رمضان متولي:
في مواجهة تعارض المصالح في بنوك الاستثمار المؤسسات الاعلامية تقتحم مجال التحليل المالي.
بعد التوصل إلي اتفاق يلزم شركات السمسرة وبنوك الاستثمار العاملة في بورصة وول ستريت، ومنها سيتي جروب وكريديه سويس جولدمان ساكس وميريل لينش، بمراجعة وتصحيح نشاط البحوث الخاصة بها، مع تغريم هذه البنوك حوالي مليارا ونصف المليار دولار، تحمل منها بنك سيتي جروب وحده 325 مليون دولار، كما خصص الاتفاق حوالي 450 مليون دولار من قيمة الغرامة لتمويل بحوث تعدها شركات لا تمارس نشاط بنوك الاستثمار الاخري لضمان حيادها، وحاولت شركة رويترز (Reuters Group plc )، التي تمتلك وكالة الانباء الشهيرة، أن تنتهز فرصة الهجوم الشديد علي البحوث التي تعدها بنوك الاستثمار حول الشركات المتداولة في البورصة لاقتحام مجال التحليل المالي، حيث أعلن الرئيس التنفيذي لقطاع الاخبار والمعلومات المالية التابع لوكالة الانباء في مدينة لندن، توم جلوسر، أن رويترز قد تبدأ خدمات تقديم البحوث المالية المستقلة خلال العام الحالي، ولكنه أشار إلي أن التوقيت المحدد لبدء هذا النشاط يعتمد علي إتمام التسوية النهائية لمخالفات التقارير المالية في بورصة وول ستريت.
جاءت هذه المبادرة في وقت تحاول فيه رويترز تطبيق سياسات لتخفيض التكاليف حتي تتلاءم مع الأزمة المالية المستمرة في قطاع الخدمات المالية الذي يدر حوالي %90 من إيرادات الشركة سنويا، بينما أكد جلوسر اعتقاده في قدرة رويترز علي إصدار تقارير مالية حول أسهم الشركات تحمل اسمها لتنضم إلي قائمة من الشركات الأخري التي تأمل في الحصول علي جانب من الكعكة التي خصصت لإعداد بحوث مالية محايدة ومستقلة عن بنوك الاستثمار في إطار تسوية النزاع بين هذه البنوك والجهات الرقابية بالولايات المتحدة في نهاية أبريل الماضي، حيث خصص مبلغ 432.5 مليون دولار أمريكي لهذا الغرض ضمن جملة الغرامات التي تتحملها عشرة بنوك استثمار في وول ستريت.
وتتنافس علي هذا النشاط أيضاً عدة شركات أخري تعمل في مجال الاعلام مثل شركة مورنينج ستار (Morning star ) وستريت دوت كوم (The street.com ) والتي بدأت نشاطها مؤخراً بتأسيس شركة لإعداد البحوث المستقلةهيLLC Independent ، بينما أتمت رويترز صفقة استحواذ علي شركة مالتيكس دوت كوم (Multex. com ) المتخصصة في اخبار الشركات.
وكانت بنوك الاستثمار قد وافقت علي التسوية دون الاعتراف بالاتهامات الواردة بها أو إنكارها، رغم أن العقوبات التي فرضتها لجنة البورصة ومكتب المحامي العام هي أشد العقوبات التي جري اتخاذها في وول ستريت منذ نشأتها، وبذلك أغلقت وول ستريت بسرعة ملفا ساخنا بعد ضجة أثيرت حول ما أطلق عليه «سور الصين»، ويقصد به الفصل بين الانشطة المتعددة التي تقوم بها الادارات المختلفة داخل كل بنك استثمار لدرء شبهة تعارض المصالح بين هذه الانشطة وعدم الاضرار بالمستثمرين.
وتضمنت التسوية أربعة بنود رئيسية أخري شملت :
-1 عدم منح المحللين الماليين بإدارات البحوث أي مكافآت تتعلق بحصول الشركة التي يعملون بها علي صفقات تندرج تحت نشاط بنك الاستثمار مثل إدارة عمليات الطرح للاكتتاب العام أو زيادة رأس المال بإحدي الشركات.
