رمضان متولي:
تنتعش هذه الأيام بين رجال الاقتصاد العقيدة التي تقول ان السياسات المالية والنقدية يمكنها ان تخرج بالاقتصاد من أزمة الركود، ففي الولايات المتحدة تتزايد الضغوط علي رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، آلان جرنيسبان، من أجل تغيير الاستراتيجية التي تبناها خلال سنوات رئاسته الطويلة للبنك الأمريكي والتي كانت تتركز علي التحكم في معدلات التضخم وعدم السماح بزيادتها بل والعمل الدؤوب علي تخفيضها. وتعاظمت هذه الضغوط إلي درجة وصف أساليب جرنيسبان بالانتهازية خلال حملته المتواصلة من أجل تخفيض نسبة التضخم والتي تمثلت في ترحيبه بالركود لأنه يؤدي إلي انخفاض الأرباح الموزعة بما يضغط علي معدلات التضخم، ثم يسارع إلي زيادة أسعار الفائدة في فترات الانتعاش اللاحقة قبل ظهور أي علامة علي ارتفاع مستوي التضخم. وفي حين نجحت هذه السياسات في تحقيق أهداف جرينسبان، يري الاقتصاديون الأمريكيون حاليا أنها لم تعد صالحة في ظل الركود الراهن، مؤكدين ان استراتيجية بنك الاحتياط الفيدرالي ينبغي ان تتجه نحو زيادة معدل التضخم وذلك من أجل ضمان فاعلية السياسة النقدية في مواجهة الأزمات التي تضرب مستوي الطلب الكلي، وينصحون بأن يرتفع معدل التضخم بما يكفي لكي يتلق الاقتصاد صدمة انخفاض الطلب دون السقوط في هاوية الانكماش، بينما ينقسم المسئولون في بنك الاحتياط الفيدرالي في الرأي حول اسباب الركود الممتد الذي يعاني منه الاقتصاد الامريكي فبعضهم يرجع هذه الأسباب إلي الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة ضد العراق ويستنتجون من ذلك ان الاقتصاد سوف يستعيد حيويته مع نهايتها، أما البعض الآخر فيؤكد ان أسباب الركود تعود إلي فائض القدرة الانتاجية وانفجار الفقاعة في بورصة الأوراق المالية بالإضافة إلي تزايد القلق تجاه معايير حوكمة الشركات، معربين عن قلقهم تجاه انخفاض معدلات النمو وزيادة البطالة وانخفاض معدل التضخم. وبينما يري الفريق الأول ضرورة استقرار أسعار الفائدة لدي بنك الاحتياط الفيدرالي عند مستوياتها الحالية يدافع الفريق الثاني عن ضرورة تخفيض سعر الفائدة علي المدي القصير، علما بأن أسعار الفائدة حاليا عند أقل مستوياتها منذ 41 عاماً .
وعلي الجانب الآخر دعا تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD إلي ضرورة تخفيض أسعار الفائدة في منطقة اليورو لتنشيط الاقتصاد الأوروبي، مشيرة إلي ان البنك المركزي الأوروبي سيكون عليه النزول بسعر الفائدة من %2.5 إلي %2 كحد أقصي لمساعدة الاقتصاد علي النمو، حيث انخفضت توقعات المنظمة حول معدلات النمو في منطقة اليورو هذا العام من %1.8 إلي %1 ومن %2.7 إلي %2.4 خلال العام القادم .
ومن ناحية أخري تخوض الإدارة الأمريكية حاليا صراعاً مريراً في الكونجرس من أجل تمرير خطة الرئيس جورج بوش التي تتضمن تخفيضاً كبيراً في الضرائب علي الدخل وعلي توزيعات الأرباح علي المساهمين في الشركات العامة، وهناك انقسام حاد بين الديمقراطيين والجمهوريين وداخل كل من الفريقين تجاه خطة الرئيس الأمريكي. وقد علق بعض الاقتصاديين الأمريكيين علي هذا الانقسام موضحين ان استخدام السياسة المالية بخفض الضرائب لتنشيط الاقتصاد فقدت مصداقيتها منذ زمن طويل غالبا لانها تأتي في وقت متأخر في معظم الأحوال. وبينما يؤيد بعض الاقتصاديين استخدام الحوافز الضريبية لتنشيط الاقتصاد، يشير آخرون إلي ان هذه السياسة، حتي وان حققت أهدافها علي المدي القصير تؤدي إلي تفاقم عجز الموازنة في السنوات اللاحقة، وهو ما يعد مخاطرة اقتصادية علي المدي الطويل .
