حان وقت الحصول علي تمويل رخيص، فالسوق متعطش لأي اصدار جديد، ومليارات الجنيهات تبحث عن توظيفات استثمارية بعدما ظلت لفترات طويلة تائهة «تحت البلاطة» أو في وديعة بنكية تتناقص عوائدها، أكثر مما تتزايد، مع توجه سعر الفائدة نحو الانخفاض.
حان بيع حصص من المال العام في الشركات المملوكة للدولة، بعد سنوات من تعثر بيع هذه الحصص، وحان الوقت أيضاً لشركات القطاع الخاص لتعظيم قيمتها السوقية بطرح أسهمها في البورصة، أو لإجراء توسعات في النشاط عبر تمويل رخيص بإجراء زيادات في رؤوس أموالها.
هذا ما أكده التكالب علي الاكتتاب في أسهم المصرية للاتصالات سواء الطرح العام الذي نجح في اجتذاب 300 ألف عميل جديد ليصل عدد المكتتبين إلي نحو 1,7 مليون مستثمر، ضخوا نحو 20 مليار جنيه استثمارات، عبر اكتتابهم في الحصة المطروحة للبيع للأفراد 153 مليون سهم ما أدي لتغطيتها نحو 10 مرات، أو سواء في الطرح الخاص، الذي وصل فيه معدل التغطية إلي 53,5 مرة بعد ان بلغت إجمالي طلبات المستثمرين المسموح لهم بالمشاركة في هذا الطرح سواء كانوا مؤسسات مالية أو مستثمرين من ذوي الملاءة إلي 9,1 مليار سهم، بينما الحصة المطروحة للبيع 170 مليون سهم فقط.
ولان السوق في أفضل حالاتها، ولان المستثمرين حققوا أرباحاً خيالية في طرحين سابقين في «أموك» وسيدي كرير» وصلت إلي %100 في الأولي ونحو %70 في الثانية فقد تمكن من استيعاب أسهم «الاتصالات» التي تعد الطرح الأكبر من نوعه في تاريخ السوق رغم ما صاحبه من هواجس للفشل لدي البعض، ورغم تأجيله في السابق عدة مرات لان ظروف أسواق المال العالمية غير مواتية.
ودفع نجاح طرح «المصرية للاتصالات» الحكومية للتفكير في طرح المزيد من الأسهم، سواء حصص في شركات متداولة بالفعل، ومازالت الحكومة تمتلك فيها حصصاً مثل مصر للألمونيوم، أو شركات الأدوية وعلي رأسها «سيد» أو بيع حصص في شركات لم يتم تداولها في البورصة من قبل مثل الشرق الأوسط لتكرير البترول «ميدور» أو بنك الإسكندرية.
وكان د. محمود محيي الدين وزير الاستثمار قد كشف في المؤتمر الصحفي الاحتفالي لإعلان بدء التداول علي أسهم المصرية للاتصالات في بورصة القاهرة ولندن ان الحكومة تعتزم بيع المزيد من الشركات العامة عبر اكتتابات عامة في البورصة وقال الوزير: إن هناك طرحا قريبا (لم يحدد موعده) لحصة من أسهم ميدور، كما ان الربع الأول من العالم القادم 2006 سوف يشهد طرح حصة في بنك الإسكندرية للبيع.
وبالتزامن مع ذلك ذكر محيي الدين الذي تدير وزارته ملف الأصول المملوكة للدولة، انه سيتم طرح حصص اضافية في عدد من الشركات المتداولة في البورصة مثل مصر للألمونيوم «%12 من أسهم الشركة».
وسبق للجمعية العامة للشركة القابضة للصناعات الدوائية ان أقرت بيع حصة تتراوح ما بين 15 و %35 من أسهم شركة «سيد» في البورصة خلال يناير المقبل.