-2 وأن تتعاقد شركات السمسرة لمدة خمس سنوات مع ثلاث شركات بحوث مستقلة علي الاقل تتولي إعداد البحوث المالية لعملاء شركة السمسرة.
-3 وأن يتم تعيين مستشار بكل شركة من شركات السمسرة من قبل الجهات الرقابية له سلطة التعاقد مع شركات مستقلة لإعداد البحوث التي تقدم للعملاء.
-4 وأن تعلن كل شركة عن التقييمات والتوقعات والقيمةالعادلة للاسهم التي يدرسها المحللون العاملون بها والتي توصي بها لعملائها ضمانا للشفافية وتيسيراً للمساءلة.
ورأت لجنة البورصة والمحامي العام في نيويورك في تلك الاجراءات بديلا عن فكرة «سور الصين» التي كانت تتضمن فصل إدارات البحوث بعد رفض البنوك الكبري لتلك الفكرة باعتبارها غير واقعية وتؤدي للقضاءعلي نشاط البحوث المالية وكذلك واحدا من المجالات الحيوية للمنافسة بين بنوك الاستثمار المختلفة التي تعتمد علي كفاءة محلليها في كسب ثقة العملاء، هذا علي الرغم مما تردد حول قيام هؤلاء ا لمحللين بإعداد بحوث لترويج أسهم معينة بهدف جذب عملاء لبنوك الاستثمار وتحقيق ارباح كبيرة علي اساس تقييمات «غير واقعية» أو حتي إصدار تقارير إنتقامية مثلما حدث في صيف 2001 عندما قام هنري بلود جيت أبرز محللي قطاع التكنولوجيا في بنك ميريل لينش، بتخفيض تقييمه وتوصياته لسهم إحدي الشركات بعدما فشل البنك في الحصول علي صفقة تتعلق بعملية زيادة رأس مال الشركة، وكانت القضية الابرز هي قضية جاك جروبمان، أشهر محللي قطاع الاتصالات بوحدة سالومون التابعة لبنك سيتي جروب والذي رفع تقييمه لشركة AT&T في نوفمبر 1999 وتبين بعد ذلك ارتباط هذا التقييم بتولي بنك سيتي جروب عمليات ترويج أسهم شركة المحمول التابعة لشركة الاتصالات الامريكية، وجاء ذلك بعد شكوي سابقة من مدير الشركة الأخيرة حول تقييمات سلبية سابقة أعدها جروبمان،وبعد تداول القضية في مكتب المحامي العام دفع جروبمان بأنه تعرض لضغوط من رؤسائه بالبنك بإعداد بحوث تسمح بجذب عمليات الترويج لبنك الاستثمار، كما طالب محللون بوضع قوانين تمنع مديري بنوك الاستثمار من التأثير علي تقييمات المحللين الماليين تجنبا لإجبارهم علي إعداد بحوث ترضي الإدارة وتسهل لها الحصول علي صفقات ترويجية.
وكان توم جلوسر (برويترز) قد أعلن في بدايةعملية التسوية أنه يتوقع أن تقوم بنوك الاستثمار بتخفيض عدد المحللين الماليين الذين يعملون لديها وإحالة نشاط البحوث إلي شركات متخصصة في مجال الاعلام مثل رويترز ولكن رويترز نفسها لا تعتزم تعيين محللين ماليين لديها، فوفقا لتأكيد جلوسر ستقوم الشركة بجمع البيانات والمعلومات لبنوك الاستثمار ثم تقوم هذه البنوك بعد ذلك بتحليل تلك المعلومات والخروج بتوصيات البيع أو الشراء علي أساسها، وسوف تساهم رويترز بحوالي %70 فقط من المحتوي وتترك الباقي لبنوك الاستثمار.
