إذا كانت منظمة التجارة العالمية تتوقع أن يبلغ معدل نمو التجارة الدولية عام 2013 حوالى %4.5 مقارنة بـ %2.5 العام الماضى فإن القمة الاقتصادية العربية الثالثة التى تنتهى أعمالها اليوم الثلاثاء تناولت التجارة العربية البينية التى ما زالت تعانى الضعف رغم إبرام الدول العربية اتفاقيات للتجارة الحرة وتيسير التعاملات التجارية فيما بينها حيث توقف نموها وفق آخر احصائيات عند %10 فقط .
![]() |
وذكرت وكالة رويترز أن باسكال لامى، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، أكد أن هذا المعدل أقل من المتوسط الذى شهدته التجارة الدولية على مدى العشرين عاماً الماضية والذى تراوح بين 5 و %6 ، وإن كان هذا الانخفاض يرجع إلى الضغوط الاقتصادية التى تتعرض لها الحكومات والتى تدفعها لاتخاذ إجراءات ضد الاستيراد فإن التجارة يمكن أن تكون جزءاً من الحل واستعادة النمو الاقتصادى وتعزيز التنافسية وتوفير فرص العمل .
وتناول تقرير اقتصادى، نشر هذا الأسبوع، خلال انطلاق أعمال الدورة الثالثة للقمة العربية التنموية الاقتصادية الاجتماعية التى بدأت الإثنين فى العاصمة السعودية الرياض، أهم المعوقات التى أدت إلى تراجع التعاملات التجارية بين الدول العربية برغم تزايد تعاملات تجارية مع بقية دول العالم الأخرى .
ويرى التقرير أنه على الرغم من أن التعاملات التجارة العربية البينية شهدت نمواً كبيراً فى ظل مشروع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، فإن هناك العديد من المعوقات مثل غياب الشفافية والمعلومات حول التعامل أو التبادل التجارى بين الدول الأعضاء، خاصة فيما يخص الإفصاح عن جميع الإجراءات الإدارية التى تواجه التطبيق الفعلى للبرنامج التنفيذى لهذه المنطقة والسياسات الاقتصادية المختلفة التى تشكل عنصراً أساسياً فى عملية تنفيذ التعاملات التجارية فى المنطقة مما يؤدى إلى انعكاس سلبى يؤثر على مجرى التطبيق الفعلى للمنطقة، بالإضافة إلى التمييز فى المعاملة الضريبية، حيث هناك فرض الضريبة على السلع المستوردة تختلف نسبتها عن النسبة المفروضة على المنتج المحلى مثل ضرائب المبيعات وضريبة الاستهلاك وضريبة الإنتاج أو ضريبة القيمة المضافة، كما أن هناك حالات يتم فيها فرض رسوم مختلفة مثل فرض رسوم مطابقة للمواصفات مما يقلل فيها فرص المنافسة العادلة مع المنتج المحلى، بالإضافة إلى أن فرض رسوم الخدمات على شكل نسب مئوية من قيمة السلعة المستوردة ينتج عنه تأثير مماثل للرسوم الجمركية وبالتالى يؤدى إلى معاملة تمييزية للمنتج المحلى .
ويصف التقرير تلك المعوقات بأنها معوقات بيروقراطية وتعقيدات جمركية وضريبية تتبعها بعض الدول العربية وتشكل عائقاً أمام جذب الاستثمارات العربية والأجنبية للمنطقة العربية .
وبالرغم من تخفيض التعريفة الجمركية إلى الصفر فإنه لم يحقق زيادة فى التدفقات التجارية نظراً لعدم التزام الدول بإزالة جميع القيود الإدارية والنقدية والكمية بجانب تحرير السلع العربية من الرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل مما يشكل صعوبات أمام المستثمرين والتجار .
وهناك أيضاً القيود الكمية وغير الجمركية المتمثلة فى وجود قيود فنية خاصة بالاشتراطات فى الدول العربية مثل تعددية المواصفات للمنتج نفسه، وتعدد وتضارب الاجتهادات الإدارية فى تطبيقها مثل وضع العلامات واللاصقات على المنتج ودلالة المنشأ وأنواع العبوات وغيرها وتغيير فى المواصفات والمقاييس دون إشعار مسبق ومنع استيراد سلع معينة بحجة حماية السلعة الوطنية دون الحصول على استثناء .
