الجنيه علي قمة انهيارات عملات العالم أمام الدولار

الجنيه علي قمة انهيارات عملات العالم أمام الدولار
جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الأحد, 12 أكتوبر 03

رمضان  متولي:
 
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 أبي چورچ بوش الابن إلا أن يتسبب في فوضي سياسية في شتي انحاء العالم تقريبا، وذلك بغزوه لأفغانستان، ثم العراق ثم تهديد مجموعة من الدول الأخري مثل كوريا الشمالية وإيران وسوريا بعد تصنيفها تحت مسمي غامض وكريه أطلق عليه صقور إدارته «محور الشر».

 
ويبدو أن الدولار الأمريكي أبي هو الآخر إلا أن يكون محوراً للكوارث والأحداث الاقتصادية هنا وهناك في موجة عارمة من الجنون الذي لا يقل عن جنون بوش الذي أصابته العدوي من أبقار تكساس.
 
وقد لاحظت مجلة الإيكونوميست البريطانية أن الدولار منذ بداية عام 2003 انخفض أمام معظم عملات الأسواق الناشئة حيث تراجع بنسبة %24 أمام عملة جنوب افريقيا «الراند»، كما انخفض بنسبة تزيد علي %15 أمام عملات البرازيل وتركيا والارجنتين، وبنسبة %12 أمام اليورو.

 
وارتفعت أيضا أمام الدولار عملات أوروبا الشرقية وجميع العملات الأخري فيما عدا عملات كولومبيا، وبولندا والفلبين والمكسيك وفينزويلا، وكان الجنيه المصري هو أشد هذه العملات انخفاضا أمام الدولار.

 
حركة الدولار أمام العملات الأخري صعوداً أو هبوطاً لم تكن أمراً عرضياً بل إنها أحيانا انعكاس لحرب تجارية ضروس مثلما يحدث في الصين التي تتدخل في أسواق النقد بشراء الدولار حتي تحافظ علي انخفاض عملتها أمام العملة الأمريكية تشجيعاً للصادرات أو تعكس أزمة اقتصادية مركبة مثلما يحدث في مصر التي فشلت في السيطرة علي ارتفاع الدولار بسبب الخلل الهيكلي في بنية الاقتصاد من جانب والمضاربة علي الورقة الخضراء من جانب آخر.

 
فبرغم تحسن موقف ميزان المدفوعات في مصر خلال عام 2002/2003 نتيجة لانخفاض العجز التجاري وزيادة فائض الحساب الجاري إلي %2.3 من اجمالي الناتج المحلي، إلا أن هذه الزيادة ترجع في جانب منها إلي عوامل مؤقتة وعرضية مثل ارتفاع أسعار البترول وزيادة الحركة في قناة السويس بسبب حرب العراق، كما ارتفع الدين العام في مصر من %61 من اجمالي الناتج المحلي في يونيو عام 2000 إلي حوالي %78 في يونيو 2003 وترجع الزيادة في الدين العام إلي زيادة عجز الموازنة والاقتراض الحكومي لدعم شركات القطاع العام بالاضافة إلي ارتفاع قيمة الديون بالعملة الاجنبية بعد انخفاض الجنيه أمام الدولار حيث ارتفعت قيمة هذه الديون بنسبة %40 تقريبا من الاجمالي كما أن أعباء خدمة الديون في زيادة مستمرة حيث بلغت نسبة مدفوعات الفائدة من ايرادات الحكومة %16 خلال العام المالي 1998 ــ 1999 وارتفعت إلي %22 في العام المالي 2002 ــ 2003.

 
وقد أدي انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار إلي زيادة الصادرات غير البترولية ولكن بنسبة %6 فقط من اجمالي الناتج المحلي خلال عام 2002/2003 كما أن هذا القطاع مازال صغيراً مقارنة بالمعايير الدولية، وتعاني السوق المصرية من نقص شديد في النقد الاجنبي ورغم تعويم الجنيه إلا أن السوق الموازية مازالت موجودة حيث أن مصادر النقد الاجنبي محدودة بالاضافة إلي ارتفاع الدين الخارجي الذي بلغت نسبته %137 من متحصلات الحساب الجاري في العام المالي 2003/2002 وقد حاولت الحكومة المصرية الحد من ارتفاع الدولار بهذه الصورة الجنونية ووعدت بالتدخل لسد طلبات فتح الاعتمادات المستندية بقيمة 400 مليون دولار، ومع ذلك من المتوقع أن تتزايد الضغوط علي الجنيه المصري مع اقتراب شهر رمضان حيث يتزايد استيراد الياميش والطلب علي رحلات العمرة وبعدها الحج مما قد يساهم في ارتفاع الدولار وهذا ما ينتظره المضاربون.