وتتوقع رويترز أن تكون التكلفة الاضافية لهذا النشاط متدنية للغاية بالنسبة لشركة الانباء، حيث تتوافر لديها فعليا جميع البيانات، بالاضافة إلي أن جلوسر أكد أن العديد من بنوك الاستثمار عبرت عن ترحيبها بصدور بحوث مالية تحمل اسم رويترز.
ومع ذلك فإن الطريقة التي تطرحها رويترز في ممارسة نشاط البحوث المالية تثير العديد من الشكوك في امكانية التغلب علي مشكلة تعارض المصالح التي أثارت وول ستريت بعد الأزمة التي ضربت البورصة الامريكية في نهايةالتسعينيات، حيث أن التحليل المالي ليس مجرد معلومات تصلح في ذاتها لتحديد المركز المالي للشركة في نهاية فترة زمنية معينة أو التوقعات ويستطيع المحللون في بنوك الاستثمار المختلفة تحليل تلك المعلومات بطرق تسهل الحصول علي استنتاجات لا تخلو من شبهة تعارض المصالح، كما أن هذه التقارير المالية، وفقاً لتصريحات جلوسر نفسه لن تعتمد بنسبة %100 علي المعلومات المستمدة من وكالة الانباء، بل أن %30 من المعلومات التي ستعتمد عليها التقارير متروكة لمصادر بنوك الاستثمار، وهي طبعا نسبة كافية للتوصل إلي نتائج تتفق وميول من يرغب في التلاعب ولا يقتصر الامرعلي ذلك فقط، وإنما هناك أيضاً الجانب التقديري الذي يخضع تماما لرؤية المحلل المالي، والذي يفسر ظهور تقارير مختلفة عن شركةبعينها تعتمد علي نفس المادة المعلوماتية ولكنها تختلف في تقديراتها وتوصياتها بسبب اختلاف تقديرات المحللين.
هذه التقديرات المختلفة ساعدت بنك ميريل لينش وأكبر ثلاثة بنوك استثمار في بورصة وول ستريت علي تحقيق نصر قانوني كبير يوم الثلاثاء الماضي عندما رفضت المحكمة دعاوي قضائية ضد هذه البنوك تتهم المحللين الماليين بها بأنهم يتحملون مسئولية خسائر المستثمرين التي تعد بملايين الدولارات بعد انفجار فقاعة سوق الاوراق المالية حيث لجأ المستثمرون إلي القضاء مطالبين بنوك الاستثمار بالتعويض بسبب التقارير المالية المضللة، بعد أن شجعهم علي ذلك ما توصلت إليه الجهات الرقابية من تلاعب هذه البنوك وخاصة وحدات البحوث بها في التقارير المالية.
ولكن القاضي الامريكي أكد بلهجة تغلب عليها الصرامة والحدة أن المستثمرين اخفقوا في إثبات أن بنك ميريل لينش ومحلل قطاع الانترنت، هنري بلودجيت، قد توفرت لديه نية الخداع عندما نشر توصيات إيجابية علي أسهم شركات الانترنت.
بل ذهب القاضي إلي اتهام المستثمرين أيضاً بأنهم مضاربون مغامرون قرروا الدخول في «مقامرة مفتوحة أغرت المهووسين بتحقيق ثروة خيالية».
كما أن قاضيا أمريكيا آخر رفض دعوي جماعية مماثلة ضد عدد من بنوك الاستثمار شملت جولدمان ساكس ومورجان ستانلي وكريديه سويس تعلقت بتوصياتهم الايجابية علي اسهم إحدي شركات الاتصالات.
وقد يمثل هذا القرار سابقة قضائية لعدد هائل من القضايا التي رفعها المستثمرون ضد بنوك وول ستريت بعد تحقيقات الجهات الرقابية التي كشفت أن بولدجيت وعددا آخر من مشاهير التحليل المالي غالبا ما روجوا لشراء أسهم بعينها بهدف مساعدة البنك في كسب عقود الترويج لها، والاهم من ذلك أنه يشير إلي أن الجانب التقديري في إعدادالبحوث له أهمية خاصة تجعل من الصعب ضمان حياديته لمجرد اعتماده علي جانب كبير من المعلومات تقدمها جهة مستقلة.
