سيطرت النظرة التفاؤلية علي توقعات أغلب محللي سوق العملات بتحسن نمو الاقتصاد العالمي بدفع من جني ثمار خطط إنقاذ الحكومات الاقتصادية بقيادة الولايات المتحدة لتكون علي قائمة الدول المتعافية، إلا أنهم توقعوا أن يواجه الدولار الأمريكي ضغطاً شديداً يدفع اسعاره إلي الاتجاه الهابط في عام 2011، وذلك بفعل سياسات الحكومة الامريكية لدعم النمو الاقتصادي بدءاً من انتهاج سياسة نقدية توسعية واتباع خطط التيسير الكمي لشراء الاصول الحكومية والاعلان عن شراء أصول بقيمة 600 مليار دولار، إلي جانب سياسة تخفيض الضرائب التي ستخلق موجات بيع كبيرة للدولار، لتفقد العملة الخضراء جاذبيتها كملاذ آمن للمستثمرين.
|
وغلبت النظرة التفاؤلية علي اداء اليورو ليستعيد بعضاً من توازنه خلال العام الجديد مستفيداً من التدهور المتوقع في قيمة الدولار الأمريكي، إلا أن المحللين رهنوا انتعاشه بنجاح خطط إنقاذ دول منطقة الاتحاد الأوروبي من ازمات الديون السيادية، التي طالت عدداً من الدول مؤخراً منها البرتغال وإسبانيا، وبلجيكا وايطاليا، بينما شددوا علي ضرورة مراقبة اداء الاقتصاد البريطاني وبالتحديد قطاع الإسكان للوقوف علي اتجاهات الجنيه الاسترليني خاصة أن الوقت لايزال طويلاً للوصول الي مرحلة النمو.
وأكد المحللون استمرار الاتجاه الصعودي للدولار الاسترليني بناءً علي المؤشرات الاقتصادية الايجابية للاقتصاد الاسترالي وارتفاع صادرات السلع الاساسية به، بما يؤكد استمرار المركزي في رفع الفائدة عليه، إلا ان مخاوف جني ارباح الصعود تهدد الاتجاه الصاعد، الي جانب مخاوف تأثير ارتفاع التضخم في الصين علي وارداتها من استراليا باعتبارها اكبر مستورد منها، فيما توقعوا توقف سيناريو قوة الين الياباني امام الدولار.
في البداية، توقع محمد فتحي، محلل فني معتمد في سوق العملات، تزايد سرعة وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي خلال عام 2011 خاصة في الولايات المتحدة، استناداً إلي عدد من المؤشرات التي تبشر بارتفاع معدل نمو الاقتصاد الأمريكي في العام الجديد منها الإعلان عن البرنامج الحكومي لتخفيض الضرائب وبرامج تحفيز إقراض الأفراد، فضلاً عن خطط التيسير الكمي بشراء الأصول الحكومية وتفاعل السوق إيجابياً مع السياسة النقدية التوسعية لمجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي »البنك المركزي« في الوقت الراهن.
وأشار إلي محدودية تأثير أزمة منطقة اليورو السلبي علي الأسواق المالية في العام الجديد مستبعداً وجود مخاوف من أن تؤدي الأزمة إلي الدخول في مرحلة الركود الاقتصادي نظراً لقدرة الاقتصاد العالمي علي استيعاب الأزمات مدللاً علي ذلك بالارتفاع الملحوظ في مؤشرات الأسهم العالمية خلال الربع الأخير من عام 2010 لتؤكد عدم تأثر المستثمرين بأزمة اليورو لفترة طويلة رغم قوة تأثيرها السلبي في العام الماضي علي الأسواق المالية.
وأشار إلي أن عام 2010 مر بمرحلة من عدم التأكد حول انتهاء فترة الركود الاقتصادي من عدمه، خاصة بعد اشتعال ازمة الديون في منطقة اليورو لتثير الشكوك حول تعافي الاقتصاد العالمي، ورفعت درجة المخاوف من الدخول في مرحلة الركود مجدداً.