 
وفي البرازيل أيضا ارتبط جنون الدولار بالعواصف السياسية والاقتصادية التي صحبت صعود الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا الذي كان يخشاه الجميع باعتباره محرضاً يسارياً ولكنه أصبح صديقا حميما لأنصار السوق منذ توليه السلطة في يناير 2003.

 
وقبل ذلك ببضع سنوات كان چوستافو فرانكو، رئيس بنك البرازيل المركزي سابقا قد تدخل في سوق النقد الاجنبي وانفق 40 مليار دولار من احتياطي النقد الاجنبي في محاولة فاشلة لوقف انهيار العملة البرازيلية «الريال» في عام 1998 و1999.

 
وعلي النقيض من ذلك خلال الفترة التي مضت من عام 2003 تدخلت وزارة الخزانة البرازيلية وقامت بشراء 5 مليارات دولار من الأسواق المحلية حتي توقف ارتفاع العملة البرازيلية أمام الدولار وسط تدفقات هائلة من النقد الاجنبي إلي البرازيل.

 
وترغب الحكومة البرازيلية في الحفاظ علي انخفاض الريال أمام الدولار لدعم القدرة التنافسية لصادراتها وتحقيق خطة الاحلال محل الواردات مما أدي إلي زيادة الفائض التجاري خلال الفترة الأخيرة وارتفاع فرصة تخطي العجز في الحساب الجاري خلال العام الحالي ولأول مرة منذ عشرة أعوام.

 
وفي نفس الوقت ترغب الحكومة البرازيلية في تخفيف الضغط علي الاحتياطي من العملة الاجنبية وزيادته لاقناع المستثمرين بأنها قادرة علي سداد التزاماتها حتي ولو لم تتوصل إلي اتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد نهاية العام الحالي وقد انخفض صافي الاحتياطي البرازيلي من النقد الاجنبي إلي 18 مليار دولار فقط مقابل 70 مليار دولار قبل محاولة البنك المركزي مواجهة أزمة ميزان المدفوعات في عام 1998، و35 مليار دولار بعد تعويم الريال.

 
ونتيجة لتدخلات الحكومة البرازيلية تحرك الريال في نطاق محدود خلال الفترة بين أول يونيو وأول أكتوبر الجاري بلغ %1.5 وهي حالة نادرة بالنسبة للعملة البرازيلية التي تعد واحدة من أكثر العملات تقلبا في العالم ورغم انكار التسمية دافع وزير الخزانة البرازيلي چواكيم ليفي، عن سياسة التدخل مؤكدا علي حق الحكومة في شراء وبيع الدولار في الأسواق مثل القطاع الخاص خاصة مع نظام تعويم الريال، وقد عانت البرازيل من هروب سريع لرأس المال قبيل انتخاب لولا داسيلفا، ولكنها عادت إلي جذب رأس المال مرة أخري بعدما أبدي لولا التزامه بسياسات السوق.

 
أما في المكسيك فقد تحرك الدولار في عكس اتجاه حركته في البرازيل مؤخراً حيث انهارت العملة المكسيكية، البيزو إلي مستوي قياسي أمام الدولار في نهاية الأسبوع الماضي، جاء هذا الانخفاض بعد تصريحات وزير المالية ورئيس البنك المركزي المتشائمة حول اداء الاقتصاد، بالاضافة إلي تخفيض مؤسسة موديز تصنيفها الائتماني لشركة بيميكس للبترول التي تملكها الدولة مما أدي إلي انخفاض البيزو أمام الدولار بنسبة %20 مقارنة بشهر أبريل من العام الماضي.

 
وقد أعربت الحكومة المكسيكية عن قلقها ازاء القدرة التنافسية للاقتصاد وقام وزير المالية بتخفيض توقعاته بشأن معدل النمو في اجمالي الناتج المحلي خلال العام من %3 إلي %1.5، كما اشار إلي احتمال انخفاض أسعار البترول بنسبة كبيرة مما سيؤدي إلي زيادة الضغوط علي العملة المحلية والموازنة العامة للدولة .