والمثير أن القاضي الامريكي أكد أن تقارير البحوث الصادرة عن ميريل تضمنت تحذيرا واضحا من أن الاسهم التي كان بلودجيت يروج لها تتميز بالتقلب الشديد، كما أوضح أيضاً أن مسألة تعارض المصالح كانت أمرا متعارفا عليه منذ زمن طويل في بورصة وول ستريت وهو ما يعني أن اللغة المطاطة والتلاعب بالارقام والمعلومات (الصحيحة جدا بالمناسبة) يمكن أن تحقق النتائج التي تتفق مع ميول بنوك الاستثمار التي تعد التقارير علي أساسها.
كما أوضح أحد المحامين السابقين في لجنة البورصة الامريكية إلي أن قرار المحكمة يعني أن المستثمرين في القضايا الجماعية سوف يواجهون صعوبات جمة في المستقبل عند محاولة تسوية أي نزاع مع المؤسسات التي تعمل في مجال تداول الاوراق المالية.
بشكل عام، قد تكون الخطوة التي اتخذتها رويترز وعدد آخر من المؤسسات الاعلامية بداية لاقتحام تلك المؤسسات مجال إعداد التقارير المالية تقبل التوسع والتطوير مستقبلا، ولكن تظل البورصة محتفظة بطبيعتها التي أشار إليها القاضي الامريكي جزئيا عند اتهامه للمستثمرين بأنهم مقامرون، ويظل التحليل المالي ومعاييره في تقييم الاسهم مليئا بالثغرات التي تجعل الاحكام التقديرية قادرة علي توجيه النتائج مهما بدأ محايدا ومستقلا، كما يتضمن قرار القضاة الامريكيين اعترافا ضمنيا بمشروعية تضارب المصالح الهيكلي في أنشطة بنوك الاستثمار عندما اعتمد علي كونه موجودا منذ فترة طويلة في رفض دعاوي المستثمرين والمطالبة بالتعويض.
في مواجهة تعارض المصالح في بنوك الاستثمار المؤسسات الاعلامية تقتحم مجال التحليل المالي.
بعد التوصل إلي اتفاق يلزم شركات السمسرة وبنوك الاستثمار العاملة في بورصة وول ستريت، ومنها سيتي جروب وكريديه سويس جولدمان ساكس وميريل لينش، بمراجعة وتصحيح نشاط البحوث الخاصة بها، مع تغريم هذه البنوك حوالي مليارا ونصف المليار دولار، تحمل منها بنك سيتي جروب وحده 325 مليون دولار، كما خصص الاتفاق حوالي 450 مليون دولار من قيمة الغرامة لتمويل بحوث تعدها شركات لا تمارس نشاط بنوك الاستثمار الاخري لضمان حيادها، وحاولت شركة رويترز (Reuters Group plc )، التي تمتلك وكالة الانباء الشهيرة، أن تنتهز فرصة الهجوم الشديد علي البحوث التي تعدها بنوك الاستثمار حول الشركات المتداولة في البورصة لاقتحام مجال التحليل المالي، حيث أعلن الرئيس التنفيذي لقطاع الاخبار والمعلومات المالية التابع لوكالة الانباء في مدينة لندن، توم جلوسر، أن رويترز قد تبدأ خدمات تقديم البحوث المالية المستقلة خلال العام الحالي، ولكنه أشار إلي أن التوقيت المحدد لبدء هذا النشاط يعتمد علي إتمام التسوية النهائية لمخالفات التقارير المالية في بورصة وول ستريت.
