الوسط زايد علي الإخـــــوان والغد الأكثر ليبرالية

الوسط زايد  علي الإخـــــوان والغد الأكثر ليبرالية
جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الأحد, 19 فبراير 06

يبدو أن الاتفاق قد انعقد بين النخبة السياسية في هذه المرحلة علي تجنب طرح فكرة إلغاء المادة الثانية من الدستور المصري و التي تنص علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ، البعض أعلن ذلك عن قناعة بوجوب الاستناد إلي الشريعة ، و البعض تذرعاً بعدم إمكانية حدوث مثل هذا التعديل في ظل الحقائق الراهنة في الشارع السياسي  المصري ، أما الفريق الثالث فقد رأي أنه غير معني بالمطالبة بتغيير تلك المادة لأنه _ و ببساطة شديدة – يسعي لتغيير الدستور برمته. و تتجلي أهمية حدوث مثل هذا التوافق  من كون تلك  المادة  كانت دائماً ما ينظر لها علي أنها أحد أخطر الألغام القابلة للتفجير عند الشروع في إجراء تعديلات للدستور المصري .

فعلي سبيل المثال فإن الدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان المسلمين يري أن تعديل هذه المادة  هو أمر غير ممكن ، و أنها ستكون معركة خاسرة لمن يشرع في اتخاذ مثل هذه الخطوة ، و يتساءل حبيب :  ”  ألا يحتاج تعديل أي مادة من مواد الدستور إلي ثلثي أعضاء مجلس الشعب؟ ! ألا يحتاج إلي استفتاء الشعب المصري  المفطور علي حب الإسلام ؟! “.

و يؤكد حبيب رفضه للانتقادات التي توجه لهذه المادة و التي تدعو لتعديلها فيقول :” أصلاً لا يمكن لمجموعة من النخب التي لا تعبر إلا عن ذواتها أو شخوصها و ليس لها حضور أو قبول في الشارع المصري أن تنكب منفردة علي الدستور لتعديله ، هذه المهمة لا يصح أن يقوم بها سوي هيئة تأسيسية يكونها مجلس منتخب انتخاباً حراً ليأتي معبراً عن التوجهات العامة للأمة ” ، لذلك فإن محمد حبيب ينصح  كافة القوي السياسية في مصر بأن  تعطي الأولوية للإصلاح السياسي فتضغط في اتجاه إلغاء حالة الطوارئ  و القوانين الاستثنائية و إطلاق الحريات العامة و تمكين القضاة من الإشراف الحقيقي علي الانتخابات البرلمانية ، و بعد تحقيق ذلك كله يمكن لهذه القوي السياسية _ وفق حبيب _ أن ينتقلوا إلي تطبيق ” الجوانب  المتفق عليها ” من الإصلاح الدستوري .    

أما المهندس أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط فقد كان – وعلي غير المتوقع – أكثر حدة من نائب مرشد الإخوان عندما أطلق تحذيراته بأن  : ” أي محاولات للعبث بهذه المادة ستؤدي إلي اندلاع حرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله ، و الذين يطرحون هذه الأفكار ليسوا سوي مجموعة من العلمانيين الذين لا يمثلون سوي حفنة ضئيلة للغاية في الشارع المصري”.

و يحاول ماضي تهدئة مخاوف البعض من أن يكون النص الحالي للمادة المذكورة يعني أن مصر قد أصبحت دولة دينية أو أنها في طريقها لتصبح كذلك ، فكل ما أثمرت عنه هذه المادة ، من وجهة نظره ، هو ربط الدولة المدنية المصرية بقيم المجتمع و حضارته ، ويوضح أن هدف حزب الوسط هو :” التأكيد علي فكرة الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية يحكمها سياسيون منتخبون وليس رجال دين ، و يستند التشريع فيها علي فهم هؤلاء المنتخبين للشريعة و نصوصها لوضعها في صياغات مدنية و قانونية ، و نضع ألف خط تحت كلمة فهم المنتخبين لأننا نعني بوضوح أنه فهم بشري قد يصيب و قد يخطئ و من حق الجميع أن يختلفوا معه “.   

أما الفقيه القانوني عصام الاسلامبولي  ( العضو المؤسس لحركة كفاية والمستشار القانوني لحزب الكرامة) قد أعلن انحيازه للاختيارات الوسطية  : ” أنا أري أن الاختيارات الوسطية هي الأفضل دائماً ، لذلك فأفضل الاختيارات هو الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية أي التي تستند علي مرجعية دين الأغلبية مع مراعاة الديانات الأخري ، لذلك فإنني أري أنه لا يمكن المساس بكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع “.