وعن أدء سوق العملات توقع »فتحي« أن يتجه اليورو للارتفاع امام الدولار الأمريكي علي المدي الطويل والتخلي عن موجة هبوطه الحالية لتقتصر علي المدي القصير فقط بالرغم من تصاعد أزمات الديون في منطقة دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً في أيرلندا واسبانيا والبرتغال وإيطاليا، إلا أنه يري أن ابقاء مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي علي معدلات الفائدة المنخفضة بالإضافة إلي تأثيرات برنامج التسهيل الكمي لدعم النمو الاقتصادي ستمثل ضغوطاً علي قيمة الدولار لصالح اليورو.
وأضاف أنه من المتوقع أن يواصل الدولار الأمريكي هبوطه أمام الين الياباني متأثراً، بحفاظ الفيدرالي الأمريكي علي سياسته النقدية التوسعية، لافتاً إلي محاولة بنك اليابان المركزي التدخل في سوق العملات خلال العام الماضي ببيع كميات كبيرة من الين لتخفيض قيمته، إلا أن ذلك الإجراء لم يؤثر علي توجهات المستثمرين الذين أقبلوا علي شراء الين بكثافة مما دفع أسعاره إلي الوصول إلي مستوي 80 ين للدولار، وهو أعلي مستوي له أمام العملة الأمريكية منذ15 عامًا.
وأكد ضرورة تقبل بنك اليابان المركزي صعود اسعار الين امام الدولار في الفترة المقبلة رغم ما تعانيه الشركات اليابانية من نقص في صادراتها بسبب ارتفاع العملة المحلية، إلا أن »فتحي« رهن استمرار هبوط الدولار امام الين بانتهاء تأثير سياسات التيسير الكمي في الولايات المتحدة علي الأسواق لينعكس بعدها اتجاهه الي الصعود علي الأرجح.
ورغم التحسن النسبي في مؤشرات الاقتصاد البريطاني وعدم تجديد بنك إنجلترا سياسة التسهيل الكمي للمرة الثانية بما يصب في مصلحة الجنيه الاسترليني، فإن المخاوف تحوم حول اداء العملة الملكية التي ليست بأفضل حالاً من الدولار، مشيراً إلي أن ضعف بيانات قطاع الإسكان أحد القطاعات الرائدة في بريطانيا تشير إلي أن الاقتصاد البريطاني لم يبدأ مرحلة التعافي النهائية بعد في ضوء احتمالات ان يعاود بنك إنجلترا سياسة التيسير الكمي في أي لحظة.
وأشار إلي أن أغلب العوامل الاقتصادية الاسترالية إيجابية تصب في صالح أداء الدولار الاسترالي امام نظيره الأمريكي والذي يعاني حالياً من أخطر ارتفاع في قيمته، وهو ما يهدد بتعرضه لموجات بيع وجني الارباح وتراجع قيمته في حركة تصحيحية للاتجاه الصاعد، متوقعاً ان يستمر بنك استراليا المركزي في سياسة رفع معدلات الفائدة علي عملته بفعل المؤشرات الايجابية لنمو اقتصاده.
وتوقعت رنا عرابي، محللة بسوق العملات، أن يسلك الدولار الأمريكي الاتجاه الهبوطي خلال عام 2011، متأثراً بالعديد من العوامل أهمها جهود الولايات المتحدة المكثفة لرفع أداء النشاط الاقتصادي ودعم نموه، باتباعها سياسات التسهيل الكمي في الأسواق، حيث تقوم الحكومة بضخ المزيد من السيولة للأسواق بشراء السندات والأذون الحكومية لدعم النمو الاقتصادي، إضافة إلي الإعلان عن بدء برنامج طويل الأجل لشراء أصول بقيمة 600 مليار دولار في نوفمبر 2010 وحتي ثمانية شهور مقبلة، فضلاً عن موافقة الرئيس الأمريكي أوباما مؤخرًا علي اتباع سياسة جديدة لخفض الضرائب من أجل تشجيع المستثمرين، وكذلك تسهيل عمليات الإقراض للمستثمرين وللأفراد وغيرها من السياسات التي من شأنها دعم النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال العام الجديد.