ويشهد الاتحاد الأوروبي حاليا تزايد الضغوط التي تهدف إلي تخفيف القواعد الصارمة بشأن نسبة العجز في الموازنة المسموح بها للدول الأعضاء والتي لا تتجاوز %3 من اجمالي الناتج المحلي حيث قامت الحكومة الفرنسية بخفض الضرائب محققة عجزاً كبيراً في الموازنة خلال العام الجاري بهدف تنشيط الطلب الاستهلاكي، كما قامت إيطاليا بمد فترة السماح للمؤسسات التي تعجز عن سداد الضرائب، وقال اقتصادي في المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية، جوستاف هورن ان الاتحاد يطالب الحكومات بسياسات مالية متشددة من قبيل خفض الانفاق وزيادة الضرائب في وقت تنخفض فيه معدلات النمو، مؤكداً ان الاقتصاد يحتاج إلي سياسات عكسية تماماً حتي تستقيم أوضاعه وتعتبر السياسات المالية في دول الاتحاد الأوروبي بالغة الحساسية حيث ترتبط ارتباطاً وثيقاً باتفاق الاستقرار والنمو الذي يعتبر الركيزة الاساسية للعملة الأوروبية الموحدة، وهو الأمر الذي دعا بعض المسئولين الأوروبين إلي التعبير عن استعدادهم لجعل الاتحاد الأوروبي «أكثر مرونة» عبر زيادة سقف العجز في الموازنة عن نسبة الـ %3 المقررة حاليا. وبينما اتفق وزراء مالية الدول الأعضاء علي ان تمتد الفترة المقررة لضبط الموازنة عامين آخرين، وتعهدوا بخفض العجز %0.5 كل عام، رفضت فرنسا قبول الاتفاق محتجة بالسيادة الوطنية .
هذه التطورات وغيرها تؤكد علي أن هناك اصراراً متزايداً علي استخدام السياسات المالية والنقدية لتجاوز أزمة الاقتصاد وتشجيع الطلب، حتي ان اعتزام المستشار الألماني شرودر تخفيض الضرائب، والذي يواجه معارضة كبيرة من قادة الحزب الحاكم والقيادات النقابية وجد ترحيبا من قبل الاقتصاديين الذين أكدوا ان تلك التخفيضات ستساعد الاقتصاد الألماني علي الخروج من أزمته المزمنة .
فهل تستطيع تلك السياسات الخروج بالاقتصاد من أزماته الهيكلية، والتغلب علي مشكلة انخفاض الطلب الاستهلاكي، وفائض القدرة الانتاجية، وتزايد معدلات البطالة؟ هذاما ستكشف عنه الفترة القادمة .
الافتـتـاحـية1.4 مليار دولار هي حصيلة البنوك من تطبيق القرار (506) أو اليقين الذي قطع به الدكتور محمود أبوالعيون محافظ البنك المركزي شكوك المشككين في جدوي القرار.. بالرغم من انه لم يكن المحرض عليه.. إلا انه يبقي أبرز المستفيدين !
فهو من جهة يضمن عدم المساس برصيد الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية الذي بات التصرف فيه من قبيل القرارات السيادية.. كما انه من جهة اخري يحصل علي المساندة اللازمة لدعم سياسة تحرير اسعار الصرف عن طريق استحواذ البنوك علي النسبة الغالبة من المعروض النقدي بالدولار لاستعادة زمام السيطرة علي السوق .
ومع ذلك فإن المفاجأة هي استمرار البنوك في رفع أسعار الدولار الذي في حوزتها والذي تحصل عليه ايضاً من العارضين الافراد أو غيرهم.. والمفاجأة ليست في السلوك نفسه.. فهو مبرر في ضوء سعي البنوك إلي تعظيم أرباحها.. وإنما في انقطاع اثر تلك الحصيلة الدولارية التي اضيفت إلي مواردها عن انتاج التداعيات اللازمة داخل السوق.. حيث تشارك هي رغم وفرة الحصيلة في المزايدة علي سعر صرف الدولار .
وعلي مدار ثلاثة أشهر ظل المتعاملون في سوق الصرف الأجنبي من مصدرين ومستوردين وشركات سياحة يرقبون ما وعد به الدكتور عاطف عبيد من تراجع أسعار الدولار داخل البنوك بعد امتصاص «صدمة» تحرير أسعار الصرف.. إلا ان ذلك لم يحدث حتي الآن بل ان لحظات الاستقرار المتباعدة ظلت عارضة ومنسجمة مع منحني العرض الذي لم تطرأ عليه زيادة ملموسة خلال هذه الفترة .
