وروى ابن كثير فى قصص الأنبياء أنه قيل إنه أرسل إلى أهل بعلبك غربى دمشق، فدعاهم إلى الله عز وجل وإلى ترك عبادة صنم لهم كانوا يسمونه «بعلا » – ويعبدونه من دون الله، وقيل إنها كانت امرأة اسمها «بعل ».. وقد ورد هذا الاسم فيما أوردته سورة الصافات عما كان مع النبى إلياس عليه السلام .
تقول الآيات بعد قصة موسى وهارون : «وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِى الْآخِرِينَ * سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ * إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ » (الصافات 123 – 133) ، فدلت الآيات بذلك على أن الرواية الأولى هى الأصح، وتروى أن إلياس من الذين أكرمهم الله تعالى بالنبوة والرسالة، إذ قال لقومه : بنى إسرائيل : اتقوا الله وحده وخافوه، ولا تشركوا معه غيره، وكيف تدعون عبادته وتعبدون صنما من صنعكم لا حياة فيه ولا قيمة له، وتتركون عبادة الله الخالق الذى خلقكم وخلق آباءكم الأولين الماضين من قبلكم؟ !
ومن عتامة العقول، وتصلب العناد، ألا يرى هؤلاء أن الصنم المصنوع بأيديهم – لا يمكن أن يكون رباً خالقاً مبدعاً متصرفاً يُعبد .. فالجماد لا روح فيه، ولا إرادة له، ناهيك أن يكون خالقاً يتحكم فى الحياة ومصير الأحياء ويتجه إليه المخلوقون بالإجلال والعبادة، إلا أن هذه البدهية الناصعة لم تصل إلى قلوب وعقول بنى إسرائيل، وأشاحوا عنها وأعرضوا، ولم يكفهم إعراضهم وتكذيبهم لنبى الله إلياس، بل أرادوا قتله، ويقال إنه هرب واختفى منهم فى الغار زمنا حتى أهلك الله الملك وولى غيره، فخرج من مكمنه إلى حيث دعا الملك الجديد إلى الإسلام لرب العالمين .
وإذ توعدت الآيات الكريمات من عاندوا فى الحق وكذبوا، بأنهم محضرون يوم القيامة للحساب والعقاب، فإنها أشادت بعباد الله حقاً، الذين أخلصوا دينهم لله، وبشرتهم بأنهم ناجون من عذابه، لتختم الآيات بتحية إلى نبى الله إلياس، فتكفكف عنه فى تسرية ضمنية موجهة إلى رسول الله محمد ﷺ الذى يروى له القرآن المجيد ما كان من قصص السابقين وما عاناه الرسل والأنبياء قبله من إعراض وعناد وتكذيب المخاطبين برسالات الله ونبواته ..
وأورد ابن كثير فى قصص الأنبياء، أن قول الآية : «سَلامٌ عَلّى إلْ يَاسِينَ » ، مرده إلى أن العرب تلحق النون فى أسماء كثيرة وتبدلها من غيرها، كقولهم : إسماعيل وإسماعين، وإسرائيل وإسرائين، وإلياس وإلياسيين .. وقال البعض إن المقصود بآل سين – آل محمد ﷺ، والله تعالى أعلم .
وليس مقصدى هنا، أن أفصل سير الأنبياء وقصص النبوات، وإنما أعُنى باستقصاء وتتبع مشاهد وصور ومثالب ظاهرة العناد وما تورثه، وأن أتعقب جذورها وعوادمها فى تاريخ الآدميين، وكيف كانت تذهب بهم بعيداً إلى مفارقة ومهاجرة العقل والمنطق، والإغراق فى العماء الذى اقترن دوما بالجمود على هذا العناد جموداً أورثهم الكفر، وكان دائماً باباً لا ينغلق لكل ما عانته الإنسانية من ويلات !!