شريف عمر
تحاول الشركات العاملة فى السوق المصرية تحقيق أقصى استفادة ممكنة من التنمية الاقتصادية المرجوة، كما تركز على زيادة حجم الأعمال، إلا أن السؤال الأهم يبقى مطروحًا هل تتوافر لدى الشركات المدرجة فى البورصة السيولة اللازمة لتغطية تلك التوسعات؟
بداية نود الإشارة إلى أن نحو 60 شركة مقيدة نجحت خلال الفترة من يناير قبل الماضى فى زيادة رؤوس أموالها لتعزيز ملاءتها المالية، وبنهاية 2013 بلغت قيم زيادات رؤوس أموال 24 شركة بالبورصة 5 مليارات دولار، وأعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية عن وصول حجم الزيادات إلى نحو 18 مليار جنيه خلال العام الماضى، كما قاربت الزيادات نحو 5 مليارات جنيه خلال النصف الأول من العام الجارى.
ونُفذت تلك الزيادات من خلال الأرباح المرحلة، وتوزيع أسهم مجانية، بالإضافة للدعوة لاكتتاب عام لقدامى المساهمين، ووفقًا لهذه المشاهد، فإن عددا كبيرا من الأسهم المقيدة بات لديها سيولة جيدة لتغطية التزاماتها المستقبلية خلال العامين المقبلين، بعد الاستفادة من تيسيرات قواعد القيد باقتصار عملية زيادة رأس المال على موافقة الجمعية العمومية، والهيئة العامة للرقابة المالية.
وينتقل التساؤل الأهم فى المرحلة الحالية، حول قدرة سوق المال المحلية فى لعب دور محورى لتوفير تمويلات للشركات المقيدة فى حالة رغبتها فى الدعوة لاكتتاب عام، فى ظل تأثر البورصة بتراجع أسواق المال العالمية، بالتزامن مع التبعات السيئة لطرح شركة إعمار مصر للتنمية، والذى لم يحقق الآمال المطلوبة.
وشهد طرح إعمار مصر للتنمية فى البورصة حادثة لا تكرر فى أسواق المال، فالسوق انتظرت بحالة من التفاؤل تنفيذ الطرح، إلا أن السهم وبعد ساعات من بداية أول جلسة تداول، تم إيقافه لانخفاضه بنحو %10.
وبعد مرور شهر من الطرح، فاجأ المساهمون السوق برغبتهم فى رد %81.2 تمثل نحو 487.3 مليون سهم، من إجمالى 600 مليون تم طرحها باكتتابين عام وخاص، من خلال عرضها للبيع لصندوق استقرار سعر السهم، إلا أن الصندوق نفذ عملية الشراء لنحو 90 مليون سهم فقط- حده الأقصى المسموح به-.
وأحدث السهم جدلًا واسعًا بالسوق، بعد أن شهد تراجعات حادة، ليقترب من 2.20 جنيه، وهو أقل من قيمة الاكتتاب البالغة 3.8 جنيه.
وجاءت آراء خبراء سوق المال لتؤكد- بدون تردد- أن سوق المال المحلية لا تستطيع خلال الفترة المقبلة وعلى المدى المتوسط الوفاء بدورها التمويلى لصالح الشركات المقيدة، نظرًا للخسائر المالية الضخمة التى تكبدها المتعاملون فى فترة هبوط الأسواق العالمية، علاوة على تأثر نفسيات المتعاملين سلبًا بتزايد مخاطر الاستثمار فى الأسهم، ومحاولتهم البحث عن أوعية استثمارية أقل مخاطرة كالسندات على سبيل المثال.
واعتبر الخبراء أن الاقتراض البنكى أو الدخول فى شراكات جديدة، من أبرز البدائل المتاحة للشركات المقيدة للحصول على سيولة تغطى توسعاتهم، بدلًا من آلية الاكتتاب العام لقدامى المساهمين.
بداية، أبدى محمد متولى، نائب رئيس مجلس إدارة شركة إتش سى للأوراق المالية والاستثمار، عدم تفاؤله بقدرة الشركات المدرجة فى البورصة فى اللجوء لآلية زيادة رأس المال بصورة نقدية عبر سوق المال خلال الفترة القادمة، وبالتحديد حتى نهاية الربع الأول من العام المقبل.
وأشار متولى إلى أن أسواق المال العالمية تعانى حاليا من عزوف المتعاملين عن الاستثمار فى الأسهم لارتفاع المخاطر بسبب توقعات ركود الاقتصاديات العالمية، لذا يفضلون الاستثمار فى أذون الخزانة والسندات الحكومية.
وتابع: لا أنصح الشركات المدرجة فى البورصة المصرية بالدعوة لاكتتاب عام لزيادة رأس المال، نظرًا لانخفاض أسعار الأسهم المتداولة، والتى ستتزامن مع ارتفاع قيمة الأسهم المطروحة فى الاكتتاب بما قد يؤدى فى النهاية لفشل الاكتتاب، مثلما حدث منذ شهور فى اكتتاب شركات كأسيك للتعدين، والقلعة.