جاءت هذه المبادرة في وقت تحاول فيه رويترز تطبيق سياسات لتخفيض التكاليف حتي تتلاءم مع الأزمة المالية المستمرة في قطاع الخدمات المالية الذي يدر حوالي %90 من إيرادات الشركة سنويا، بينما أكد جلوسر اعتقاده في قدرة رويترز علي إصدار تقارير مالية حول أسهم الشركات تحمل اسمها لتنضم إلي قائمة من الشركات الأخري التي تأمل في الحصول علي جانب من الكعكة التي خصصت لإعداد بحوث مالية محايدة ومستقلة عن بنوك الاستثمار في إطار تسوية النزاع بين هذه البنوك والجهات الرقابية بالولايات المتحدة في نهاية أبريل الماضي، حيث خصص مبلغ 432.5 مليون دولار أمريكي لهذا الغرض ضمن جملة الغرامات التي تتحملها عشرة بنوك استثمار في وول ستريت.
وتتنافس علي هذا النشاط أيضاً عدة شركات أخري تعمل في مجال الاعلام مثل شركة مورنينج ستار (Morning star ) وستريت دوت كوم (The street.com ) والتي بدأت نشاطها مؤخراً بتأسيس شركة لإعداد البحوث المستقلةهيLLC Independent ، بينما أتمت رويترز صفقة استحواذ علي شركة مالتيكس دوت كوم (Multex. com ) المتخصصة في اخبار الشركات.
وكانت بنوك الاستثمار قد وافقت علي التسوية دون الاعتراف بالاتهامات الواردة بها أو إنكارها، رغم أن العقوبات التي فرضتها لجنة البورصة ومكتب المحامي العام هي أشد العقوبات التي جري اتخاذها في وول ستريت منذ نشأتها، وبذلك أغلقت وول ستريت بسرعة ملفا ساخنا بعد ضجة أثيرت حول ما أطلق عليه «سور الصين»، ويقصد به الفصل بين الانشطة المتعددة التي تقوم بها الادارات المختلفة داخل كل بنك استثمار لدرء شبهة تعارض المصالح بين هذه الانشطة وعدم الاضرار بالمستثمرين.
وتضمنت التسوية أربعة بنود رئيسية أخري شملت :
-1 عدم منح المحللين الماليين بإدارات البحوث أي مكافآت تتعلق بحصول الشركة التي يعملون بها علي صفقات تندرج تحت نشاط بنك الاستثمار مثل إدارة عمليات الطرح للاكتتاب العام أو زيادة رأس المال بإحدي الشركات.
-2 وأن تتعاقد شركات السمسرة لمدة خمس سنوات مع ثلاث شركات بحوث مستقلة علي الاقل تتولي إعداد البحوث المالية لعملاء شركة السمسرة.
-3 وأن يتم تعيين مستشار بكل شركة من شركات السمسرة من قبل الجهات الرقابية له سلطة التعاقد مع شركات مستقلة لإعداد البحوث التي تقدم للعملاء.
-4 وأن تعلن كل شركة عن التقييمات والتوقعات والقيمةالعادلة للاسهم التي يدرسها المحللون العاملون بها والتي توصي بها لعملائها ضمانا للشفافية وتيسيراً للمساءلة.
ورأت لجنة البورصة والمحامي العام في نيويورك في تلك الاجراءات بديلا عن فكرة «سور الصين» التي كانت تتضمن فصل إدارات البحوث بعد رفض البنوك الكبري لتلك الفكرة باعتبارها غير واقعية وتؤدي للقضاءعلي نشاط البحوث المالية وكذلك واحدا من المجالات الحيوية للمنافسة بين بنوك الاستثمار المختلفة التي تعتمد علي كفاءة محلليها في كسب ثقة العملاء، هذا علي الرغم مما تردد حول قيام هؤلاء ا لمحللين بإعداد بحوث لترويج أسهم معينة بهدف جذب عملاء لبنوك الاستثمار وتحقيق ارباح كبيرة علي اساس تقييمات «غير واقعية» أو حتي إصدار تقارير إنتقامية مثلما حدث في صيف 2001 عندما قام هنري بلود جيت أبرز محللي قطاع التكنولوجيا في بنك ميريل لينش، بتخفيض تقييمه وتوصياته لسهم إحدي الشركات بعدما فشل البنك في الحصول علي صفقة تتعلق بعملية زيادة رأس مال الشركة، وكانت القضية الابرز هي قضية جاك جروبمان، أشهر محللي قطاع الاتصالات بوحدة سالومون التابعة لبنك سيتي جروب والذي رفع تقييمه لشركة AT&T في نوفمبر 1999 وتبين بعد ذلك ارتباط هذا التقييم بتولي بنك سيتي جروب عمليات ترويج أسهم شركة المحمول التابعة لشركة الاتصالات الامريكية، وجاء ذلك بعد شكوي سابقة من مدير الشركة الأخيرة حول تقييمات سلبية سابقة أعدها جروبمان،وبعد تداول القضية في مكتب المحامي العام دفع جروبمان بأنه تعرض لضغوط من رؤسائه بالبنك بإعداد بحوث تسمح بجذب عمليات الترويج لبنك الاستثمار، كما طالب محللون بوضع قوانين تمنع مديري بنوك الاستثمار من التأثير علي تقييمات المحللين الماليين تجنبا لإجبارهم علي إعداد بحوث ترضي الإدارة وتسهل لها الحصول علي صفقات ترويجية.
