الخفض السادس لـ»الكوريدور‮« ‬يعكس إصرار‮ »‬المركزي‮« ‬علي توظيف أموال البنوك

الخفض السادس لـ»الكوريدور‮« ‬يعكس إصرار‮ »‬المركزي‮« ‬علي توظيف أموال البنوك
جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الأحد, 27 سبتمبر 09

محمد كمال الدين:

لم يكن الخفض الأخير الذي أقرته لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي علي مؤشر أسعار الفائدة الرئيسية بالسوق »الكوريدور« مفاجأة لمعظم مراقبي القطاع المصرفي، وإن كان الجديد في هذا الخفض هو نسبته التي لم تتجاوز 0.25 نقطة مئوية وهي النسبة التي لم يعتد البنك المركزي إقرارها سواء بالخفض أو الزيادة علي أسعار الفائدة طوال هذا العام.

وإن كانت محدودية الخفض تعكس مخاوف البنك المركزي من وجود بعض الضغوط التضخمية في المستقبل، إلا أنها ـ وفق رأي خبراء ـ تؤكد إصرار »المركزي« علي اتخاذ القرارات التي يري أنها في صالح خدمة الاقتصاد الكلي وهو ما لم يخفه »المركزي« في كل بياناته الصادرة عقب كل خفض أجراه علي أسعار الفائدة منذ فبراير الماضي، في ذات الوقت مازال القطاع المصرفي يعاني اختلالا واضحا ومستمرا في توظيفات البنوك لودائعها المتزايدة رغم إجراء 6 تخفيضات متتالية علي تلك الودائع لتصل في أحسنها إلي %8.25 كما هي الفائدة الحالية علي الإيداع لآجل ليلة واحدة لدي البنك المركزي، حيث تشير أحدث إحصاءات البنك المركزي لأداء القطاع المصرفي إلي الاستمرار في ارتفاع إجمالي الودائع بالقطاع حتي وصل إلي 820.175 مليار جنيه حتي يونيو الماضي ارتفاعا من 813.569 مليار جنيه في شهر مايو الماضي أي بزيادة قاربت 7 مليارات جنيه، بينما لم تتعد أرصدة الإقراض لنفس الفترة 429.957 مليار جنيه متراجعة من 431.158 مليار في مايو لتدفع معدل الإقراض والخصم بالنسبة لودائع القطاع المصرفي نحو التراجع إلي %53.1 في يونيو الماضي بدلا من %53.6 في مايو.

ويري خبراء أن إشكالية احتساب الفائدة داخل أروقة لجنة السياسة النقدية تتسع لما هو أكثر من النظر إلي عدم حدوث أي حراك ملموس في حركة الائتمان المحلي خصوصا الائتمان الموجه إلي القطاع الخاص وفقا لـ الدكتور حافظ الغندور، مدير عام البنك الأهلي الذي يري أنه لا أحد يستطيع الحكم علي جدوي القرارات المتعلقة بتسعير الفائدة داخل السوق سوي مسئولي لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي وفق ما يتوافر لديها من بيانات متشعبة وحقائق تمس جميع أطراف السوق.

ويؤكد الغندور أن أحدا من خارج لجنة السياسة النقدية لا يستطيع أن »يفتي« في تسعير الفائدة وفق تعبيره بسبب التشابك الحالي بين كل من السياسة النقدية والسياسة المالية للدولة وحجم البيانات التي تعرض علي تلك اللجنة والتي علي أساسها يتم النظر في تعديل أسعار الفائدة كل شهر، مضيفا أن السياسة الاقتصادية للدولة حاليا لما فيها السياستين النقدية والمالية لا تهدف إلا إلي تعظيم مستقبل الاستثمار المباشر لاسترجاع المكاسب التي افتقدتها الحكومة من وراء الأزمة المالية العالمية مذكرا بحجم الاستثمارات التي خرجت من الدولة والتي قدرها البنك المركزي في وقت سابق بـ 9 مليارات دولار خرجت من السوق في شهور قليلة.

ويوضح الغندور أن الالتفات إلي المؤشرات غير المشجعة لحركة الائتمان داخل القطاع المصرفي لن يحول دون الاستمرار في تلك السياسة التوسعية التي ينتهجها البنك المركزي، لافتا إلي أن ظروف العام الماضي عندما كانت تسمح للبنك المركزي بإقرار الفائدة المرتفعة علي ودائع وقروض العملاء لم يكن أحد يعترض عليها رغم أن تلك السياسة كانت تمثل سياسة انكماشية متعلقة بكبح جماح المخاطر التضخمية دون النظر إلي انعكاس ذلك علي مناخ الاستثمار النشط في ذلك الوقت، ويضيف أن النمو في حجم الائتمان أمر لا يتعلق وحده بعنصر الفائدة إذا ما نظرنا إلي جميع أطراف السوق الائتمانية من بنوك وعملاء ومناخ اقتصادي كلي.

