لم تثِر وثيقةٌ جدلا تاريخيا، كوثيقة (بروتوكولات حكماء صهيون)، أكبر خطة استراتيجية قومية فى التاريخ لحكم اليهود العالم! ورغم اتجاه غالبية الفكر والرأى العالمى بأنها ملفقة، كتبها ماثيو جولوڤينسكى مُزَوِر ومُخبر الشرطة السياسية القيصرية الروسية عام 1901، ومُستوحاة من كتاب (حوار فى الجحيم بين مونتسكيو وميكافيلي) للمؤلف موريس چولى، إلا أنه مهم جدا لفهم خطورة الوثيقة، (التى لم تُنسب لأسماء محددة واقتصرت على كونها محاضر اجتماع لحكماء اليهود) إدراك أبعاد هذه الخطة لحكم العالم، بمنهجيات أهمها؛ الفوضى والتحررية، الحروب الاقتصادية، تفريغ القوانين، تغيير أخلاق الدول بالتدريج، الاستبداد والتقدم الحديث، منهجيات السيطرة، الحروب العالمية، تغييب وعى الجماهير، إفساد التعليم، نشر الإلحاد والأدب المريض، السيطرة على الصحافة، وسائل الترفيه، تحطيم الدين ورجاله، إغراق الدول بالديون الداخلية والخارجية.
ومع عمق رؤية واستراتيجيات النص، إلا أن ما تم بذله واستثماره وفرضه لدحض هذه الوثيقة، يحتم التدبر حول حقيقة وجودها؟ ومع ذلك يؤكد الدكتور عبد الوهاب المسيرى عدم صحتها، وأن ترويج الصهيونية لها هدفه “بث الرعب بقلوب المسلمين والعرب بتضخيم قوة اليهود، ليكسبوا الحرب النفسية قبل دخولهم ميدان المعركة” للتمكن من “تشويه الخريطة الإدراكية للعرب والمسلمين، فأسوأ ما يصيب الإنسان تحطيم نموذجه الإدراكي”.
من وجهة نظر المقتنعين بحقيقية البروتوكولات، فالجدل ليس بتزويرها أو اقتباسها، ولكن وجود نوع من الهيمنة المستمرة لشخصيات يهودية على وسائل الإعلام والاقتصاد والسياسة العالمية، سواء تحققت بصورة عشوائية أو بمنهجية تدريجية مُنظمة! بل مراجعة البروتوكولات ذاتها، تكشف أن نشوء وتطور ومسار العديد من الأحداث والأزمات العالمية من 1905 لتاريخه، تنسجم مع رؤية واستراتيجية وتكتيك ما ورد بها حرفيا من بروتوكول -1 20!
بغض النظر عن صحة أو تلفيق البروتوكولات، إلا أن تدبر تقييمها أو متابعة آثارها يلزمه اعتبار ١- إبعاد نظرية الأمن الإسرائيلى -2 أحكام التلمود (كسجل محاولات حاخامات اليهود لتفسير العهد القديم، ليناسب وضع اليهود كشعب الله المختار بجماعات منتشرة بالعالم، فاعتُبر من أخطر الكتب المقدسة لليهود، لاحتوائه فكر التآمر والسيطرة على بنى الإنسان، لاستعبادهم وتفتيت الأديان السماوية وإهدار القيم الإنسانية، بهدف تحقيق الحلم اليهودى لحكم العالم).
تذخر شبكة الإنترنت بزخم الدراسات للتلمود ونظرية الأمن الإسرائيلى والأبحاث والتحليلات المؤيدة أو الرافضة لحقيقة البروتوكولات، ولكن عمق التدبر يكشف أن اليهود تفوقوا على غيرهم (وبخاصة المسلمين) بتفوقهم فى فهم العالم الذى يعيشون فيه وفهم سنن النجاح وتربية أبنائهم عليها، مما وصّلهم لمراكز القوة والتأثير بأمريكا وغيرها من دول العالم!