وكانت أسيك للتعدين «أسكوم» قد أعلنت عن قيامها بزيادة رأسمالها من 350 إلى 500 مليون جنيه، بزيادة 150 مليون جنيه، عن طريق إصدار أسهم زيادة برأس المال، تعادل طرح 15 مليون سهم، بقيمة اسمية للسهم قدرها 10 جنيهات.
ووافقت لجنة القيد بالبورصة على فتح باب الاكتتاب فى أسهم الزيادة خلال الفترة من 11 مارس الماضى إلى 6 أبريل الحالى، إلا أن الشركة أعلنت فى 15 أبريل أنه لم تتم تغطية الاكتتاب فى زيادة رأسمال الشركة بالكامل، وبلغت نسبة التغطية صفر%.
أعلنت شركة القلعة للاستشارات المالية، إنها لم تتلق اكتتابات فى زيادة رأس المال المصدر من 8 مليارات جنيه إلى 9.7 مليار جنيه وخلال الأسبوع الحالى أعلنت عن تغطية المرحلة الثانية بنحو %67.
وحصر نائب رئيس مجلس إدارة شركة إتش سى للأوراق المالية والاستثمار، الآليات الأكثر جاذبية أمام الشركات للحصول على تمويلات جديدة فى الحصول على قروض بنكية، أو دخول شراكات من مؤسسات مالية سواء محلية أو عالمية.
وعبر عن امتعاضه ورفضه للوضعية الاستثمارية الحالية للبنوك العاملة فى السوق المصرية، بعد أن وصلت نسبة استثماراتها فى القروض إلى %40 من إجمالى الاستثمارات، وهى النسبة المتدنية للغاية مقارنة بالأسواق العالمية، والتى تبلغ %80، لافتًا إلى أن البنوك دورها مساندة القطاع الخاص أكثر من تمويل عجز الموازنة.
ودخلت شركتا مدينة نصر للإسكان، وبالم هيلز فى تعاون مشترك لإقامة مشروع سكنى بقطعة أرض مملوكة للشركة الأولى، فى إطار محاولات إنعاش الأنشطة العقارية.
وعزز رأيه السابق، بالإشارة إلى أن البورصة ليست المكان المناسب لتمويل المشروعات القومية التى تطلقها الحكومات، من فترة لأخرى كتنمية محور قناة السويس، استصلاح مليون فدان ونصف، والمثلث الذهبى، بشكل يؤكد حالة الوهن التى تمر بها البورصة.
كما قال حسين عبدالحليم، العضو المنتدب للترويج وتغطية الاكتتابات بشركة سيجما القابضة للاستثمارات، إنه ببساطة فى حال توجه شركة ما مقيدة فى البورصة لزيادة رأسمالها عبر الاكتتاب العام للمساهمين، فإن سعر طرح الأسهم الجديدة سيكون أعلى بكثير من سعر تداول السهم الأصلى تأثرًا بالهبوط الجماعى للبورصة، وهو الأمر الذى يحكم بالفشل على مستقبل الطرح.
وأضاف: بعد معاناة المستثمرين سواء من الأفراد أو المؤسسات من المحليين أو الأجانب من الهبوط الجماعى لأسواق المال المختلفة، من الصعب إقناعهم بالاستثمار خلال فترة الهبوط بضخ مزيد من الاستثمارات فى الأوراق المالية التى يساهمون بها، لارتفاع المخاطر، بالتزامن مع تكبدهم خسائر تقلص ملاءتهم المالية.
ونوه عبدالحليم إلى أن الشركات المدرجة التى لديها خطة توسعية وترغب فى الحصول على تمويلات فى أسرع وقت، عليها مراجعة القوائم المالية، وفى حالة وجود سيولة مناسبة فى الخزينة، بالتزامن مع عدم وجود التزامات بنكية، فيجب عليها الدخول فى مفاوضات مع البنوك للحصول على قروض، كأحد الآليات المناسبة فى الوقت الراهن لتوفير التمويلات.
وأوضح أن المهتمين بالاستثمار على يقين بأن تمويلات سوق المال هى الأكثر تكلفة، بالإضافة لطول الفترة الزمنية المتاحة للحصول على السيولة، والتى تبدأ من إعداد دراسات جدوى معدة من إحدى شركات الاستشارات المالية، والانتظار لموافقة إدارة البورصة على الدراسة، علاوة على تنفيذ الطرح فى البورصة لمدة تقارب الشهر، وهى الإجراءات الطويلة نسبيًا.
وبناء على ما سبق، لخص العضو المنتدب للترويج وتغطية الاكتتابات بشركة سيجما القابضة للاستثمارات رؤيته بالتأكيد على صعوبة لجوء الشركات المدرجة إلى زيادة رأسمالها زيادة نقدية، بما يؤكد بشكل آخر على ضعف الدور التمويلى لسوق المال المحلية فى الآونة الأخيرة، لتأثره بعدد من الظواهر العالمية والمحلية، وانتشار الضبابية وعدم القدرة على توقع المستقبل الاقتصادى.
