أكد المهندس الاستشاري صلاح حجاب، الخبير العمراني، رئيس مجلس إدارة بيت الخبرة »صالح وحجاب«، أن السوق العقارية المصرية من الأسواق القوية والجاذبة لقرارات الشراء، لكن تعيبها العشوائية في التخطيط والبناء، وكانت النتيجة الحتمية لهذه العشوائية، هي الفجوة الواسعة بين معدلات الطلب المتزايدة وكميات المعروض، رغم وجود مشروعات عديدة قائمة بالفعل وتفتقد القدرة علي جذب العملاء.
|
صالح حجاب |
وأضاف »حجاب« أن %50 من هذه المشروعات فقط لو تم إنشاؤها، وفق دراسات جدوي حقيقية تهتم بمتطلبات العملاء التي تمثل الطلب الحقيقي علي العقارات، لما كانت مصر تعاني من الأزمة الإسكانية.
وأرجع »حجاب« هذه العشوائية المتبعة في تشييد المشروعات لرغبة المستثمرين في تحقيق هوامش أرباح مرتفعة، وهو ما يدفعهم لمخاطبة الشرائح التي تتمتع بدخول وقوي شرائية جيدة، رغم يقينهم أن هذه الشريحة تعد أصغر الشرائح في الشعب المصري، وأن غالبية الطلب الحالي والمدفوع بالطلب المتراكم تمثلها طبقتا متوسطي الدخل ومحدودي الدخل، ومن ثم ظهرت ثروة عقارية هائلة، لكنها ركزت علي الإسكان الفاخر أو السياحي، مما قلل من حجم مبيعات السوق.
وكان أصحاب معظم عمليات الشراء من طبقة مرتفعي الدخل.
أضاف »حجاب« أن هناك سلبية أخري من سلبيات المشروعات الفاخرة، التي اتسمت بها العديد من مشروعات هذا العام، وهي حرص الشركة المالكة علي إنشاء ملعب ذي مساحة شاسعة لممارسة رياضة الجولف، رغم اقتطاع هذه الملاعب مساحات كبيرة من حيز المشروع، وتكلفتها الباهظة في عمليات الإنشاء والمتابعة، خاصة أن ملعب جولف واحداً يحتاج يومياً 5 آلاف متر مكعب من المياه للري، أي ما يوازي استهلاك 5 آلاف وحدة سكنية في ظل عدم انتشار ثقافة ملاعب الجولف في مصر.
ففي دول أوروبا لا يتم ري هذه الملاعب من مياه الشرب، بل من مياه الصرف الصحي بعد معالجتها، ويتم دفع رسوم نظير الحصول علي هذه المياه.
وشرح »حجاب« أسباب تراكم الطلب في العقدين الأخيرين، والارتفاع السريع في معدلات الطلب، مقارنة بكميات العرض، بأن النظام الاقتصادي المصري في السبعينيات كان يعتمد في الأساس علي آلية الايجار في الحصول علي الوحدات السكنية، باستثناء القري في الأرياف ومحافظات الصعيد، حيث يمكن للأفراد تملك قطع أراض زراعية ويستطيع البناء عليها، إلي أن زحفت هذه الثقافة مدعومة بالانفتاح الاقتصادي في ذلك الوقت.. وتفشت ثقافة التمليك في جميع مناطق مصر، إلي أن أصبح تملك الوحدات السكنية علي رأس أولويات أي أسرة.
وأصبح من الممكن أن تخصص الأسرة معظم الدخل للحصول علي وحدة سكنية في الوقت الذي أوصت فيه الدراسات الاقتصادية بتخصيص %25 فقط من دخل الأسرة للسكن.
وأيد »حجاب« قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص المعروف بـ»P.P.P «، موضحاً أن القانون يجعل من شركات المقاولات ممولاً ومنفذاً في الوقت نفسه، وهو نظام لم تعتد عليه شركات المقاولات المصرية من قبل، وهو ما جعلها تحجم عن الدخول في مشروعات يتم تنفيذها بهذه الآلية، خاصة مع بطء الأرباح وتحكم وزارة المالية في معدل الربح، ووجود بعض الشروط التي تتطلب شركات قوية للقبول بها من أبرزها وضع حد أدني لقيمة عقود مشروعات البنية التحتية بـ100 مليون جنيه، وهو رقم تجد %95 من شركات القطاع صعوبة في توفيره، مما ينبئ بدخول العديد من الشركات الأجنبية للاستثمار في مشروعات هذا النظام، نتيجة النقص العددي الواضح في الشركات المصرية المؤهلة لدخول مشروعات البنية التحتية.
وطالب »حجاب« بتعامل منطقي مع المستثمر الأجنبي، وتذليل بعض العقبات التي تواجه دخول رؤوس الأموال الأجنبية للاستفادة من خبراته في هذه المشروعات التي تعد حديثة العهد علي الشركات المصرية، وفي الوقت نفسه عدم منحه أي مزايا إضافية عن الشركات المحلية، لضمان نزاهة المنافسة بين الشركات الأجنبية والمحلية.
