أن تعديلات الدستور التي تحدثنا عنها أمس تحتفظ لرئيس الجمهورية القادم بسلطات شبيهة بسلطات الرئيس الذي تخلصنا منه بثمن فادح دفعه شباب الثورة بمئات الشهداء وألوف المصابين، ومئات المخطوفين الذين لم يعثر لهم علي أثر بعد، وهل تلك التعديلات – المستعجلة – تعيد إنتاج نفس النوعية القديمة من رجال مبارك أمثال الجنزوري وعمرو موسي وغيرهما من الذين غيروا الجلود القديمة بملابس الثوار مع حماس أكثر يغطي علي التاريخ القديم لكل منهم، رغم الروائح!
ولأن ثورة عسكر، ظلت لأعوام كثيرة دون دستور بعد إسقاط الدستور الذي كان قائمًا في مصر قبل وصولهم، فإن الاستعجال بترقيع الدستور لم يكن له أي مبرر، ذلك أن الدساتير المصرية القديمة قد وضعت قواعد وأصولاً نستطيع الاهتداء بها طوال المدة التي يحتاج إليها دستور جديد يليق بالثورة فادحة الثمن التي قام بها المصريون شبابًا مع دعم كامل في كل الشعب بمن فيهم »العواجيز«، بل إن هؤلاء العواجيز كانوا بسبب التقدم في السن، أكثر شوقا للثورة التي عاشوا سنين ينتظرونها قبل الرحيل.
ورغم الأسابيع التي مرت علي ثورة تونس التي مثلت البداية، فما زال منظر »العجوز التونسي الطيب«، الذي الوقف يشاهد شباب تونس الثائر يحيط بمقر »الوزير الأول«، مطالبين برحيله ليقول ودموع تترقرق في عينيه ماسحًا رأسه بيديه: لقد هَرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية التي أراد الله أن نراها قبل الرحيل، فنظر هذا الرجل وكلماته البسيطة ما زالت تبكيني حتي اليوم، ذلك أن ما قاله كان كثيرًا ما يدور بخلدي مع كل صباح يطول به العمر الذي قضيته في »كلمة حق عند سلطان جائر«، وهي الكلمة التي لم نغيرها يومًا والتي كثيرا ما »تلطمنا« بسببها في معتقلات النظام وسجونه، ليطول بنا العمر لنشهد النهاية التي نغادر بعدها سعداء ومبتسمين!
يبقي بعد ذلك تساؤل يطوف بالنفس فور ترقيع الدستور، ألم يكن بقليل من الصبر والتأني، عمل جمعية تأسيسية تصنع دستورًا جديدًا يضمن إطلاق الحريات، وتعديل قوانين الأحزاب التي وضعها »صفوت الشريف«، وقوانين جديدة لممارسة الحقوق السياسية خلال عام أو عامين، يفرز خلالها الشعب قيادات جديدة وشريفة تفتح آفاقًا للمستقبل لشعب يستحق علي طول صبره خير الجزاء.
هل صحيح؟!
أن أنصار عهد مبارك سوف يستسلمون بسهولة إلي العصر الجديد، خاصة بعد محاولة اغتيال »عمر سليمان« فور حلفه اليمين نائبًا للرئيس، وهي المحاولة التي قتل خلالها »كل الفاعلين«، لم تصدر بشأنها نتائج أي تحقيق جري لا نعرف منه الجاني الحقيقي الذي قد يكون من بيت مبارك نفسه، أو المحرض علي المحاولة؟
..وهل صحيح؟
أن »زكريا عزمي« قد أعدم أوراق رئاسة الجمهورية بـ »مفرمة« الورق ما يصل إلي »طنين« من تلك الأوراق لتتوه أي محاسبة قادمة عن معلومات ووثائق تضمها تلك الأوراق، وإن وزير الخارجية »أبوالغيط«، قد أرسل إلي كل السفارات المصرية بالخارج برقيات سرية تتحدث عن أن مشاهد المظاهرات المصرية بميدان التحرير ليست أكثر من »ثورة عميلة« لإسرائيل ومعها حزب الله اللبناني، أليس هذان – عزمي وأبوالغيط – يمثلان الثورة المضادة ومعهما أشخاص كُثر بينهم وزير العدل القديم الذي أشرف علي أكبر عملية تزوير للانتخابات جرت فوق ظهر الكرة الأرضية؟ هل ترك كل هؤلاء وغيرهم في »البراح« دون اعتقال أو تحقيق لا يعتبر جزءًا من الثورة المضادة تم التغاضي عنها؟!
هل صحيح.. غدًا؟!