 
وعلاوة علي ذلك أصدر رئيس البنك المركزي تقريراً أشار فيه إلي مخاطر ضعف القدرة التنافسية للصناعة المكسيكية في المدي المتوسط، وقد فسر المستثمرون هذه التقارير بأنها تتضمن تحذيراً بإجراء اصلاحات هيكلية أو بتخفيض قيمة العملة لدعم الاداء الاقتصادي.

 
وقد بدأت السلطات المكسيكية في بيع الدولار عندما انخفض البيزو انخفاضا حاداً خلال الأسابيع التي سبقت غزو العراق في أوائل العام.. ولكن انخفاض البيزو يعكس أيضا أزمة حادة في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة فبعد عشر سنوات من توقيع اتفاقية النافتا بدأت العلاقات التجارية بين البلدين تعاني من التوتر الشديد، حيث تفجرت سلسلة من المنازعات التجارية بسبب جهود المكسيك للحد من دخول الصادرات الزراعية الأمريكية إليها، مما أدي إلي تصريحات وتهديدات عنيفة بالانتقام من قبل المسئولين الأمريكيين وأعضاء الكونجرس ومن ناحيتهم، بدأ المسئولون المكسيكيون ينتقدون سياسات الولايات المتحدة في دعم القطاع الزراعي وفرض قيود علي الصادرات المكسيكية  مثل تحديد مدة السماح لها بدخول الولايات المتحدة والمناطق التي تباع فيها.

 
وعلي الجانب الآخر من الكرة الأرضية تحتدم الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتي تتخذ صورة تدخل الصين في أسواق النقد من أجل الحفاظ علي انخفاض قيمة عملتها، اليوان أمام الدولار فبالإضافة إلي القيود الشديدة التي تفرضها الصين علي أسواق النقد، تقوم أيضا بشراء الدولار بكثافة حتي تحافظ علي القدرة التنافسية لصادراتها في الأسواق العالمية حتي بلغ العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين 103 مليارات دولار في عام 2002.

 
وقد قام وزير الخزانة الأمريكي چون سنو بعدة زيارات إلي الصين كان اخرها الأسبوع الماضي ليحثها علي السماح بارتفاع اليوان أمام الدولار الأمريكي بعد تقدم الشركات الصناعية الأمريكية بشكاوي للحكومة بسبب الواردات الصينية الرخيصة وأصرت بكين أنها لن تفعل ذلك إلا في الوقت وبالطريقة التي تراها ملائمة.

 
دفع ذلك عدداً من أعضاء مجلس النواب بالولايات المتحدة إلي التقدم يوم الأربعاء الماضي بمشروع قانون يعاقب الصين بفرض رسوم جمركية علي صادراتها إلي الولايات المتحدة لتعويض تدخلها في أسواق العملة حيث أكد أحد النواب أن انخفاض قيمة اليوان أمام الدولار يطرح المنتجات الصينية في الأسواق بأسعار تقل عن تكاليف الانتاج.

 
أما الولايات المتحدة فعمدت إلي تخفيض سعر الفائدة علي الدولار بنسبة كبيرة خلال الفترة الماضية في محاولة لتجنب مخاطر الانكماش الذي يهدد أرباح الشركات الامريكية وتسعي بشدة إلي تخفيض سعر الدولار أمام العملات الرئيسية الأخري حتي تشجع الصادرات الأمريكية وخاصة القطاع الصناعي وذلك علي عكس وعودها السابقة بالتزامها بسياسة الدولار القوي. وفي ضوء الركود الذي ضرب الاقتصاد العالمي، كانت سياسات العملة هي الشكل الذي تجلت فيه بوادر الحرب التجارية، وقد أوصي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الدول الآسيوية، وتحديداً الصين و(اليابان بدرجة أقل) بالتوقف عن التدخل لشراء الدولار زاعمين أن ذلك سوف يجنب الاقتصاد العالمي السقوط في هاوية الانكماش ولكن الصادرات الأمريكية فقط والشركات الأمريكية وحدها هي المستفيد الأكبر من انخفاض الدولار غير أن الكتل الاقتصادية الأخري من أوروبا إلي اليابان إلي الصين لا تتحمل انخفاض الدولار الذي تسعي الإدارة الأمريكية من خلاله إلي تصدير الأزمة الاقتصادية إلي الخارج

جريدة المال

المال - خاص

12:00 ص, الأحد, 12 أكتوبر 03