أثار تمسك الحكومة بتحقيق مستهدفها بجذب استثمارات أجنبية بنحو 10 مليارات دولار، خلال العام المالي المقبل، رغم بلوغ حجم الاستثمارات الأجنبية المحققة، خلال الأشهر التسعة المنقضية نحو 4 مليارات دولار فقط، العديد من التساؤلات، حول قدرة السوق المصرية علي جذب الاستثمارات الأجنبية المستهدفة، خاصة في ظل صدور عدد من التقارير الدولية، التي تؤكد كفاءة السوق المحلية، في جذب هذه النوعية من الاستثمارات، وآخرها تقرير الاستثمار العالمي لعام 2010، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية »الأونكتاد«، الذي أكد أن مصر احتلت المرتبة الثانية في قائمة أكبر 10 بلدان تلقت استثمارات أجنبية مباشرة، خلال عام 2009، بنحو 7 مليارات دولار، بعد انجولا التي احتلت المركز الأول بواقع 13 مليار دولار في حين احتلت المركز رقم 31 علي مستوي العالم، بعد جنوب افريقيا التي احتلت المركز الـ 20 عالمياً.
|
نورا حلمى |
وعلي صعيد متصل أكد البنك الدولي أن مصر استطاعت مواصلة العمل بأجندتها المتمثلة في تحقيق اصلاحات اقتصادية واسعة النطاق، مشيراً إلي أن الاصلاحات التي نفذتها الحكومة ساهمت في جعل مناخ الاستثمار أكثر يسراً وسهولة، وهو ما أدي إلي استجابة قوية من القطاع الخاص، حيث تصدرت مصر قائمة الدول، التي تطبق اصلاحات في تقرير »ممارسة أنشطة الأعمال« لعام 2008، وساهمت البيئة المواتية والسيولة الإقليمية المتزايدة أكثر في إضفاء القوة علي الأداء الاقتصادي، وزاد النمو الحقيقي لإجمالي الناتج المحلي من %3.5 في المتوسط خلال السنوات المالية 2004/2001 إلي %7.1 في السنة المالية 2007.
علامات الاستفهام، التي خلفها الوضع السابق، تطرقت أيضاً إلي محاولة استنباط مدي قدرة هذه التقارير الصادرة عن مؤسسات دولية ذات ثقل في مجالي المال والأعمال، علي أن تساعد الحكومة المصرية للوصول بحجم الاستثمارات الأجنبية إلي 10 مليارات دولار خلال العام المقبل.
وتباينت آراء الخبراء حول مدي تأثير تقارير البنك الدولي، وتقرير الاستثمار العالمي لعام 2010 الصادر عن منظمة الأم المتحدة للتجارة والتنمية »الأونكتاد«، علي جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلي مصر، حيث انقسم الخبراء إلي فريقين، الأول يؤكد التأثير الإيجابي المترتب علي هذه التقارير، في زيادة الاستثمارات الأجنبية القادمة لمصر خلال الفترة المقبلة، نظراً لثقة المستثمرين الأجانب في هذه المؤسسات، التي تتسم تقاريرها بالحيادية والموضوعية، في حين يري الفريق الثاني أن تأثير هذه التقارير محدود، نظراً لثقة المستثمرين واهتمامهم بالدراسات التي تجريها بنوك الاستثمار، وليس البنك الدولي، بالإضافة إلي مدي تقديم الدولة تسهيلات للمستثمرين، وتهيئة المناخ الاستثماري بها.
ورشح الخبراء عدداً من القطاعات للاستحواذ علي نصيب الأسد في هذه الاستثمارات الأجنبية المتدفقة خلال المرحلة المقبلة، وأهمها قطاع الصناعات الغذائية، نظراً لاتساع حجم السوق المحلية، والمرتبط أساساً بالتعداد السكاني الكبير، الذي يصل إلي 80 مليون نسمة، بالإضافة إلي قطاعات البنية الأساسية والطاقة المتجددة، التي تحتاج إلي تمويل كبير.
وتباينت آراء الخبراء حول مدي تأثر قطاع العقارات بجذبه للاستثمارات الأجنبية، بشكل يتلاءم مع معدل نموه، الذي وصل إلي %13.6 خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث انقسم الخبراء أيضاً إلي فريقين، حيث يري الفريق الأول أن قطاع العقارات لن يتأثر بأزمة »مدينتي«، التي نتجت عن تعارض في بعض التشريعات، مبررين ذلك بتدارك الحكومة الموقف، بالإضافة إلي أن تخصيص الأراض منذ عام 2006 يخضع لقانون المزايدات والمناقصات، في حين يري الفريق الثاني أن قطاع العقارات، حتما سيتأثر بعدد من العوامل، أهمها توابع الأزمة المالية العالمية، بالإضافة إلي أزمة »مدينتي« الناتجة عن خطأ إداري من قبل الحكومة.
