توقعات باستمرار سيطرة الكنيسة علي المجلس الملي الجديد

توقعات باستمرار سيطرة الكنيسة علي المجلس الملي الجديد
جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الأحد, 19 فبراير 06

حافظ هريدي:
 
تأتي انتخابات المجلس الملي للأقباط الأرثوذكس هذا العام في ظل انتشار الدعوي لإجراء  إصلاحات ديمقراطية  في كثير من مؤسسات المجتمع كما تأتي في ظل تصاعد النبرة الانتقادية من معسكر الإصلاحيين داخل الكنيسة  ، وبالرغم من ذلك كله يبدو أنه لا نتائج تلك الانتخابات و لا آليات عمل المجلس الذي ستسفر عنه سيتأثران بمطالب الإصلاح … يوم 28 فبراير الجاري تنتهي مدة ولاية المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس ، ووفقاً للقانون يصبح لزاماً علي قداسة البابا شنوده الثالث أن يطلب من وزير الداخلية عقد انتخابات لاختيار 24 عضواً جديداً للمجلس خلال الستة شهور التالية ، وبالفعل فقد بدأ المعسكران المتنافسان التقليديان ( الموالون للبابا في مقابل  الإصلاحيين ) في شحذ الهمم للمعركة التي يبدو أن كلا الطرفان يعرفان نتيجتها سلفاً ؛ فمعسكر الإصلاحيين لم يفز قط من قبل بأي مقعد في المجلس منذ إعادته إلي الوجود علي يد البابا شنودة الثالث في عام 1973 ، وها هو كمال زاخر  أحد أقطاب معسكر الإصلاحيين يعترف بأنه :” صحيح أنه توجد  أصوات  معارضة علي المستوي الفردي  ولكن هذه الأصوات لم تتحول بعد إلي تيار موحد و قوي  “.

 
و لكن ما الذي يدفع الإصلاحيين إذاً لخوض حملتهم الانتقادية طالما يوقنون بعدم قدرتهم علي التأثير علي نتائج الانتخابات ، النائب السابق جمال أسعد القطب الثاني من أقطاب المعارضة أوضح أن هدف الإصلاحيين هو : ”  التأثير علي الرأي العام للشعب القبطي ” ، وهو نفس ما أكده كمال زاخر الذي أعرب عن تفاؤله بقوله :” الأصوات التي تطالب بالتغيير يزداد  عددها مع الوقت ، بل انضم لها أخيراً بعض رجال الاكليروس مثل الاسقف بفنوتيوس أسقف سمالوط الذي كتب مقالاً مؤخراً يطالب فيه بإصلاح المجلس  “.
 
لكن ، و علي الجانب الآخر ، فإن الدكتور ثروت باسيلي وكيل المجلس الملي للدورتين المتتاليتين السابقتين ( قداسة البابا شنودة هو رئيس المجلس بحكم القانون ) قد نفي  أن يكون لمثل تلك المقالات  أي تأثير علي الشعب القبطي في مصر و دلل علي ذلك من خلال تذكيره بقصة أحد كبار المعارضين السابقين للبابا شنودة  :”  القس إبراهيم عبد السيد كتب ما يزيد علي 1000 مقال ضد البابا و لكنه عندما  تنيح (أي توفي) لم يستطيعوا أن يجدوا ثلاثة أفراد يسيرون وراء جنازته ، هل تعتقد بعد هذا أن يكون لمثل تلك المقالات  أي تأثير !؟ “.
 
و لكن معسكر الإصلاحيين يؤكد تصميمه علي مواصلة توعية الرأي العام الوطني قبل المسيحي حول أهمية إجراء إصلاحات جذرية في هذا المجلس ، علي أن تبدأ هذه الإصلاحات باسم المجلس نفسه ، فعلي حد قول أسعد : ” كلمة الملي تلك تحتاج إلي تغيير لأن بها انتقاصاً من مبدأ المواطنة ، البداية يجب أن تكون بتصحيح الاسم وليصبح مجلس الشعب الكنسي علي سبيل المثال ” . نفس الرأي يتبناه  كمال زخاري الذي يري أنه يجب تغيير هذا الاسم الموروث عن الدولة العثمانية ليصبح أكثر ملاءمة لمفهوم الدولة الحديثة التي لا يجوز معها التكلم عن الملل.
 
