علي الرغم من ان التوريق العقاري يعد احد اهم الاساليب المستخدمة في الاسواق العالمية كوسيلة لتوفير السيولة اللازمة لمؤسسات التمويل العقاري الا انه لم يحظ بالمكانة نفسها في السوق المصرية حتي الآن، والسؤال هو: لماذا؟
المسلم به ان الاعتماد علي آلية التوريق يكاد يكون قد اقتصر علي البنك العقاري المصري العربي الذي طرح بالفعل شريحة من سندات التوريق بقيمة 500 مليون جنيه، ويستعد حاليا لطرح الشريحة الثانية بقيمة 750 مليون جنيه وذلك لتوجيه حصيلتها للتوسع في نشاط التمويل العقاري.
في هذا السياق اكد محمد صلاح سالم نائب رئيس البنك العقاري المصري -العربي ان الشريحة الثانية سيتم طرحها نهاية شهر مايو الجاري، او علي حد اقصي بحلول مطلع شهر يونيو، مشيرا الي ان المتوسط المرجح لعمر السندات يدور حول 6 سندات، وهو ما تم اخذه في الاعتبار عند التسعير نظرا لأن السندات يتم استهلاكها علي 17 قسطا غير متساوية كل 6 اشهر، علما بأن يسدد اول هذه الاقساط في 31 ديسمبر 2008، كما ان الكوبون الخاص بها ربع سنوي.
ومن المنتظر ان يحصل الاصدار الجديد من السندات علي نفس التصنيف الائتماني الذي حصلت عليه الشريحة الاولي التي بلغت قيمتها 500 مليون جنيه وهو AAA لمحفظة المديونيات التي يتم توريقها و AA للاصدار نفسه نظرا لانطباق نفس الضمانات والترتيبات الخاصة بالشريحة الاولي علي الثانية مشيرا الي ان التوقيت الذي تم تحديده هو الانسب لطرح السندات بعد ان كان البنك قد ارجأ طرحها بداية العام الجاري.
غير ان مراقبي الاسواق يدعون الي مزيد من الجهد والمتابعة من جانب القائمين علي القطاعات المالية لتنشيط آلية التوريق ودفع الاوراق، قبل المؤسسات علي الاقبال إلي الاستثمار في السندات التي يتم توريقها خاصة بضمانات عقارية، وذلك باعتبار ان التوريق هو الاداة التي تمكن الجهات الممولة من الاستمرار في السوق وخفض اسعار الفائدة في نفس الوقت، حيث يؤدي القيام بعمليات التوريق الي تجديد السيولة لدي الشركة او البنك بتحويل العقود التي ابرمتها مع العملاء الي سندات بضمان العقارات المرهونة لصالحها فتتولي بذلك السيولة الكافية لتمويل اعداد اخري من الافراد، بما يؤدي في نهاية المطاف لتنشيط سوق العقارات والمقاولات.
وفي ظل انخفاض اسعار الفائدة تتجه الانظار -كما يقول العاملون في القطاع- صوب التوريق كبديل ارخص امام شركات التمويل العقاري والجهات الممولة، ولكن يبقي السؤال مطروحا. كيف يتم تنشيط التوريق في السوق المصرية؟
يقول الدكتور محمد الصهرجتي خبير اسواق المال ان التوريق يعد احد اهم الوسائل الكفيلة بتوفير السيولة للشركات وذلك عن طريق تحويل الديون العقارية العادية الناشئة عن الاقتراض بغرض تمويل شراء او بناء او ترميم وحدة عقارية الي سندات تصدرها جهات متخصصة في التوريق، حيث تقوم شركات التوريق بشراء اصل الدين العقاري من جهة التمويل، علي ان تقوم باصدار سندات طويلة الاجل تتراوح مدتها بين 20 و 30 عاما وتعادل قيمتها نسبة معينة من اصل قيمة هذه العقارات، وذلك بعد ان يتم اجراء ما يعرف بالتصنيف الائتماني.
وبهذه الطريقة تطرح هذه السندات في سوق رأس المال للبيع للمستثمرين، وبمعني آخر فإن عملية التوريق يتم بمقتضاها -كما يشير الخبراء- تحويل القروض العقارية، وهي الاصول غير السائلة الي اوراق مالية قابلة للتداول، وبالتالي تمكن البنوك او شركات الاقراض العقاري من استرداد اموالها نتيجة بيع هذه الاوراق بالبورصة، بحيث يتم استخدامها في منح قروض جديدة، وبالتالي يعد التوريق من الادوات المهمة جدا لتوفير السيولة للشركات العاملة في مجال التمويل العقاري وكذلك الشركات العاملة عموما في مجال العقارات في التوريق -بهذا المعني- يكمل الحلقة القائمة بين شركات العقارات وشركات التمويل ومن الممكن ان تقوم هذه الشركات بعملية التوريق بنفسها او عن طريق وسيط ويشبه هذا النظام ما يقوم به البنك من تمويل الافراد الذين يرغبون في شراء اوراق مالية في البورصة، ويتم ضخها للمستثمرين مرة اخري.
