
نسمة بيومى:
أثار قرار الحكومة بالسماح للقطاع الخاص باستيراد الغاز دون مناقصات جدلاً واسعاً بين عدد من الشركات وخبراء قطاع البترول، ففى الوقت الذى أكد فيه البعض أنه لا توجد خيارات أخرى امام وزارة البترول للخروج من مأزق نقص المعروض وتزايد الاستهلاك إلا توجه المصانع الجديدة للاستيراد من الخارج ،طالب الفريق الآخر بإعادة تسعير التعاقدات القديمة ومعاملة الجميع بالاسعار العالمية، حيث أنه ليس من المنطقى بيع سلع أساسية مثل الغاز بسعرين مختلفين.
كان وزير البترول المهندس شريف إسماعيل قد كشف مؤخرا عن فتح الباب أمام القطاع الخاص لاستيراد الغاز الطبيعى لحسابه دون مناقصات للمرة الأولى من أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة.
وأوضح أن الشركات الراغبة فى الاستيراد ستوقع على عقد يتيح لها استخدام التسهيلات الخاصة بالوزارة من الشبكة القومية للغاز، مقابل «رسم مرور» جارٍ تحديده.
بداية أكد المهندس أسامة كمال، وزير البترول الاسبق أن سماح الحكومة للقطاع الخاص باستيراد الغاز مستهدف منه المصانع الجديدة، مضيفا أنه لا يوجد خيار حاليا إلا الاستيراد نظرا لتزايد استهلاك السوق المحلية ومحطات الكهرباء من الغاز الطبيعى.
ومن جانب آخر أكد الدكتور حمدى البنبى وزير البترول الاسبق أن البنية التحتية الحالية لا تسمح بتنفيذ ذلك القرار، حيث إن استيراد الغاز على صورة سائلة ثم تغييره مرة أخرى (تحويله من صورته السائلة إلى الغازية) ليسهل ضخه فى الشبكة القومية يتطلب تكاليف باهظة.
وأوضح أن تلك التكلفة لن يستطيع مصنع واحد تحملها بمفرده، لذلك لابد من تجمع عدة مصانع والاتفاق على الشراء على أن تدعمها وزارة البترول من النواحى الفنية وتساندها من خلال تحديث البنية التحتية اللازمة للاستيراد.
وقال البنبى إن تنفيذ ذلك القرار صعب للغاية ولابد من البحث عن بدائل أخرى ، نافيا تأثير أزمة نقص معروض الطاقة على الاستثمارات المستهدف جذبها حيث إن هناك دولاً عديدة لا تقوم بإنتاج الطاقة ولكنها تشرف على توفيرها للمستثمرين بالاسعار العالمية وفى توقيتات محددة.
وأكد المهندس أحمد الميقاتى عضو مجلس إدارة شركة جنوب الوادى للاسمنت أنه من المفترض أن تقوم الحكومة أولاً بإعادة تسعير ومراجعة التعاقدات القديمة، وفى هذه الحالة سيتم معاملة الجميع بأسعار واحدة ومن ثم سيتم تحميل تلك التكاليف على المستهلك النهائى.
وقال إن المصانع الجديدة لابد أن تقوم بإعداد دراسات جدوى عملها بناء على استيراد الغاز من الخارج وعدم توافره محليا، موضحا أن الاستثمارات الحقيقية الراغبة فى العمل بمصر ستقوم بتنفيذ ذلك القرار والتوجه إلى الاستيراد بدلاً من الانتظار.
وانتقد المهندس يسرى حسان، خبير البترول الدولى فكرة وجود سعرين مختلفين لسلعة استراتيجية مثل الغاز الطبيعى، الأمر الذى سيقضى على التنافسية بين الصناعات، مطالبا بإعادة مراجعة اسعار الغاز القديمة للصناعات، حيث إن السعر الحالى البالغ 6 دولارات لا يعد عادلاً مقارنة بالسعرالمستورد والذى سيتعدى 10 دولارات للمليون وحدة حرارية.
وقال إن ذلك القرار لن يشجع على الاستثمار بالصناعة بل على العكس، موضحا ان أكبر صناعات مستهلكة للغاز تتضمن الأسمدة والحديد والأسمنت، لذلك من الواجب التوجه إلى الصناعة الأقل تأثيرا بالمواطن ومطالبتها باستيراد الطاقة من الخارج والاستغناء عن الإمدادات المحلية.
واضاف أن صناعة الأسمنت تحديدا يستحوذ على استثمارها شركات أجنبية، ولا مانع من إلغاء تعاقداتها القديمة مع الحكومة لتوريد الطاقة والزامها بتوفير الغاز لمصانعها عبر الاستيراد ،مؤكدا أنه حتى فى حال تلويح تلك المصانع بالتوجه للتحكيم الدولى فلا يجب الاصغاء إليهم، حيث إن «الظروف القاهرة» التى تمر بها البلاد ستعفيها من أى غرامات أو جزاءات ضخمة.
وأشار إلى أن تلك الصناعة تستهلك يوميا ما يتراوح بين 450 و500 مليون قدم مكعب غاز طبيعى وفى حال تم توجيههم لمحطات الكهرباء سيتم حل أزمة انقطاع التيار دون الحاجة لاستيراد غاز لـ«الكهرباء» بأسعار عالمية. وأوضح حسان أن حل أزمة الطاقة فى مصر يلزمه تعاون الحكومة والمصانع والمواطن، حيث إن المستثمرين لابد أن يتنازلوا عن جزء من أرباحهم الخيالية ويتعاملوا مع منظومة الطاقة مثلما يحدث مع باقى دول العالم التى تستهلك الطاقة بسعرها الحقيقى غير المدعوم.
وطالب خبير البترول الدولى بسرعة تنفيذ مشروع الربط الكهربائى مع السعودية حاليا لاستغلال دعمها الملحوظ، فضلا عن حل أزمة الكهرباء على المدى الطويل.
وأخيرا شدد الدكتور مختار الشريف، الخبير الاقتصادى على ضرورة إيجاد الحكومة قواعد منظمة تسمح للمصانع الجديدة باستيراد الغاز دون مواجهة مشكلات تتعلق بالأمور الفنية أو منظومة العدالة والتوزيع داخل السوق المحلية.
وقال إن قرار السماح للقطاع الخاص باستيراد الغاز دون مناقصات راجع إلى افتقار الحكومة لسيولة وموارد مالية بالعملة الصعبة تمكنها من الاستيراد بنفسها، مضيفا ان ذلك القرار يعد بمثابة فرصة أمام القطاع الخاص لاثبات قدرته على مواجهة الأزمات ومشاركته المجتمعية فيها.
ولفت الشريف إلى أن تنفيذ ذلك القرار لابد أن يتم بالتوازى مع إطلاق حملة إعلامية وحوار مجتمعى يجمع الحكومة وجميع المصانع بحيث يتم توضيح الأزمة وتبعياتها وبيان أى خيارات أو مقترحات للتأقلم معها خلال الفترة المقبلة قبل الوقوع فى كارثة لن يمكن مواجهتها.