والسؤال الذي يحتاج إلي إجابة عاجلة الآن هو: كم تحتاج السوق المصرفية من الدولارات حتي تستقر أسعار عرضه بها؟ وإذا لم يكن هناك طلب نشط علي الدولار ما الجدوي في استمرار البنوك في المزايدة علي أسعار الشراء ؟
هناك إذن حلقة مفقودة في سير دورة النقد الأجنبي داخل سوق الصرف ـ برأينا ـ تتقدم في مستوي الأهمية علي تفعيل القرار (506) من حيث طبيعة آليات تطبيقه.. والحصيلة الناتجة عنه.. والتزام المعنيين بالامتثال له.. هذه الحلقة هي التي تحتجز اثر تلك الوفرة التي أعلن عنها المحافظ ـ وفي الفترة الراهنة يخرج «تجار العملة» من دائرة الاشتباه بأداء هذا الدور.. لأن السيطرة الأمنية علي السوق لاتزال قوية.. فضلاً عن تراجع حصتها من اجمالي التعاملات داخله .
هذه الحلقة التي لا نعتقد ان «المركزي» أو صانعي السياسة الاقتصادية بوجه عام في مصر يجهلونها.. هي خلق الطلب الفعال.. أو بعبارة أخري.. الدور الانسحابي للبنوك من المساهمة في تحقيق هذا الهدف باعتبارها غير مسئولة مباشرة عنه .
فهي عازفة عن ضخ الائتمان بالنقد الأجنبي.. وهذا لا تخفي اسبابه.. كما انها لا تكتفي بذلك فحسب وانما تمتنع عن زيادة معدلات الائتمان بالعملة المحلية بل وتتحفظ كذلك في الاستجابة لفتح الاعتمادات المستندية مما يؤدي إلي مزيد من ابطاء دورة النشاط واحتجاز اثر الوفرة الدولارية.. التي لا يمثل بقاؤها بالبنوك فترة من الوقت دون توظيف اية ضغوط عليها لأنها في ظل هذا الوضع تستفيد في نهاية المطاف من فروق أسعار الصرف بين الجنيه والدولار .
ولأن «المركزي» هو صاحب المبادرة علي هذا الصعيد من حيث طبيعة الولاية علي البنوك فهو مدعو إلي التدخل.. ولعل في ذلك ما يبرهن مجدداً علي فاعلية استخدام أدوات السياسة النقدية !
تنتعش هذه الأيام بين رجال الاقتصاد العقيدة التي تقول ان السياسات المالية والنقدية يمكنها ان تخرج بالاقتصاد من أزمة الركود، ففي الولايات المتحدة تتزايد الضغوط علي رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، آلان جرنيسبان، من أجل تغيير الاستراتيجية التي تبناها خلال سنوات رئاسته الطويلة للبنك الأمريكي والتي كانت تتركز علي التحكم في معدلات التضخم وعدم السماح بزيادتها بل والعمل الدؤوب علي تخفيضها. وتعاظمت هذه الضغوط إلي درجة وصف أساليب جرنيسبان بالانتهازية خلال حملته المتواصلة من أجل تخفيض نسبة التضخم والتي تمثلت في ترحيبه بالركود لأنه يؤدي إلي انخفاض الأرباح الموزعة بما يضغط علي معدلات التضخم، ثم يسارع إلي زيادة أسعار الفائدة في فترات الانتعاش اللاحقة قبل ظهور أي علامة علي ارتفاع مستوي التضخم. وفي حين نجحت هذه السياسات في تحقيق أهداف جرينسبان، يري الاقتصاديون الأمريكيون حاليا أنها لم تعد صالحة في ظل الركود الراهن، مؤكدين ان استراتيجية بنك الاحتياط الفيدرالي ينبغي ان تتجه نحو زيادة معدل التضخم وذلك من أجل ضمان فاعلية السياسة النقدية في مواجهة الأزمات التي تضرب مستوي الطلب الكلي، وينصحون بأن يرتفع معدل التضخم بما يكفي لكي يتلق الاقتصاد صدمة انخفاض الطلب دون السقوط في هاوية الانكماش، بينما ينقسم المسئولون في بنك الاحتياط الفيدرالي في الرأي حول اسباب الركود الممتد الذي يعاني منه الاقتصاد الامريكي فبعضهم يرجع هذه الأسباب إلي الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة ضد العراق ويستنتجون من ذلك ان الاقتصاد سوف يستعيد حيويته مع نهايتها، أما البعض الآخر فيؤكد ان أسباب الركود تعود إلي فائض القدرة الانتاجية وانفجار الفقاعة في بورصة الأوراق المالية بالإضافة إلي تزايد القلق تجاه معايير حوكمة الشركات، معربين عن قلقهم تجاه انخفاض معدلات النمو وزيادة البطالة وانخفاض معدل التضخم. وبينما يري الفريق الأول ضرورة استقرار أسعار الفائدة لدي بنك الاحتياط الفيدرالي عند مستوياتها الحالية يدافع الفريق الثاني عن ضرورة تخفيض سعر الفائدة علي المدي القصير، علما بأن أسعار الفائدة حاليا عند أقل مستوياتها منذ 41 عاماً .