ورأى أحمد سالم، الرئيس التنفيذى لشركة بلتون لتداول الأوراق المالية، أنه من المؤكد تأثر البورصة المصرية بتراجعات البورصات العالمية، والقرارات الحكومية والقضائية التى طالت عددًا من رجال الأعمال، بالتزامن من تضررها من سيطرة المستثمرين الأفراد على النسبة الأكبر من التعاملات اليومية، وهو الأمر الذى يزيد من خسائر البورصة عند صدور أخبار أو قرارات تحمل فى طياتها ذعرًا للمستثمرين الأفراد.
وأضاف سالم من الناحية الواقعية، التوقيت الحالى غير مناسب على الإطلاق أمام البورصة للعب الدور التمويلى بأعلى مستوى، نظرًا للضربات العديدة التى تلقاها مستثمرو البورصة وأدت لتكبدهم خسائر مالية، بالإضافة لتعزيز تخوفاتهم من زيادة الاستثمار فى الأسهم لارتفاع مخاطر مواصلة الأسواق المالية للهبوط.
ونوه إلى أن شركته بلتون كانت تخطط للترويج لطرح شركة المتطورة لخدمات البترول للقيد فى البورصة مع بداية النصف الثانى من العام الحالى، إلا أنها فضلت تأخير ذلك، بسبب انخفاض أحجام التداول المعتاد خلال فترة الصيف، بالإضافة للحالة السيئة لنفسيات المتعاملين الأفراد والمؤسسات التى تمر بها البورصة بعد الاكتتاب الأخير لشركة إعمار مصر للتنمية.
وأكد أن التوقيت من أهم معايير نجاح الطروحات العامة فى البورصة، خاصة فى الطروحات التى تتم فى صورة زيادة رأس المال.
ونشرت المال فى أبريل الماضى تصريحات سالم، أن بنك الاستثمار بلتون يستعد لإدارة طرحين لشركتين تعملان فى مجال البترول والأخرى بلتون كابيتال، وذلك قبل نهاية الربع الثالث من العام الحالى، على أن تنفيذ الطرحين سيكون فى صورة زيادة رأسمال الشركتين، على أن تصل قيمة الطرحين لنحو 300 مليون دولار.
ومن جديد، أشار سالم إلى أن الحكومة بالإضافة للجهات الرقابية والمنظمة لسوق المال المصرية، عليها بذل مزيد من الجهود للحفاظ على الأسبقية الاستثمارية للبورصة فى المنطقة، ملمحًا إلى أهمية إعادة النظر من جديد فى السياسات الضريبية لتعاملات البورصة، علاوة على حل أزمة العملات الأجنبية، وتسهيل تحويل الأموال للخارج.
وشدد الرئيس التنفيذى لشركة بلتون لتداول الأوراق المالية على أن البورصة المصرية ما زالت تمتلك نوعًا من البريق الاستثمارى أمام المؤسسات العالمية المهتمة بالاستثمار فى الشرق الأوسط بسبب تنوع الأوراق المالية المقيدة، ولكنه أكد أن السوق ما زالت فى حاجة ماسة لمزيد من الجهود لتطوير وإعادة الثقة للمتعاملين.
وبدأ خالد أبوهيف، نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة التوفيق القابضة للاستثمارات حديثه، بالإشارة لبعض المشاهد الحالية بسوق المال المحلية، وأولها الانخفاض الواضح فى أحجام التداول، وتردى نفسيات المتعاملين بعد تكبدهم خسائر مالية، بالإضافة إلى سيطرة المسارات الهابطة على حركة أسواق المال العالمية، والتى ألقت بظلالها السلبية على السوق المصرية.
وتابع: هناك حالة من الضبابية تكتنف توقعات المستثمرين والأجانب حول رؤية الحكومة لأهمية سوق المال، ومدى رغبتها فى الاعتماد على السوق كإحدى الآليات المهمة لتحقيق التنمية الاقتصادية المنتظرة، وتوفير تمويلات لأى مشروعات مستقبلية.
وتطرق أبوهيف إلى الأزمة المزمنة التى قلصت من استثمارات الأجانب فى السوق المصرية، والتى تمثلت فى الإجراءات الدورية المتبعة من البنك المركزى لمنع خروج العملات الأجنبية، بالإضافة لتنظيم تداولها بالداخل، وهو ما مثل هاجسًا قاتلًا لتطلعات الأجانب فى السوق المصرية، ودفعتهم للانتظار لحين الخروج النهائى منه، وتحويل الاستثمارات لأسواق مالية أخرى ناشئة.
وتساءل بناءًا على الاعتبارات السابقة عن منطقية اللجوء لسوق المال بغرض الحصول على تمويلات للشركات المقيدة، مع الإشارة إلى الخسائر المالية التى يتكبدها المستثمرون، فمن قادر على التمويل؟.
وأكد، نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة التوفيق القابضة للاستثمارات، أن البورصة من الناحية النظرية قادرة وبقوة على توفير تمويلات لأى شركات سواء كانت صغيرة أو كبيرة، إلا أنه من الناحية الواقعية وبسبب عدد من العراقيل المحلية والخارجية، تقلص دورها التمويلى بشكل حاد.