
توقع مصرفيون ارتفاع وتيرة المواجهة بين البنك المركزى والضغوط التضخمية خلال العام الحالي، وذلك مع بدء تطبيق الحد الأدنى للأجور، وزيادة المعاشات، بالتزامن مع زيادة سعر صرف العملة الخضراء وصعود أسعار بعض السلع عالمياً.
وقال مصرفيون إن عدة عوامل مجتمعة، ستنعكس على المستوى العام للأسعار فى الفترة المقبلة، ومنها تطبيق الحد الأدنى للأجور الذى سيرفع من المعروض النقدى بالبلاد، مشددين على ضرورة تطبيق الحد الأقصى بالتزامن مع الأدني، للحد من زيادة المعروض النقدى وارتفاع الضغوط التضخمية.
واتخذ معدل التضخم مساراً صاعداً منذ أغسطس الماضي، ليصعد المعدل الأساسى المعد من قبل البنك المركزى من %8.9 إلى %11.9 نهاية نوفمبر الماضى، كما صعد المعدل العام للتضخم الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى %12.9 فى مقابل %9.7 نهاية أغسطس الماضى.
وأشار المصرفيون إلى أنه فى حال تساوى وفورات تطبيق الحد الأقصي، مع المتطلبات التمويلية للحد الأدني، فقد يتلاشى الأثر النقدى لزيادة الدخول، لافتين إلى أن زيادة الأسعار تأتى نتيجة ضعف الرقابة على الأسواق، حيث يرفع التجار الأسعار بمجرد الإعلان عن زيادة الأجور.
ولفتوا إلى أن التغير فى أسعار الصرف، المحرك الأساسى لمعدلات التضخم، خاصة فى ظل الاعتماد الكبير على استيراد السلع، ومستلزمات الإنتاج من الخارج.
وقفزت العملة الخضراء خلال الشهر الماضي، بنحو 7 قروش لتصل إلى 6.98 جنيه، مع مطلع عام 2014 لتكسر موجة التراجع، التى استمرت لأكثر من 3 شهور، إثر قدوم المساعدات الخليجية عقب 30 يونيو.
واستبعدوا تدخل البنك المركزى عبر رفع الفائدة، لامتصاص بعض الآثار التضخمية الناتجة عن العوامل السابقة، لافتين إلى أهمية الرقابة على الأسواق للحد من انفلات الأسعار، وأهمية الحفاظ على معدلات الفائدة الراهنة لدعم الاستثمار، وتقليل تكلفة خدمة الدين.
من جانبه توقع هانى محفوظ، مدير إدارة الخزانة ببنك الاستثمار العربي، أن تتأثر معدلات التضخم بشكل طفيف، جراء تطبيق الحد الأدنى للأجور، مشيراً إلى أن بدء تنفيذ قرار الحد الأقصي، بالتزامن مع الحد الأدنى سيحد من معدلات التضخم.
وقال إنه فى حال توجيه جزء من الفائض المحقق جراء تنفيذ الحد الأقصى لتمويل الأدني، فلن يرتفع المعروض بشكل كبير، مما يحد من الضغوط التضخمية الفترة المقبلة.
وأشار «محفوظ» إلى أن المستوى العام للأسعار بالسوق المحلية، يتخذ اتجاهاً صاعداً من قبل التجار، الأمر الذى دفع الحكومة خلال الربع الأخير من العام الماضي، للجوء إلى التسعيرة الجبرية، للسيطرة على القفزات السعرية غير المبررة، لافتاً إلى أن ارتفاع الدخول ليس السبب الأساسى بالضرورة لزيادة الأسعار.
وأكد أن التضخم سيوجه ضغوطاً حقيقية فى حال لجأت الحكومة لطبع النقود، وهو أمر مستبعد خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد موجة التفاؤل التى تسيطر على السوق، وعودة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ولفت إلى أن المستفيدين من ارتفاع الحد الأدنى للأجور يعتمدون بشكل أساسى على السلع التموينية التى توفرها الحكومة، الأمر الذى لن يخلق زيادة فى الطلب على السلع بالسوق.
وعن آثار ارتفاع العملة الخضراء مجدداً بالتزامن مع زيادة الدخول، على المستوى العام للأسعار، قال «محفوظ»: هذه المتغيرات ستنعكس على المستوى العام للأسعار، ولكن ليس بالقدر الكبير الذى يتصوره البعض.
وأشار إلى أن الحديث عن تدخل البنك المركزي، عبر رفع الفائدة لامتصاص بعض الآثار التضخمية سابق لأوانه، لا سيما أن الأولوية حالياً لتشجيع الاستثمار، متوقعاً زيادة حجم الاستثمارات عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وقال إن تراجع الفائدة لم ينعكس على معدلات الادخار بشكل كبير، وهناك شريحة كبيرة من المدخرين لا تجيد العمل بالتجارة أو استثمار أموالها، الأمر الذى يدفعها لإيداع مدخراتها بالبنوك مهما كانت الفائدة، فضلاً عن أن متوسط معدلات الفائدة التى تدور حول %8 مازالت مرضية.