وعلي الجانب الآخر دعا تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD إلي ضرورة تخفيض أسعار الفائدة في منطقة اليورو لتنشيط الاقتصاد الأوروبي، مشيرة إلي ان البنك المركزي الأوروبي سيكون عليه النزول بسعر الفائدة من %2.5 إلي %2 كحد أقصي لمساعدة الاقتصاد علي النمو، حيث انخفضت توقعات المنظمة حول معدلات النمو في منطقة اليورو هذا العام من %1.8 إلي %1 ومن %2.7 إلي %2.4 خلال العام القادم .
ومن ناحية أخري تخوض الإدارة الأمريكية حاليا صراعاً مريراً في الكونجرس من أجل تمرير خطة الرئيس جورج بوش التي تتضمن تخفيضاً كبيراً في الضرائب علي الدخل وعلي توزيعات الأرباح علي المساهمين في الشركات العامة، وهناك انقسام حاد بين الديمقراطيين والجمهوريين وداخل كل من الفريقين تجاه خطة الرئيس الأمريكي. وقد علق بعض الاقتصاديين الأمريكيين علي هذا الانقسام موضحين ان استخدام السياسة المالية بخفض الضرائب لتنشيط الاقتصاد فقدت مصداقيتها منذ زمن طويل غالبا لانها تأتي في وقت متأخر في معظم الأحوال. وبينما يؤيد بعض الاقتصاديين استخدام الحوافز الضريبية لتنشيط الاقتصاد، يشير آخرون إلي ان هذه السياسة، حتي وان حققت أهدافها علي المدي القصير تؤدي إلي تفاقم عجز الموازنة في السنوات اللاحقة، وهو ما يعد مخاطرة اقتصادية علي المدي الطويل .
ويشهد الاتحاد الأوروبي حاليا تزايد الضغوط التي تهدف إلي تخفيف القواعد الصارمة بشأن نسبة العجز في الموازنة المسموح بها للدول الأعضاء والتي لا تتجاوز %3 من اجمالي الناتج المحلي حيث قامت الحكومة الفرنسية بخفض الضرائب محققة عجزاً كبيراً في الموازنة خلال العام الجاري بهدف تنشيط الطلب الاستهلاكي، كما قامت إيطاليا بمد فترة السماح للمؤسسات التي تعجز عن سداد الضرائب، وقال اقتصادي في المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية، جوستاف هورن ان الاتحاد يطالب الحكومات بسياسات مالية متشددة من قبيل خفض الانفاق وزيادة الضرائب في وقت تنخفض فيه معدلات النمو، مؤكداً ان الاقتصاد يحتاج إلي سياسات عكسية تماماً حتي تستقيم أوضاعه وتعتبر السياسات المالية في دول الاتحاد الأوروبي بالغة الحساسية حيث ترتبط ارتباطاً وثيقاً باتفاق الاستقرار والنمو الذي يعتبر الركيزة الاساسية للعملة الأوروبية الموحدة، وهو الأمر الذي دعا بعض المسئولين الأوروبين إلي التعبير عن استعدادهم لجعل الاتحاد الأوروبي «أكثر مرونة» عبر زيادة سقف العجز في الموازنة عن نسبة الـ %3 المقررة حاليا. وبينما اتفق وزراء مالية الدول الأعضاء علي ان تمتد الفترة المقررة لضبط الموازنة عامين آخرين، وتعهدوا بخفض العجز %0.5 كل عام، رفضت فرنسا قبول الاتفاق محتجة بالسيادة الوطنية .
هذه التطورات وغيرها تؤكد علي أن هناك اصراراً متزايداً علي استخدام السياسات المالية والنقدية لتجاوز أزمة الاقتصاد وتشجيع الطلب، حتي ان اعتزام المستشار الألماني شرودر تخفيض الضرائب، والذي يواجه معارضة كبيرة من قادة الحزب الحاكم والقيادات النقابية وجد ترحيبا من قبل الاقتصاديين الذين أكدوا ان تلك التخفيضات ستساعد الاقتصاد الألماني علي الخروج من أزمته المزمنة .
