هدأت حدة الخلافات الصاخبة التي أثارت تباين الآراء بين أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي حول الأسلوب الأمثل لمواجهة الأزمة التي تحاصر فرص الاقتصاد الأمريكي في الإفلات من الركود، وفي المقابل، بدأ المراقبون يرصدون بوادر اتفاق علي رؤية رئيس المجلس بن برنانكي الداعية إلي تخفيض أسعار الفائدة بنسبة كبيرة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، في محاولة لكبح جماح هذا التدهور، ووضع حد أمام إمكانية تفاقم التباطؤ وتحوله إلي ركود بالمعني الذي قد يفتح الباب في مرحلة تالية أمام استفحال الكساد، الذي يخشي الجميع مجرد الإشارة إليه.
ولاحظ محللو وكالة رويترز أن بعض المسئولين لدي مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذين كانوا يركزون في العادة علي مكافحة التضخم، بدأوا يعلنون تأييدهم صراحة لتبني سياسة نقدية توسعية علي الأقل في المدي القريب، فقد أعلن كل من رئيس فرع الاحتياطي الفيدرالي بولاية دالاس ريتشارد دفيشر، ونظيره في ولاية فيلادلفيا تشارلز بلومر تأييدهما لتخفيض أسعار الفائدة حتي لو ارتفع التضخم إلي مستويات خطيرة، علماً بأن كلا منهما كان من أشد المدافعين عن سياسة نقدية تقشفية لمكافحة التضخم.
لكن مخاطر الركود دفعت صقور السياسة النقدية في مجلس الاحتياطي الفيدرالي علي ما يبدو إلي التسامح مع أخطار التضخم رغم ارتفاع عجز الحساب الجاري والموازنة في الولايات المتحدة إلي مستوي قياسي.. وقد انضم إلي قائمة المدافعين عن تخفيض الفائدة أيضاً جيفري لاكر، الذي يرأس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في ولاية ريتشموند، ودنيس لوكهارت في أتلانتا، مؤكدين أن تخفيض الفائدة ربما يكون ضرورياً لتنشيط الاقتصاد المأزوم.
وكان لاكر قد عزز سمعته باعتباره من صقور السياسة النقدية التقشفية عندما اعترض في وقت سابق علي قرارات الاحتياطي الفيدرالي أربع مرات في عام 2006 وطالب بزيادة أسعار الفائدة.. وجاء التحول في موقفه ومواقف آخرين في مجلس الاحتياطي الفيدرالي في ظل تدهور الأداء الاقتصادي بوتيرة أسرع مما توقع الجميع.. كما صرح كثير من أعضاء لجنة السوق المفتوحة بمخاوفهم إزاء احتمالات ارتفاع تقديرات معدل البطالة بالولايات المتحدة ليصل إلي %5 خلال شهر ديسمبر 2007.
وهناك مؤشرات بأن برنانكي وزملاءه ربما يكونون قد استوعبوا درس العام الماضي، عندما أعرب غالبية أعضاء المجلس عن قلقهم من ارتفاع التضخم، مما تسبب في إرباك المستثمرين الذين لم يستطيعوا تخمين نوايا مجلس الاحتياطي الذي يقوم بمهام البنك المركزي الأمريكي في مواجهة أزمة الائتمان العالمية والمؤشرات التي تؤكد تباطؤ الاقتصاد الأمريكي.. ورغم التصريحات النارية المتشددة، قام الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض الفائدة بمقدار نقطة مئوية كاملة إلي %4.25 خلال الربع الأخير من عام 2007.
وساهمت عدة مؤشرات تضمنها التقارير الضعيف حول أداء سوق العمل بالولايات المتحدة خلال شهر ديسمبر 2007، وتدهور مبيعات التجزئة، فضلاً عن مؤشرات تباطؤ النشاط الصناعي في دفع برنانكي إلي التعهد باتخاذ إجراءات حازمة لإقناع أسواق المال بأن المجلس سوف يقوم بتخفيض الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية كاملة خلال الاجتماع القادم للجنة السوق المفتوحة في 29 و30 يناير الجاري.
ورغم ذلك، فإن بعض الصقور في لجنة السوق المفتوحة لم يتخلوا تماماً عن استراتيجية مكافحة التضخم، ولذا يتوقع عدد من المحللين أن يكشف هؤلاء الصقور عن توجهاتهم الحقيقية بمجرد عودة الأوضاع الاقتصادية إلي طبيعتها، مما قد يترتب عليه تحول سريع في موقف المجلس قد يؤدي إلي التراجع عما قام به من تخفيض من أسعار الفائدة.
ويؤكد بنك باركليز كابيتال في ورقة أصدرها مؤخراً أن سياسة مكافحة التضخم سوف تعود إلي مقدمة المسرح بمجرد ظهور مؤشرات علي تحسن الأوضاع الاقتصادية بحلول أواخر عام 2008.
وقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في الولايات المتحدة، الذي لا يتضمن أسعار الغذاء والطاقة المعروفة بالتقلب الشديد، بنسبة %2.4 في عام 2007، وهو مستوي أعلي كثيراً من المعدل الذي يطالب به أعضاء لجنة السوق المفتوحة، خاصة أن مؤشر أسعار المستهلكين الإجمالي قفز إلي %4.1 وهو أعلي مستوي له في 17 عاماً، بسبب ارتفاع سعر الطاقة.