وفي المقابل، بدا القطاع الخاص من جانبه عازماً علي الحصول علي نصيبه من كعكة رواج سوق المال، وان لم يقدم حتي الآن، ولم يظهر في الأفق نية أي شركة قطاع خاص لإجراء طرح عبر اكتتاب عام، واكتفت شركات القطاع الخاص، اما بالقيد في البورصة مثل شركتي «ايديتا» و«جي ام سي» علي سبيل المثال تمهيداً لطرح متوقع، أو إجراء زيادة في رؤوس أموالها لتمويل توسعات في أنشطتها.
ومن جانبه لم يستبعد عمرو القاضي، مدير عام تنمية الأعمال وعلاقات المستثمرين بشركة آسيك للأسمنت ان يشهد الربع الثاني من عام 2006 طروحات لحصص في شركات قطاع خاص جديدة تدخل البورصة لأول مرة مؤكداً ان المناخ الذي تشهده السوق حالياً مشجع للغاية بالنسبة للشركات التي تفكر في هذا الأمر.
وتوقع قيام بعض الشركات بعد ظهور نتائج أعمال السنة المالية 2005 في الربع الأول من العام الجاري بإعداد الشركة لاصدار أسهم بعد تقييمها في ضوء أحدث نتائج أعمال سعياً وراء تعظيم قيمتها السوقية أو بحثاً عن تمويل رخيص لمشروعات توسعية.
وقال «القاضي»: إنه من الطبيعي ان يستغرق الأمر بعض الوقت حتي يقدم القطاع الخاص علي طرح شركة جديدة في اكتتاب عام، مستفيداً من رواج ونجاح طروحات الشركات المملوكة للدولة.
وكان آخر اكتتاب عام في شركة ذات بال من نصيب شركة راية للاتصالات في مايو الماضي.
وفي الوقت نفسه لاحظ القاضي ان الشركات المتداولة بالفعل استفادت إيجابياً من رواج السوق عبر إجراء زيادة في رؤوس أموالها لتمويل التوسعات في أنشطتها.
ومن الشركات التي أجرت أكثر من عملية زيادة رأسمال مؤخراً أوراسكوم للفنادق والتنمية OHD اذ سبق لها قبل عام ان أجرت زيادة للاستحواذ علي الأسهم غير المملوكة لها في شركتها التابعة أوراسكوم هولدنج للفنادق ثم أجرت زيادة أخري للاستحواذ علي مساهمات غير مملوكة لها في 6 فنادق مشتركة وارتفع رأسمالها المدفوع من 411 مليون جنيه إلي 591 مليون جنيه بالقيمة الاسمية للسهم وتبلغ 5 جنيهات.
ومؤخراً فوضت الجمعية العامة غير العادية للشركة مجلس الإدارة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لزيادة جديدة في رأسمال الشركة بما قيمته 400 مليون جنيه بالقيمة العادلة للسهم عن طريق طرح خاص لمساهمين جدد لتمويل التوسعات الرأسمالية الخارجية.
وقال سميح ساويرس، رئيس مجلس إدارة «OHD »: إن سلسلة زيادات رأس المال التي أجرتها شركته تهدف في الاساس لتوفير تمويل رخيص لتوسعات الشركة اقليمياً ودولياً.
وتنفذ «OHD » عدداً من المشروعات السياحية في الإمارات وسلطنة عمان واليمن والأردن، وكذلك أسست مؤخراً شركتين مشتركتين مع نادي البحر المتوسط «Club Med » للعمل في المجالين السياحي والعقاري في جزيرة مورشيوس، كما تعتزم تنمية نحو مليون متر مربع سياحياً في إحدي المقاطعات السويسرية.
وذكر «ساويرس» ان إجراء زيادة في رأس المال عبر اصدار أسهم جديدة أثبت انه مصدر هام من مصادر التمويل الرخيصة.
وأكد ان الوقت الحالي يعد وقتاً ذهبياً للشركات الباحثة عن تمويل أو تعظيم قيمتها السوقية، نظراً لكون السوق في أوجها وهناك فوائض أموال ضخمة تبحث عن استثمار.
وقال إن الشركة التي لديها إدارة مالية ناجحة هي التي توظف هذه الظروف لتعظيم ربحية مساهميها وتقوية هيكلها المالي.
