ذائقة الفنون الشعبية متمسكة بتلابيب مصر، عادات وتقاليد، صناعات وحرف وطعام لا تبديل لها مع صيرورة الزمن. التنوع الثقافى المادى واللا مادى الحى، متأبطاً وجدان الشعوب المادى، مثال متمترس فى «الفخار» أو الخزف، أولى صناعات الحضارة الفرعونية، تراث باق تطور على مدى العصور، أثبت فيه المصرى مدى تغلغل موهبته الخلاقة منذ عمق التاريخ الى يومنا هذا، شاهدا على ذلك أحد مصانع الفخار الباقية فى جوف صحراء «جبل شايب البنات» بالبحر الأحمر باق على شقافاته المتراكمة منذ عصر البطالمة. تجذرت الفنون الشعبية وتهادت فى جريان النهر السارى لم يتغير عطاء الوجدان المصرى بل احتفظ بالتقاليد الفنية لتطور جامع لحضارات مرت فى موجات متواترة، طالت الميراث القبطى صلبان من جريد النخيل المترع بها المادى رمزا لعيد الغطاس، أشغال الخشب نحت لقديسين، أيقونات ملتصقة بأحقاب بعيدة من ميراث فرعونى فى وجوه الفيوم تنطق ببصمة وجوه بيننا، ما زالت تمارس الغواية فى التعلق بالزخم الأصيل. الفنون الإسلامية المصرية، فجر التجريد المطلق بعيدا عن التوريقات النباتية فى آسيا الصغرى، تيار بقى ساريا فى تأكيد الحرف المتنوعة، لم ينقطع تدفقه، عبر العصور الظلامية على مدى قرون. الفن الشعبى ملتصق بالحاجة البيئية، حيث تمحور الهوية حول إبداع فطرى يجلو الحس الموروث منذ الأزل. تناثر فى صناعات وفنون شتى، من خيال الظل، فن العرائس، الأراجوز، راقصات شعبيات (عصر المماليك) يرقصن للترفيه فى الشوارع وعلى أبواب البيوت لتسلية الناظرين، آكلى الزجاج والنار وادخال الأدوات الحادة الى أجسامهم، لاعبى الأكروبات (أولاد على بمبة ) الموالد وتألق الإبداع الشعبى فى التنوع الكمى فى خلق وسائل للتسلية وجذب الزبائن يثبت رهانه على حب هذا الشعب وميله الى التماهى مع نداهة الفرح. يوصم الفن الشعبى بالتلقائية وعدم الدقة وغياب التقنية العالية وهو أحد تجلياته الفذة.
يرتكز أيضا على المثالية فى تأمل آنية من أوانى «نبيل درويش» الفخارية أو إحدى لوحات حسن الشرق، ثم نتأمل أحد الأشغال اليدوية لأحد جلابيب سيناء المشغولة بدرز يتطابق مع الأوبيسون الفرنسى، بألوان أكثر إشراقا تضاهى غروب شمس خلابة، أشغال غصون الغاب المصبوغة بألوان نباتية ، المراجين (جمع مرجونة ) تلك العلبة الرابضة تصون حنيناً لعمر بطوله ووفى. تحار بين دقة زخرفية ومتانة مطلقة. يدخل تحت بند التراث المادى فى ميثاق الأمم المتحدة- الأبنية الأثرية دير، جامع كنيسة بيت- أثرى ذو رونق معمارى أصيل.
وأوصت وباللامادى تلك النفحة السارية فى الوجدان الشعبى.. عروس من ورق على شكل صليب ينغز بدبوس ثقوبا من عين الحسود، واللى شافك وما صلاش على النبى عادة قبطية إسلامية . عروسة المولد والفارس، حلاوة نبوت الغفير، حلاوة على لوز، حلاوة المولد، حمصية، سمسمية، لديدة، يقوتية (حلاوة حمراء اللون) محشوة بالمكسرات، سنسن، ربسوس ، أسماء اختارها الوجدان الشعبى، ملوخية. «شلولوالملوخية الصعيدى» يسكب عليها ماء من الحنفية.. وتقلب ويوضع ملح وبالهنا والشفا سنحتاج لهذا الصنف فى مستقبل الأيام.. رقاق، مشلتت، يتميز الطعام المصرى الشعبى بأنه من الأرض الى الفم، بصلة وثومة وفاصوليا-أى نوع خضار- وطماطم وهم.. هم.
استكمالا للاحتفاء الفطرى تجلى فى رسوم «محيى اللباد» وتماهيه مع «الموتيف» الوحدة الزخرفية الشعبية أبوزيد الهلالى شاهر سيفه، وردتنا الحمراء البلدى.. الأسود فى الأتراح والأبيض فى الأفراح، السبوع واطلع لأبوك ما تطلعش لأمك، أحجبة من الذهب والفضة بين عرب الواحات، وسيناء.
كل هذا الوشى نقش على لوحات الفنان الشعبى الفطرى يستدعى عند الحج والفرح والسبوع، وآخر متماهياً مع لوحاته من كبار فنانينا، أحمد الرشيدى، رفعت أحمد، على الدسوقى، يوسف سيدة، عفت ناجى تحية حليم، سيد عبد الرسول، سعد الخادم، صالح رضا، زينب عبد الحميد، سوسن عامر، حسن الشرق، هؤلاء أعطوا من معين مصر المدهش.
الحفاظ على التراث اللا مادى فى التعبير، المهارات الوجدانية المتوارثة من جيل الى آخر.. المغنى والطرب والموال، الشعر والقصة المتوارثة شعبياً، الحب والزواج والأخلاقيات، الاحتفالات الدينية. كل هذا الزخم الجمالى من الوجدان الشعبى ما يسمى فى ميثاق الأمم المتحدة روائع التراث المادى واللا مادى للإنسانية. هذا التراث ضاع منه الكثير والكثير.. على الصعيد الشفاهى والتنفيذى المصرى، وهو سر التدنى المعمارى، وتصحر العطاء الدافق الأصيل للروح المصرية.