إيمان عوف:
تعيين أبناء العاملين فى البترول والكهرباء وغيرهما من المناطق العمالية امر لا يختلف كثيرا عن تعيين ابناء القضاة وضباط الشرطة وغيرهم، لكن نقطة الخلاف الاساسية فى ذلك الشأن تعود الى الامكانيات المحدودة- ان لم تكن المعدومة – المتاحة امام ابناء العاملين فى تقلد مناصب او التقدم لوظائف دون وساطة أو محسوبية.
تقول سحر عثمان، نائب رئيس اتحاد نقابات عمال مصر، إنه منذ فترة التسعينيات وتعانى مصر ثقافة تعيين أبناء العاملين فى كل المؤسسات جيش وشرطة وقضاء وخارجية وتدريس.
وأوضحت أن تلك العادات انتقلت بالتدريج إلى القطاعات العمالية، بداية بقطاع البترول على اعتباره القطاع الأكثر ربحًا ثم إلى الكهرباء، ومنهما بدأت العدوى تنتشر فى العديد من القطاعات العمالية الأخرى.
وأشارت سحر عثمان إلى أن الأمر وصل فى العديد من الأحيان الى تنظيم اضرابات عمالية بسبب عدم تعيين أبناء العاملين.
وعن حديث العمال، قالت إنه اذا كان هناك تعيين %25 من أبناء العاملين فإن الـ%75 الباقين يتم تعيينهم عن طريق الواسطة، قالت «عثمان» إن تلك المعلومات صحيحة بدرجة كبيرة، ومن ثم فان هناك ضرورة لان يتم تفعيل آليات الاختبار الحقيقى وتكافؤ الفرص وفقًا للدستور المصرى وليس وفق الاهواء أو مبدأ تعيين ابناء العاملين ومن له وساطة أو محسوبية.
ولفتت «عثمان» إلى أن الكارثة الحقيقية فى ذلك الشأن تعود إلى أن النقابيين المنوط بهم اتخاذ اجراءات لوقف تلك الممارسات هم انفسهم الذين يهرولون لتعيين أبناء العاملين فى مواسم الانتخابات أو غيرها.
ويقول محمد حسن، مؤسس عمال من أجل التغيير، إن تعيين أبناء العاملين فى الوزارات والهيئات المختلفة ثقافة نتجت عن ثقة العمال بأن أبناءهم لن يتم تعيينهم فى أى أماكن أخرى، لأنهم لا يملكون الواسطة التى تمكنهم من أقل حقوقهم فى العمل.
ويشير حسن إلى أن الغالبية العظمى من أبناء العاملين حاصلون على مؤهلات عليا ولا يجدون فرصة عمل. خاصة ان نسبة البطالة فى مصر تجاوزت الـ25%، ومن ثم فإن هناك فرقا شاسعا بين تعيين ابناء العاملين وبين ممارسات اصحاب السلطة والنفوذ مثل القضاة والشرطة وغيرهم.
ولفت حسن إلى أن العمال على اتم استعداد لأن يتوقفوا عن المطالبة بتعيين أبنائهم شريطة ان توفر لهم الدولة فرص عمل قائمة على تكافؤ الفرص. وعلى قدراتهم وليس على الوساطة والمحسوبية. والنظرة الطبقية.
ويوضح حسن أن تصريحات وزير العدل وممارسات العديد من الهيئات والمؤسسات تعكس سياسة عامة فى مصر، وتؤكد أن تكافؤ الفرص أمر غير وارد تطبيقه فى مصر رغم الثورتين.
واتفق معه فى الرأى على عبدالرحمن، عامل بشركة مصر للبترول بمسطرد، مؤكدًا أن سعى العمال لتعيين أبنائهم بنسب قليلة فى الشركات يعود بصورة اساسية الى الظروف الاقتصادية والاجتماعية التى يعانيها العمال، لذا فان العمال يلجأون الى تعيين ابنائهم فى المصانع والشركات التى يعملون بها، خاصة فى قطاعات العمال الذين خرجوا إلى المعاش المبكر او الذين يعانون عجزاً ما.
بينما يقول سعود عمر، القيادى العمالى، إن المنظومة تبدأ من الاعلى للاسفل وليس العكس. وإن أزمة التوريث فى الوظائف تعود بصورة أساسية إلى غياب القواعد والقوانين التى تقوم على تكافؤ الفرص، مدللاً على ذلك أن القطاع الخاص يرفض تعيين الأقارب ويمنعه بصورة جذرية، بينما قطاع الأعمال والقطاع العام يعانى التوريث والفساد والمحسوبية.
وأشار عمر إلى أن هناك بعض الشركات التى تعانى من الإفلاس الفعلى لكنها مستمرة فى تعيين أبناء العاملين. وهو الامر الذى يهدد بخطر كبير على الاقتصاد وعلى الإنتاجية. لكن هناك الكثير من الحالات التى ترفض ذلك، الا انها تواجه ببيروقراطية وانحيازًا ووساطة وفسادا. يكون وقتها امامها خياران لا ثالث لهما إما الانضمام لطابور البطالة وإما الاندماج فى ترسانة الفساد.
ولفت عمر إلى أن سياسات الدولة وانسحابها كشريك اساسى فى سوق العمل وتزايد البطالة سينتج مزيدًا من تلك الامراض التى تندرج تحت قائمة الفساد. ورى القيادى العمالى أن الحل الأمثل لتلك النوعية من السلوكيات هى أن تكون هناك قوانين ملزمة، وأن يتم وقف التعامل مع الوظائف على اعتبارها بيزنس للتربح، وأن يقر القانون معايير المقابلات والامتحانات تحت إشراف من المتخصصين. حتى نمنع فكرة سيطرة الشخص على مقاليد ومستقبل جيل من الشباب.