لمرة رابعة.. ربما ليست الأخيرة، تحتكم الأنظمة السياسية فى السودان إلى الشعب.. للتخارج من ربقة الحكم العسكرى.. الذى سرعان ما تعود الجماهير إلى اللجوء إليه حين تخفق الأحزاب المدنية عن تسيير دفة البلاد، وهكذا بالتبادل بينهما منذ عام 1958 (الفريق عبود)، إذ تسلم السلطة من الحزب الوطنى الاتحادى.. حتى أُزيح عنها فى العام 1964 لصالح حزب الأمة، قبل انقلاب (العقيد نميرى) 1968 الذى بقى فى الحكم حتى منتصف الثمانينيات، حين ترأس (الفريق سوار الدهب) المجلس الرئاسى الذى سلم السلطة بالانتخاب إلى حزب الأمة مجددًا حتى يونيو 1989.. وقت انقلاب (العميد البشير) مدعوماً من تيار الإسلام السياسى (د. الترابى)، ولنحو ثلاثين سنة تالية إلى اليوم، حيث يتجدد الاحتكام إلى الشعب فى الأيام الأخيرة من خلال مظاهرات تدعو إلى حكومة انتقالية.. كما أعلنت 22 حزباً موالياً للرئيس تخليها عنه، استجابة للاحتجاجات الشعبية التى تطالب بإسقاط النظام (العسكرى).. استنادًا إلى أن النظام بتركيبته الحالية وعزلته السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية، ليس فى مقدوره تجاوز أزمته، وحيث تطالب هذه الأحزاب باتخاذ إجراءات استثنائية لتدارك ما أسمته الانهيار السياسى «الوشيك».. تتضمن تشكيل «مجلس سيادة انتقالى يتولى أعمال السيادة»، ربما على غرار المجلس الذى تشكل فى منتصف الثمانينيات بقيادة «سوار الدهب» فى إطار الإطاحة بحكم «نميرى»، ذلك مع تشكيل حكومة انتقالية لا تستثنى أحداً من الكفاءات.. بجانب تكوين برلمان انتقالى من 100 عضو .
إلى ذلك، كان من الطبيعى للمظاهرات (العشوائية) التى خرجت منذ أيام احتجاجاً على رفع الأسعار.. أن يتبنى قيادتها أحزاب سياسية لها برنامج محدد حتى لا يضيع زخمها هباءً على غرار ما جرى فى دول الربيع العربى 2011، وبحيث يحذر الإعلان الحزبى من مغبة رفض الانتقال إلى نظام جديد.. ستكون عواقبه وخيمة «تودى بالأمن الاجتماعى، وتزيد معاناة المواطنين، وتورد البلاد موارد الهلاك ».
فى هذا السياق، حسناً أن سارعت القاهرة بإيفاد اثنين من كبار مسئوليها السياديين (..) إلى الخرطوم، لتقييم المعاونة اللازمة خشية تدخل جهات خارجية فى مسار الأحداث.. ولكى لا تتحول إلى ما هو فى غير صالح السودان والسودانيين.. وعلى ذات النمط تقريباً الذى حصل فى مصر وليبيا وسوريا وتونس (مع الفارق)، خاصة أن كُثراً من المتربصين بمستقبل السودان.. معنيون بالتأثير بالسلب على دول الجوار الإفريقية بوجه عام.. وعلى مصر بخاصة، وإذ تأتى هذه الجهود فى إطار تعهدات بحل الأزمة الحالية بحلول أبريل المقبل، ما يسمح بفسحة من الوقت لكل من الحكومة القائمة وأطياف المعارضة للوصول إلى صياغات جديدة لمرحلة الانتقال وما بعدها.. تصون السودان من مخاطر محتملة لانهيار سياسى وشيك .