وعن مدي قدرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة علي اقتناص جزء كبير من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أكد الخبراء أنها تستطيع ذلك سواء بشكل مباشر، بدعم من التسهيلات التي تضعها الحكومة لهذه المشروعات أو بوجود بورصة النيل، كإحدي الوسائل المهمة للتخارج من هذه الشركات، أو بشكل غير مباشر عن طريق الاستثمار في صناديق الاستثمار، التي تستثمر في هذه النوعية من المشروعات، نظراً لضعف التكوين الرأسمالي لهذه المشروعات.
وفي هذا الإطار قال سامر صفوت، شريك »هيرمس« للاستثمار المباشر، إن صدور تقارير تشيد باستمرار مصر في تحقيق اصلاحات ا اقتصادية واسعة النطاق، من شأنه العمل علي زيادة الاستثمارات الأجنبية المتدفقة لمصر، ودعم الحكومة في تنفيذ مخططها الذي تهدف من خلاله لجذب 10 مليارات دولار خلال العام المالي المقبل، لافتاً إلي أن هذه التقارير تتمتع بمصداقية كبيرة لدي المستثمرين الأجانب، خصوصاً التقارير الصادرة عن البنك الدولي، أو تقارير الاستثمار العالمي، التي تصدر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية »الأونكتاد«.
وأشار صفوت إلي أن القطاعات الاقتصادية التي تعتمد علي أسواق الحجم وعدد السكان، هي التي تستطيع الاستحواذ علي نصيب الأسد من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المتدفقة، ومن أهمها قطاعا الصناعات الغذائية والدوائية، نظراً لاعتماد هذه الصناعات في تسويقها علي عدد السكان، حيث وصل عدد السكان في مصر إلي 80 مليون نسمة، بالإضافة إلي قطاعات البتروكيماويات ومواد البناء، نظراً لامتلاك مصر مزايا تنافسية بهذه القطاعات، حيث تعتبر أسعار الطاقة في مصر رخيصة، مقارنة بالدول الأخري.
وأكد شريك هيرمس للاستثمار المباشر، أن أزمة »مدينتي« التي حدثت، بسبب تعارض في بعض التشريعات، ستؤثر بالسلب علي قطاع العقارات، وعلي قدرته في جذب الاستثمارات الأجنبية إليه، وذلك رغم تحقيق هذا القطاع نسبة نمو عالية مقارنة بالقطاعات الأخري، في الاقتصاد المصري، حيث حقق هذا القطاع نسبة نمو بلغت نحو %13.6 خلال الربع الأول من العام المالي الحالي.
وعن مدي قدرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة علي جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها، قال »صفوت« إن قيام الدولة بوضع عدد من الآليات، التي تهدف لدعم هذه النوعية من المشروعات، نظراً لكونها المحرك الحقيقي للاقتصاد المصري، حيث إنها تساهم بدور مهم في التنمية، بالإضافة إلي تدشين بورصة النيل، التي تعد إحدي الوسائل المهمة للتخارج من هذه الاستثمارات، سيساهم بالضرورة في زيادة الاستثمارات الأجنبية المتدفقة لهذه المشروعات.
وكان البنك المركزي قد أعلن منذ أيام قليلة، عن تبنيه عدة آليات لدعم المشروعات الصغيرة و المتوسطة، منها إعفاء البنوك التي تمنح قروضاً وتسهيلات ائتمانية للشركات والمنشآت الصغيرة، من نسبة الاحتياطي البالغة %14، وذلك في حدود ما يتم منحه منها، وإنشاء وحدة متخصصة بالمعهد المصرفي المصري لخدمة البنوك، في مجالات إعداد الكوادر البشرية والفنية والتكنولوجية اللازمة لإنشاء إدارات متخصصة في تمويل تقديم الخدمات المصرفية للشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
من جانبها أكدت نورا حلمي، العضو المنتدب لشركة »النعيم« لإدارة صناديق الاستثمار، أن إصدار تقارير من مؤسسات دولية، مثل البنك الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، التي تشيد بالاصلاحات الاقتصادية في مصر التي نفذتها الحكومة، حيث ساهمت في جعل مناخ الاستثمار أكثر يسراً وسهولة، سيكون له تأثير كبير علي زيادة الاستثمارات الأجنبية المتدفقة لمصر، حيث تزيد هذه التقارير من ثقة المستثمرين الأجانب في قوة الاقتصاد المصري، نظراً لما تتمتع به هذه المؤسسات من ثقل في الاقتصاد العالمي.
وأشارت حلمي إلي أن قطاع الطاقة المتجددة يستطيع الاستحواذ علي جزء كبير من الاستثمارات القادمة لمصر خلال الفترة المقبلة، وذلك في إطار سعي الحكومة المصرية لإنتاج نحو %20 من احتياجاتها من الطاقة بحلول عام 2020، حيث أقامت الحكومة عدداً من المشروعات من هذا النوع مثل مزارع الرياح بخليج السويس ومحطة الكريمات لإنتاج الطاقة الشمسية.