وفيما يتعلق بخروج جميع مؤسسات القطاع العقاري إلي السوق القطرية بعد فوزها بتنظيم كأس العالم ورصد الحكومة القطرية 10 مليارات دولار للاستثمار في مجالي الإسكان والبنية التحتية، أوضح »حجاب« أن اتجاه بعض الشركات للاستثمار في الخارج يعود إلي الانفتاح الذي حدث بين الدول بشكل عام، فالمستثمر يبحث عن المكان الذي يجد فيه الربح المرتفع والعائد المستمر، كما أن شركات الاستثمار العقاري وشركات المقاولات وبيوت الخبرة تبحث دائماً عن الأماكن التي تعاني نقص الوحدات المتاحة، حيث الطلب المتزايد فيها وزيادة حجم الأعمال، خاصة في حالة عدم تمكن الشركات في تلك الدول من تغطية هذا الطلب، بالإضافة للدور الذي تلعبه سياسات هذه الدول لجذب الاستثمارات ولتشجيع هذه الشركات للاستثمار، من خلال اعفاء جزئي من الضرائب أو منح تسهيلات ومزايا، وكذلك تقليل تكاليف المواد الخام، التي تستخدم في المشروعات.
وفيما يتعلق بمكتبه الاستشاري، واستهدافه للسوق القطرية، قال »حجاب« إن المكتب يبحث حالياً عن شريك استراتيجي قوي له باع في الأسواق القطرية أو الخليجية علي أقل تقدير، علاوة علي دراسته عدداً من المحاور، مثل كيفية ضمان بيوت الخبرة والحصول علي مستحقاتها مع قدر هامش من الربح المحقق وطريقة المحاسبة الضريبية، والتشريعات المنظمة للاستعانة بالعمالة وأجورهم، وكل هذه الاستفسارات تزيد من أسهم الشركات وبيوت الخبرة القريبة من الأسواق القطرية، أو التي سبق أن اخترقت القطاع العقاري القطري.
وأكد »حجاب« أن السوق المصرية مؤهلة تماماً للخروج إلي قطر، فعدد المهندسين المقيدين بالنقابة 450 ألف مهندس، داعياً الجهات المختصة إلي توفير بعض المعلومات عن السوق القطرية التي تخدم كلاً من المكاتب الاستشارية وشركات الاستثمار العقاري وشركات المقاولات وتجار ووكلاء مواد البناء، للاستفادة القصوي من المركز المالي القوي لقطر، مثل إعداد شعبة مواد البناء باتحاد الغرف دراسة عن مواد البناء التي يمكن تصديرها وتسويقها هناك، إضافة إلي بحث الاتحاد المصري لمقاولي البناء والتشييد فرص شركات المقاولات هناك، ومحاولة مخاطبة الحكومة القطرية لاستقطاب حجم أعمال يضمن الاتحاد تنفيذه وفق الجداول الزمنية وبالجودة المتفق عليها، ويتم تسويق هذه الأعمال علي الشركات المصرية التي لم يتسن لها الخروج لقطر.
كما أيد رئيس مجلس إدارة صالح وحجاب، قرار وزارة المالية رقم 33 والخاص بتعديل الضريبة المستحقة علي المبيعات علي خدمة المقاولة، التي ينظمها القانون رقم 73 لعام 2010 ويقضي بزيادة الضريبة لتصبح %10 علي إجمالي الفارق بين إجمالي عقد المقاولة والمصروفات.
ووصف »حجاب« هذا القرار بالمنطقي، وأنه مطبق في معظم دول العالم، التي يفوق اهتمامها بحقوق المقاول اهتمام مصر بمراحل، مشيراً إلي معاناة قطاع المقاولات المصري من التهرب الضريبي المتفشي، وعدم وجود آلية أخري غير الفواتير تضمن حصول الخزانة العامة علي حقوقها كاملة والقضاء علي التلاعبات الضريبية نهائياً.
ونصح »حجاب« شركات المقاولات المحتجة علي القرار باستثمار أوقات الاحتجاج في توفيق أوضاعها مع القرارات الجديدة، والاقتداء بالشركات الكبري التي تصب كل أولوياتها علي خططها الاستثمارية وتنفيذ المشروعات المتعاقد عليها، وترك كل هذه المهاترات والاكتفاء بملاحظات المديرين الماليين عن تطورات القضية، والتحلي بالمرونة إزاء التكيف مع متغيرات السوق.
وأضاف »حجاب« أن مبررات الشركات المحتجة غير منطقية ولا تتسم بالواقعية، حيث تؤكد الشركات عدم تمكنها من تحصيل فواتير علي عمليات شراء المواد الخام اللازمة للبناء، وكأن المحاجر التي توفر هذه المواد تعمل دون أي تراخيص، في حين أن هذه المحاجر لا تستطيع العمل دون استخراج التراخيص اللازمة للعمل من هيئة المحاجر، التي غالباً ما تكون حق انتفاع لمدة سنة.