رغم بساطة الحدث فإنه كبير في دلالاته، فهو يؤكد أن التضارب الحكومي أصبح سمة شديدة الوضوح، فقد تجلي ذلك بشكل درامي مثير عندما أعلن الدكتور مفيد شهاب، وزير الشئون القانونية والمجالس البرلمانية عن توصل وزارة الداخلية لمرتكبي حادث الحسين الارهابي، ولم تكد تمر سويعات حتي تم تعديل الخبر الذي بثته وكالة أنباء الشرط الأوسط ليحمل نفياً ضمنياً من وزارة الداخلية لخبر التوصل للجناة، وهو ما اثار التساؤلات حول غياب التنسيق الحكومي في قضية بهذه الاهمية، خاصة انها لم تكن السابقة الاولي، فقد تضاربت تصريحات الحكومة من قبل حول العلاوة الاجتماعية وانفلونزا الخنازير.
|
أوضح هاني ابراهيم، خبير التنمية وحقوق الانسان، ان هذه الواقعة – رغم فجاجتها – ليست الاولي من نوعها، كما ان المشكلة ليست في التضارب لان تضارب التصريحات يحدث في معظم دول العالم حيث تعلن مؤسسة عن رؤية ثم تعلن اخري عن العكس، ولكن ما يحدث في مصر ليس تضاربا عارضا بل هو غياب للمؤسسية وللشفافية، فالاشكالية الاهم هي انعدام التنسيق وغياب الشفافية وغياب ما يسمي بحرية تداول ونقل المعلومات، حيث ينظر للامر من حيث رؤية الفرد وليس المؤسسة، بمعني ان الاختلاف يكون في فكرة العلنية، فقد لا تكون الداخلية راغبة في الاعلان لاسباب أمنية، ولكن كان لابد ان يكون هناك تنسيق، ولذا فما يحدث هو دليل علي غياب الفكر المؤسسي الذي هو إحدي ركائز المجتمع الديمقراطي، وبالتالي هذا يؤثر علي الديمقراطية، وهو مؤشر علي غياب الديمقراطية والشفافية، وبالتالي غياب الحقيقة وعدم وجود اطار قانوني حاكم للافصاح وحق المجتمع في معرفة الحقيقة.
من جانبه، قال الدكتور وحيد عبد المجيد، نائب رئيس مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الأمر ليس بجديد بل هو ظاهرة معروفة باسم الجزر المنعزلة في مجلس الوزراء ومسجلة في تقارير رسمية، منها تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات والذي استخدم تعبير » الجزر المنعزلة « وذلك نتيجة الطريقة المتبعة في إدارة السلطة التنفيذية، فليست لدينا حكومة بالمعني المؤسسي، بل إن هناك شخصنة تتمثل في شخص رئيس الحكومة الذي يكون دوره منسقا واحيانا يكون هناك وزراء في الحكومة اقوي من رئيس الحكومة والذي لا يعرف ما يدور في الوزارات، وبالتالي لا يكون هناك تنسيق بين الوزارات، فكل وزير يعمل في جزبرة منعزلة ولكن المفروض او الطبيعي ان اي حكومة تكون لديها سياسة واحدة وآلية للاعلان ومسئولة مسؤلية تضامنية وهذا غير موجود، لذا فهي ظاهرة مزمنة، علاجها هو المؤسسية ووضع آليات الإفصاح.
أما الدكتور رابح رتيب بسطا، عضو مجلس الشوري وعضو المجلس الاعلي للسياسات، فيري انه لا يوجد تضارب وان الحكومة الحالية من اكثر الحكومات التي تتحدث نفس اللغة وأن التضارب يكون احيانا تعبيرا عن الشفافية والديمقراطية وهذا يحدث في اكبر ديمقراطيات في العالم، فعندما أعلن الرئيس الامريكي عن التوجه لاغلاق سجن ابو غريب أعلنت المخابرات والجيش الامريكيين انه لن يتم اغلاق سجن ابو غريب، وما حدث في الشوري هو ان البعض فسر كلام د. شهاب بانه تم ضبط الجناة ولكنه كان يتحدث عن كشف معلومات او كشف شخصياتهم، وقال إن الأجهزة الأمنية توصلت مؤخرا إلي العناصر التي ارتكبت حادث الحسين الإرهابي، بينما لم يتم القبض عليهم، ولكن البعض فسر ذلك بأنه تم القبض علي الجناة، وبالتالي فإن بيان الداخلية كان يوضح ذلك، وليس فيه تضارب ولا نفي لما قاله الوزير بل فيه تأكيد، وبالتالي فان التضارب او العمل في جذر منعزلة غير صحيح، بل ان العكس هو الذي يحدث، فالحكومة بها تنسيق تام ولكن هذا لا يمنع ان تعلن كل حكومة عن مواقفها بحرية خاصة في اطار التوجه نحو اللامركزية، مشيرا الي ان هذه الظاهرة كانت واضحة بقوة في حكومات سابقة بسبب الروتين أو ما يعرف بموروث الجهاز الاداري للدولة، ويتم علاج ذلك، وهناك تطور كبير في هذا الصدد، كما اننا نعيش عصر الفضائيات الذي اصبحت الحقائق فيه متاحة للجميع، لكن بعض وسائل الاعلام تستبق الاحداث، وبالتالي يكون علي الحكومة التوضيح وهذا في النهاية يخدم الحقيقة ويدلل علي ان الحكومة تتحرك بجدية في اطار الشفافية.