المصانع الصينية تحول «استاكوزا النيل» في مصر إلى قيمة اقتصادية

جلبت المصانع الصينية المختصة بمعالجة الاستاكوزا مكاسب كبيرة للصيادين المصريين بجانب توفيرها الكثير من فرص العمل

المصانع الصينية تحول «استاكوزا النيل» في مصر إلى قيمة اقتصادية
أيمن عزام

أيمن عزام

8:57 م, الأثنين, 5 أغسطس 19

أوردت وكالة شينخوا الصينية تقريرا عن المكاسب التي حققها الصياديون المصريون البسطاء جراء توريدهم الاستاكوزا التي قاموا بصيدها إلى العديد من المصانع الصينية لمعالجتها قبل تصديرها  للصين.

كائنات غازية غير مرغوب فيها

 وحسب شينخوا، انطلق يحيى عبدالله مع زملائه الصيادين بقواربه الأربعة في نهر النيل في مصر، بحثا عن “استاكوزا المستنقعات الحمراء”، التي كانت تعتبر في السابق من الكائنات الغازية غير المرغوب فيها في النهر، لصيدها وتوريدها إلى مصنع صيني كمصدر جديد للدخل.

وفي الوقت نفسه، كانت زوجته وابنته الصغيرة وأفراد الأسرة الآخرون يقومون بالفرز ووزن الاستاكوزا وتخزينها في صناديق بلاستيكية بيضاء مغطاة بالثلج في فناء منزلهم، المطل على النيل في إحدى قرى محافظة المنوفية، شمال القاهرة.   

تغيير كبير في حياة الصيادين

وقال عبدالله، البالغ 40 عاما، لوكالة أنباء ((شينخوا)) أثناء رحلة الصيد، إن “العمل في مشروع الاستاكوزا غير حياتي وحياة العديد من الصيادين والعمال في القرية، بعد أن فتحت الشركات الصينية مصانع في مصر لمعالجة وتصدير استاكوزا المستنقعات الحمراء، التي اعتدنا أن نتخلص منها في الماضي، باعتبارها نوعا ضارا وغير مرغوب فيه”.

  وظهرت استاكوزا المياه العذبة لأول مرة في مصر في منتصف التسعينيات، حيث تم جلبها من الخارج لاستزراعها من قبل مستثمر مصري لديه مزرعة أسماك ظنا منه أنها جمبري.

مخالب الاستاكوزا تقطع شباك الصيادين

 وعندما كبرت هذه الكائنات بأرجل أمامية شبيهة بالمخالب التي يمكن أن تقطع شباك الصيد، قام الرجل بالتخلص منها بإلقائها في نهر النيل، حتى انتشرت في النهاية على طول النهر من محافظتي دمياط والبحيرة شمالا إلى محافظة أسوان جنوبا.   

  وظن الجميع في البداية أنها من الأنواع الغازية الضارة، واشتكى الصيادون أنها تهاجم شباك الصيد وتأكل بيض السمك، وطالبوا بإيجاد طريقة للتخلص منها.

نشر الوعي حول الاستاكوزا طيلة العقد الماضي

وأوضح عبدالله، أن الصينيين نشروا الوعي حول استاكوزا المستنقعات الحمراء في مصر على مدار العقد الماضي، مضيفا أنه بدأ العمل في مشروع الاستاكوزا في عام 2013 مع مصنع صيني في مدينة العبور بمحافظة القليوبية، شمال القاهرة.   

 وتابع أنه “مع نمو حجم العمل أصبحت موردا للاستاكوزا بدلا من مجرد صياد، فأنا الآن أقوم بجمع الاستاكوزا من الصيادين وتوريدها للمصنع الصيني الجديد الذي أتعامل معه حاليا في مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية” شمال شرق القاهرة.   

شباك مصنوعة على الطريقة الصينية

ويورد عبد الله، الذي اشترى مؤخرا سيارة جديدة بفضل ازدهار العمل، حوالي ثلاثة أطنان من استاكوزا المستنقعات الحمراء للمصنع الصيني يوميا خلال الموسم الذي يمتد لستة أشهر.

