أحمد شوقي
في أحد المساجد المتواجدة بجوار العديد من المستشفيات الاستثمارية بحي الدقي في محافظة الجيزة؛ وبصفة شبه يومية؛ وربما لأكثر من مرة خلال اليوم نفسه؛ يقوم خادم المسجد بدعوة المصلين وعموم الناس لمساعدة أهالي أحد المرضى من نزلاء المستشفيات المجاورة؛ عبر التبرع بالدم؛ والذين قدموا مستغيثين راجين أن يتصدق عليهم أحد بكيس من الدم لإنقاذ مرضاهم.
ويحتاج المرضى إلى نقل الدم بصفة دورية في حالات: أنيميا البحر المتوسط (الثلاسيميا) والهيموفيليا(مرض نزف الدم الوراثى) والأورام وفشل النخاع العظمى والأنيميا المنجلية ونقص الصفائح الدموية وبعض الأمراض المناعية؛ بالإضافة إلى الحوادث وأثناء العمليات الجراحية.
وقد شهدت أسعار أكياس الدم خلال الفترة الماضية؛ ارتفاعًا كبيرًا؛ بعد قيام وزارة الصحة والسكان بتعديل أسعار الدم التي يتم توريدها للقطاع الخاص؛ فارتفع سعر كيس الدم الكامل من 90 جنيهًا إلى 450 جنيهًا؛ كما ارتفع كيس البلازما- أحد مكونات الدم- إلى 80 جنيهًا مقابل 40 جنيهًا.
وإلى جانب توريدات وزارة الصحة للقطاع الخاص؛ يمكن للمستشفيات الاستثمارية الحصول على أكياس الدم عبر التبرعات؛ وهي لا تخضع للأسعار السابقة؛ لذا قد يتفاوت ثمنها بين مستشفى استثماري وآخر؛ فعلى سبيل المثال؛ ووفق اتصالات هاتفية بعدد من بنوك الدم بمستشفيات القطاع الخاص؛ وصل سعر كيس البلازما فصيلة O بمستشفى السلام الدولى 200 جنيهًا؛ واشترطت المستشفى لتسليم الكيس إحضار تقرير من المستشفى وعينة دم من المريض.
وبلغ سعر كيس البلازما فصيلة O ببنك الدم التابع لمستشفى طيبة إلى 150 جنيهًا، وأكدت المستشفى عدم وجود أكياس كرات أو أكياس دم كامل.
وفي مستشفى الدكتور مجدي؛ وصل سعر كيس البلازما لجميع الفصائل 120 جنيهًا. وأضاف مسئول بنك الدم بالمستشفى أنه لا تتوفر أكياس كرات دم للبيع لكن يمكن توفيرها من رصيد العلميات نظير التبرع بـ 3 أكياس لكل كيس سيحصل عليه المريض. وأضاف أنه في حالة بيع كيس كرات الدم فإن سعره يصل إلى 350 جنيهًا.
وأوضح أنه لا توجد أكياس دم كامل يمكن بيعها للعملاء لأن مدة صلاحيتها قصيرة جدًا ولا تتجاوز عدة ساعتها؛ يتجمد بعدها الدم؛ في حين يمكن الاحتفاظ بأكياس الكرات والبلازما لمدة أطول في ظل بيئة معينة.
وأكد بنك الدم بمستشفى الشبراويشي عدم توفر أكياس البلازما لديه حاليًا.
وتتعدد قصص معاناة المرضى وذويهم على أبواب المستشفيات وبالقرب منها؛ بحثًا عن متبرعين بالدم؛ إما لارتفاع الأسعار داخل مستشفيات القطاع الخاص أو لرفض المستشفيات تسليم المرضى أكياس الدم؛ قبل التبرع بالدم. وتتفاقم المشكلة إذا لم يكن بمقدور المرضى دفع ثمن كيس الدم أو كانوا من خارج المحافظة التي يعالج فيها المريض فيتعذر عليهم الحصول على المتطوعين بالدم.
ورصدت “المال” قصة أحد أولئك الذين استجاروا بأحد المساجد؛ وهو نجل سيدة مصابة بالسرطان؛ ويدعى “هاني”.
قال “هاني” إن والدته كانت تعالج بمستشفى القصر العيني؛ لكن حالتها ساءت “فاضطررنا لنقلها إلى مستشفى الشبراويشي” لتلقي العلاج بالعناية المركزة.
وأضاف أن والدته تحتاج خلال فترة علاجها لنقل دم بصفة مستمرة موضحًا أن فصيلة دمها نادرة ولم تكن متواجدة لدى مستشفى الشبراويشي؛ وأنه توجه إلى مستشفى مجدى المجاورة فاشترطت لتسليمه كيس الدم إحضار 4 متبرعين؛ فتوجه إلى المسجد؛ مستغيثًا.
وكالعادة؛ قام خادم المسجد بتوجيه نداءات الاستغاثة إلى المصلين لنجدة المريضة؛ فقام معه بعض المتبرعين؛ لكن “هاني” سبقهم إلى المستشفى لإنهاء بعض الإجراءات.
في هذه الأثناء؛ إذا بمكبر الصوت الخاص بنفس المسجد يقدم نداءات الاستغاثة من جديد لكن لصالح مريضة أخرى؛ تقبع أيضًا بمستشفى الشبراويشي؛ ويحتاج ذووها إلى متبرعين بالدم.