وأكدت أن هذه السياسات لا تعني بالضرورة زيادة قيمة الدولار، موضحة ان عمليات شراء الأصول تعني ضخ المزيد من السيولة للأسواق مما سيخفض كثيرًا من قيمة الدولار، وبالتالي فمن المتوقع ان تفقد العملة الخضراء عوامل الجذب الطبيعية لها ولن يلجأ إليها المستثمرون كملاذ آمن في ظل انخفاض الفائدة الدولارية إلي أدني مستوياتها.
ونوهت الي انه في حال انتهاء تأثير التسهيل الكمي ستتبعها قفزات ايجابية في أداء الاقتصاد الأمريكي ومن ثم قيام المركزي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة وهو ما قد يحدث في 2011 أو يتأخر الي الأعوام التالية.
من جهة أخري، أشارت محللة سوق العملات إلي أن جميع المتغيرات الاقتصادية تصب في اتجاه هبوط اليورو، تأثراً بتداعيات ازمة الديون السيادية الأوروبية علي اقتصاد المنطقة ككل، خاصة بعد أن انتقلت الازمة من اليونان إلي أيرلندا واسبانيا والبرتغال ووصلت إلي بلجيكا وإيطاليا، لافتة الي حالة عدم التيقن من قدرة باقي الدول الأوروبية بمساعدة صندوق النقد الدولي علي توفير المبالغ اللازمة لإنقاذ الدول المتعثرة، إضافة إلي المخاوف من استمرار الازمة وظهور حالات افلاس لبعض الدول.
وأشارت الي ان توقف موجة هبوط اليورو مرهونة بإمكانية التوصل إلي حلول فعلية لإنقاذ دول المنطقة، حتي يستعيد المستثمرون تفاؤلهم بشأن العملة الموحدة خاصة مع التدهور المتوقع للدولار الأمريكي.
وربطت مصير الدولار الاسترالي في العام الجديد بالصين ثاني أكبر مستورد في العالم والمستورد الأكبر للمواد الزراعية الاسترالية، مشيرة الي وجود مخاوف من أن يؤدي ارتفاع معدلات التضخم في الصين ورفع معدلات الفائدة علي عملتها مرتين علي التوالي الي تطبيق بنك الصين المركزي سياسة نقدية انكماشية ومن ثم تراجع الصادرات الاسترالية خاصة مع الارتفاع المبالغ فيه في قيمة الدولار الاسترالي، بالرغم من أن جميع العوامل الاساسية من ايجابية نمو الاقتصاد الاسترالي والتوقعات بمزيد من رفع الفائدة تصب في مصلحة الدولار الاسترالي.
فيما توقعت ألا يتكرر سيناريو قوة الين الياباني في العام الجديد علي غرار ما شهده في العام الماضي، نظراً لاحتمال تأثره بهبوط أسعار السندات الأمريكية والتي يرتبط إيجاباً بعوائدها، إضافة الي تأثره بمساعي بنك اليابان لرفع قيمة العملة، والتي قد يكون حان وقتها.
وتوقعت استمرار صعود الجنيه الاسترليني في العام الجديد مدفوعاً بالارتفاع الملحوظ في اداء الاقتصاد البريطاني خاصة بعد عدم تجديد بنك انجلترا اتباع سياسة التخفيف الكمي للمرة الثانية، واستبعدت أن يتجه بنك إنجلترا لرفع معدلات الفائدة هذا العام نظراً لان الاقتصاد البريطاني لا يزال يحتاج الي الكثير من الوقت قبل الوصول لمرحلة النمو، منبهة الي ضرورة توخي الحذر من اي تحول سلبي في المؤشرات الاقتصادية ومؤشرات قطاع الاسكان بصفة خاصة التي قد تصاحبها موجة بيع الجنيه الاسترليني.
