أولاً: تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي:
لعبت العوامل المؤثرة في الاقتصاد الكلي دوراً رئيسياً في التدفق الكبير للبنوك الأجنبية إلي أمريكا اللاتينية خاصة بعد التحولات التي مرت بها دول المنطقة منذ بداية الثمانينيات في القرن الماضي، والتي استهدفت تعديل السياسات الاقتصادية التي من شأنها أن تؤدي إلي زيادة معدل النمو الاقتصادي، وقد صاحب ذلك انخفاض ملحوظ لمعدل التضخم السنوي إلي نحو %10 منذ عام 2000 مقابل نحو %163 خلال الفترة من 1988 ــ 1997، مما أعطي ثقة دولية في الأصول المالية والنقدية لهذه الدول، وكذلك التحسن في ميزان الحساب الجاري في عام 2005 (والذي شهد عجزاً خلال بقية التسعينيات). وقد ساهم التحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي والارتفاع الملحوظ في متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة %9 خلال الفترة 1995 ــ2005 في جذب المستثمرين الأجانب لهذه المناطق، كذلك ساهمت التركيبة السكانية في جذب بنوك التجزئة لتقديم العديد من خدماتها (قروض خاصة، خدمات ائتمانية، كروت مصرفية، تأمين علي الحياة).
ثانياً: الإصلاحات المالية والنقدية وعمليات إعادة الهيكلة:
ساهمت المشكلات الهيكلية التي واجهت البنوك المحلية ــ والتي من أبرزها انخفاض معدل الإقراض (مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي) وارتفاع القروض قصيرة الأجل، والمعدلات المرتفعة للتمويل الخاص، وصعوبة حصول الشركات علي الائتمان – في دفع الحكومات إلي تبني سياسات انفتاحية تتضمن إصلاحيات مالية ونقدية، منها علي سبيل المثال تحرير أسعار الفائدة، تخفيف قيود دخول البنوك الأجنبية، الانفتاح علي العالم الخارجي وانتهاج برامج للخصخصة، وهو ما ساهم في حدوث نمو هائل في معدلات الإقراض (وإن كان قد صاحب ذلك زيادة مماثلة في القروض غير المنتظمة). ومن ثم تولدت الأزمة المصرفية التي جاءت في أعقاب هذا التحرير المالي (المكسيك في عامي 1994 و1995 والبرازيل عام1999 ، والأرجنتين في عام 2001)، والتي مهدت لقيام الحكومات بوضع آليات للاشراف المصرفي، وقد أدت هذه الاصلاحات إلي تزايد نشاط البنوك الأجنبية من خلال تشجيع حركة الاستحواذ والاندماج التي نشطت بعد حدوث الأزمات المصرفية.
كما سهم الإسراع في برنامج الخصخصة في التواجد المصرفي الأجنبي حيث بلغ عدد الشركات الحكومية في عام 1998 نحو 40 شركة مقابل 93 شركة خلال الفترة 1990 ــ1992 ، وساهمت القيمة المنخفضة للشركات التي تم خصخصتها في المضي سريعاً في تنفيذ البرنامج حتي انه في نهاية التسعينيات أضحي الاستحواذ علي %1 من سوق الودائع المصرفية في الأرجنتين أو المكسيك أرخص عشر مرات مقارنة بالتكلفة في ألمانيا.
ثالثاً: زيادة تدفقات رءوس الأموال الأجنبية:
زاد تواجد البنوك الأجنبية كنوع من متابعة العملاء، حيث تلقت هذه المنطقة نحو %37 من التدفق الصافي لرأس المال الخاص المتجهة إلي الأسواق الناشئة خلال الفترة 1990 ــ 1997، كذلك مثلت أمريكا اللاتينية أكبر منطقة لإدارة المحافظ المالية في الأسواق الناشئة بنسبة %62. وثاني أكبر المناطق كمتلقي للاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة %31. وخلال الفترة 1998 ــ 2002 اجتذبت نحو %47 من التدفق الرأسمالي الخاص، %37 منه في صورة استثمار أجنبي مباشر مقارنة بـ%34.7 في آسيا، و%13.8 في وسط وشرق أوروبا.
وقد شهد الاستثمار الأجنبي المباشر – في فترة التسعينيات – نموا سريعاً في القطاع المالي في الأسواق الناشئة، ومن ثم تمتعت أمريكا اللاتينية بوفرة في البنوك الأجنبية، حيث بلغت قيمة الاستحواذات والاندماجات في القطاع المصرفي خلال الفترة 1991 – 1995 نحو 2.5 مليار دولار، ارتفعت إلي 51.5 مليار خلال الفترة 1996 ــ 2000، ثم إلي 67.5 مليار خلال الفترة 2001 ــ2005 ، وقد بلغت نسبة الاستحواذ والاندماج في البنوك في الاقتصادات الناشئة %13 علي مستوي العالم خلال الفترة 1995 – 1991، ثم ارتفعت هذه النسبة إلي %35 في عام 2001، وتشير الإحصاءات إلي أن نسبة حالات الاندماج والاستحواذ في أمريكا اللاتينية بلغت %48 خلال الفترة 2005-1991 (مقارنة بنحو %36 في دول آسيا و%17 في دول وسط وشرق أوروبا).. ويحتل القطاع المصرفي في مكانة مهمة في هذه الاندماجات والاستحواذات حيث بلغت نسبة ملكية البنوك الأجنبية لأصول القطاع المصرفي في الاقتصادات الناشئة نحو %50 في وسط وشرق أوروبا وآسيا، و%30 في أمريكا اللاتينية، و%10 في آسيا.
ومن الجدير بالذكر أن البنوك الأجنبية عقب الأزمة المكسيكية في عام 1994 بدأت تعجل بتواجدها داخل أسواق أمريكا اللاتينية، وفي العديد من الحالات نجد تأسيس الشركات التابعة يمهد الطريق للاستحواذ علي البنوك المحلية مما يعطي البنك الأم مزايا عديدة من أهمها المعرفة الكاملة بظروف السوق المحلية، والقدرة علي الإبقاء علي عملية صنع القرارات مركزياً، وتشير البيانات إلي زيادة البنوك الأجنبية في معظم دول أمريكا اللاتينية حيث تجاوزت المؤسسات المصرفية الأجنبية نسبة الـ %50 في العديد من الدول.
وبزيادة عدد البنوك الأجنبية زاد أيضاً نصيبها من السوق المصرفية المحلية، حيث تستحوذ هذه البنوك علي حصة كبيرة من إيداعات العملاء بلغت في عام 2001 نحو %20 بالبرازيل، %44 في شيلي وفنزويلا، ونحو %57 في بيرو و%73 في المكسيك، كما بلغت حصة البنوك الأجنبية من إجمالي القروض الممنوحة في المكسيك وبيرو نحو %68 و%58 علي التوالي، وبلغت نسبة %45 و%34 في كل من شيلي ويوليفيا علي الترتيب، ونتج عما سبق زيادة الأصول المملوكة للبنوك الأجنبية حيث بلغت هذه النسبة %82 في المكسيك في عام 2004 مقابل %2 فقط في عام 1990 (بما يوازي نحو نصف الناتج المحلي للمكسيك، وبما يتراوح ما بين %40 – %50 في الأرجنتين)