جاء تراجع أداء الجمعيات التعاونية الزراعية وهي: الإصلاح الزراعي، والائتمان، والثروة المائية، واستصلاح الأراضي مؤخراً كإحدي ثمار عدم وجود استراتيجية واضحة المعالم بالنسبة لدور التعاونيات الزراعية خلال مرحلة الإصلاح الاقتصادي، بالإضافة إلي توزيع جزء من اختصاصات هذه الجمعيات للقطاع الخاص، وبنك التنمية والائتمان الزراعي، مما أدي إلي زيادة نصيب القطاعين علي حساب التعاونيات.
l
وتزامن مع هذا التراجع الارتفاع المستمر في أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة وتقاوي ومعدات ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، وانخفاض صافي عائد المنتج الزراعي، مما تسبب في انخفاض دخول المزارعين وتراجع الإقبال علي بعض المحاصيل الاستراتيجية مثل القطن، مما دفع الحكومة إلي محاولة إعادة التعاونيات للساحة مرة أخري للمساهمة في حل مشاكل القطاع الزراعي من خلال عدة إجراءات، منها إجراء تعديل تشريعي يسمح لزيادة صلاحياتها وإضافة وظائف جديدة لها مثل التسويق.
أكد الدكتور أسامة البهنساوي، أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة الأزهر، أن الحركة التعاونية لعبت دوراً رائداً في المجال الزراعي لكنها واجهت عدداً من التحديات والمشاكل منها، تعمد تفتيت الحركة التعاونية إلي قطاعات متعددة، دون أن يوجد بينها رابط أو تنسيق إلا من خلال الاتحاد التعاوني الزراعي المركزي، حيث تتكون التعاونيات الزراعية من 4 مجموعات تعاونية لكلٍ منها جهة إدارية مختصة حددتها قوانين التعاون، وهي: الإدارة المركزية للتعاون الزراعي بالنسبة لجمعيات الائتمان، والهيئة العامة لمشروعات التعمير بالنسبة لجمعيات استصلاح الأراضي، وتعاونيات الإصلاح الزراعي، والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية بالنسبة لتعاونيات الثروة المائية.
وأشار إلي عدد من المواد القانونية التي أدت إلي تقييد الحركة التعاونية الزراعية وعدم السماح بتأسيس شركات مساهمة فيما بينها أو بالاشتراك مع غيرها أو شراء أسهم الشركات والبنوك، كما لم يسمح القانون للجمعيات بإنشاء صناديق لموازنة أسعار المحاصيل أو مستلزمات الإنتاج أو التمويل أو التكافل.
وأضاف »البهنساوي« أن التعاونيات الزراعية لا تتمتع بالمزايا التي تحظي بها القطاعات الاقتصادية الأخري مثل القطاعين الخاص والاستثماري لجذب الاستثمارات اللازمة لتنمية القطاع التعاوني الزراعي، بالإضافة إلي عدم مشاركتها في رسم السياسة الزراعية والسعرية لتحقيق الأمن الغذائي، وإحداث التطور والتنمية عموماً، حيث لا يوجد تمثيل للقطاع التعاوني في اللجان المختصة برسم السياسات التنفيذية المتصلة بمجالات نشاطه.
كما تشمل التحديات الإجراءات المعقدة والطويلة التي يتطلبها استخراج التراخيص لمختلف القطاعات التعاونية، وصعوبة الحصول علي الأراضي اللازمة لإقامة المشروعات التعاونية، والقصور الشديد في قاعدة البيانات والمعلومات عن القطاع التعاوني الزراعي، مما يصعب من مهمة التخطيط، مشيراً إلي عدم وجود إدارة فنية جيدة وضعف الهياكل الوظيفية والتنظيمية واختفاء الحوافز وضعف الأجور.
وأشار الدكتور سمير غنيم، الأستاذ بكلية زراعة العريش، إلي ضرورة الاهتمام بتطوير التعاونيات الزراعية، وإيجاد دور لها يتواكب مع المتغيرات الجديدة علي الساحتين المحلية والعالمية، مؤكداً أهمية دمج الجمعيات التعاونية في السياسات الزراعية المستقبلية.
وأكد غنيم أن التعاونيات تأثر أداؤها مؤخراً في ظل تراجع المساحات المتاحة واستحواذ مؤسسات أخري علي نفس الخدمات التي تقدمها مما أدي إلي إضعاف دور التعاونيات.
وأكد حسين غنيمة، رئيس قطاع مكتب وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، اهتمام الوزارة بالتعاونيات وانها احتضنت اجتماعاً للاتحاد التعاوني الزراعي مؤخراً وتمت مناقشة جميع المشاكل والتحديات.
وأشار إلي اتخاذ الوزارة عدة إجراءات من أجل تحسين أداء التعاونيات ومنها الاتجاه نحو تعديل تشريعي لقانون التعاونيات لزيادة صلاحيتها لتقديم خدمات إضافية للمزارعين وإعطاء دور أكبر لها في الفترة المقبلة.
يذكر أندراسة حديثة قدمت لمؤتمر التعاونيات بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة، تحت عنوان »مستقبل النشاط التعاوني الزراعي في ظل المتغيرات الحالية والمستقبلية« اتهمت الحكومة بعدم توفير الاحتياجات التمويلية اللازمة للتعاونيات، مما جعلها تلجأ إلي الجهاز المصرفي للحصول علي القروض بفائدة عالية، وإذا كانت بعض التعاونيات لديها أرصدة مالية فإن قانون التعاون قيدها ووضع حولها سياجاً حديدياً من الرقابة والإجراءات، الأمر الذي انتهي بها إلي أزمة مالية طاحنة قيدت فرص نشاطها ونموها.
وأشارت الدراسة إلي ضعف الإمكانيات التسويقية للتعاونيات من أجهزة ومعدات وثلاجات ووسائل نقل، مما يحد من قدرتها علي تسلم بعض الحصص من السلع القابلة للتلف، وحرمان الأعضاء من مزايا الحصول علي هذه الخدمة.
واقترحت الدراسة عدة مطالب لتحسين أداء التعاونيات منها السماح لها بتوفير القروض الزراعية للأعضاء من خلال منافذها الخاصة أو إنشاء بنك تعاوني يعمل علي توفير جميع الموارد المالية اللازمة لأعضاء التعاونيات، من خلال المساهمة الذاتية للأعضاء ورسوم العضوية، أو من خلال طرح سندات تعاونية بالأسواق لجذب رؤوس الأموال للاستثمار في مجال الزراعة، وإصدار أسهم جديدة متميزة، وإنشاء صناديق تمويل.
كما طالبت الدراسة بتشجيع التأمين التعاوني متعدد الأغراض مثل صناديق التأمين علي الماشية والآلات الزراعية، وبعض الحاصلات الزراعية والادخار والاستثمار التعاوني، كمصدر لتعبئة صناديق الأموال التعاونية والتي يمكن أن تستخدم لخدمة أهداف التعاونيات.