وكان توم جلوسر (برويترز) قد أعلن في بدايةعملية التسوية أنه يتوقع أن تقوم بنوك الاستثمار بتخفيض عدد المحللين الماليين الذين يعملون لديها وإحالة نشاط البحوث إلي شركات متخصصة في مجال الاعلام مثل رويترز ولكن رويترز نفسها لا تعتزم تعيين محللين ماليين لديها، فوفقا لتأكيد جلوسر ستقوم الشركة بجمع البيانات والمعلومات لبنوك الاستثمار ثم تقوم هذه البنوك بعد ذلك بتحليل تلك المعلومات والخروج بتوصيات البيع أو الشراء علي أساسها، وسوف تساهم رويترز بحوالي %70 فقط من المحتوي وتترك الباقي لبنوك الاستثمار.
وتتوقع رويترز أن تكون التكلفة الاضافية لهذا النشاط متدنية للغاية بالنسبة لشركة الانباء، حيث تتوافر لديها فعليا جميع البيانات، بالاضافة إلي أن جلوسر أكد أن العديد من بنوك الاستثمار عبرت عن ترحيبها بصدور بحوث مالية تحمل اسم رويترز.
ومع ذلك فإن الطريقة التي تطرحها رويترز في ممارسة نشاط البحوث المالية تثير العديد من الشكوك في امكانية التغلب علي مشكلة تعارض المصالح التي أثارت وول ستريت بعد الأزمة التي ضربت البورصة الامريكية في نهايةالتسعينيات، حيث أن التحليل المالي ليس مجرد معلومات تصلح في ذاتها لتحديد المركز المالي للشركة في نهاية فترة زمنية معينة أو التوقعات ويستطيع المحللون في بنوك الاستثمار المختلفة تحليل تلك المعلومات بطرق تسهل الحصول علي استنتاجات لا تخلو من شبهة تعارض المصالح، كما أن هذه التقارير المالية، وفقاً لتصريحات جلوسر نفسه لن تعتمد بنسبة %100 علي المعلومات المستمدة من وكالة الانباء، بل أن %30 من المعلومات التي ستعتمد عليها التقارير متروكة لمصادر بنوك الاستثمار، وهي طبعا نسبة كافية للتوصل إلي نتائج تتفق وميول من يرغب في التلاعب ولا يقتصر الامرعلي ذلك فقط، وإنما هناك أيضاً الجانب التقديري الذي يخضع تماما لرؤية المحلل المالي، والذي يفسر ظهور تقارير مختلفة عن شركةبعينها تعتمد علي نفس المادة المعلوماتية ولكنها تختلف في تقديراتها وتوصياتها بسبب اختلاف تقديرات المحللين.
