رجع عدد من خبراء القطاع المصرفي اتجاه البنك المركزي نحو الإبقاء علي سعري عائد »الكوريدور« علي الإقراض والإيداع لليلة الواحدة عند مستوياتها الحالية %8.25 للودائع و%9.75 للإقراض في اجتماع لجنة السياسات النقدية المقبل، المقرر انعقاده نهاية الأسبوع الحالي، مؤكدين أنه الخيار الأمثل أمام »المركزي« لدفع دوران عجلة الإنتاج التي تراجعت معدلاتها بنسبة %80 بعد ثورة 25 يناير، علاوة علي انحسار الضغوط التضخمية وتراجع حجم الواردات المصرية.
وشدد الخبراء علي أهمية تثبيت أسعار فائدة »الكوريدور« علي الإقراض في الوقت الراهن، لتفادي رفع تكلفة الإنتاج علي المستثمرين والمنتجين، وضمان عدم توقفها عن الدوران لرفع تكلفة الاقراض، فيما رأي آخرون ضرورة ملحة لرفع سعر العائدة لوقف نزيف رصيد الودائع داخل القطاع المصرفي التي فقدت أكثر من 8 مليارات جنيه في تعاملات يناير الماضي فقط، مؤكدين أن تحريك مؤشر الفائدة الرئيسية في الوقت الراهن سينعكس إيجاباً علي حجم الودائع بالبنوك.
من جانبه، توقع إبراهيم الكفراوي، مدير عام أول إدارة المعاملات الدولية ببنك بي إن بي باريبا ـ مصر، اتخاذ البنك المركزي، في اجتماع لجنة السياسات النقدية المقبل، قراراً بتثبيت سعر عائد »الكوريدور« علي الودائع والإقراض عند مستوياتها الحالية %8.25 للودائع و%9.75 للإقراض، علي الرغم من الضغوط التي يمارسها ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في الشهور القليلة الماضية.
واستبعد مدير عام أول إدارة المعاملات الدولية ببنك بي إن بي باريبا، أن يلجأ »المركزي« لتخريب أسعار الفائدة في الوقت الراهن، في ظل معاناة السوق المحلية من شبح الركود والكساد بشكل نسبي عقب ثورة 25 يناير، وبطء معدل دوران عجلة الإنتاج، مؤكداً أن الاحتمال الأقرب هو ابقاء لجنة السياسات النقدية علي أسعار عائد الكوريدور عند مستوياتها الحالية، مشيراً إلي أن تثبيت سعر الفائدة يعد الخيار الأفضل بالنسبة لـ»المركزي«، حيث إنه سيضطر إلي تحريك أسعار العائد عاجلاً أم آجلاً، في ظل المتغيرات الملحوظة، التي طرأت علي الأسواق المحلية والعالمية.
وأضاف أن هناك عدة دوافع تدعم قرار الابقاء علي سعر عائد »الكوريدور« أبرزها انحسار الضغوط التضخمية بعد تراجع حجم الاستيراد، وعمل الاقتصاد القومي بنحو %20 من طاقته الاستيعابية، التي كان يعمل بها قبل اندلاع الثورة، مما يعني أن معدل الإنتاجية تراجع بنسبة %80، بعد الأحداث السياسية التي شهدتها الساحة المصرية مؤخراً، الأمر الذي من المتوقع أن يدفع البنك المركزي نحو تثبيت أسعار الفائدة لتفادي رفع تكلفة الإقراض علي المنتجين والآثار السلبية التي قد تنعكس علي أسعار السلع النهائية للمستهلك.
وشدد »الكفراوي« علي أن الأوضاع والأحداث الراهنة التي تمر بها البلاد في هذه المرحلة الحرجة تحتاج إلي خفض تكاليف الإنتاج لإعادة دوران عجلة الإنتاجية بمعدلاتها الطبيعية وزيادة معدلات نمو الناتج المحلي القومي، ومن الطبيعي أن يتجه »المركزي« نحو تثبيت الفائدة، مشيراً إلي أن تراجع مؤشر التضخم الأساسي الـ»core inflation «، الذي يعتمد عليه في تحديد اتجاهات الفائدة علي الجنيه، يوضح مقدار التغيرات الحقيقية في مستويات التضخم، ويعكس صورة واضحة وصريحة لمعدلات التضخم ودوافعها الرئيسية، بعد استبعاد أسعار الخضراوات والفاكهة الأكثر تقلباً، وهو ما تستطيع من خلاله لجنة السياسات النقدية اتخاذ أي قرار بشأن أسعار عائد »الكوريدور«.
واتفق معه في الرأي، خالد عبدالحميد، رئيس قطاع الخزانة وتداول الأموال بأحد البنوك الخاصة، الذي يري أن الفترة الحالية تشهد صراعاً قوياً بين اتجاهين متعارضين، الأول يميل نحو رفع أسعار الفائدة الرئيسية، وذلك للتغلب علي موجات التضخم الحالية والارتفاعات المتتالية في أسعار عدد من السلع الأساسية، التي دفعت مؤشر التضخم العام، التابع للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، للارتفاع إلي مستوي %11.5 في مارس الماضي.
