أصدر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، تقريرا ذكر فيه أن انخفاض معدلات البطالة، وفقا لتقرير رسمى صادر هذا الأسبوع، ليس حقيقيا لكنه مقنع، لكنه مرتبط فى الأساس بانخفاض قوة العمل بسبب تفرغ عدد كبير من النساء للأعمال المنزلية، والإجازات دون مرتب، وارتفاع نسب الموقوفين عن العمل .
أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، الخميس، نتائج بحث القوى العاملة للربع الثانى (أبريل – يونيو) للعام الحالي، وبلغ معدل البطالة 7.5% من إجمالى قوة العمل، مقابل 8.1% فى الربع الأول من 2019، بانخفاض قدره 0.6%، وتراجع بلغت نسبته 2.4% عن الربع المماثل من العام السابق.
سجل تقدير حجم قوة العمل 28.069 مليون فرد مقابل 27.968 مليون فرد خلال الربع السابق بنسبة زيادة مقدارها %0.4 وبلغت قوة العمل فى الحضر 12.026 مليون فرد بينما بلغت فى الريف 16.043 مليون فرد، وبلغ عدد العاطلين 2.094 مليون عاطل (962 ألف ذكور، 1.132 مليون إناث) بنسبة %7.5 من إجمالى قوة العمل بانخفاض قدره 173 ألف متعطل عن الربع الأول من العام بنسبة %7.6 وبانخفاض قدره 781 ألف متعطل عن الربع المماثل من العام السابق بنسبة %27.2
أظهرت نتائج بحث القوى العاملة، أن المتعطلين طبقاً للنوع موزعين بواقع %4.2 معـدل البطالة بين الذكور، بينما كان %5.7 فى الربع الأول من عام 2019 مقابل %6.7 فى الربع المماثل من العام السابق، بينما ارتفع معدل البطالة بين الإناث ليصل إلى %22.4 من إجمالى الإناث فى قوة العمل، بينما كان %18.9 فى الربع الأول من عام 2019 مقابل %21.2 فى الربع المماثل من العام السابق.
وفقا لتقرير الردود الذى أصدره المركز المصرى للدراسات الاقتصادية وحصلت «المال» على نسخة منه، فإن التراجع المستمر لمعدل البطالة فى مصر أمر غاية فى الأهمية، بما يحمله من دلالة إيجابية عن جدوى معدلات النمو الاقتصادى وقدرتها على الوصول لمختلف الفئات، وفى سبيل تحرى العمق من دلالات البيانات وفى ضوء ما أوضحته الدراسات السابقة من مشكلات هيكلية فى سوق العمل فى مصر، فقد وجب إعادة النظر فى بعض البيانات التفصيلية الموجودة بالبيان الصحفى الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء.
وبالنظر إلى البيانات التفصيلية، يتضح الآتي:
أولا أن انخفاض معدل البطالة الإجمالى قد جاء مصحوبا بانخفاض ملحوظ فى قوة العمل من 29.18 مليون فرد فى الربع (ابريل- يونيو 2017) إلى 28.07 مليون فرد فى الربع المماثل من 2019 (الربع محل التعليق) مع العلم أن هذا الانخفاض يحدث فى مجتمع يتزايد به السكان فى سن العمل أى أن نسبة المشتغلين من القوة البشرية فى انخفاض بما يحمل ارتفاع عبء الإعالة.
وقد مثلت النساء النسبة الأكبر من الانخفاض فى قوة العمل؛ بارتفاع نسبة المتفرغات لأعمال المنزل والتى وصلت لـ58.9% من القوة البشرية للنساء فى الربع الأول من 2019 مقابل %54.5 فى الربع المماثل من 2017 وهو الأمر الذى يثير تساؤلا يخص مشكلات النساء فى دخول سوق العمل أو فى قدرة القطاعات المولدة للوظائف على استيعاب عمالة من النساء وتوفير بيئة عمل مناسبة لهن.
كما اجتمعت مجموعة من الأسباب (المجمعة) التى حدت من زيادة معدل مساهمة الذكور والتى قد تكون (على سبيل المثال لا الحصر) إجازة بدون مرتب ولا يبحثون عن عمل، المجندين وخريجى الجامعة الذين يؤدون الخدمة العامة، والموقوفين عن العمل مؤقتا ولا يتقاضون أجرا ولا يبحثون عن عمل ولكن لا يمكن الجزم أى من هذه المسببات صاحبة الوزن الأكبر فى التفسير.
ثانيا استمرار ارتفاع نسبة المتعطلين من حملة الشهادات المتوسطة وفوق المتوسطة والجامعية وما فوقها من جملة المتعطلين لتصل إلى %88.9 فى الربع محل التعليق مقارنة بـ77.9% فى الربع الأول من 2019 وهو ما يعنى أن معظم المنتقلين من وضع التعطل لوضع التشغيل هم من المؤهلات دون المتوسطة أى أنهم من أصحاب المهارات المنخفضة. وتزايد معدلات البطالة فيما بين الفئات العمرية (20-24 عاما) و(25-29 عاما) لتصل إلى %40.4 و %36.9 فى الربع الثانى من 2019 مقارنة بـ %30.8 و %30.4 فى الربع السابق، على التوالي. وهو أمر لا يمكن فصله عن المشكلة الهيكلية التى يعانى منها سوق العمل المصرى وهى ضعف قنوات التوصيل بين جانبى العرض والطلب على العمالة، وتدنى جودة الوظائف المولدة بما يحقق طموحات الفئات المتعلمة من ناحية مع ضعف مخرجات المنظمة التعليمية لتلائم الوظائف مرتفعة الإنتاجية من ناحية أخرى
وفى ضوء ما سبق فإن التعامل مع تحديات سوق العمل فى مصر يجب أن يمتد إلى أبعد من مجرد التعامل مع معدل البطالة والاعتماد على المشروعات القومية الكبرى لتوليد الوظائف. فالمشروعات القومية رغم نجاحها فى خفض معدل البطالة إلا أنها لم تستطع دمج كافة الفئات ويظل أن الطبيعة القطاعية لها لا تحقق الاستدامة فى الوظائف المولدة.
لذلك فالأمر يتطلب رؤية للتحول القطاعى فى مصر بحيث يتم الارتقاء للاعتماد على قطاعات مرتفعة الإنتاجية فى استيعاب العمالة فى وظائف لائقة، على أن يصاحب ذلك جهودا فى تهيئة بيئة استثمار ملائمة لجذب ودفع نمو القطاعات المرغوب فى تنميتها. وعلى صعيد آخر، لابد من الاهتمام بمخرجات العملية التعليمية من حيث ملاءمتها لسوق العمل واحتياجات القطاعات المستهدفة وتوفير خدمات تدريب العمالة والتعلم مدى الحياة وفق احتياجات الصناعات مع مراعاة التوزيع الجغرافى.
كما يجب أن يتم توطيد ثقافة العمل الحر وريادة الأعمال وتوفير خدمات دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.