نتيجة عدم قدرة بعض المتبرعين على الوصول إلى “هاني” الذي سبقهم إلى المستشفى؛ فكانت تبرعاتهم لصالح المريضة الثانية؛ ولم يتبق مع “هاني” سوى متبرع واحد. وفي هذه الأثناء التقط “هاني” أنفاسه حين وصل شقيقاه فاكتمل العدد المطلوب؛ للحصول على كيس الدم.
يعتبر “هاني” أفضل حالًا من غيره؛ إذ إنه من سكان محافظة الجيزة؛ فكان من اليسير عليه التواصل مع أخوته وضمان وصولهم في الوقت المناسب؛ ليتبرعوا لصالح الوالدة؛ لكن الأزمة تتفاقم بالنسبة لأولئك القادمين مع مرضاهم من محافظات مصر البعيدة؛ التي تعاني عجزًا في الخدمات الطبية والإمكانات المتاحة؛ فإن لم يساعدهم المتطوعون؛ فإن المصاعب تتفاقم أمامهم؛ خاصة إذا كانت أحوالهم المعيشية صعبة.
بعد أن تم تبرع لصالح والدة “هاني” من جانب أحد المتطوعين؛ انهمر الابن في البكاء؛ شاكيًا الشدة التي يواجهها لمساعدة والدته –فيما يتعلق بتوفير المتبرعين للحصول على أكياس الدم المطلوبة قائلًا “مفيش حد جدع اليومين دول”.
والتقت “المال” سيدتين على أبواب نفس المسجد يسألون عن متبرعين بالدم لأمهم التي تعالج بمستشفى الشبراويشي؛ فتقدم للتبرع أحد السودانيين المتواجدين بالقاهرة ومتبرع مصري آخر.
وقالت سيدة ثالثة جاءت تبحث عن متبرعين أيضًا؛ إن مريضها يمكث بمستشفى الشرطة وتحتاج التبرع بالدم لصالح مستشفى الدكتور مجدي التي ستتسلم منها كيس الدم المطلوب؛ نظرًا لعدم قدرتها على دفع ثمنها.
رصدت “المال” معاناة أسرة أخرى من سكان الصعيد حضرت إلى القاهرة لعلاج ابنها المريض بالقلب؛ حيث من المقرر أن يجري عملية جراحية بمستشفى أطفال مصر؛ فقال الوالد إن مشكلته الرئيسية تكمن في صعوبة الوصول إلى متبرعين حيث تشترط المستشفى 5 متبرعين؛ فيما قال والد إحدى الفتيات التي أجرت عملية جراحية بالقلب أيضًا إنه اضطر لإحضار أهله من محافظة البحيرة للتبرع بالدم؛ لصالح البنت التي لم تتجاوز 3 سنوات؛ كما اشترط المستشفى للموافقة على إجراء العملية الجراحية.
وبسؤال مسئول بنك الدم بمستشفى الشبراويشي عن أسباب ارتفاع الأسعار؛ قال إن السبب هو ارتفاع تكاليف التحاليل والفحص التي تتطلب شراء أجهزة حديثة غير متوفرة في مصر؛ والتي تتميز بأسعارها المرتفعة للغاية.
وأضاف أنه بجانب الأجهزة تجرى العديد من التحاليل للتأكد من سلامة دم المريض وعدم إصابته بأي أمراض لضمان صحة المرضى الذين تنقل إليهم هذه الدماء؛ فضلًا عن أن المتبرع نفسه يمكن الحصول على نتائج هذه التحليلات مجانًا للاطمئنان على صحته.
واستطرد أن الهدف ليس تحقيق الأرباح وإنما تغطية تكاليف التشغيل وفقًا له.
وقال مسئول بنك الدم بمستشفى الدكتور مجدي بالدقي إنه توجد بعض الأنواع من أكياس الدم التي يصعب تسليمها إلى المرضى دون إيجاد المتبرعين نظرًا لحاجة المستشفى المستمرة إلى الحفاظ على مخزونها الاستراتيجي من الدم نظرًا للحاجة إليها في العمليات الجراحية.
من جانبها أكدت الدكتورة عفاف أحمد رئيس بنك الدم القومي أنه سيتم تشديد الرقابة على المستشفيات الخاصة لضبط أسعارها وعدم مخالفة الأسعار المعلنة من جانب الوزارة بالنسبة لأكياس الدم المستلمة من المستشفيات العامة أو بنك الدم.
وأكدت أنه سيتم التعامل مع الشكاوى المقدمة من المرضى ضد المستشفيات؛ من خلال لجنة ثلاثية تضم ممثلين عن إدارة العلاج الحر وإدارة التفتيش بالوزارة إلى جانب بنك الدم القومي.
وأضافت أن أسعار أكياس الدم في المستشفيات العامة ثابتة ولم تتغير؛ حيث إن قرار الوزارة بتحريك الأسعار والذي تمت الإشارة إليها سابقًا؛ ينطبق فقط على القطاع الخاص؛ لأن الخدمات المقدمة للمرضى بالقطاع العام تكون مدعمة من ميزانية الدولة؛ للتخفيف من أعباء العلاج عن كاهل المرضى.