في حين توقع وليد أبو الدهب، خبير بسوق العملات، أن يستمر تأثير برنامج شراء الأصول السلبي علي الدولار خلال عام 2011، خاصة مع ابقاء الفيدرالي الأمريكي علي معدلات الفائدة المنخفضة، وكان الدولار قد اتخذ اتجاهاً هابطاً خلال النصف الثاني من 2010 بعد إعلان الاحتياط الفيدرالي في نوفمبر السابق عن خطة طويلة الأجل لشراء سندات الخزينة الأمريكية بقيمة 600 مليار دولار ضمن برنامج التيسير الكمي الثاني والذي اتبعته الحكومة الأمريكية منذ اندلاع الأزمة العالمية؛ مما أدي إلي موجات كبيرة من بيع الدولار تحسبًا لانخفاض قيمته.
ويري »أبو الدهب« نظرة تفاؤلية تجاه اداء اليورو إلي حد كبير بفعل محاولات صندوق النقد الدولي بالتعاون مع الاتحاد النقدي الاوروبي لحل ازمة الديون التي بدأت في اليونان وانتقل تأثيرها الي ايرلندا واسبانيا والبرتغال، ليستعيد اليورو اتجاهه الصاعد امام الدولار بمجرد نجاح حل الأزمة، إلا انه لفت الي احتمال استمرار ضعف اليورو في الشهورالأولي من عام 2011.
وتوقع »أبوالدهب« ألا يشهد الين الياباني نفس القوة في ادائه التي سجلها في عام 2010، وذلك بفعل عدة أسباب، أهمها الانخفاض الأخير في عائد السندات الأمريكية والتي يرتبط بها الين إيجاباً، وذلك بعد موافقة الرئيس الأمريكي علي قانون خفض الضرائب، مما يمثل ضغطاً كبيراً علي الين في اتجاه الهبوط.
وكان الين قد جذب العديد من المستثمرين في 2010 باعتباره ملاذاً آمناً من الدولار الامريكي الذي فقد جاذبيته بفعل عمليات التسهيل الكمي للفيدرالي الامريكي وما تبعها من تدخل الحكومة اليابانية للمرة ألأولي منذ خمس سنوات ببيع الين في محاولة لإضعاف العملة دون أن تؤتي ثمارها.
من جهة أخري، توقع »الدهب« أن يستمر صعود الدولار الاسترالي بدفع من ارتفاع اسعار السلع الأساسية التي تنتجها استراليا، بالإضافة إلي ارتفاع صادرات استراليا من هذه السلع إلي أكبر مستورد لها وهي الصين، إلي جانب التوقعات الإيجابية من البنك المركزي الاسترالي لتزيد فرص الاستثمار وجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية إلي البلاد.
وشهد النصف الأول من عام 2010 ارتفاعاً للدولار الأميركي مقابل أغلب العملات الرئيسية، حيث لعب الدولار دور عملة الملاذ الآمن وازداد هذا التأثير باندلاع أزمة الديون في منطقة اليورو، ولكن مع النصف الثاني من عام 2010 اتخذ الدولار اتجاهًا هابطًا بعد إعلان الاحتياط الفيدرالي في نوفمبر السابق عن خطة طويلة الأجل لشراء سندات الخزينة الأمريكية بقيمة 600 مليار دولار وهو برنامج التيسير الكمي الثاني منذ اندلاع الأزمة العالمية؛ مما أدي إلي موجات كبيرة من بيع الدولار تحسبًا لانخفاض قيمته، بينما شهد اليورو أزمة الديون التي بدأت من اليونان وامتد تأثيرها في أيرلندا وإسبانيا والبرتغال.
وسجل الدولار الاسترالي نموًا وانتعاشًا اقتصاديا ملحوظًا خلال عام 2010، حتي اضطر البنك الاحتياطي الاسترالي إلي رفع معدلات الفائدة 4 مرات خلال هذا العام للحد من تسارع معدلات النمو الاقتصادي.