وأشار إلي انعكاس الأوضاع الحالية سلباً علي أسعار الفائدة الحقيقية داخل البنوك، التي تعتبر في الوقت الراهن فائدة سلبية، ومن ثم فإن الأمر يتطلب زيادة أسعار الفائدة للحفاظ علي أرصدة الودائع، إلي جانب جذب المزيد من الودائع الجديدة، بعد أن فقد القطاع المصرفي جزءاً من ودائعه في فترة اندلاع ثورة 25 يناير، التي تخلليها زيادة الطلب علي سحب الأفراد لجزء من ودائعهم وتفضيل الاحتفاظ بها في شكل سيولة نقدية بعد المخاوف من استمرار إغلاق البنوك، إضافة إلي نشاط حركة الدولرة وتحويل جزء من الودائع بالعملة المحلية إلي الدولار.
أما الاتجاه الآخر، فأوضح »عبدالحميد« أنه يصب نحو تثبيت أسعار الفائدة في الفترة الحالية، نظراً لعدم وضوح الرؤية والاتجاهات السياسية، إضافة إلي انخفاض معدلات التضخم وسرعة تعديل المتغييرات الاقتصادية، إلي جانب التمسك بالأمل في جذب المزيد من الاستثمارات وتشجيع الشركات علي الاقتراض وتدوير عجلة الإنتاج بوتيرة أسرع لدفع معدلات النمو الاقتصادي.
ويري رئيس قطاع الخزانة وتداول الأموال، أن قرار تثبيت أسعار الفائدة الرئيسية يعتبر الأنسب في المرحلة الحالية لتجنب العواقب السلبية لرفع أسعار العائد وفي مقدمتها ارتفاع تكلفة اقتراض الحكومة وزيادة خدمة الدين العام، بما يعني زيادة الديون السيادية وضعف الاقتصاد المحلي، مشيراً إلي أن المعدلات الحالية للدين العام تجاوزت المستويات الآمنة، وتمثل %97 من الناتج المحلي الإجمالي بقيمة تجاوزت التريليون جنيه، مما يتطلب ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون تفاقم المعدل الحالي بفعل قرار رفع الفائدة.
ولفت »عبدالحميد« الانتباه إلي وجود احتمالات بألا تلقي قرارات رفع أسعار العائد علي الايداع والاقراض »الكوريدور« بنحو ربع أو نصف نقطة مئوية حالياً، استجابة فورية من السوق واستجابة البنوك برفع عائد الودائع.
وأشار رئيس قطاع الخزانة إلي أن الاستثمار في أدوات الدين المحلي وأذون الخزانة يعتبر من أفضل وأنسب الاستثمارات المتاحة في الوقت الراهن أمام العملاء، نظراً لارتفاع عائده ليتجاوز %12.5 في أذون لآجل عام حتي مع فرض الضرائب، مقارنة بعائد لا يتعدي %8 علي الودائع البنكية المشابهة في الآجل، كما أن عائدها لا يتعدي %10 في الشهادات الخماسية، متسائلاً عن أسباب ابتعاد المودعين عن الاستثمار في أذون الخزانة، رغم ارتفاع عائدها.
وأكد »عبدالحميد« أنه في حال تراوح معدلات التضخم العام بين مستويي 12 أو %15، عندها يستحق زيادة أسعار العائد علي الودائع للحد من تأثيرات ارتفاع المستوي العام للأسعار، والذي مازال عند مستويات محكومة في المرحلة الحالية.
ويري أحمد جمال، مدير إدارة المعاملات الدولية بأحد البنوك، أنه من الضروري زيادة أسعار الفائدة علي الودائع بنسب تتراوح بين ربع ونصف نقطة مئوية كاملة، وذلك للحد من نزيف تراجع أرصدة الودائع داخل القطاع المصرفي، التي فقدت أكثر من 8 مليارات جنيه في تعاملات يناير الماضي فقط، مسجلة 944.08 مليار جنيه، ومن المتوقع أن تستمر في التراجع خلال الفترة المقبلة، لافتاً إلي الجوانب الإيجابية في رفع أسعار العائد علي الودائع في الأجل القصير، من أجل جذب المزيد من المدخرات إلي القطاع المصرفي وإحداث توازن نسبي في السوق المحلية، نتيجة ضعف العائد علي الاستثمارات الأخري.
وأشار »جمال« إلي شكاوي صغار المودعين من الفائدة السلبية علي ودائعهم البنكية، في ظل الارتفاع الحاد في أسعار الخضراوات والسلع الأساسية خلال الفترة الماضية، فقد زادت أسعار الخضراوات بنسبة %27 في مارس الماضي، إضافة إلي ارتفاعات متباينة في أسعار السلع الغذائية، ومنها: الأرز وزيت الطعام والأسماك والبقوليات، وعودة أزمات ارتفاع أسعار اسطوانات غاز البوتاجاز، مما يبشر بتفاقم معدلات التضخم في الفترات المقبلة، وخروجها عن سيطرة البنك المركزي.