أما الأمر الثاني الذي يحتاج إلي مراجعة من وجهة نظر الإصلاحيين فهو اختصاصات المجلس ، فهم يؤكدون أنه إذا كانت الكثير من اختصاصات المجلس قد تقلصت في الستينات عندما تم ضم بعض أراضي الكنيسة للإصلاح الزراعي كما تم ضم المدارس و المستشفيات التابعة لها لوزارتي التربية و التعليم و الصحة ، إذا كانت تلك الاختصاصات قد تقلصت فإن ذلك لا يعني أن المجلس لم يعد أمامه دور يلعبه بل إن عليه وفق كمال زاخر : ” أن يمد صلاحياته حتي يمكنه الإشراف علي الموارد الجديدة للكنيسة مثل تبرعات الأقباط من خلال الكنائس و إيرادات الأديرة ،  فهناك بعض الأديرة قد نجحت بالفعل في استخدام الهندسة الوراثية في الزراعة فأصبح لها دخل كبير ، و هناك كذلك تبرعات كنائس الخارج و أقباط المهجر ة ، و الأموال التي تأتي من الجهات المانحة مثل مجلس الكنائس العالمي و مجلس كنائس الشرق الأوسط …الخ “.لكن الدكتور نبيل لوقا بباوي عضو مجلس الشوري أكد أن تلك الأموال – مثلها في ذلك مثل كافة أموال الكنيسة _ تدار بشكل دقيق ومنضبط  فالإنفاق يتم تحت إشراف محاسب قانوني معتمد و هناك أمين صندوق وحساب بنكي لأموال الكنيسة.
 
وإلا أن هذا التأكيد لم يرض جمال أسعد الذي يري أن كل هذه الإجراءات تخضع في النهاية لسيطرة شخص واحد هو البابا شنوده طالما أنه هو – وهو وحده – الذي يستطيع تحديد أعضاء المجلس الملي من خلال عدد من الآليات الانتخابية التي صممت خصيصاً لضمان الهيمنة الكاملة للبابا علي المجلس .   
 
فوفقاً لأسعد فإن أولي تلك الآليات تتجلي في الطريقة التي يتم بها تحديد الجمعية العمومية للناخبين ، فالأسلوب المتبع هو أن تقوم وزارة الداخلية بإعلان فتح باب القيد في جداول الناخبين قبل كل انتخابات للمجلس الملي ، وعندما تحل الانتخابات التالية فإنه لا يتم الاعتراف بمن سجلوا أنفسهم أثناء الانتخابات السابقة بل يفتح باب القيد من جديد ،و يعلق كمال زاخر علي هذا فيقول :” من المفترض أن يكون هناك جداول لجمعية انتخابية ثابتة علي أن يتم تنقية هذه الجداول بالإضافة أو الحذف مع كل انتخابات جديدة ، و النتيجة الطبيعية للوضع الحالي هي قلة عدد الناخبين بشكل مخجل و كأننا في انتخابات جمعية أبناء قرية في الريف “.
 
و بالفعل فإن المتابع لأعداد الناخبين في انتخابات المجلس الملي العام ( و الذي من المفترض أنه يمثل كل أقباط مصر) لابد  أن يصيبه العجب من ضآلة عدد الناخبين فانتخابات 1995 علي سبيل المثال لم يسجل بجداولها سوي 4000 ناخب ، وهو الأمر الذي اعتبر وقتها تطوراً ايجابياً دراماتيكياً إذ إن عدد الناخبين في انتخابات 1990 لم يتجاوز  1200 ناخب لا غير !
 
و يلفت كمال زاخر الانتباه إلي سبب آخر يؤدي إلي ضآلة عدد الناخبين بهذه الصورة ، و يتمثل هذا السبب في الشروط التي وضعها القانون لمن له حق الانتخاب ، و يري زاخر ، و يوافقه جمال أسعد الرأي في ذلك ، أن هذه الشروط تؤدي إلي استبعاد الكثيرين فهذا القانون يضع شروطاً عديدة في الناخب الأرثوذكسي منها أن  يكون من أصحاب الأملاك أو الأراضي الزراعية أو المحلات التجارية ، أو أن يكون موظفاً براتب لا يقل عن 120 جنيهاً ، مما يعني استبعاد كثير من الفئات من الانتخاب كالعمال والفلاحين علي سبيل المثال  ، إلا أن الدكتور ثروت باسيلي يري أن القانون قد منح حق الانتخاب لأولئك أيضاً ذلك إذا ما كانوا يدفعون مبلغاً سنوياً بسيطاً يحدده القانون كضرائب مما يعني عدم حرمانهم من حقهم الانتخابي .
 
