طلبت الجهات الرقابية في الولايات المتحدة بما في ذلك بنك الاحتياط الفيدرالي من البنوك، توخي الحذر واتخاذ التدابير التي تقيها من أي خسائر يحتمل وقوعها، نتيجة رفع أسعار الفائدة عن المستويات المتدنية الحالية، علاوة علي خفض المخاطرة أو زيادة رؤوس الأموال عند الضرورة، في ظل الجدل الدائر حالياً حول جدوي الإقدام علي أي رفع محتمل لأسعار الفائدة في الوقت الراهن.
وأكد مجلس اختبار المؤسسات المالية الفيدرالية الذي يضم خمس وكالات في بيان صدر مؤخراً، أنه في الظروف الحالية التي تشهد تراجع أسعار الفائدة لمستويات تاريخية، يتعين علي المؤسسات المالية امتلاك قدرات فائقة علي القياس، وعلي القيام عند الضرورة بخفض خسائرها، عند التعرض لأي زيادة محتملة في تكاليف الإقتراض.
وبينما لم يشتمل البيان الذي صدر عن المجلس علي أي تلميحات بشأن موعد قيام بنك الاحتياط الفيدرالي برفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل عن المستويات المتدنية الحالية، فقد دعا العديد من مدراء البنوك المركزية الأمريكية إلي رفعها بوتيرة متسارعة بينما طالب البعض الأخر بالإبقاء عليها لفترة أطول خوفاً من أن يترتب علي هذا الرفع،الاضرار بغرض التعافي، وقد ساهمت أسعار الفائدة المتدنية في زيادة الأرباح الفصلية لبنوك مثل »جولدن مان ساكس جروب« الذي يتخذ من مدينة نيويورك مقراً له، وبنك »ويلز فارجو« الذي يتخذ من مدينة سان فرانسيسكو مقراً له.
وطلب المجلس من البنوك إجراء اختبارات لقياس قدرتها علي تحمل الضغوط، وإدراج سيناريوهات تشمل إجراء تغييرات جوهرية وكبيرة في أسعار الفائدة بمرور الوقت، مثل رفع الأسعار إلي %4 فضلاً عن مطالبتها بإقرار تدابير لتصحيح أي أخطاء أو نقاط ضعف، في عمليات إدارة المخاطر أو زيادة احتمالية التعرض لخسائر مقارنة برأس المال.
وقد فقدت أسهم الشركات المالية الكثير من مكاسبها فور صدور البيان، حيث تقلصت نسبة مؤشر »ستاندر آند بورز 500« للشركات، المالية من %2.6 إلي %2.1.
وقالت كريس كوتوسكس، المحللة المصرفية لدي شركة أوبنهايمر في نيويورك، إن البنوك تستفيد من أسعار الفائدة المتدنية عن طريق تحمل مصاريف اقتراض أقل لتمويل محافظ مالية طويلة الأجل، مؤكدة صعوبة توقع مواصلة الإبقاء علي الأسعار المتدنية الحالية للأبد، حيث يستدعي الأمر أن تكون البنوك فطنة بالقدر الكافي الذي يجعلها تتهيأ لصعودها لاحقاً.
وكان مجلس السوق المفتوح الفيدرالي قد تعهد الشهر الماضي بالإبقاء علي أسعار الفائدة منخفضة بشكل استثنائي لفترة زمنية أطول وعدم تغيير خطط شراء ديون لتمويل الإسكان بقيمة 1.43 تريليون دولار حتي شهر مارس المقبل.
وقال توماس هونج، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي لمدينة كنساس، إن البنك المركزي يتعين عليه اتخاذ إجراءات عاجلة تستهدف وقف العمل بخطط التحفيز ورفع أسعار الفائدة الاسترشادية إلي نسبة تتراوح بين %3.5 حتي %4.54، مؤكداً أن الإبقاء علي هذه الأسعار المتدنية للغاية لفترة زمنية طويلة سيؤدي لإيجاد أنواع جديدة من حالات إساءة تخصيص الأصول، إضافة إلي زيادة معدلات التضخم وتقلبها، وإلي زيادة معدلات البطالة علي المديين المتوسط والبعيد.
وتبرز من بين الأصوات المعارضة لرفع أسعار الفائدة في تصريحات أطلقها »إيريك روزينجرين«، رئيس البنك المركزي لمدينة بوسطن، الذي يكتسب العام الحالي أحقية التصويت علي سياسات بنك الاحتياط الفيدرالي، حيث أشار إلي أن نمو الوظائف في الولايات المتحدة سيكون بطيئاً وأن البطالة ستظل مرتفعة داعياً إلي مواصلة العمل بأسعار الفائدة المتدنية الحالية.
وأضاف رئيس البنك المركزي لبوسطن، إن نمو التوظيف لا يحتمل أن يكون سريعاً بالقدر الذي يكفي لخفض معدلات البطالة، الأمر الذي يعني وجود حاجة ملحة لمواصلة العمل بالسياسة النقدية التوسعية الحالية الداعمة للاقتصاد لحين صعود الطلب من المستهلك والشركات، موضحاً أن الاقتصاد يواجه حالياً ثلاثة تحديات أساسية هي: تراجع إنفاق البنوك، والإنفاق الحذر من المستهلكين الشركات، والتأثير السلبي الذي خلفه الركود علي سوق العمالة.
وأشار إيريك إلي أنه يصعب تحديد ما إذا كان المستهلكون سيقبلون علي زيادة الإنفاق بعد وقف العمل ببرامج التحفيز، مؤكداً أن التوظيف في قطاع التصنيع قد يستفيد من النمو القوي في بعض الاقتصادات الناشئة، إضافة إلي أن أسعار الصرف الحالية تحقق أرباحاً مضاعفة للصادرات الأمريكية.
وأضاف إيريك إن التعافي في معدلات التوظيف لن يأتي سريعاً لأسباب تمثل حقيقة أن العاملين الذين ابتعدوا عن العمل لفترة طويلة سيجدوا صعوبة في التوظيف، نظراً لأن أصحاب العمل سيصبحون أكثر تردداً في إعادة تشغيلهم لاحتمال فقدهم كثير من المهارات اثناء فترة توقفهم عن العمل.
من ناحية أخري ما زالت مستويات أجور العاملين في الولايات المتحدة متدنية، ويتوقع استمرارها علي هذا الوضع بالنظر لزيادة أعداد العاطلين، وهو ما يحفز أصحاب العمل علي خفض الرواتب حتي في حال زيادة الإنتاجية.