وقال شقيقه الأكبر سامي عبدالله، إنهم يتركون شباك صيد الاستاكوزا المصنوعة على الطريقة الصينية لمدة 24 ساعة في النيل، حيث يضعونها كل صباح ويجمعونها في صباح اليوم التالي.   

صيد الاستاكوزا له فائدة مزدوجة

وأكد أن صيد الاستاكوزا له فائدة مزدوجة “حيث أنه يعطي الفرصة لنمو الثروة السمكية، لأن الاستاكوزا تأكل بيض السمك، وأيضا يأتي بمنتج جديد يتم بيعه وتصديره، وهو ما يعد فائدة اقتصادية لمصر”.   

وبين الصياد، أن تجارة استاكوزا المستنقعات الحمراء أحدثت فارقا كبيرا في حياة العديد من المصريين، ووفرت فرص عمل للكثير من الصيادين والموردين وعمال المصانع وسائقي الشاحنات وغيرهم.   

إعادة الصغار إلى النهر

وفي فناء المنزل المطل على النهر، كانت يارا، ابنة عبدالله البالغة من العمر 13 عاما، ترتدي قفازات أثناء فرز الاستاكوزا والتخلص من الميت وصغير الحجم منها قبل نقلها إلى والدتها لوزنها داخل الصناديق البلاستيكية.   

وقالت الفتاة الصغيرة، “نحن نتخلص من الاستاكوزا الميتة بينما نعيد الصغار إلى النهر”.   

وأضافت بحماس، “لا أخاف من الاستاكوزا، واستطيع أن أمسكها بيدي بدون قفازات، أذهب إلى المدرسة لكني أحب هذا العمل مع عائلتي أيضا”.   

وأشارت يارا إلى أنها تحب طعم الاستاكوزا بعد طهيها.   

مصنع ” هوت لايف”

وعلى بعد أقل من مائة كيلو متر، في مدينة العاشر من رمضان بالشرقية، يوجد مصنع “هوت لايف” الصيني الضخم لمعالجة الاستاكوزا وتصديرها إلى الصين، حيث يتكون المصنع، الذي يتبع شركة (بكين سبايس سبيريت فود المحدودة)، من طابقين وتم بناؤه على مساحة تبلغ حوالي تسعة آلاف متر مربع.

وبدا المصنع كأنه خلية نحل، حيث يوجد حوالي 300 عامل في خط الإنتاج، من بينهم 160 مصريا، يعملون على فترتين لمدة 22 ساعة يوميا خلال موسم صيد الاستاكوزا من أبريل إلى سبتمبر من كل عام. 

تجهيز الاستاكوزا للتصدير

وتمر استاكوزا المستنقعات الحمراء بالعديد من العمليات داخل الأقسام المختلفة في المصنع، منها عمليات الفرز والغسيل والقلي والتبريد والتعبئة والتغليف، ثم يتم تجميدها بعد ذلك في ثلاجات عند درجة حرارة -18 درجة مئوية لتصبح جاهزة للتصدير، حسب مدير مراقبة الجودة المصري كريم محمد.

وقال هان دونغ، رئيس ومدير عام “بكين سبايس سبيريت فود المحدودة”، إن الشركة قررت إنشاء قاعدة إنتاج في مصر تتضمن سلسلة صيادين مصريين يوردون مباشرة إلى العملاء الصينيين، مؤكدا أن ذلك يضمن جودة أعلى وتكلفة أقل في نفس الوقت.  

جلب جميع الماكينات من الصين 

وأوضح المدير الصيني لـ (شينخوا)، أثناء زيارته للمصنع، أن “جميع الماكينات الموجودة بالمصنع تم جلبها مباشرة من الصين، حيث استغرقنا حوالي أربع سنوات لتصميمها وفقا لمعاييرنا واحتياجاتنا”.

وأشار الى أن المصنع تم بناؤه في عام 2015، وبدأ الإنتاج في عام 2018، كما أن الشركة لديها مصنع آخر في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، شمال غرب القاهرة.   