هذه التقديرات المختلفة ساعدت بنك ميريل لينش وأكبر ثلاثة بنوك استثمار في بورصة وول ستريت علي تحقيق نصر قانوني كبير يوم الثلاثاء الماضي عندما رفضت المحكمة دعاوي قضائية ضد هذه البنوك تتهم المحللين الماليين بها بأنهم يتحملون مسئولية خسائر المستثمرين التي تعد بملايين الدولارات بعد انفجار فقاعة سوق الاوراق المالية حيث لجأ المستثمرون إلي القضاء مطالبين بنوك الاستثمار بالتعويض بسبب التقارير المالية المضللة، بعد أن شجعهم علي ذلك ما توصلت إليه الجهات الرقابية من تلاعب هذه البنوك وخاصة وحدات البحوث بها في التقارير المالية.
ولكن القاضي الامريكي أكد بلهجة تغلب عليها الصرامة والحدة أن المستثمرين اخفقوا في إثبات أن بنك ميريل لينش ومحلل قطاع الانترنت، هنري بلودجيت، قد توفرت لديه نية الخداع عندما نشر توصيات إيجابية علي أسهم شركات الانترنت.
بل ذهب القاضي إلي اتهام المستثمرين أيضاً بأنهم مضاربون مغامرون قرروا الدخول في «مقامرة مفتوحة أغرت المهووسين بتحقيق ثروة خيالية».
كما أن قاضيا أمريكيا آخر رفض دعوي جماعية مماثلة ضد عدد من بنوك الاستثمار شملت جولدمان ساكس ومورجان ستانلي وكريديه سويس تعلقت بتوصياتهم الايجابية علي اسهم إحدي شركات الاتصالات.
وقد يمثل هذا القرار سابقة قضائية لعدد هائل من القضايا التي رفعها المستثمرون ضد بنوك وول ستريت بعد تحقيقات الجهات الرقابية التي كشفت أن بولدجيت وعددا آخر من مشاهير التحليل المالي غالبا ما روجوا لشراء أسهم بعينها بهدف مساعدة البنك في كسب عقود الترويج لها، والاهم من ذلك أنه يشير إلي أن الجانب التقديري في إعدادالبحوث له أهمية خاصة تجعل من الصعب ضمان حياديته لمجرد اعتماده علي جانب كبير من المعلومات تقدمها جهة مستقلة.
والمثير أن القاضي الامريكي أكد أن تقارير البحوث الصادرة عن ميريل تضمنت تحذيرا واضحا من أن الاسهم التي كان بلودجيت يروج لها تتميز بالتقلب الشديد، كما أوضح أيضاً أن مسألة تعارض المصالح كانت أمرا متعارفا عليه منذ زمن طويل في بورصة وول ستريت وهو ما يعني أن اللغة المطاطة والتلاعب بالارقام والمعلومات (الصحيحة جدا بالمناسبة) يمكن أن تحقق النتائج التي تتفق مع ميول بنوك الاستثمار التي تعد التقارير علي أساسها.
كما أوضح أحد المحامين السابقين في لجنة البورصة الامريكية إلي أن قرار المحكمة يعني أن المستثمرين في القضايا الجماعية سوف يواجهون صعوبات جمة في المستقبل عند محاولة تسوية أي نزاع مع المؤسسات التي تعمل في مجال تداول الاوراق المالية.
بشكل عام، قد تكون الخطوة التي اتخذتها رويترز وعدد آخر من المؤسسات الاعلامية بداية لاقتحام تلك المؤسسات مجال إعداد التقارير المالية تقبل التوسع والتطوير مستقبلا، ولكن تظل البورصة محتفظة بطبيعتها التي أشار إليها القاضي الامريكي جزئيا عند اتهامه للمستثمرين بأنهم مقامرون، ويظل التحليل المالي ومعاييره في تقييم الاسهم مليئا بالثغرات التي تجعل الاحكام التقديرية قادرة علي توجيه النتائج مهما بدأ محايدا ومستقلا، كما يتضمن قرار القضاة الامريكيين اعترافا ضمنيا بمشروعية تضارب المصالح الهيكلي في أنشطة بنوك الاستثمار عندما اعتمد علي كونه موجودا منذ فترة طويلة في رفض دعاوي المستثمرين والمطالبة بالتعويض.