ومن المشاكل الأخرى التى تواجه التجارة البينية بين الدول العربية القيود الإدارية وهى قيود خاصة بموضوع إعادة التثمين الجمركى وكثرة الوثائق الإضافية غير الضرورية التى تتطلب مع البضاعة ومشاكل النقل وإجراءات التخليص الجمركى وتكاليفها وكذلك الإجراءات المعقدة لفحص العينات والتخليص عند المعابر الحدودية، فضلاً عن القيود النقدية والمالية حيث إن بعض الدول العربية ما زالت لديها قيود على إجراءات التحويل وتعدد أسعار الصرف ومخصصات النقد الأجنبى كما يحدث فى مصر حالياً وتشدد فى إجراءات الائتمان ما عدا دول مجلس التعاون ومنها لبنان والأردن اللذان يفرضان قيوداً نقدية .
وهناك أيضاً المبالغة فى رسوم تصديق القنصليات على شهادات المنشأ حيث يتم تحصيلها فى بعض الدول العربية حسب قيمة الفاتورة، كما أن اعتماد أغلب اقتصاديات البلدان العربية على إيرادات الجمارك والضرائب لسد احتياجاتها المالية والتنموية من أكبر عوامل عدم تحقيق التعاون الاقتصادى العربى وتعزيز التجارة البينية .
ومن الغريب أن بعض الدول العربية تطلب استثناءات خاصة، منها التى طلبتها الدول وتضمن مختلف أنواع القيود الجمركية وغير الجمركية والرسوم والضرائب وعدم تطبيق التخفيض التدريجى على الواردات السلعية من الدول العربية مما جعل مجلس التعاون الخليجى يصدر فى دورته بتاريخ مارس 2002 القرار رقم 233 بالحد من طلب الاستثناء وجعله فى حدود لا تضر بالتطبيق، بحيث لا تتجاوز %15 من متوسط الصادرات ولمدة 5 سنوات فقط كما لا يجوز تطبيق أكثر من استثناء واحد للسلعة الواحدة أى أن السلعة التى تحصل على استثناء لا يجوز للدولة أن تطلب استثناءها مرة أخرى وألا يقع ضرر نتيجة التحرير التدريجى على السلعة التى يطلب لها الاستثناء .
وتؤكد التجربة التى مرت بها المنطقة أن الاستثناءات أدت إلى ما يسمى «العدوى السلبية » حيث قامت بعض الدول «والتى كانت فى الأصل قد حررت السلع المستوردة من الاستثناء » بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل .
وتتأثر أيضاً التجارة فى منطقة الشرق الأوسط بفرض الحظر على استيراد بعض المنتجات الزراعية حيث لجأت بعض الدول العربية إلى فرض الحظر على استيراد بعض المنتجات الزراعية من الدول الأعضاء وأثبتت التجربة العملية صعوبة تطبيق التحرير الشامل لتجارة السلع الزراعية، طالما أن الإنتاج الزراعى فى جميع الدول العربية يمثل نسبة مهمة فى اقتصادها ولم تلتزم بتطبيق نص تحرير السلع الزراعية والحيوانية سواء فى شكلها الأولى أو بعد إحداث تغيير عليها .
أما ضعف المقومات والبنيات الأساسية فى الدول العربية فقد شكل عوائق أيضاً لعل فى مقدمتها وسائل النقل البرى والبحرى والاتصالات وهذه الوسائل تكاد تكون منعدمة بين المشرق والمغرب مما يجعل التجارة بين جناحى الوطن العربى منعدمة ومتدنية وهذا ما يؤدى إلى تزايد التبادل التجارى العربى مع الدول المتقاربة جغرافياً وانخفاضه بين الدول البعيدة عن بعضها .
ومن بين العوائق الأخرى عدم تحديد قواعد المنشأ باعتبار أن التأخير الحاصل فى الاتفاق على قواعد المنشأ رغم الانتهاء من صياغة الأحكام العامة لها يترك انعكاسات سلبية على تطبيق المنطقة وبالأخص قضية الاستثناءات، الأمر الذى يتطلب الإسراع من الانتهاء فى تحديد قواعد المنشأ التفصيلية تحديداً دقيقاً للوقف والحد من التلاعب والابتعاد عن الأساليب غير المشروعة مثل الرشوة .