فهل تستطيع تلك السياسات الخروج بالاقتصاد من أزماته الهيكلية، والتغلب علي مشكلة انخفاض الطلب الاستهلاكي، وفائض القدرة الانتاجية، وتزايد معدلات البطالة؟ هذاما ستكشف عنه الفترة القادمة .
الافتـتـاحـية1.4 مليار دولار هي حصيلة البنوك من تطبيق القرار (506) أو اليقين الذي قطع به الدكتور محمود أبوالعيون محافظ البنك المركزي شكوك المشككين في جدوي القرار.. بالرغم من انه لم يكن المحرض عليه.. إلا انه يبقي أبرز المستفيدين !
فهو من جهة يضمن عدم المساس برصيد الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية الذي بات التصرف فيه من قبيل القرارات السيادية.. كما انه من جهة اخري يحصل علي المساندة اللازمة لدعم سياسة تحرير اسعار الصرف عن طريق استحواذ البنوك علي النسبة الغالبة من المعروض النقدي بالدولار لاستعادة زمام السيطرة علي السوق .
ومع ذلك فإن المفاجأة هي استمرار البنوك في رفع أسعار الدولار الذي في حوزتها والذي تحصل عليه ايضاً من العارضين الافراد أو غيرهم.. والمفاجأة ليست في السلوك نفسه.. فهو مبرر في ضوء سعي البنوك إلي تعظيم أرباحها.. وإنما في انقطاع اثر تلك الحصيلة الدولارية التي اضيفت إلي مواردها عن انتاج التداعيات اللازمة داخل السوق.. حيث تشارك هي رغم وفرة الحصيلة في المزايدة علي سعر صرف الدولار .
وعلي مدار ثلاثة أشهر ظل المتعاملون في سوق الصرف الأجنبي من مصدرين ومستوردين وشركات سياحة يرقبون ما وعد به الدكتور عاطف عبيد من تراجع أسعار الدولار داخل البنوك بعد امتصاص «صدمة» تحرير أسعار الصرف.. إلا ان ذلك لم يحدث حتي الآن بل ان لحظات الاستقرار المتباعدة ظلت عارضة ومنسجمة مع منحني العرض الذي لم تطرأ عليه زيادة ملموسة خلال هذه الفترة .
والسؤال الذي يحتاج إلي إجابة عاجلة الآن هو: كم تحتاج السوق المصرفية من الدولارات حتي تستقر أسعار عرضه بها؟ وإذا لم يكن هناك طلب نشط علي الدولار ما الجدوي في استمرار البنوك في المزايدة علي أسعار الشراء ؟
هناك إذن حلقة مفقودة في سير دورة النقد الأجنبي داخل سوق الصرف ـ برأينا ـ تتقدم في مستوي الأهمية علي تفعيل القرار (506) من حيث طبيعة آليات تطبيقه.. والحصيلة الناتجة عنه.. والتزام المعنيين بالامتثال له.. هذه الحلقة هي التي تحتجز اثر تلك الوفرة التي أعلن عنها المحافظ ـ وفي الفترة الراهنة يخرج «تجار العملة» من دائرة الاشتباه بأداء هذا الدور.. لأن السيطرة الأمنية علي السوق لاتزال قوية.. فضلاً عن تراجع حصتها من اجمالي التعاملات داخله .
هذه الحلقة التي لا نعتقد ان «المركزي» أو صانعي السياسة الاقتصادية بوجه عام في مصر يجهلونها.. هي خلق الطلب الفعال.. أو بعبارة أخري.. الدور الانسحابي للبنوك من المساهمة في تحقيق هذا الهدف باعتبارها غير مسئولة مباشرة عنه .
فهي عازفة عن ضخ الائتمان بالنقد الأجنبي.. وهذا لا تخفي اسبابه.. كما انها لا تكتفي بذلك فحسب وانما تمتنع عن زيادة معدلات الائتمان بالعملة المحلية بل وتتحفظ كذلك في الاستجابة لفتح الاعتمادات المستندية مما يؤدي إلي مزيد من ابطاء دورة النشاط واحتجاز اثر الوفرة الدولارية.. التي لا يمثل بقاؤها بالبنوك فترة من الوقت دون توظيف اية ضغوط عليها لأنها في ظل هذا الوضع تستفيد في نهاية المطاف من فروق أسعار الصرف بين الجنيه والدولار .
ولأن «المركزي» هو صاحب المبادرة علي هذا الصعيد من حيث طبيعة الولاية علي البنوك فهو مدعو إلي التدخل.. ولعل في ذلك ما يبرهن مجدداً علي فاعلية استخدام أدوات السياسة النقدية !