بعد مرور عامين على الطفرة الأولى للذكاء الاصطناعي التوليدي، لا تزال هذه التقنية تحتل مركز الصدارة في صناعة التكنولوجيا المالية، حيث تسعى الشركات جاهدة لدمجها في بنيتها التحتية لتحقيق ميزة تنافسية. وفي استعراض لتوقعات عام 2025، سلطت صحيفة “فينتيك تايمز” الضوء على أبرز الموضوعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في فبراير، مع التركيز على تأثير هذه التقنية على أتمتة العمليات الخلفية في القطاع المالي.
على الرغم من أن أتمتة العمليات الخلفية قد تحمل بعض العيوب إذا لم تُستخدم بشكل صحيح، إلا أن فوائدها لا تُحصى عندما يتم تطبيقها بفعالية. في هذا السياق، يلاحظ تشارلز كلارك، نائب رئيس مجموعة تحليلات التأمين في شركة “Guidewire”، أن الذكاء الاصطناعي أحدث تحولًا جذريًا في عمليات المكتب الخلفي لقطاع التأمين. ومع ذلك، يؤكد كلارك أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا عن البشر في عملية صنع القرار، بل أداة لتعزيز كفاءة العمليات.
وأضاف كلارك: “لقد وسّع الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي من دورهما في وظائف المكتب الخلفي مثل معالجة المطالبات، وكذلك في وظائف المكتب الأمامي مثل الاكتتاب. على مدار العامين الماضيين، ساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحليل المطالبات وتقييم تكاليف المخاطر، لكن تأثيره في المكتب الأمامي لا يزال أقل وضوحًا”.
أدركت شركات التأمين أن نموذج أعمالها يجب أن يظل مرتكزًا على الإنسان، خاصة أن العملاء يفضلون التفاعل مع أشخاص حقيقيين عندما يتعلق الأمر بقضايا مهمة. وأوضح كلارك: “الفرصة الحقيقية مع الذكاء الاصطناعي في معالجة المطالبات ليست في استبدال البشر، بل في تمكينهم من التركيز على الجوانب التي تتطلب التعاطف البشري. إذا منح الذكاء الاصطناعي معالجي المطالبات مزيدًا من الوقت للتفاعل مع العملاء، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة رضا العملاء بشكل كبير”.
وأشارت دراسة أجرتها “Guidewire” إلى أن 53% من عملاء التأمين في المملكة المتحدة يشعرون بعدم الارتياح لفكرة اتخاذ الذكاء الاصطناعي لقرارات تتعلق بقيمة مطالباتهم دون تدخل بشري. لذلك، يجب أن يتماشى التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي مع تحديد دور واضح للتدخل البشري في عملية صنع القرار.
مع نمو المؤسسات المالية، تزداد الحاجة إلى تفاعل أكثر فعالية مع العملاء. ومع ذلك، فإن عدم وجود تدابير أمنية قوية قد يؤدي إلى زيادة حالات الاحتيال التي تتجاوز قدرة الفحص التقليدي. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي، كما يوضح أندرو ستيدمان، كبير مسؤولي المنتجات في شركة “SBS”، التي تساعد القطاع المالي في التحول الرقمي.
قال ستيدمان: “يعمل الذكاء الاصطناعي على تحويل العمليات الخلفية التي كانت تعتمد بشكل كبير على المهام اليدوية التي تستغرق وقتًا طويلاً. في مجال الكشف عن الاحتيال، على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات في ثوانٍ للكشف عن الأنماط غير العادية والشذوذ في الوقت الفعلي”.
وأضاف: “باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن للبنوك تحديد الإيجابيات الخاطئة بشكل أكثر دقة، مما يسمح لها بإدارة المخاطر بشكل أفضل مع تقليل الحاجة إلى زيادة عدد المحققين. كما توفر أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية مكاسب كبيرة في الكفاءة من خلال أتمتة عمليات الإبلاغ التنظيمي والامتثال، مما يقلل من الأخطاء البشرية ويوفر الوقت”.
من جهة أخرى، يلاحظ توماس مولر، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “ريفيرو” للمدفوعات، أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في تسريع عمليات استرداد الأموال وحل النزاعات. وقال مولر: “بالنسبة للمستهلكين، لا شيء أكثر إزعاجًا من الانتظار لسنوات لحل قضية احتيال. بفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن للبنوك إعادة تخصيص الموارد بشكل أكثر فعالية، مما يوفر للمستهلكين استجابات أسرع وأكثر دقة”.