ولما كانت أغلب الدول العربية تعتمد فى عملياتها التجارية على الخارج حيث إن الصناعة العربية ضعيفة بالمقارنة مع باقى دول العالم حيث تحصل على المنتجات الصناعية من الدول المتقدمة، كما أن تشابه صادرات الدول العربية لأنها مواد أولية كالبترول والغاز الطبيعى والحديد وهى منتجات يتعذر زيادة صادراتها إلى الدول العربية الأخرى أدى ذلك إلى ضعف نسبة التجارة البينية العربية مع ضعف الهياكل الاقتصادية العربية من جهة وتشابهها من جهة أخرى، مما أدى إلى التخوف من فتح الأسواق العربية على بعضها، واستمرار بقاء الدول العربية على هامش النظام التجارى العالمى بنسبة متواضعة جداً من حجم التجارة العالمية للسلع والخدمات .
ومن ناحية أخرى هناك غياب واضح لتجارة قطاع الخدمات فى المنطقة رغم دعوة المجلس الاقتصادى والاجتماعى للدول العربية إلى مفاوضات لتحرير التجارة فى قطاع الخدمات، إلا أن ذلك ظل مقصوراً على خمس دول هى : المغرب، وتونس، ومصر، والأردن، وموريتانيا بقيمة إجمالية قدرت بحوالى 69.6 مليار دولار رغم أن لتجارة الخدمات أهمية بالغة فى النشاط الاقتصادى والاستثمارى ويؤدى تحريرها إلى زيادة التجارة فى السلع والخدمات وزيادة النمو الاقتصادى وفرص العمل .
ويطالب المحللون بإنشاء منطقة التجارة الحرة الكبرى باعتباره بداية الطريق نحو التكامل الاقتصادى العربى، أما الوصول إلى نهايته بنجاح فهو مرهون باستمرارية القرار السياسى والاقتصادى للمضى فى هذا الاتجاه وبالقدرة العربية على التخطيط السليم لتطبيق قواعد التقارب الاقتصادى العربى .
ولذلك يناقش القادة فى القمة الحالية مسودة مشروع الاتفاقية الموحدة فى صيغتها المعدلة بشأن الاستثمارات العربية فى الدول الأعضاء والضمانات اللازمة لحماية هذه الاستثمارات من جراء الإخلال بالالتزامات أثناء الحروب والطوارئ لتمثل تعويضاً عادلاً عما يصيبه من ضرر من الدول المضيفة .
ويقضى مشروع الاتفاقية بالسماح للدول الأطراف فى الاتفاقية وفى إطار أحكامها بانتقال رؤوس الأموال العربية فيما بينها بحرية وتشجع وتسهل استثمارها مع مراعاة التشريعات والأنظمة المتعلقة بالنشاطات المقننة وحماية البيئة .
ويؤكد مشروع الاتفاقية على الدول الأعضاء التعهد بحماية المستثمر والاستثمارات وعوائدها، وتتمتع رؤوس الأموال العربية فى الدولة الطرف بمعاملة عادلة ومنصفة فى جميع الأوقات، وألا تفرض أى متطلبات أداء أو قبول قد تكون ضارة بالاستثمار أو ذات أثر سلبى عليه أو التمتع به .
وينص على ضرورة تمتع المستثمر العربى بحرية الاستثمار فى إقليم أى دولة طرف فى المجالات المتاحة وفقاً للأنظمة والقوانين وذلك فى حدود نسب المشاركة فى الملكية المقررة فى قانون الدولة الطرف فيها كما يتمتع المستثمر بالتسهيلات والامتيازات والضمانات وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية .
وفقاً للتقرير فإن إيجاد سلطة فعالة فى إطار المجلس الاقتصادى والاجتماعى يؤمن الوفاء بالالتزامات من قبل الدول الأعضاء تنفيذاً للاتفاقيات والقرارات المتخذة ويعمل على إزالة كل القيود والعقبات غير الجمركية .
ويدعو التقرير هنا إلى توفير بيانات عن الأسواق وفرص التصدير والاستيراد والخدمات الملحقة من نقل وتخزين وترويج وتسويق والإسراع بخطوات إقامة الاتحاد الجمركى بين الدول العربية، بحيث يكون هناك تعريفة موحدة لكل الدول المنظمة لمنطقة التجارة مع العالم الخارجى .
ويوصى التقرير بأهمية أن تكون القيود غير الجمركية أكثر وضوحاً وشفافية من أجل العمل على إزالتها وذلك من خلال تحقيق الانسجام فى القوانين والتشريعات المطبقة فى كل دولة عضو بالإضافة إلى تحقيق ربط أفضل بين الأسواق المالية المحلية مع الأسواق المالية العالمية وتنسيق أفضل السياسات الاقتصادية بين الدول الأعضاء وضمان حرية حركة البضائع والأفراد ورؤوس الأموال .