ويفسر مدير عام البنك الأهلي القول بحتمية استمرار الاتجاه الهبوطي لأسعار الفائدة داخل السوق بقوله إن مسئولي السياسة النقدية أمامهم مناخ عام للاقتصاد الكلي يتسم بضعف الطلب علي السلع والخدمات وتراجع ملحوظ في مدخلات الدولة من عوائد وعملات أجنبية وما لحق بكل ذلك من سمة انكماشية ظهرت بوضوح في النصف الأول من العام الحالي، هذا بدوره ينعكس علي حالة عملاء الائتمان من وجهة نظره فيما يتعلق بحاجتهم الفعلية لطلب الائتمان، مشيرا إلي أن أي ظرف انكماشي داخل السوق يفرض علي العميل المنتج إرجاء أي خطط متعلقة بطلب الائتمان بغرض التوسع في الإنتاج وهو ما حدث بالفعل لدرجة أن كثيرا من هؤلاء أرجأوا خططهم التوسعية انتظارا لما ستؤول إليه الأوضاع السوقية حتي أن بعضهم لجأ إلي اكتناز السيولة المتاحة لديه في صورة ودائع بنكية، كل تلك الظروف يراها الغندور تؤدي إلي تراجع عرض الائتمان من جانب البنوك لاسيما أنه يري وجود دافع آخر لهذا التراجع خاص بالقطاع المصرفي ذاته الذي تغيرت هياكل ملكية مكوناته خلال العامين الآخيرين مع دخول أكثر من مستثمر أجنبي للعمل كبنك خاص أو فرع لأحد البنوك الأجنبية وما تبع ذلك من تغيير في استراتيجيات غالبية بنوك القطاع بالشكل الذي يجعلها تهدف إلي الربح أولا بصرف النظر عن الاستجابة لمتطلبات الاقتصاد الكلي، إلا أن الغندور يتوقع وجود ضغوط غير مباشرة من جانب البنك المركزي خلال الفترة المقبلة تهدف إلي إحداث حراك ملموس في الأسلوب المتبع من جانب البنوك لتوظيف ودائعها.

علي الجانب الآخر يؤكد عمرو كمال، العضو المنتدب لشركة انتجرا للخدمات المالية، وجود قصور حقيقي في طلب الائتمان من جانب العملاء متفقا مع الغندور في كون عنصر الفائدة ليس وحده المحفز علي تنشيط الائتمان داخل سوق، مشددا علي أن كثيرا من أصحاب رؤوس الأموال اضطروا لتأجيل خططهم التوسعية وما تبع ذلك من إحجامهم عن طلب القروض بضغط من الحالة الانكماشية التي مرت بها السوق خلال النصف الأول من العام.

إلا أنه مازال يري أسعار الفائدة الحالية » مكلفة جدا« وفق تعبيره إذا ما تم الأخذ في الاعتبار وجود أزمة سوقية خاصة بضعف الطلب علي السلع والمنتجات بالإضافة إلي عدم التزام غالبية بنوك القطاع بأسعار الفائدة التوجيهية التي يعكسها مؤشر »الكوريدور« وتعنت عدد من البنوك في منح التمويل لمشروعات مازالت قيد التخطيط ورغبتها في تمويل مشروعات قائمة بالفعل لافتا إلي أن معظم القروض الضخمة التي خرجت من القطاع المصرفي خلال الأربعة أشهر الماضية كانت معظمها موجهة إلي تمويل مراحل تالية من مشروعات استثمارية قائمة بالفعل.

وقام البنك المركزي بإجراء خفض سادس لأسعار العائد علي الإيداع والإقراض لديه في نهاية الأسبوع قبل الأخير من الشهر الحالي بواقع %0.25 لتصبح %8.25 علي الإيداع و%9.75 علي الإقراض، وقال »المركزي« في بيان إن معدل التضخم في المستوي العام لأسعار المستهلكين استمر في الانخفاض ليسجل أدني مستوي له خلال 20 شهرا ويصبح %9 في أغسطس الماضي مقارنة بـ %9.9 في الشهر السابق له، بينما ذكر البيان أن معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي للعام 2008/2009 قد سجل %4.7 وهو نمو »أفضل مما كان متوقعا« وفق تعبير »المركزي« في بيانه مشيرا إلي استمرار لجنة السياسة النقدية في اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لاحتواء التأثيرات السلبية علي الاقتصاد المحلي الناتجة عن الأزمة المالية العالمية.

جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الأحد, 27 سبتمبر 09