وقال أسامة المنيلاوي، مساعد مدير إدارة الخزانة بأحد البنوك، إن تطبيق الحد الأدنى للأجور، وارتفاع المعاشات، بالتزامن مع التراجع الطفيف فى العملة المحلية، تزيد من احتمالية ارتفاع المستوى العام للأسعار فى الفترة المقبلة.
وأضاف أن زيادة الأجور ترفع من الطلب الاستهلاكى للأفراد، مما يدفع الأسعار للصعود ما لم يحدث تغير فى المعروض من السلع والخدمات خاصة مع تباطؤ معدلات النمو الاقتصادى.
وتابع: غياب الرقابة بالأسواق يدفع التجار لرفع أسعار السلع بمجرد صدور قرارات بزيادة الأجور أو العلاوات، الأمر الذى يؤدى إلى مضاعفة الأسعار، لافتاً إلى أن الأسعار ترتفع فى بعض الأحيان بأكثر من الزيادة فى الأجر، مما يؤدى لتراجع القوة الشرائية للأفراد.
وحدد بعض العوامل التى قد تحد من صعود معدلات التضخم الفترة المقبلة، أولها، ضرورة تطبيق الحد الأقصى للأجور بالتزامن مع الحد الأدني، لامتصاص جزء من الضغوط التضخمية، وتوجيه جزء من الفائض لتمويل الشرائح الأدني، لافتًا إلى أهمية اتخاذ قرار جرىء من الحكومة بالتطبيق على جميع الفئات.
ونوه إلى أن ارتفاع الأجور يزيد من شريحة واضعى ضرائب الدخل بما يوفر موارد للدولة، تمتص جزءًا طفيفاً من الزيادات فى الأجور.
وبسؤاله عن تمويل زيادة الحد الأدنى للأجور من المساعدات الخليجية وليس من ديون داخلية، قال: النتيجة فى النهاية واحدة، فهناك زيادة فى المعروض النقدي، وارتفاع الطلب على العرض، نظرًا لعدم زيادة الإنتاج، الأمر الذى قد يدفع الأسعار للصعود، مع ضعف الرقابة على الأسواق.
ولفت المنيلاوي، إلى أن زيادة الرقابة على الأسواق السبيل الأساسى للحد من ارتفاع المستوى العام للأسعار، خاصة السلع الأساسية، التى ستلتهم جزءًا كبيرًا من الزيادة، مشيرًا إلى أن ارتفاع الفائدة من قبل القائمين على السياسة النقدية، لم يفلح فى كبح التضخم.
وقال إن هناك صعوبة فى الاتجاه، لرفع الفائدة لامتصاص آثار الضغوط التضخمية، مشيرًا إلى أهمية استهداف زيادة معدلات الاستثمار، وتقليل تكلفة خدمة الدين، التى ارتفعت لمستويات قياسية الفترة الماضية.
واستبعد توجيه جزء من الزيادة فى الدخول إلى الادخار، لا سيما أن الشرائح التى ارتفعت أجورها تغطى بالكاد احتياجاتها الأساسية، لافتًا إلى أن الأجور لم تصل إلى مرحلة الرفاهية لاقتطاع جزء منها للادخار.
من جانبه يرى تامر يوسف، رئيس قطاع التجزئة المصرفية بأحد البنوك الأجنبية، أن التغير فى أسعار صرف الجنيه، هى المؤثر الأكبر فى معدلات التضخم، تليها أسعار السلع عالميًا، ثم يأتى لاحقًا المعروض النقدى.
وقال إن تطبيق الحد الأدنى للأجور، وزيادة المعاشات سيرفعان من المعروض النقدي، بما ينعكس على المستوى العام للأسعار، إلا أن تطبيق الحد الأقصى قد يؤدى لتلاشى أثر تلك الزيادة، خاصة إذا غطت وفورات الحد الأقصى الزيادة فى البنود الأخرى.
وأشار إلى أن الشرائح التى ارتفعت دخولها للحد الأدني، وكذلك المعاشات بنسبة %10، ستوجه معظم الزيادة للسلع الأساسية المدعم جزء منها بالأساس من الحكومة، عكس الشريحة العليا التى تعتمد على السلع المستوردة التى لم يتم احتسابها فى سلة التضخم.
ولفت إلى أن أسعار السلع عالميًا، ارتفعت مؤخرًا بنحو %1.3، بالتزامن مع ارتفاع الدولار أمام الجنيه، فى تعاملات الأسابيع الماضية، الأمر الذى قد يضغط أكثر على معدلات التضخم.
واستبعد توجيه جزء من زيادة الدخول للادخار، لافتًا إلى أن معدلات الادخار لن ترتفع فى ظل عدم توليد فرص عمل جديدة، والعمل على الحد من ارتفاع الأسعار، مشيرًا إلى أن دخول الأفراد ليست مرتفعة لدرجة اقتطاع جزء منها للادخار.