ويصدر مصنع “هوت لايف” وحده أكثر من ثلاثة آلاف طن سنويا من استاكوزا المستنقعات الحمراء المعالجة.

توفير 50 ألف فرصة عمل

 ويمكن لصناعة الاستاكوزا في مصر توفير نحو 50 ألف فرصة عمل، بما في ذلك الصيادون وعمال خط الإنتاج.   

ويرتدي جميع العاملين بالمصنع معاطف بيضاء وقفازات وأحذية السلامة وكمامات وأغطية الرأس.   

وقال محمد عبد المنعم، (22 عاما)، الذي جاء من محافظة البحيرة للعمل بالمصنع في محافظة الشرقية، إن العمل مع الصينيين جعله أكثر طموحا وقدرة على تحقيق أهداف أكبر في حياته.   

التنازل عن العطلة الشهرية

وأضاف لـ ((شينخوا)) من داخل قسم القلي بالمصنع، أن “هذه هى السنة الثالثة لي فى هذا المصنع، حيث بدأت هنا كعامل ثم ترقيت إلى مشرف مساعد ثم إلى مشرف والآن أنا مشرف عام”.

 وأردف الشاب بحماس، “لقد غير العمل هنا دخلي وجعل حياتي أفضل، كما أن الشركة توفر لنا سكنا مريحا داخل المصنع، لذلك أتنازل أحيانا عن عطلتي الشهرية التي أقضي فيها بضعة أيام في بلدتي وأحصل على مكافأة جيدة جدا بدلا منها”. 

الاستاكوزا ” صراصير النهر”    

وكانت وسائل الإعلام المصرية تصف في منتصف التسعينيات من القرن الماضي استاكوزا المستنقعات الحمراء التى غزت النيل وقتها بـ “حشرات” أو “عقارب” أو حتى “صراصير” النهر، وكانت رخيصة جدا في السوق المصرية في ذلك الوقت حيث كانت تستخدم في الغالب كغذاء للقراميط.   

وفي محاضرة عقدت في جامعة عين شمس بالقاهرة، قال الدكتور مجدي خليل الأستاذ بكلية العلوم انه عندما بدأوا دراسة استاكوزا المياه العذبة في بيئتها الأصلية وجدوا أنها تعتبر موردا قوميا في البلدان أو المناطق التي توجد فيها، مثل أمريكا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية والصين وأوروبا وغيرها.   

أول مصنع لمعالجة الاستاكوزا

وأوضح خليل، في تصريح لـ ((شينخوا)) عقب المحاضرة، أن “الصينيين كانوا أول المستثمرين الأجانب في استاكوزا المياه العذبة في مصر، فقد جاءوا إلى هنا وأجروا دراسات لتقييم مخزون الاستاكوزا في مصر لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم بناء مصانع لتجهيزها وتصديرها”.   

وأضاف أن الصينيين قاموا ببناء أول مصنع في مصر لمعالجة وتصدير الاستاكوزا في عام 2003، حتى زاد العدد تدريجيا إلى حوالي عشرة مصانع في الوقت الحالي.   

ومع ظهور صناعة الاستاكوزا، بدأت الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية بمصر في الاهتمام بها وأصدرت لوائح تمنع صيدها في غير موسمها وتحصيل رسوم لتصديرها. 

صناعة مربحة للجانبين   

وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 80% من استاكوزا المستنقعات الحمراء التى استوردتها الصين بين عامي 2014 و2017 جاءت من مصر.   

وأكد خليل، أن “التعاون مع الصين في معالجة وتصدير استاكوزا المياه العذبة مربح للجانبين، فهو يساعد المصريين على الاستفادة من هذه الأنواع الغازية وتحويلها إلى ميزة اقتصادية، ويساعد الصينيين على إنشاء الأعمال التجارية المربحة هنا والاستمتاع ببروتين الاستاكوزا”.

يشار إلى أن هذه المادة منقولة من وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.

أيمن عزام

أيمن عزام

8:57 م, الأثنين, 5 أغسطس 19