ولكن الاسلامبولي يعود ليذكرنا بمشروع الدستور الذي قامت بصياغته لجنة من كل القوي السياسية و الوطنية عام 1991 وقد ضمت تلك اللجنة رموزاً مثل خالد محيي الدين ، إبراهيم شكري ، د. محمد حلمي مراد ، محمد حامد أبو النصر ( المرشد العام للإخوان وقتها )  ، د. محمد عصفور ، المستشار يحيي الرفاعي ، د. عاطف البنا …الخ ، و قد انتهت هذه اللجنة إلي مشروع دستور وقع عليه جميع أعضائها في منتصف شهر يونيو عام 1991 ، و أنابوا المهندس إبراهيم شكري لإيداعه في رئاسة الجمهورية وقام بذلك بالفعل في 8 يوليو 1991 ، و يذكر عصام الاسلامبولي أن مشروع الدستور هذا قد احتفظ بنص المادة الثانية كما هو بالضبط و إن كان قد أضاف إليه فقرة أخري تقول :” و تسري بالنسبة لغير المسلمين أحكام شرائعهم فيما يتعلق بممارسة شعائرهم الدينية و تنظيم أحوالهم الشخصية و اختيار قياداتهم الروحية “.

و يري عصام الاسلامبولي ( وهو المسئول عن صياغة مشروع  الدستور الجديد في إطار المنبر الدستوري المصري الذي يضم عددا من القيادات الحزبية وممثلي الحركات السياسية و منظمات المجتمع المدني ) ، يري الاسلامبولي أن تلك الصيغة التي وردت في مشروع دستور 1991  يمكن أن تضفي قدراً أكبر من التوازن للنص الحالي للمادة الثانية من الدستور .

ويبدو أن فكرة الاحتفاظ بالمبدأ القائل بإن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع مع إضافة فقرات أو ضوابط أخري قد وجد فيها الكثيرون حلاً لمسألة العلاقة الدستورية بين الدولة و الدين في مصر  ، فمشروع حزب الغد ( أو كما يطلق عليه دستور 2005 تتضمن المادة الأولي منه النص التالي :   والشريعة الإسلامية مصدر التشريع الرئيسي بحيث تكفل التشريعات حرية المواطنين في الرأي و التعبير و العمل و الكسب و تضمن جميع الحريات و الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و الشعب هو مصدر السلطات ، يمارس سيادته ، و يحميها و يصون وحدته الوطنية و يسعي للوحدة إفريقياً و عربياً و إسلاميا و يؤمن بقيم السلام و التعاون مع جميع شعوب الأرض .

 و الملاحظ انه بينما اكتفي مشروع قانون 1991 بالنص علي حقوق غير المسلمين في تطبيق شرائعهم فإن صياغة دستور حزب الغد لم تر أن الأمر يتعلق فقط بضمان حقوق أقلية دينية  بل اهتمت أيضا بربط  مبدأ تطبيق الشريعة ربطاً مباشراً بضمان جميع الحريات و الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان  مع الحرص علي الإعلان بوضوح عن أن الشعب هو مصدر السلطات.    

ويفسر عمر سيد الأهل ( نائب رئيس حزب الغد ) خلفيات هذه الصيغة فيقول : ” لولا أن النص موجود فعلاً لكنا اكتفينا  بنص يقول إن الأمة هي مصدر التشريع ، ولكن ليس لدينا مانع من الإبقاء علي كون الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع شريطة أن نتفق علي أن الذي سيطبق الشريعة هم بشر و أن فهمهم للشريعة من الممكن أن يصيب أو يخطئ “.

أما أمير سالم وكيل مؤسسي حزب الحرية و العدالة ( تحت التأسيس ).

فقد أعلن بوضوح أن هم حزبه الأساسي هو : ” إقامة الدولة المدنية التي يمتنع فيها استخدام الدين في السياسة من قبل الحاكم أو من بعض الجماعات التي تدعي أنها حصلت علي صك  لتمثيل الله علي الأرض أو أن يستخدم الدين كأداة للتمييز بين المواطنين ” ، و بالرغم من ذلك فإن أمير سالم  رأي أن حزبه غير منشغل بقضية  المطالبة بتغيير تلك المادة لأنه يسعي لإجراء إصلاح دستوري شامل لضمان إقامة دولة القانون ، و يري سالم أن هذا الإصلاح الدستوري يمكن أن يتم إذا ما استعدنا دستور 1923 الذي يصفه بأنه من أفضل الدساتير التي عرفتها مصر بل العالم أيضاً ، و يوضح أمير سالم أن المادة 44 من هذا الدستور تحدد مصادر التشريع بأنها الدين و العرف و التقاليد و القوانين الوضعية و إعلانات الدساتير في العالم …الخ .

الجميع متفقون إذا علي تجنب التركيز علي قضية تعديل المادة الثانية من الدستور في الوقت الراهن ، بل إن الاتفاق قد انعقد أيضاً حول رؤيتهم للطبيعة المدنية للدولة المصرية  وإن كان الإسلاميون يرون أن هذه الطبيعة المدنية لابد  أن تكون ذات مرجعية دينية ، و الجميع أخيراً تجنبوا استخدام اصطلاحي الدولة الدينية و الدولة العلمانية بعد أن أصاب كلا المصطلحين الكثير من سهام التشويه القاتلة من قبل الخصوم ، و يبقي التساؤل هل نحن حيال مناورات سياسية من كلا الطرفين تستهدف تمرير أفكار قديمة بإلباسها أثواب مسميات جديدة  أم أننا  حسب رأي عمر سيد الأهل   ” حيال تقارب حقيقي بين جميع الأطراف بعد أن تكشف للجميع  أن البرجماتية هي الحل”؟.

جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الأحد, 19 فبراير 06