ويضيف الصهرجتي ان التوريق يعتبر كذلك اداة مالية مضمونة باصول وعقارات، حيث توفر نوع من الضمان لمشتري الاوراق المالية وبالتالي فالتوريق يمكن ان ينشط سوق الاوراق المالية ويجتذب شريحة جديدة من المستثمرين تطلب ضمانات اعلي ومخاطر اقل اثناء ضخ استثماراتها الي سوق الاوراق المالية، يضاف الي ذلك ان التوريق تستفيد منه جميع الاطراف فمصدر الاوراق المالية يستفيد، والشركات ايضا تستفيد عن طريق توفير سيولة منخفضة التكلفة، شريطة تواجد جهات ذات خبرة كبيرة في عمليات التوريق وتقييم الاوراق المالية والاصول.
واشار خبير اسواق المال الي ان الاتجاه الحالي لاسعار الفائدة يدعم عملية التوريق لاسيما ان اسعار الفائدة تتجه الي الانخفاض وهو ما يتيح لشركات التمويل العقاري ان تستفيد من ذلك عن طريق الحصول علي سيولة كبيرة بتكلفة اقل او بسعر ينافس اسعار الفائدة لدي البنوك ولعل ما يدعم انجذاب الافراد للاستثمار في التمويل العقاري عن طريق التوفير هو العائد المرتفع الذي يحصل عليه العميل بدلا من استثمار امواله كودائع في البنوك.
كما يحقق التوريق التوازن بين العرض والطلب في سوق الاوراق المالية فالمستثمر في الوحدات السكنية امامه بدائل متعددة وليس بديلا واحدا كما كان الامر في السابق عبر البنك.
بيما اكد محمد صلاح سالم نائب رئيس البنك العقاري المصري -العربي ان وجود الضمانة العقارية يؤدي الي خفض اسعار الفائدة علي سندات توريق مديونيات التمويل العقاري خاصة ان هذه النوعية من السندات قليلة المخاطر الي حد بعيد، حيث تحصل الجهات الممولة علي سيولة منخفضة التكلفة بالنظر الي اسعار الفائدة في حال لجوئها للاقتراض من البنوك، بما ينعكس في النهاية علي اسعار فائدة القروض المتاحة للعملاء بالانخفاض.
يضاف الي ذلك ان التوريق ييسر مسألة تدفق التمويل لعمليات الائتمان بضمان الرهون العقارية، وبشروط واسعار افضل وعلي فترات سداد اطول، كما يساعد علي رفع كفاءة الدورة المالية الانتاجية وتسريع معدل دورانها عن طريق تحويل الاصول غير السائلة الي اصول سائلة لاعادة توظيفها مرة اخري.
واشار سالم الي ان ما سبق يساعد علي توسيع حجم الاعمال للمنشآت دون الحاجة الي زيادة حقوق الملكية الي جانب تقليل مخاطر ائتمان الاصول من خلال توزيع المخاطر المالية علي قاعدة عريضة من القطاعات المختلفة، وبالتالي يؤدي الي انحسار احتمالات تعرض المستثمرين للاخطار المالية، وانعاش سوق الديون الراكدة، كما يؤدي التوريق الي تنشيط سوق المال من خلال تعبئة مصادر تمويل جديدة وتنويع المعروض فيها من منتجات مالية وتنشيط سوق تداول السندات.
ويساعد التوريق البنوك علي تحقيق المعدلات المستهدفة لكفاية رأس المال وفقا لمعايير لجنة بازل العالمية، حيث يتيح لها هذا النظام تحويل تلك الديون الي جانب رأس المال في ميزانياتها كما يوفر التوريق ائتمانا يتميز بالمرونة والتنويع من حيث مدد السداد وطريقته وشروطه بالاضافة الي توفير عائد ثابت.
وتترقب السوق حاليا طرح الشريحة الثانية من سندات التوريق الخاصة بالبنك العقاري المصري العربي بقيمة 750 مليون جنيه، والتي ينتظر ان يتم توجيه حصيلتها الي نشاط التمويل بعد ان كان البنك قد قام بفرز محفظة القروض التي سيقوم بتوريقها، وبلغت 22 قرضا بقيمة 830 مليون جنيه بعد الحصول علي الرأي القانوني الذي اصدره مكتب الشلقاني وقرر قبل نهاية العام الماضي اصدار سندات بقيمة 750 مليون جنيه، كما حصل علي موافقة وزارة المالية علي حوالة الحقوق والضمانة الخاصة بمحفظة القروض لصالح حملة السندات المرتقبين، باعتبار ان وزارة المالية هي الجهة الضامنة لسداد القروض.
وبالنسبة لمحفظة التمويل العقاري التي تكونت حتي الان لدي الجهات العاملة في القطاع فقد بلغت نحو مليار جنيه ومن المنتظر ان تتلقي الشركة المصرية لاعادة التمويل اول محفظة لتوريقها خلال ثلاثة اشهر من الان علي ان تقوم بإقراض الجهات التي حولت لها المحفظة علي مدي زمني طويل يصل لنحو 20 عاما.
وقد تأسست الشركة المصرية لاعادة التمويل بمساهمات من نحو 19 بنكا، الي جانب البنك المركزي، وشركتين للتمويل العقاري، وصندوق ضمان ودعم النشاط لصالح منخفضي الدخل، ويبلغ رأسمالها نحو 213 مليون جنيه وحصلت علي قرض من البنك الدولي بنفس القيمة تقريبا بضمان الاموال المصرية فيه وتصل مدة القرض الي نحو17 عاما وجاءت مساهمة البنك المركزي في رأسمال الشركة بنسبة %20 لتمنحها الثقل اللازم في بداية نشاطها، خاصة انها سيتم تصنيفها ائتمانيا عند قيامها بعمليات التوريق.