مشكلة الدول العربية والإسلامية ـ إلا نذر يسير خلال آخر 10 سنوات ـ أنها لا تملك قدرة صنع المعرفة البحتة أو تطويرها أو نشرها أو تطبيق معدات التقنية العالية! المشكل الأكبر أن أغلبنا يستورد ويستهلك المعرفة ذاتيا وقد لا ينشرها خارجنا! والنسبة الأقل من تستورد أو تتلقى المعرفة من خارجها ثم تساهم بنشرها أو نقلها للغير! والنسبة السائدة هى منعدمة القدرة على صنع المعرفة ونشرها فعلا!
القضية ليست إثبات التفوق اليهودى أو الانبهار به أو التسويق له! ولكن فى فهمه ودراسته على محورين: (1) تحرى مرجعية وسر التفوق (2) رصد تطوره، هدفه العلم والمعرفة والتطبيق، تفعيلا لخطة وأهداف مستقبلية لقرون بعنوان التكامل المعرفى، الذى يسمح لهم بالريادة والتفوق والتسيد المالى والتلاعب الإعلامى، لدرجة اكتشافهم سر الوجود بالتميز المعرفى وتوريثه قانونا لأحفادهم عبر التاريخ، بما لخصه كيسنجر بكلمته (إن التاريخ ذاكرة الأمم، أو معمل كبير لتجارب البشرية، يحفل بمعادلات النجاح لمن يحسن صياغتها)!
الحقيقة قضية تفوق اليهود أساسها حرصهم على التعلم، سخاء تبرعهم لقضاياهم، وعبقرية تشكيلهم لجماعات الضغط والمشاركة القصوى بصناعة السياسة العالمية، والمحصلة احترافهم لترويض وتوجيه مكونات الوعى الجمعى العالمى (التعليم/ الدين/ الإعلام/ السياسة)، من خلال شركاء وحلفاء ومنتفعين ومتلاعب بهم وطنيين، يسهلون لهم بعلم أو بجهل أو بتوجيه أو بإهمال، فى تحقيق رؤيتهم، طمعا بحصة أو منفعة أو عائد أو دور أو كرسي!
لاختراق أى جانب آخر؛ علينا تجاوز العداء وتصلب المواقف، للدراسة والفهم وتصميم مشروعا موازيا، إن لم ينجح فى صد حلم السيطرة، فعلى الأقل يحّجم آثاره! أخبر قادة المقاومة الدكتور المسيرى بزيارته لجنوب لبنان أن “نقطة التحول عندهم كانت عندما أدركوا أن اليهود ليسوا قوة خارقة وبالإمكان هزيمتهم”.
فماذا لو عندنا (#بروتوكولات_حكماء_اُحد)؟ يستوحى المصطلح الجديد دروس غزوة اُحد فى امتحان قلوب المؤمنين وعبرتها للاحقين وفضحها للمنافقين، وما فصله المولى عز وجل بسورة آل عمران (إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ، وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ، وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء، وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)
المعضلة الحقيقية بباقى عقود القرن الـ21 وما بعدها، تصميم العالم وبخاصة العرب والمسلمين (أ) خارطة طريق مستقبلية ممنهجة، يصوغها حكماء الدول الحقيقيون (لا الكيانات الرسمية فقط) لاستحداث مناهج جديدة للمعرفة وتطبيقها ونشرها، كأساس إيجابى مقابل (ب) مواصفات جديدة لأهداف تعليم ومعرفة الإنسان العربى والمسلم، ليس بتناسل الجامعات واستيراد المعرفة وقولبتهم فيها، ولكن بتأسيس مشروع تنموى لإقناع الأجيال القادمة بأهمية العلم والتعليم والمعرفة وتطبيقها، لإيجاد عالم موازٍ مستقل وحر، يسمح لهم بوجود عادل غير مُسيس عالميا (ج) فصل الدين والجغرافيا والتاريخ والأعراق، عن مشروع خلق المعرفة ونهضتها وحتمية وجودها، بصورة تسمح بفرص عادلة للموهوبين والمحترفين والمهنيين والجادين، لتغريد موازٍ خارج السرب.
#بروتوكولات_حكماء_اُحد، دعوة ليقظة عالمية تكافح ٢٤ بروتوكولا مزيفا، تنسج خيوطه واقعا ابتلاعيا، ويحتاج استراتيجية عالمية تزن مصالح البشر فى الوجود، مع سباق المثلث الذهبى وعصر ميتافيرس!
أو كما قال رب العزة (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين ) ؟
* محامى وكاتب مصرى