وسبق لشركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة ان أعلنت قبل عدة أشهر عن اعتزامها إجراء زيادة في رأسمالها لتمويل توسعاتها الاقليمية وان كانت الشركة لم تتخذ إجراءات عملية بعد في هذا الاتجاه.
ووفقاً لما نشرته «المال» في عددها السابق فإن البنك الوطني المصري يدرس إجراء زيادة في رأسماله من 500 إلي 750 مليون جنيه لتمويل خططه للاستحواذ علي أحد البنوك الصغيرة وكذلك توسعاته في أنشطة التمويل العقاري وصناديق الاستثمار.
وتجري «أوليمبك جروب» زيادة في رأسمالها بعد استحواذها علي حصة اضافية في شركتها التابعة «ايديال» عبر عملية مبادلة أسهم «Share Swap » بواقع سهم «أوليمبيك» لكل سهمين «ايديال».
وقال حسام المستكاوي، رئيس القطاعات المالية، ومسئول علاقات المستثمرين في «أوليمبيك»: إن شركته استهدفت في الاساس إجراء عملية إعادة هيكلة مالية شاملة، كانت إحدي خطواتها تجميع شركاتها التابعة وذكر ان إدارة الشركة لجأت لإجراء زيادة رأس المال بطريقة عينية وليست نقدية لتمويل عملية الاستحواذ.
ورغم ان الأجواء التي تشهدها السوق حالياً تعيد إلي الأذهان ما حدث في منتصف وأواخر التسعينيات اثناء الرواج، وقبل تعرض البورصة لهزة عنيفة استمرت لسنوات، فإن عمرو القاضي رأي ان السوق في دورة عكسية الآن، بخلاف ما شهدته أثناء الكساد.
وقال: إن فترة الكساد شهدت طرح بعض شركات المال العام في البورصة بأسعار مبالغ فيها، ما عرض أسهمها لهزات عنيفة، وأصاب المستثمرين بخسائر فادحة اما الآن فإن الأمور بها كثير من الواقعية والمصداقية في عمليات الطرح بأسعار مقبولة، وليس كما حدث في شركة مطاحن الإسكندرية علي سبيل المثال التي جري طرحها بسعر 80 جنيهاً وانخفض سعر سهمها بعد عدة أيام من التداول إلي 8 جنيهات.
وأعرب «القاضي» عن اعتقاده ان السوق يمكنها استيعاب عدد من الطروحات الجديدة، بشرط واقعية تقييم أسهم الشركات المزمع طرحها سواء كانت مملوكة للدولة أو قطاع خاص.
وبرهن علي وجهة نظره بقوله إن الدولة نفسها قامت مؤخراً بما يمكن تسميته «خصخصة عكسية» أو «عمعمة» أو تأميم لشركات سبق طرحها للبيع، سواء في البورصة مثل النيل للكبريت التي عرضت الشركة القابضة للصناعات الكيماوية شراء الأسهم المتداولة في البورصة منها بسعر 5 جنيهات للسهم وهو نفس قيمتها الاسمية تمهيداً لإجراء إعادة هيكلة للشركة وتنقوية هيكلها المالي، وضخ استثمارات جديدة.
واضاف ان الحكومة قامت أيضاً باسترداد 4 شركات اشغال عامة سبق بيعها لاتحادات العاملين للمساهمين في منتصف التسعينيات للغرض نفسه.
وأكد ان هذه الإجراءات تثبت ان هناك إدارة رشيدة إلي حد كبير للأصول المملوكة للدولة، ففي حالة «النيل للكبريت» تمتلك «القابضة» حصة مسيطرة ومن مصلحتها إعادة هيكلة الشركة، وتعظيم قيمتها السوقية تمهيداً لإعادة بيعها، واستغلال الظروف المواتية، وتلهف المستثمرين لأي طروحات جديدة اما في حالة شركات الأشغال العامة فإن الأمر يبدو وكأنه إصلاح لخطأ قديم ملخصه المغالاة في تقييم هذه الشركات، ما أدي لتعثر اتحادات العاملين المساهمين في سداد قيمتها للحكومة، وتدهورت أصول هذه الشركات.