وأضافت العضو المنتدب بشركة »النعيم« لإدارة صناديق الاستثمار، أن الاستثمارات الأجنبية المتدفقة لقطاع العقارات، لن يتأثر كثيراً بأزمة »مدينتي« التي نتجت عن وجود بعض التضارب والتداخل في التشريعات، نظراً لتدارك الحكومة الموقف، وإعلانها عن عدم تكرار مثل هذه الأزمة، نظراً لكون بيع وتخصيص الأراضي يتم منذ عام 2006 بالمناقصات والمزايدات، بالإضافة إلي أنه مازالت هناك فرص للتوسع العمراني في مصر، خاصة مع استمرار إعداد السكان في الزيادة.
وتوقعت حلمي أن ينجح قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، في جذب جزء لا يستهان به من الاستثمارات الأجنبية المتدفقة لمصر، خلال الفترة المقبلة نظراً لتمتع هذه المشروعات بمعدلات نمو مرتفعة، بالإضافة إلي استحواذ هذه النوعية من المشروعات علي ما يقرب من %51من الناتج القومي، وهو ما يدفع الحكومة لمنح المستثمرين بها عدداً كبيراً من التسهيلات والمزايا.
من جهته، قلل شريف سامي، العضو المنتدب لشركة مصر المالية للاستثمارات، من تأثير مثل هذه التقارير الصادرة من البنك الدولي، علي زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر، نظراً لكون هذه المؤسسات بعيدة عن مجالي المال والأعمال، لافتاً إلي أن المستثمرين يثقون أكثر في التقارير الصادرة عن بنوك الاستثمار، بالإضافة إلي دراسة الفرص المتاحة بالسوق المحلية ومدي ربحيتها.
ورشح سامي قطاعي الصناعات الغذائية والبنية الأساسية، بالإضافة إلي قطاع الطاقة البديلة، للاستحواذ علي جزء كبير من الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلي مصر، نظراً لكون قطاع الصناعات الغذائية يعتمد علي حجم السوق، والذي يرتبط بالتعداد السكاني للدولة، بالإضافة إلي القدرة علي تصدير المنتجات إلي الخارج، والذي تمتاز مصر فيه بموقعها الجغرافي القريب من القارة الأوروبية، مضيفاً أن قطاع البنية الأساسية أصبح مؤهلاً لاجتذاب حجم كبير من الاستثمارات الأجنبية، خاصة بعد إقرار مشاركة القطاع الخاص في هذه المشروعات، حيث إن الحكومة لديها العديد من المشروعات في عدد من المجالات، مثل مياه الشرب والصرف الصحي والطرق وتحتاج إلي الكثير من التمويل، لن تستطيع الحكومة توفيره بمفردها.
وربط العضو المنتدب لشركة »مصر المالية« للاستثمارات، بين مدي تأثر قطاع العقارات سلباً بشكل عام بأزمة »مدينتي« وقدرته علي جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليه وبين قدرة الدولة علي إصدار تشريع واضح، يضع السبل المختلفة لتخصيص أراضي الدولة، بالإضافة إلي وجود آلية واضحة لتسليم الأراضي للمستثمرين في أوقات متفق عليها بدلاً من التأخر في ذلك.
وقال سامي إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لا تستطيع جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إليها نظراً لصغر حجم التكوين الرأسمالي لهذه المشروعات، غير أنها من الممكن أن تجذب الاستثمارات الأجنبية بشكل غير مباشر عن طريق الاستثمار في صناديق الاستثمار، والتي تستثمر بشكل أساسي في هذه النوعية من المشروعات.
وأشار حسين عبدالحليم، خبير استثمار وأسواق المال، أن زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلي مصر، لا تتأثر فقط لمجرد صدور تقارير من مؤسسات دولية مثل البنك الدولي، ولكنها تعتمد علي عوامل أخري، أهمها الدراسات التي تقوم بها بنوك الاستثمار، عن الوضع الاقتصادي للبلدان المختلفة، بالإضافة إلي مدي قيام الحكومة بتقديم التسهيلات اللازمة للمستثمرين.
وتوقع عبدالحليم أن يستحوذ قطاع الصناعات الغذائية، إلي جانب قطاع الخدمات المصرفية، علي النصيب الأكبر من الاستثمارات الأجنبية المتدفقة، خلال الفترة المقبلة، نظراً لتمتع مصر بعدد من المميزات أهمها كبر حجم السوق المحلية بالإضافة إلي الزيادة المضطردة في عدد السكان.
وأشار خبير الإستثمار وأسواق المال، إلي أن أداء القطاع تأثر سلباً بتوابع الأزمة المالية العالمية، وهو ما أدي إلي تباطؤ نمو القطاع بشكل سلبي عالمياً، وبالتالي أثرت هذه الأزمة علي مدي قدرة القطاع علي جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إليه، بالإضافة إلي المشكلات التي واجهت القطاع بالسوق المحلية، خاصة أزمة »مدينتي«.
وأضاف عبدالحليم: إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لا تستطيع جذب قدر كبير من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمفردها، نظراً لقلة التكوين الرأسمالي لهذه النوعية من المشروعات، التي عادة لا تتعدي حاجز الـ3 ملايين جنيه، وهو رقم ضعيف مقارنة بأحجام الاستثمار الأخري، غير أنه يمكن الاستثمار في الصناديق التي تستثمر في هذه النوعية من المشروعات.