تعرض الدولار الأمريكي لأكبر انهيار له هذا العام، حيث انخفض المؤشر العريض لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي يقيس القيمة الحقيقية للدولار إلي حوالي 80 نقطة لأول مرة في تاريخه مقارنة بحوالي 128 نقطة في منتصف الثمانينيات و117 نقطة في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وذلك بعد التعديل لمعدلات التضخم طوال هذه السنوات.
وذكرت صحيفة »فاينانشيال تايمز« أن الدولار في حالة هبوط مستمر تقريبا منذ بداية القرن الحالي وحتي الآن لدرجة أن اليورو بجميع المشاكل التي يواجهها بسبب أزمة الديون السيادية التي يعاني منها العديد من دول منطقة اليورو مازال قادراً علي شراء 1.42 دولار وهذا يعني أن الدولار انعدمت جاذبيته بسبب ضعف ثقة المستثمرين في قدرة صناع السياسة الأمريكية علي إنقاذ الاقتصاد من الوقوع في الركود مرة أخري.
ولم يكن هذا الصيف شديد الحرارة علي الدولار فقط فقد انتقل تأثيره علي الأوراق المالية في جميع انحاء العالم تقريبا حيث تدهورت المؤشرات العالمية خلال الفترة من 21 يونيو الماضي وهو البداية الرسمية لفصل الصيف وحتي بداية الشهر الحالي لدرجة أن المحللين يتساءلون عما إذا كان هذا التأثير المؤلم سيستمر خلال الخريف المقبل أيضاً! وانخفض مؤشر »ستاندرد آند بورز« S&P500 هذا الصيف إلي سالب %8 ليصل إلي أدني مستوي منذ عام 1998 بينما تراجع مؤشر FTSE يورو فيرست 300 إلي سالب %13 مقارنة بأكثر من %10 عام 2009 ولكن مؤشر نيكي 225 لم ينخفض إلا بحوالي سالب %2.5 فقط رغم أنه تراجع إلي أكثر من سالب %10.5 العام الماضي.
وتأتي المخاطر التي تتعرض لها الأوراق المالية علي مستوي العالم من عدة جبهات فهناك مستويات الديون الضخمة التي تعاني منها الحكومة الأمريكية مع ضعف نموها الاقتصادي علاوة علي أزمة الديون الأوروبية واستمرار ركودها الاقتصادي والذي يؤكده انكماش الانتاج الصناعي في العديد من الدول مثل بريطانيا وفرنسا وارتفاع معدلات البطالة لدرجة أن هناك 14 مليون عاطل أمريكي حاليا وأكثر من 15.5 مليون عاطل في انحاء منطقة اليورو.
وظهرت أيضاً أنباء سيئة في بداية هذا الشهر عندما نشرت الحكومة الأمريكية بيانات رواتب العاملين في القطاع غير الزراعي والتي سجلت أسوأ أداء لها هذا العام، كما أن أسواق الديون لمنطقة اليورو لم تهدأ إلا بعد أن تدخل البنك المركزي الأوروبي بحوالي 15 مليار يورو لدعم السندات الإيطالية والإسبانية. وواجهت أسواق الأسهم الأوروبية أكبر انخفاض مع نهاية الاسبوع الماضي حيث تراجع مؤشر داكس يوم الجمعة فقط بحوالي %3.7 ليصل جملة انخفاضه %26 منذ أعلي مستوي سجله في بداية يوليو الماضي.
وتراجع مؤشرFTSE 100 %2.4 يوم الجمعة الماضي بينما انخفض مؤشر يورو فيرست 300 حوالي %2.6 ليصل إجمالي الانخفاض حوالي %12.6 و%15.6 علي التوالي منذ المستويات العليا التي وصلا إليها في هذا الصيف.
ومع ذلك فإن أكبر البنوك العالمية تشعر بتفاؤل واضح وتؤكد انتعاش أسواق الأسهم مع نهاية العام الحالي حيث يتوقع بنك HSBC أن يسجل مؤشر FTSE 100 ارتفاعاً قدره ألف نقطة ليصل إلي 6300 مع نهاية هذا العام.