انتقاد آخر وجهه كمال زاخر لأسلوب الانتخاب المتبع ، ذلك الأسلوب الذي يجعل المجلس الملي العام ، وفق زاخر ، مجلساً قاهرياً في الأساس ، فالناخبون الذين يصوتون هم أولئك الذين قيدوا أسماءهم  في الكاتدرائية بالقاهرة ، وهو الأمر الذي ينفيه  الدكتور ثروت باسيلي من خلاله إيضاحه أن انتخابات المجلس الملي العام يشارك فيها مندوبون عن المجالس المحلية في جميع الإبراشيات علي مستوي الجمهورية .
 
و لكن هذه المشاركة ذاتها يري فيها جمال أسعد أداة من الأدوات التي يستخدمها البابا من أجل توجيه نتائج الانتخابات فيقول :” عادة ما تكون سيطرة رجال الدين علي أبناء الشعب القبطي أسهل في الأرياف ، فهم يوجهون البسطاء لاختيار أسماء بعينها بتوظيفهم لوضعهم الديني ، ثم يقومون بعد ذلك بإرسال مندوبين عنهم لانتخابات المجلس الملي العام ، فإذا قلنا إن كل إبراشية ترسل 7 مندوبين و لدينا أكثر من 70 إبراشية يصبح أمامنا كتلة تصويتية كبيرة موالية لقائمة البابا و هي كتلة بالغة التأثير نظراً لضآلة العدد الكلي للناخبين ” .
 
    و يؤكد كمال زاخر أن البابا نظراً لما يتمتع به من حنكة سياسية لم يلجأ للصدام مع المجالس الملية كما كان يفعل البطاركة السابقون ، بل لجأ إلي سياسة بديلة تقوم علي توجيه الناخبين لاختيار قوائم بعينها تتميز بالولاء المطلق لشخصه لكن دون أن يعلن ذلك صراحة و إنما يترك تلك المهمة لرجال الكنيسة الذين يعلنون بين الناخبين أن البابا يبارك قائمة بعينها وعادة ما تحمل تلك القائمة اسم قائمة مار مرقص أو قائمة القديس اثناسيوس .
 
و لا ينفي نبيل لوقا بباوي أن يكون البابا يقوم بدعم قوائم بعينها ، ويبرر ذلك بأنه من حق البابا ، بل من مصلحة الكنيسة أيضاً ،  أن يسعي لاختيار أعضاء للمجلس الملي يستريح لهم حتي يتم إدارة أموال الكنيسة علي أفضل وجه ممكن ، واذا كان بباوي يقر بذلك فإن د. ثروت باسيلي أكد بشكل قاطع  أن واضعي تلك القوائم هم الذين يدعون مباركة البابا لقوائمهم .
 
و حسب جمال اسعد فإن آليات إخضاع أعضاء المجلس لهيمنة البابا لا تتوقف علي دعمه لهم أثناء الانتخابات بل يضيف أسعد أن : ” البابا قام بترسيخ تقليد جديد وهو انه ، و بمجرد انتخاب الأعضاء الأربعة و العشرين للمجلس ، فإنه يقوم بسيامتهم ( تعيينهم ) شمامسة (درجة دينية من درجات الكنيسة) و بذلك يصبحون خاضعين كنسياً ، مما يؤدي إلي افتقادهم لأية استقلالية في مقابل البابا “، و ينفي الدكتور ثروت باسيلي أن يكون غرض البابا من هذا التقليد هو إخضاع الأعضاء لهيمنته بل هو إجراء منسجم مع طبيعة المهمة التي انتخب هؤلاء الأعضاء لإنجازها و يشرح باسيلي رأيه ذلك فيقول : ” شماس تعني : خادم في الكنيسة ، و هل انتخب هؤلاء إلا لخدمة الكنيسة ! ” و لا يملك باسيلي إلا أن يتعجب من موجهي هذا الانتقاد فيتساءل :” هل يعتقد هؤلاء بالفعل أن البابا في حاجة لمثل هذا الإجراء لكي يسيطر ؟! “.
 
و سواء كان البابا في غير حاجة للسيطرة بفضل مكانته في قلوب الشعب القبطي كما يري أنصاره أو بسبب توظيفه لآليات الاختيار و اتخاذ القرار في المؤسسات الكنسية كما يري معسكر الإصلاحيين فيبدو أن انتخابات المجلس الملي القادمة لن تكون آخر الجولات بين المعسكرين .
جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الأحد, 19 فبراير 06