وأضاف أن اضطراب الأوضاع السياسية وانعكاسها سلباً علي مختلف المؤشرات الاقتصادية إلي جانب ما تشهده البورصة المحلية من استمرار مسلسل نزيف الخسائر وعدم قدرتها علي تعويض بعض منها في الوقت الراهن، مما يثير المخاوف لدي المستثمرين، لافتاً الانتباه إلي ضرورة اتخاذ قرار إيجابي للمستثمرين بعد تراجع عائد الاستثمارات الأخري.
ورفض مدير إدارة المعاملات الدولية، المخاوف الخاصة بأن يؤدي ارتفاع الفائدة إلي زيادة خدمة الدين العام وأعبائه علي الدولة، موضحاً أن زيادة عائد الكوريدور والأوعية الادخارية لدي البنوك بربع أو نصف نقطة مئوية، لن تنعكس علي عائد أذون الخزانة وأدوات الدين المحلي بالزيادة، نظراً لأن عائدها عند مستويات مرتفعة بالفعل، وليس من المقبول أن تتخطي مستوياتها الحالية التي اقتربت من %13، وهو أعلي مستوي لها منذ مايو 2008.
وأشار إلي أن زيادة العائد علي الودائع، ستؤدي إلي جذب المزيد من المدخرات والسيولة النقدية داخل البنوك، التي تمكنها من توجيهها للاستثمارات في أدوات الدين المحلي وأذون الخزانة، بما يساعد علي نشاط الطلب عليها وانخفاض عائدها بالتبعية، نتيجة زيادة طلبات الشراء، وبالتالي تخفيض تكلفة اقتراض الدولة من السوق المحلية.
ورجح »جمال« تمسك لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي بالابقاء علي سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة »الكوريدور« دون تغيير في اجتماعها يوم الخميس المقبل عند مستويي %8.25 و%9.75 علي التوالي، في ظل استمرار حالة عدم التيقن التي تنعكس سلباً علي القطاعات الاقتصادية المختلفة، إلي جانب التوقعات بانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في المستقبل القريب، مما يجعل معدلات العائد الحالية متمشية مع الظروف الحالية في السوق، إضافة إلي ابقاء البنك المركزي الأمريكي علي أسعار الفائدة متدنية للدولار، وهو ما يشير إلي استقرار نسبي في أداء العملة الخضراء أمام الجنيه، بحيث يحتفظ الأخير ببعض من ميزته النسبية أمام العملات الأجنبية، رغم انخفاض ثقة المستثمرين في العملة المحلية، بغض النظر عن قيام المركزي الأوروبي بزيادة العائد علي اليورو للحد من الضغوط التضخمية.
وتوقع هيثم عبدالفتاح، مدير عام قطاع الخزانة ببنك التنمية الصناعية والعمال، أن يتجه البنك المركزي إلي تثبيت أسعار الفائدة »الكوريدور« في اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل، نتيجة استمرار المشاكل التي يواجهها البنك المركزي في السوق المحلية خلال الوقت الراهن، موضحاً أن غموض الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الفترة الحالية، إضافة إلي اشكالية تنشيط الاستثمار ومحاولة بذل الجهود لتدوير عجلة الإنتاج مرة أخري لدفع معدلات النمو الاقتصادي لا تتطلب زيادة أسعار الفائدة.
وأشار »عبدالفتاح« إلي أن البنك المركزي يخشي تفاقم الدين العام، بعد أن تجاوز المعدلات الآمنة، وأصبح يمثل خطراً يهدد استقرار الأوضاع الاقتصادية لمصر، إضافة إلي اضطراب النشاط الاقتصادي، نتيجة الأحداث السياسية وترقب المستثمرين انتخابات مجلسي الشعب والشوري، وانتظار اتضاح الرؤية بعد انتخاب رئيس للبلاد.
واستبعد مدير عام قطاع الخزانة في بنك التنمية الصناعية والعمال، أن يلجأ البنك المركزي إلي تغيير معدلات العائد علي المدي المتوسط خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد تراجع مؤشره لقياس التضخم »Core Inflation «، بما يقرب من نقطة مئوية كاملة في مارس الماضي، مسجلاً %8.54، مقابل %9.51 سجله في الشهر الماضي، الذي تأثر فيه بأحداث ثورة 25 يناير، وما نتج عنها من صعوبة في نقل المواد الغذائية، وبالتالي ارتفاع أسعارها لفترة مؤقتة، لافتاً إلي أن مؤشر التضخم الأساسي يستبعد التغيرات في أسعار الخضراوات والفواكهة، التي تتميز بتذبذب حاد في أسعارها مؤخراً.