ويتوقع HSBC أيضا أن يسجل مؤشر يورو فيرست 300 ارتفاعاً قدره 200 نقطة خلال الشهور القليلة المقبلة لينهي العام عند مستوي 1150 نقطة، بينما يتوقع بنك UBS أن يسجل مؤشر FTSE 100 حوالي 6100 نقطة في حين يتوقع بنك سيتي جروب أن يصل مؤشر داوجونز ستوكس 600 إلي 285 نقطة بزيادة 50 نقطة مع نهاية العام الحالي.
ويحذر روبرت باركس خبير استراتيجيات الأوراق المالية في بنك HSBC من غموض الظروف الاقتصادية التي تخيم علي الأسواق العالمية في الفترة الحالية حيث لا يستطيع أحد أن يعرف ماذا يحدث غدا لدرجة أن التهديدات بوقوع الاقتصاد العالمي في هاوية الركود المزدوج تهديدات واقعية جدا وأن التوقعات المتفائلة للبنوك العالمية من الممكن جداً أن تتغلب إلي العكس تماما.
ويؤكد أيضاً جيم أونيل، رئيس إدارة الأصول ببنك جولدمان ساكس أن انتعاش الأسواق بدأ في عام 2009 بنمو الصين القوي والبوادر القوية والواضحة علي ثقة المستثمرين في سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي غير أن هذه الثقة فقدها المستثمرون في الفترة الأخيرة مع تفاقم أزمة الديون الأمريكية والأوروبية وعدم قدرة المؤسسات العالمية علي ابتكار حلول واضحة للخروج من هذه الأزمة التي تزداد سوءا يوما بعد يوم.
ويعتقد العديد من المحللين أن البيانات الاقتصادية هبطت إلي أدني مستوي لها وأنها ستبدأ في الصعود بعد ذلك لاسيما أن الشركات العالمية تحظي برصيد قوي في ميزانياتها وتجلس علي تلال من الاحتياطي النقدي الذي ساعدها علي منح هوامش ربحية مرتفعة مما يؤكد قدرتها علي تحقيق الانتعاش خلال الشهور المقبلة. ويشير بنك UBS إلي الانخفاض الحاد في نسب صافي الديون إلي قيمة الأسهم في الشركات الأوروبية مما يدل علي القوة المالية التي تتمتع بها هذه الشركات كما يتبين من مؤشر داوجونز ستوكس 600 للشركات الأوروبية والذي يؤكد انخفاض هذه النسبة من %61 عام 2008 إلي %39 حاليا ووصول أرباح هذه الشركات إلي أعلي مستوي لها منذ 31 عاما. كما أن الهوامش الربحية للشركات الأوروبية والمحسوبة قبل خصم الضرائب والفوائد قفزت إلي %13 هذا العام وهذا يعني أنها اقتربت من أعلي مستوي سجلته عام 2007 قبل اندلاع الأزمة العالمية حيث بلغت %13.02.
ومن الغريب أن الشركات الأوروبية موقفها المالي قوي للغاية ولكن تلال الديون التي تعاني منها العديد من دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية سببها حكومات هذه الدول والمواطنون الذين اقبلوا علي الاقتراض دون حساب خلال فقاعة الائتمان التي اتفجرت في النصف الثاني من عام 2007.
ولذلك فإن الفرصة سانحة الآن للاستثمار في أسهم الشركات الأوروبية التي باتت رخيصة للغاية في الشهور الأخيرة، حيث تراجعت نسبة السعر للعوائد لأسهم شركات FTSE100 إلي 8.6 بالمقارنة بأعلي متوسط وصلت إليه عام 1987، حيث بلغت 14، في حين أن أدني مستوي وصلت إليه كان 7 في أكتوبر عام 2008 عندما ظهرت الأزمة المالية العالمية.