المال ــ خاص:
تشهد السوق المصرفية تحولا متصاعداً في معايير التمويل.. ومواصفات المشروعات الجاذبة لاستثمارات هذه السوق.. وهو ما يؤكد أن الطفرة التمويلية المرتقبة التي تعول عليها جهات كثيرة داخلية وخارجية في تجاوز حالة الركود لها ملامح شديدة الاختلاف عن الحالة التي سبقتها في منتصف التسعينيات.
ومن أبرز هذه الملامح وضوحاً علي الساحة في سوق التمويل دخول المشروعات الصغيرة دائرة الاستهداف.. بل أكثر من هذا اتجاه البنوك دون تمييز بين عامة وخاصة إلي عرض تمويلها بشروط ميسرة علي هذا النوع من الأنشطة التي باتت تنافس القروض الشخصية وقطاع خدمات التجزئة المصرفية بوجه عام في استقطاب التسهيلات الائتمانية.
البنك التجاري الدولي هو احدث البنوك التي كشفت بصورة صريحة الأسبوع الماضي عن اعتزامها دخول هذا القطاع بقوة تمويلية واضحة رغم اعتماده في البداية علي تسهيلات الصندوق الاجتماعي ويؤكد هشام عز العرب رئيس مجلس إدارته أن قطاع المشروعات الصغيرة ليس القطاع الحافل بالمخاطر الذي يلقي فيه البنك بأمواله في مغامرة غير مأمونة العواقب كما يعتقد البعض وإنما علي العكس من ذلك فهو أكثرها أماناً وابتعاداً عن المخاطر ليس في السوق الدولية فقط بل وفي السوق المحلية أيضا.
ويشير عز العرب إلي أن معدلات المخاطر المقبولة في سوق التمويل الدولية تتراوح بين %8 و%10 سواء كان المشروع كبيراً أو صغيراً.. وفـي مجال المشروعات الصغيرة داخل السوق المحلي يقل هذا المعدل إلي حدود تتراوح بين %4 و%5 في أقصي تقدير لها.. وهذا يعني أن قطاع المشروعات الصغيرة يمكن أن يتحول إلي محور جذب هام لتسهيلات البنوك الائتمانية خلال الفترة القليلة القادمة.
ويعلق علي تجربة الـ CIB مع الصندوق بأنها تعد مجرد بادرة سوف تثير شهية البنوك الأخري لدخول هذا القطاع ولفت نظر الخاصة منها إلي مزايا وحوافز هذه النوعية من المشروعات.. مشيراً إلي أن البنوك الخاصة هي مؤسسات هادفة إلي الربح بصورة مباشرة رغم تقديرها للدور الاجتماعي إلا أنها لا تلتزم بتنفيذ خطط أو برامج في هذا الجانب إلا بترتيبات خاصة مع احدي الهيئات العامة كالصندوق.. ومع ذلك فإن التجربة تشير إلي أن الربح المتحقق منها وانخفاض مخاطر هذا النوع من الائتمان سيؤدي إلي دخول بنوك القطاع الخاص هذا المجال بقوة.
وإذا كان من اللافت للأنظار دخول بنك قطاع خاص هذا المجال في هذا التوقيت فإن المبرر الذي تقدمه البنوك العامة المشاركة في تمويل المشروعات الصغيرة والتي انضمت إلي قائمة البنوك الوسيطة لصرف تسهيلات الصندوق الاجتماعي يؤكد أن القضية تتجاوز حدود الوساطة التقليدية إلي بناء ما يشبه الشراكة الاستراتيجية كما يقول محمود عبد اللطيف رئيس مجلس إدارة بنك الإسكندرية في تعقيبه علي مشاركة البنك في ضخ تسهيلات للصندوق باجمالي 70 مليون جنيه.. فهو يري أن ما يدور الآن في سوق التمويل أشبه بالاختبار الذي يقدم خلاله الصندوق الاجتماعي المساندة تمهيداً لنمو هذا القطاع وحصوله علي الجدارة الائتمانية اللازمة لتشجيع البنوك علي التعامل المباشر معه بمنطق المشاركة.
وبالرغم من انه حتي هذه اللحظة يبدو الجهاز المصرفي غير عابئ بأخذ زمام المبادرة منفرداً لتمويل مثل هذه المشروعات إلا أن اتساع قاعدة البنوك التي تقدم تسهيلات الصندوق بدأ في الظهور كما وعد بذلك هاني سيف النصر الأمين العام للصندوق الاجتماعي الذي اشار إلي وجود اتصالات دائرة في الوقت الحالي مع عدد من البنوك الخاصة والمشتركة للانضمام إلي هذه القاعدة خلال فترة قريبة.. اضافة إلي سعي الصندوق إلي تغيير مفهوم ونمط تقديم التسهيلات حيث سيتم تنفيذ برامج التأجير التمويلي والمساهمة في رءوس أموال بعض الشركات.
علي الجانب الآخر يؤكد أحمد عبد الوهاب المدير العام ببنك مصر الدولي أن تمويل المشروعات الصغيرة لم ينضج بعد في السوق المصرفية بوجه عام.. حيث تكون الإجابة بالرفض عادة علي طلب الحصول علي الائتمان لتمويل مشروع صغير مالم تكن هناك ضمانة عينية لاسترجاع أموال البنك التي يقدمها العميل أو خط تسهيل من الصندوق الاجتماعي وفي حال غياب كل العاملين معاً لا يجد العميل سوي الرفض ردا علي طلبه من قبل مسئولي الائتمان بالبنك.
ويوضح عبد الوهاب أن الصورة داخل البنوك فيما يتعلق بتمويل المشروعات الصغيرة والتي تبدو بمثابة خروج علي المألوف تزداد قتامة مع تزايد معدلات التعثر المصرفي خلال الفترة الأخيرة خاصة أن البنوك التي ليست لديها سابق خبرة تعتبر صاحب المشروع الصغير عبئاً إضافياً علي محفظة الاقراض والتسليف.
وتكاد تكون هذه الصورة بالفعل هي صاحبة النصيب الأوفر من الانتشار في البنوك التي تفضل عدم الاندفاع إلي تجربة الخيارات الجديدة مهما بدت مغرية.. ومع ذلك فإن دخول 4 بنوك دفعة واحدة في أقل من ثلاثة أشهر مجال تمويل المشروعات الصغيرة وبصفة خاصة البنك التجاري الدولي يمثل نقلة نوعية في مفاهيم وآليات سوق التمويل في مصر خاصة إذا علمنا أن التجاري الدولي يخطط لكي يرتفع بحجم تسهيلاته التي يضخها إلي قطاع التجزئة المصرفية إلي %50 من اجمالي محفظة البنك الاستثمارية والتمويلية في غضون السنوات الأربع القادمة.. وإن تمويل المشروعات الصغيرة كما أكد محمد عشماوي نائب رئيس مجلس ادارته يصب في هذا الاتجاه حيث ينظر البنك إليها كجانب مكمل لأنشطة التمويل في هذا القطاع.