بين الياميش والمصريين قصة حب طويلة تمتد بجذورها إلي القرن الثامن الهجري، حين عرف طريقه إلي سوق السمكرية داخل باب زويلة «بوابة المتولي بالغورية»، الذي كان يعجُّ بأنواع «الياميش» و«قمر الدين» وكانت وكالة «قوصون» شارع باب النصر التي ترجع إلي القرن الثامن أيضا مقر تجار الشام ينزلون فيها ببضائعهم من الزيت والصابون والفستق والجوز واللوز والخروب.. ولما انتهت وكالة «قوصون» في القرن التاسع انتقلت تجارة المكسرات إلي وكالة «مطبخ العمل بالتمبكشية» بالجمالية، وكانت مخصصة لبيع أصناف النقل كالجوز واللوز ونحوهما.
وكان الياميش منذ حضوره الأول إلي مصر حكرا علي الأغنياء وأسرف أمراء الفاطميين والمماليك في استهلاكه بكميات وأنواع لا تحصي في شهر رمضان وتوزيعه علي الفقراء كعطايا مع الحلوي، وظل المصريون علي المستوي الشعبي حتي سنوات قليلة سابقة لا يعرفون سوي البلح وقمر الدين كمشروبات أساسية في رمضان.
خلال فترات ما بعد الثورة وحتي قبل عشر سنوات مضت ظل الياميش أحد المحرمات علي المصريين، اللهم إلا من كانوا يملكون رفاهية شراء المهرب منه من سوريا ولبنان وتركيا وباكستان والهند، حيث لاحقته قرارات حظر الاستيراد بوصفه إحدي السلع الاستفزازية التي كانت مرتبطة بقصور الملوك والأمراء، ثم لخفض ميزان الواردات التي اقتصرت لسنوات طويلة علي التسليح.
ومع عودة الياميش والمكسرات إلي السوق المصرية ظل التذبذب يطارد أسعاره، خاصة في السنوات الخمس الماضية التي عرف فيها الدولار طريق الارتفاع بلا هوادة، وتذبذبت الكميات التي استوردتها مصر من سوريا وإيران وتركيا وأمريكا، والهند والسودان وباكستان، في ظل ثبات منقطع النظير لأسعار البلح «ياميش الفقراء» الذي يعتمد علي الناتج المحلي منه.
هذا العام يشكو تجار الياميش من حالة كساد أصابت بضاعتهم قبل أيام قليلة من رمضان ويقولون إن هناك حالة من العزوف عن شراء المكسرات وقمر الدين وكافة الأنواع التي كانت تشهد زحاما في الأعوام الماضية قبل أن يرتفع الدولار وتنفلت الأسعار.
وأكد عدد من تجار الياميش أنه رغم اقتراب شهر رمضان إلا أن الإقبال علي الشراء ضعيف جدا ولا تزيد نسبة البيع علي %25 مقارنة بالعام الماضي، حتي الذين اتخذوا قرارا بالشراء خفضوا الكميات التي يحتاجونها إلي النصف، كما ابتعدوا عن الأصناف المعروفة بارتفاع ثمنها، فتكتفي الأغلبية بشراء كميات من البلح والتين المجفف وقمر الدين والابتعاد عن المشمشية والقراصية والمكسرات وغيرها من الأصناف المعروفة بأثمانها المرتفعة.
رجب العطار رئيس شعبة تجارة العطارة بالغرفة التجارية القاهرة، أكد أن الانخفاض في استيراد الياميش هذا الموسم وصل إلي %50 مقارنة بالموسم الماضي، وهو انخفاض متتال لواردات الياميش وهو ما يتضح من مقارنة أرقام هذا العام (حوالي 40 مليون دولار) بأرقام 2002 (80 مليونا) و(100 مليون لعام 2001).
أيضا ارتفعت الأسعار بنسب تتراوح بين 10 – %30 في ظل توقعات بانخفاض المبيعات، نتيجة لمجيء رمضان بعد شهر واحد من موسم دخول المدارس، كما أثرت ضريبة المبيعات الجديدة المفروضة علي واردات الياميش علي أسعاره، وكذلك الرسوم الجمركية، وارتفاع سعر الدولار الجمركي.
استيراد الياميش تأثر أيضا بوجود كميات كبيرة متبقية من الموسم الماضي ولم تنته صلاحيتها، كما لم تنفد في موسم المولد النبوي الشريف الذي يزداد فيه أيضا الطلب علي المكسرات، ويقوم التجار بعرض الياميش الراكد لديهم أولا، قبل طرح الجديد.
مصطفي زكي رئيس شعبة المستوردين بغرفة تجارة القاهرة أكد أن رقم الواردات من الياميش حتي نهاية مايو الماضي لم يتعد 8 ملايين دولار، تم استيرادها قبل القفزة الكبري للدولار، وهو ما يعفيه من المسئولية منفردا عن ارتفاع أسعار الياميش، مشيرا إلي أن التجار استغلوا ارتفاع الدولار لرفع أسعاره، بينما رجح أن يكون رقم الـ 40 مليونا لواردات الياميش يشمل ما تم استيراده وتخزينه قبل يناير 2003.