وأضاف: “لقد حولت الأتمتة العمليات اليدوية البطيئة إلى أنظمة سريعة وفعالة. في كثير من الأحيان، يكشف التحول الرقمي عن نفسه كواجهة رقمية تبدو حديثة، لكنها تخفي عمليات قديمة. الذكاء الاصطناعي يغير هذه الديناميكية بشكل جذري”.
يُظهر التطور السريع للذكاء الاصطناعي في قطاع التكنولوجيا المالية أن هذه التقنية ليست مجرد أداة لزيادة الكفاءة، بل هي عامل تحول جذري في كيفية إدارة العمليات الخلفية والتفاعل مع العملاء. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين الأتمتة والتدخل البشري لضمان استمرار الثقة والشفافية في القطاع المالي.
وأعرب رادها كريشنان سريكانث، نائب الرئيس الأول للهندسة والذكاء الاصطناعي في شركة “تايفون”، المزودة لحلول الخدمات المصرفية والمدفوعات الرقمية، عن تفاؤله بقدرة الذكاء الاصطناعي على تحسين كفاءة الموارد وتقديم حلول مبتكرة. وأكد سريكانث أن أحد أبرز تطبيقات هذه التكنولوجيا يتمثل في تحليل البيانات، الذي يُعد أداة قوية لتعزيز أداء المؤسسات المالية.
أشار سريكانث إلى أن المؤسسات المالية تتعامل مع كميات هائلة من بيانات العملاء، إلا أن المعالجة اليدوية لهذه البيانات تستغرق وقتًا طويلاً وتستهلك موارد كبيرة. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي، الذي يمكنه اكتشاف الاحتيال المحتمل في الوقت الفعلي وتحديد الأنشطة المشبوهة بمجرد حدوثها.
وأضاف: “لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على الكشف عن الاحتيال فحسب، بل يمكّن المؤسسات المالية أيضًا من تسويق منتجاتها بشكل أكثر فعالية. في الوقت الذي تستغرقه الطرق التقليدية لتحليل البيانات، قد تتغير احتياجات العملاء بشكل كبير. بفضل الذكاء الاصطناعي وفهم اللغة الطبيعية، يمكن تلخيص البيانات وتصنيفها وعرضها تلقائيًا، مما يوفر رؤى دقيقة حول سلوك العملاء واحتياجاتهم”.
يعمل تحليل البيانات المدعوم بالذكاء الاصطناعي على تحسين رؤية المؤسسات المالية لسلوكيات حاملي الحسابات واتجاهاتهم، مما يمكنها من توقع احتياجات العملاء وتقديم خدمات مخصصة بشكل أفضل. وأوضح سريكانث أن منصات الخدمات المصرفية الرقمية بدأت في دمج المزيد من الأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين تجارب المستخدم.
وعلى سبيل المثال، تعتمد منصة “nFinia” المصرفية الرقمية من “تايفون” على تقنية “Penni AI”، وهي خدمة مالية مدعومة بالذكاء الاصطناعي توفر دعمًا فوريًا للعملاء. تعمل هذه الخدمة على تبسيط تفاعلات العملاء وتقليل العبء على الموظفين من خلال خفض عدد مكالمات الدعم والاستفسارات.
بفضل تقنيات فهم اللغة الطبيعية، تقوم “Penni AI” بتوجيه المستخدمين بسلاسة خلال تجاربهم المصرفية، مما يُحدث فرقًا كبيرًا في كفاءة العمليات الخلفية. وأكد سريكانث أن هذه التطورات ليست سوى البداية، متوقعًا تسارع وتيرة الابتكارات في مجال التكنولوجيا المالية خلال الفترة المقبلة.
يُظهر استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي إمكانات هائلة لتحسين الكفاءة التشغيلية وتعزيز تجارب العملاء. من خلال تحليل البيانات في الوقت الفعلي وتقديم خدمات مخصصة، تُحدث هذه التقنية تحولًا جذريًا في كيفية تفاعل المؤسسات المالية مع عملائها، مما يعزز من قدرتها على المنافسة في سوق سريع التطور.