على الرغم من أن الاتفاق الأخير الذى توصل إليه قادة الاتحاد الأوروبى، الذى كلف البنك المركزى الأوروبى بمهمة إخضاع البنوك الأوروبية للرقابة لا يضمن إنهاء أزمة الديون السيادية التى يعانى منها الاتحاد النقدى حاليا، لكنه ملىء بالمزايا التى لم تصبح ممكنة إلا بفضل قبول هؤلاء القادة الاتفاق على حلول وسط ساعدت على خروج الاتفاق للنور.
وذكرت وكالة بلومبرج الإخبارية فى تقرير لها أن الاتفاق يمثل نقطة تحول من ناحية طريقة إدارة الأزمة، لأنه يقدم للمرة الأولى حلولاً جذرية لأزمة الديون الأوروبية بدلا من الحلول الوقتية التى اعتاد القادة الأوروبيون التوصل إليها منذ اقتراب الاقتصاد اليونانى من بلوغ نقطة الانهيار الكامل فى 2010.
ووافق القادة الأوروبيون على تكليف البنك المركزى الأوروبى بمهمة الإشراف على البنوك العاملة فى 17 دولة من الدول المستخدمة لليورو بحلول مارس 2014، يعنى هذا أن البنك المركزى سيفرض رقابة مباشرة على نحو 200 بنك أوروبى يمتلك أصولاً تزيد قيمتها على 30 مليار دولار.
ويستجيب الاتفاق للضغوط التى مارستها ألمانيا، والتى سعت من خلالها للتأكيد على ضرورة إبقاء مئات البنوك الأصغر حجماً تحت إشراف الجهات الرقابية المحلية.
ويستجيب الاتفاق للضغوط الفرنسية التى سعت لتمكين البنك المركزى الأوروبى من التدخل فى أى لحظة للإشراف على هذه البنوك الصغيرة، مما يسهم فى إرساء مبدأ أساسى هو ترسيخ قدرة البنك على وقف تمادى هذه البنوك فى ارتكاب الأخطاء خضوعا منها لمصالح معينة.
ويسهم الاتفاق فى القضاء على أحد العوامل الأساسية المؤدية لنشوء أزمة الديون السيادية، وذلك عن طريق الحيلولة دون اعتماد البنوك المحلية على شراء الديون الضخمة التى تصدرها الحكومات.
وتم التوصل لحل وسط آخر بشأن بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى التى لا تستخدم اليورو، والتى لا يحق لها التصويت على قرارات البنك المركزى الأوروبى، حيث تم تمكين هذه الدول من الاعتراض على قرارات البنك الرقابية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالقواعد المنظمة للمعاملات المصرفية التى تتم عبر الحدود.
وذكرت بلومبرج أن الاتفاق لا يحل جميع مشاكل المنطقة، حيث لا يزال يتعين على القادة التوصل لخطة يشارك فيها جميع دول الاتحاد الأوروبى تتيح التأمين على الودائع المصرفية، كما يتعين عليهم التوصل لآلية تتيح تفكيك البنوك الفاشلة. ويحتاج الاتفاق لتحديد أساليب واضحة تتيح تمكين الدول غير الأعضاء فى الاتحاد النقدى الأوروبى من الاعتراض على القواعد المصرفية.
ومن المثير للدهشة أن الرقابة المصرفية التى يلتزم البنك المركزى الأوروبى بممارستها يمكن تحقيقها دون الإضرار بمصالح دول رئيسية مثل ألمانيا وفرنسا، أو الدول غير الأعضاء فى اليورو. ويقدم الاتفاق إشارات قوية على إمكانية مساهمة السوق الأوروبية الموحدة فى إصلاح العيوب الهيكلية فى السوق، حيث اختصت القرارات المهمة التى صدرت عن البنك المركزى الأوروبى فى سبتمبر الماضى بتحديد سبل دعم أسواق السندات فى الدول الأكثر عرضة للمخاطر.
ومن المزايا الأخرى للاتفاق الحالى هو أن تمرير الشكل النهائى للوحدة المصرفية الأوروبية سيفتح الطريق أمام تمكين كيانات مستحدثة مثل صندوق الإنقاذ الأوروبى، الذى يحمل سيولة بقيمة 500 مليار يورو، وآلية الاستقرار الأوروبى من تأدية مهمة إنقاذ البنوك المتعثرة بشكل مباشر. وتتركز المهمة الأساسية للصندوق فى التخلص من الأخطاء التى يتم ارتكابها على المستوى القومى. ومن شأن الدعم الذى يقدمه الصندوق السماح للبنوك بإعادة الرسملة دون تحميل الميزانيات العمومية للحكومات المتعثرة ديوناً إضافية، بما فى ذلك بلدان مثل أيرلندا وإيطاليا وإسبانيا.
وتشير بلومبرج إلى أن التوصل للاتفاق لا ينفى استمرار حاجة منطقة اليورو لإقرار نظام دائم لإتمام التحويلات المالية بغرض مساعدة الاقتصادات الأكثر عرضة للمخاطر فى المستقبل. وأهم ما فى الاتفاق من وجهة نظر الصحيفة هو أن اتفاق القادة الأوروبيين تكليف البنك المركزى سلطة الإشراف على البنوك الأوروبية يكشف عن توفر إرادة سياسية لتحقيق وحدة اقتصادية حقيقية قد لا تتحقق سريعا، بل قد تحتاج لفترة زمنية تمتد لخمس سنوات أخرى.